الثلاثاء، 28 فبراير 2017

واحة نقدية في نظم ماهر الامين بقلم / الناقد كريم القاسم

واحة نقدية في نظم ماهر الامين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي طَوَّع الحروف للناطقين وأَيَّـد العربية بالقرآن المبين ، فجاء الكلام محفوفاً
بفنون أدبية باهرة كالدررِ واللآليء والجُمان الزاهرة ، فغاصَتْ اقلام الكاتبين في المنظوم
والمنثور وتزاحَمتْ معاني العقول كأجنحة الطيور ، حتى بَرزَ جميلُ الشعر وظهر فريد النثر
، فلقد اطلعنا على قصيدٍ واضحٍ جَليّ مشرق زَهيّ ، قد أجادَ (الأمين) في نسجه وإتَّقن
امتطاء سرجه ، حتى توافرتْ له من الألفاظ احلاها ومن المعاني انقاها ، فانتهج بواكير
النهج الصحيح ، واستدل ببيان الجزل الفصيح ، فهو وريث بيت ازهريّ شريف وصنو
حرف باذخ عفيف ، فأختارَ من الالفاظ أرشقها ومن المعاني أصدقها ، ومن الجزلِ أفصحه
ومن البيان أسحره ، وخاط َ القُماشةَ على قدر اجساد المعاني وزينها ببديع البيان ِ ، فزهرَ
زَنْد قصيده وتراكمَ سُنبل حصيده ، فـَحمَلَ الرُكبان لذيذ القوافي ، وطمعوا بمعرفة الخوافي ،
وهذا ما دعانا الى التجوال في فردوس (الامين) الشعري ، ووصف جمال سبكه الزهري ،
فالنقد لصيق القول الصريح ، والحق بَيـِّن بلا مديح .
ــ لقد وجدتُ في شعر الماهر (ماهرالامين) من الجمال والابداع ما جعلني احتاج الى اكثر
من عرض وطريقة تحليل وتقديم ، لكن لصغر المساحة المتاحة ، سأكتفي بالتقديم المكثف
المفيد ، رغم قلة مفرداته .
الشاعر(ماهر الامين) هو قلم ثابت الجنان ، متواضع ، نزيه ، ذو أدب ملتزم ، يعرف كيف
ومتى يسكب مداده ، حتى ابتعد عن مطولات القصائد لتناسب مستهلكات الزمن للقاريء أو
السامع . وجاء بنتاج شعري متنوع ومتلون المضامين والمعاني والافكار، حتى غرفَ من
كل عين والتقط اثمن اللـُجَين ، فعرض بضاعته التي راقتْ لكل من قَرأ ، ووجدته يستنبط
عنوان القصيدة ، بمهارة ورجاحة عقل ، فمرة يختار أول كلمات المطلع ـــ لوثوقه في
مطلعه ـــ ومرة يستنبط كي يجذب الذهن لمعرفة ما بعده ، ثم يبدأ بمطلع يكاد ينطق ، ويأتي
بمقطع مترابط غاية في الدقة والرصف ، حتى يأخذ كل بيت برقاب البيت الاخر ، الى ان
ينتهي بخاتمة متماسكة ، تنحو منحى الحكمة . والكاتب الناجح هو من أجاد المطلع
والمقطع . وهذا ما تَـوَّجَ قصائده بقوة السبك والحبك . وهو لايعرض نصاً الابعد فحص
وتدقيق وتهذيب ، وهذا مايغفل عنه الكثير في الوقت الحاضر ، وما قصيدة (ياحادي العيس )
إلا دليلاً لرقي مَلَكَته ، ونبيل حرفته ، وما زال متطلعا ً الى سمو الهدف ، ورزانة الأداء ،
وما نَثرُنا لهذه الكلمات ، الا لصدق عهد ووضوح بند ، ومسؤولية حرف ، وتاريخ قلم .
نبارك لشاعرنا الرائد ، والقلم المهذب الرصين ... هذا الجهد ، وهذه المَلَكَة ،
والحمد لله رب العالمين . 





 .....................................
القصيدة
(يا حــــادي العيــس)
ماهر الامين
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يا حَـــادِيَ العِيْسِ نَاحَتْ عِنْدَنَا طَلَلُ …. فارْفُـقْ بِهَـا قـدْ مَضَـتْ تَـدْعُـوْ وتَبْتَهِـلُ
واسْتغْفِـرِ الذّنْـبَ للأطْــــــلَالِ رَوَّعها .… صَـرْفُ السِّنيْـنِ وذاكَ الخَطْـبُ والبَـدَلُ
كُنَّـا وكانـتْ فلا قَلْـبٌ ترفَّقَهـــــــــــا …. أو صَـانَ عَهْــــدًا لها نَــادَتْ بـهِ الرُّسلُ
تـَقَاَذَفَتْهَـا العَــــوَادِيْ وهْيَ شاخِصَةٌ …. رُوْحٌ مِنَ الأرضِ بالأرواحِ تَتَّصِـــــــــــــلُ
هِـيَ الطُّلــــــــــوْلُ أقامَ الجَوْرُ مَحْفَلَهُ .… بِها وغنَّى لهُ فـــــي حِـجْـرِها وَجِـــــــلُ
هِـيَ الدِّيَــــــارُ دِيَارُ العُـرْبِ أجْمَعِها .… نَاحَـتْ حِجَارتُهــــــــــا والأرْضُ والطَّلَلُ
آهٍ وآهٍ صـــــــــــــــدَاها رجْعُهُ وجَعٌ …. وألفُ آهٍ علَى الأطــــــــــــــلالِ يا رجُـلُ
ترْكتُ قَوْمِــي وجِئْتُ العِيْسَ أُسْمِعُها .… بَثَّ المَــــــــــوَاجعِ ِلا ألْــوِيْ ولا أَصِلُ
على جبيْنــي وُسُومٌ ساءَ مِيسَمُهَا .... وفِي ضُلــوعِي هَشيْمُ النَّـــارِ يشتَعِلُ
إذا سَكَتُّ فَإِنِّــــــــــي قَابِضٌ كَبِدِيْ .... وإِنْ نَطَقْتُ فَإنِّــــــــــــــــيْ بَاسِطٌ جَزِلُ
هلْ أقْـفَـرَتْ قَـدَمًـا حتّــى تَبَـوَّأَهَـا .... مَـــــنْ لا يُـعَـدُّ لـهُ وزْنٌ ولا ثِقَـلُ؟
حتّى اعْتَلاها الــذي قد ساءَ طالِعُهُ .... وصَارَ في رَبْعِهَا يمشِي ويَنْتَقِلُ؟
ألا نُصَـادِفُ مَنْ يَأسَى لِكَبْـوَتِنَـا …. يَذُوْدُ عَـنْ حَــوْضِنَـا ذَوْدًا ويَقْتَتِـــــــلُ؟
هذا صديـــقٌ لنَا ساءَتْ سَرِيْرَتُهُ .… وذا أخٌ قدْ بَـدا فِـــــي عَيْنِـهِ الحَـوَلُ
فــلا يَضِيْــرُكَ إلا ثَلَّـةٌ نَفَــرَتْ .... ولا يَغِيْظُـــــــــــــكَ إلا مُفسِـدٌ دَغِـلُ
مَشَى بِها فَرِحًا يَعْلُـــــوْ بِسَوْءَتِهِ .… واخْتَالَ فِــــــــي زَهْـوِهِ يَفْرِيْ ويَبْتَذِلٌ
تخـالف الناس في قــول وفي عملٍ .... فلا يغُرّك أن الرَّكب مُكتمِــــــــــــلُ
يا حَـادِيَ العِيْسِ سَلْ تَعْرِفْ شَمائِلَنَا .… أنْدَى الشَّمَـــــائِلِ أزْكَاهَا فَمَنْ يَصِلُ
(لمْ نبْلغ المَجدَ إلّا عَنْ مُكَاَبَــــدَةٍ) .… ولـمْ نَحُـزْ قَـدَمًا إلّا وقـدْ سَفَلُــــوا
هل يُنكرونَ وفِي أسْفـارهم سِيَمٌ .… لنا وفِي ســـــــالف الأيّامِ مُتَكَلُ؟
أَلَا يَصِيْـحُ حَسِيْــرٌ مِنْ ضَمَائِرِهِمْ .… ومَا الضَّمِيْــــرُ ومَا معْنَاهُ يا خَجَلُ؟
وما الكـلامُ عنِ الأخْلاقِ في زَمَنٍ .… أَقَـلُّ أوْزارِهِ التَزْيِيْـــــفُ والدَّخَلُ؟
ومَا مَتَاعُكِ يا دنُيَـا وقَدْ نَزَفَتْ .… أكْبَـــادُنَا وبِنَا الأوْهَـانُ والعِلَـلُ؟
ومَا المَنَــابِرُ والتَّرْغِيْبُ فِي وَطَنٍ .… تُذَالُ فيْهِ الحِمَـى والعِرضُ والمُثُلُ؟
ومَا مَقَــالاتُنا والحَرْفُ ننْشُرُهُ …. إذا اسْتُبِيَحَــتْ بِـهِ أمْ انَّهُ الجَدَلُ؟
رِفْقًا جَنَانِـي فَقَدْ فَاقَتْ مَصَائِبُنَا .… وجَاوَزَتْ صَبْــرَنَا مَا قَصَّرَ الثِّقَلُ
مَا قَصَّــرَتْ ثُلَّةٌ أَعْمَي بَصَائِرَهَا .… مَا تَشْتَهِـي مِنْ دَمٍ بِالطُّهْرِ يَغْتَسِلُ
لَكِنَّهَا الأَرْضُ تَطْوِيْنَا عَلَى خَذَرٍ .… حَتّــى وإِنْ أَعْجَزَتْنَا فَوْقَهَا اَلْحِيَلُ
فَلْتَشْتَهِي كَيْفَمَا شَـاءَتْ بِنَا دِوَلٌ .… مَا كُلُ مَا يُشْتَهَــى يَا جَوْرُ يُحْتَمَل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق