الجمعة، 24 فبراير 2017

أثر الكلاسيكية الغربية في الأدب العربي (الجزء الثاني) بقلم / الناقد كريم القاسم

أثر الكلاسيكية الغربية في الأدب العربي
(الجزء الثاني)
.........................................................
بعد ان بَـيَّنا في الحلقة السابقة نشأة المذهب الكلاسيكي وسماته وكيفية انتقاله الى اوربا
وازدهاره في فرنسا ...
نبدأ مقالنا بأسئلة تبدو منطقية ...
ـ هل نقَّب الباحثون والادباء العرب في بطون الادب العربي الاصيل النابع من رحم
البلاغة والفصاحة العربية ، كي تتشكل لدينا مدرسة كلاسيكية عربية ذات قوانين وأسس
واضحة تستند الى نصوص ونماذج غاية في الرقي والابداع ..؟؟
ـ هل عمل الباحثون والمحللون من الادباء العرب على التنقيب في متون الكتب القديمة
للحضارة اليونانية والفارسية إبان التلاقح الحضاري والفكري وخاصة في فترة
الفتوحات .؟؟؟
ـ هل انتقل مفهوم الادب الكلاسيكي الى الادب العربي الحديث ، رغم الاحتكاك العسكري
بين العرب واوربا ، كالحال بين ايطاليا وفرنسا..؟؟
ــ سنجيب على هذه الاسئلة بمجملٍ استعراضي مختصر شامل ، اتمنى ان يحيط بما يجب .
ــ للأسف كانت الامة العربية تعيش في غياهب البؤس والجهل، حتى وصل مستوى الادب
والفكر الى أدنى مستوى من التخلف والانحطاط ، بسبب ما آلت اليه حالة المجتمع العربي
من شقاء تحت نير تلوّن الاحتلال والاستعمار الذي انهك العرب وجعلهم بعيدين عن
تراثهم حد النسيان . ومع هذا وذاك نجد إن المذهب الكلاسيكي قد أثر في الادب العربي
تأثيرا هامشيا ومحدودا ، كونه اتصل به في الوقت الذي هجره معتنقوه في اوربا .
وأثناء فترة الفتوحات الاسلامية وضع المسلون ايديهم على الكتب التراثية الغربية ، علمية
وأدبية ، فترجموها ودرسوها وطوروها ، فشهد لهم بها الغرب نفسه . لكن في مجال
الشعر والادب جاء التلاقح مُخَلخَلا ضعيفا ، بسبب التقاطعات الروحية الاسلامية
والجماليات الفنية مع مثيلاتها في الادب الكلاسيكي الغربي ، وكون الامة العربية تمتلك
ماضيا وتاريخا يختلف تماما في اهدافه وغاياته ووسائله عن الغرب ، إضافة الى ان
الكلاسيكية تعتمد على الشعر المسرحي ، بينما الادب العربي يتخذ من الوجدان الذاتي
منهجا وأسلوبا . والمسرح في اوربا يعتبر سِمة اساسية وركيزة في الادب الكلاسيكي ،
بينما لايوجد أدب مسرحي لدى العرب .
وعند الاشتباك العسكري والاستعمار الغربي للعرب ، لم يحدث انتقال وتزاوج ثقافي في
مجال الشعر ، كون الاستعمار جاء لدفن اهم عنصر يمثل وحدة العرب ألا وهو اللغة .
فكل مستعمر يحاول طمس العربية واستبدالها بلغته الخاصة ، وقد عملها الاتراك والانكليز
والفرنسيون .
ورغم ذلك ظهر التأثير القليل على السطح ، نتيجة ترجمة اعمال لـ (مولير) وغيره ،على
يد ادباء عرب كـ (مارون النقاش ) و(سليم النقاش ) اضافة لظهور نتاجات ادبية مسرحية
تمتاز بالإلتزام بوحدة الزمان والمكان والموضوع ، وجعل الابطال من طبقات القصر
والنبلاء ، مع اعتماد المحاورة الشعرية في النص المسرحي ، وظهور طبقة من الشعراء
العرب الذين وصِفوا بالمحافظين ، حيث حافظوا على وحدة البناء الشعري في القصيدة
العربية التي تعتمد على التقيد بوحدة الوزن ووحدة القافية ووحدة الروي ، ومن بين
هؤلاء ( حافظ إبراهيم ـ والبارودي ـ والرصافي ومحمد صافي النجفي وآخرهم محمد
مهدي الجواهري )، والكثير من العرب الذين يمكن للقاريء الرجوع الى المصادر
لمعرفتهم .
ويعتبر ظهور المدرسة الكلاسيكية العربية من اوائل اللبنات في بناء النهضة الأدبية
الحديثة وخاصة في مجال الشعر، حيث ان هذه المدرسة لم تعتمد على التقليد والنقل
والمحاكاة ، بل استخدمت نهج الاضافة والتجديد والابداع والابتكار، مع مراعاة الحفاظ
على القيم الفنية في الشعر العربي ، حتى لايتجرد من سماته وقيمه المتعارف عليها ، من
حيث الروي والقافية الواحدة ووحدة الموضوع ،وانصرفوا الى عكس حالة المجتمع آنذاك
من خلال قصائدهم التي اتسمت بالثورية والكفاحية وتمجيد التاريخ والحرف العربي ،
نتيجة الصراع الذي يعيشه المجتمع العربي مع المستعمرين الاجانب ، فكانوا خير قادة
لهذه المدرسة التي حافظت على القيم الادبية الاصيلة .
واراد رواد هذه المدرسة اثبات وابراز هويتهم العربية الراسخة في تخوم الزمن ، خاصة
وهم محاطون بجموع المستعمرين ، وخوفا على لغتهم من الاندماج ثم الاضمحلال
والزوال . لذلك تشبثوا بقديم الشعر والادب القديم ، لاستلهام معاني البلاغة والفصاحة
والبيان ، ولبناء حصن ادبي منيع يقف بوجه الزحف الثقافي الجديد . وكانوا يقدسون
الاقدمين حتى تتبعو آثارهم الادبية وقلدوها تماما أثراً بأثر ، حتى ظهر ذلك بقصائدهم
وعباراتهم الفخمة المنتقاة بدقة وروية وضخامة الفاظهم. ولو قرأت لهم أوسمعتَ قصائدهم
، لوجدت نفسك بين ذلك الجيل القديم من الشعراء لشدة التقليد والمحاكاة ، حتى لُقِبَت ْ
مدرستهم بـ (الإتباعية) . حيث كانوا يعتبرون خلود العرب بخلود اشعارهم ، حتى انهم
وجدوا في الحركة الشعرية التجديدية ، تشتيت للادب العربي وضياع هويته الثقافية ،
وإندراس للآثار اللغوية الخالده ، وإخفاء اصالته ، وإطفاء عراقته . فرفضوا كل تجديد
وحذرّوا من الاقتراب منه . لكن عملية الترجمة للكتب الادبية الغربية وخاصة الفرنسية
والانكليزية ، ودراسة بعض العقول العربية للأدب الغربي ، والثورة على الواقع المتخلف
الذي تعيشه الامة العربية ، حمَلتْ رواد هذه المدرسة التجديدية الى التفكير بتطويع الشعر
، وتطوير اللغة ، والنهوض بعملية التغيير والتطوير المجتمعي ، وعدم التقيد بالقديم ،
وإنما عرض واستعراض كل ما هو جديد وحديث في عالم اللغة والشعر والادب .
وهكذا بدأت رحلة التجديد في الشعر ....
ــ وخلاصة الامر نجد ان تأثر الادب العربي بالادب الكلاسيكي ، كان قليلا جدا ومحدودا
، اضافة الى عدم وجود لقاءات تجمع المثقفين والشعراء من كلا الجانبين لتناقل الافكار
واستقطابها الا ماندر، ومع ذلك وجَدتْ الحداثة والتجديد طريقها في الثقافة العربية ،
وشَقتْ طريقها نحو الجمال والابداع اللغوي . وهكذا حال التطور في المجتمعات
والثقافات .
تقديري الكبير ...
....................................................................................................
بتصرف مع خلاصة لمحاضرات
(محمود البريكان)
 
 
 
تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه اراك انطلقت من استاذك البريكان العتيد لتنشئة رؤى بالغة الخصوصية , فمن الواضح ان زاوية نظرك ذات صلة اكيدة بما انطويت عليه من اعماق فكرية خاصة وافاق عصرية واسعة النطاق..احسنت مجددا ابا عمار الرائع..والى مزيد مماينفع الناس..فخير الناس من نفع الناس والسلام..

اخي ابا علي الطيب..استاذ غسان الآدمي..احبك كثيرا ..ولقد اخبروني عن مخصبك النووي الجديد..سنراه قريبا بإذنه تعالى ..والسلام..
رد كريم القاسم
كريم القاسم فائق الاحترام الاستاذ العزيز ابانعمان ... ستبى اقلامنا ترعف بما هو كريم من القول والكلام ... تقديري ومحبتي
تعقيب غسان الحجاج
غسان الآدمي وانا احبُّكِ ايها الأب الروحي الغالي رائد آفاق نقديه الاستاذ غازي احمد ابوطبيخ
لقد كنت اجرب عملية تخصيب عنصري الطباق ولكن ريشة الفينيق جعلت التفاعل يخرج عن السيطرة
تحياتي وخالص مودتي
رد كريم القاسم
كريم القاسم الاخ العزيز الاستاذ غسان ..... كي تسيطر على التفاعل ، ضع مخطط الفكرة نصب عينيك ، واخلط عناصر مركبات الوجد والشجن ، واقدح فكرك ، واحضر مَلَكَتَك ، واستذكر فصاحتك ، واعمل ببلاغتك ، ثم جمّل ماينتج من تركيب بجميل البديع من الجناس والطباق والتشبيه والاستعارة ، وتذكّر بأن مطلع التركيب ينبغي ان يوائم ماتروم اليه من الفكرة كي يكون اكثر اشراقا وإصباحا في سمع المتلقي ، ثم اعطف على المقطع ، وآثره بكل ماهو جميل من المعاني ورشيق من الالفاظ ، واعلم ان اللفظ ماكان واضحا صبوحاً لذيذاً لدى السامع هو الفصيح الحسن ، وماكان متوعراً خشناً ثقيل على السامع هو القبيح المستقبح من اللفظ ، ثم اجعل عباراتك تترابط رقابها برقاب بعض ولايشطط بعضها عن بعض فيتشتت المعنى ويتشظى المقصود ويتفكك جسد المركّب والتركيب ، واذا ما خلصتَ من ذلك ، تهيأ لمسك الختام ، وعطر الكلام ، فلا تجعله بعيدا عن المَقصَد ولا شاذا عن المُنجَد ، ففي الختام تسمع هديل الحمام ، وجمال السبك ، الذي يكون آخر مايصب في اذن السامع ، فهو كبقايا وخاتمة العصيرالذي يستطعمه الشارب ويستذوقه المتذوق ، فيبقى طعمه ملتصقاً في ذاكرته ، ان كان مراً فمراً وإن كان حلواً فحلواً وهكذا خاتمة النص ، واياك اياك ان تبخل بها ، واجهد نفسك في الاختيار من الالفاظ ابلغها ومن المعاني اروعها ومن المعادن اجلاها ومن ومن الافكار انقاها ، حتى تختم بختام يدهش العين قبل الاذن ، عندها تكون قد اجدت الصنعه ، وبلغت المتعه ، فإذا عرضتَ بضاعتك في سوق الادب ، اشتاق اليها الناظرون ، واختزنها التجاروالباحثون ، كونها قماشة تسر الناظرين . عندها تأمن من التسب النووي الادبي ... فخذ بنصيحتي ايها الرائع . كي يكون مختبرك في امان .
تعقيب غسان الحجاج
غسان الآدمي لقد اوضحت الفكرة التي تراءت لي كغيداء تزينها القلائد الجمانية بفصاحة الدرر وبلاغة الصور وانا تغازل عيني الدهشة لا استطيع مغادرة لوحتك الفنية التي ضربت الوانها الابجدية فلعمري هو درسٌ لمن اراد الاغتراف من سلسبيل هذي الضفاف .... تحياتي استاذنا الناقد كريم القاسم
تعقيب اياد الشاوي
اياد الشاوي بوركت استاذنا العزيز
رد كريم القاسم
كريم القاسم وبورك حضورك ايها العزيز استاذ أياد ... مودتي
 
تعقيب نعيم المعلم
Naim El Moallem لقد اختصرت واجدت عاى الرغم من عدم وضوح هذا التاثر عند الشعراء. شكرا والى المزيد من مثل هذه الدراسات. ///وارى ان يكون تجدي المجددين من نمط هؤلاء العمالقة. //مثل الجواهري والبدوي ونزار وابو ريشة. وهلم جرا. ام مانراه اليوم من مسخ وتاليف فوضوي للصور الشعرية وغير هذا. بيناه غير مرة. ///شكرا لكياكريم واى المزيد من الدراسات لهذا الشعر من حيث الشكل والمضمون. سعي مشكور//////افاق ادبية////
رد كريم القاسم
كريم القاسم يسعدني جداً ان ارى من يرى الحقائق بجمالها ، ويسعدني هذا الوهج المنير ... محبتي وتقديري الكبير لك استاذ Naim
 
تعقيب غسان الحجاج
غسان الآدمي استخدام الاستدلال التاريخي والاستنباط العلمي كشف لنا الكثير من الحقائق في هذا الجزء من الدراسة في الادب العربي الكلاسيكي.
بانتظار اثراءات اخرى تفتح الافاق الشاسعة.
تقديري واحترامي
رد كريم القاسم
كريم القاسم تقديري لهذا المرور الذكي استاذ غسان ...محبتي
تعقيب شاكر الخياط
Shakir AL Khaiatt وتقديرنا الكبير لك اخي استاذ كريم، لا اخفيك وجدت فيما بين السطور مايستحق التناول مستقبلا، واعني نفس الموضوع الذي طرقت اناملكم بكل هدوء عليه وهو التلاقح الادبي والفني السليم والايجابي المتعدد الاوجه لحضارات مختلفة، على اني الزم نفسي بهذه المسؤولية مستقبلا... شكرا لهذه الرحلة الموفقة، واظن ان مثل هكذا نماذج او مواضيع حاضرة وماثلة للعيان بل نمارسها بكل صراحة ووضوح وهذه هي سمة الانسانية التي تبنيناها ونسعى لانمائها على الصعيد الادبي، بورك قلمك ... اجدت رعاك الله اخي الفاضل
 







 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق