المذهب الكلاسيكي
(الجزء الأول)
........................
جال بخاطري الكثير من الخواطر والاهداف في كيفية استعراض هذا المذهب الادبي
(الجزء الأول)
........................
جال بخاطري الكثير من الخواطر والاهداف في كيفية استعراض هذا المذهب الادبي
كونه موضوعاً شاملاً وذا غور بعيد ، وكتب فيه الكثير حتى تشعبتْ الرؤى والبحوث ،
وكوننا نكتب الى شريحة عامة تختلف مستوياتهم المعرفية ، لذا جعلنا الهدف هو اغناء من
يريد الاستزادة ، اما أصحاب الاختصاص فهو للتذكير والإشراق ...
سأطرح تفاعلات أدبية غاية في التبسيط الذي لايخلو من الاسهاب والتشويق ، مع تركيز
وتكثيف بعيد عن العتمة والرمزية والتشعبات الكثيرة .
إن أي قصد أو طريقة لاتخلو من رأي أو وجهة نظر تخص نظريات علمية او فلسفية او
اقتصادية او فنية يدعى ويسمى (مذهب) ... حتى اصبح هذا اللفظ يطلق على كثير من
النظريات في مختلف جوانب الحياة .
وقد ارتبط لفظ (كِلاَسيكيّ) بالمذهب للدلالة على نهج وأسلوب يُطلق على أيّ أدب عبقري
فريد ، يتميز بالاتِّزان والوحدة الفنيّة والاعتدال والبساطة وتناسُب الأجزاء ، وهذه الصفة
تعني العودة الى التراث الاصيل .
وقد يتساءل سائل : كيف أُطلِقَتْ هذه المصطلحات ومَنْ أوجدها ... ؟؟
الاجابة ، هي إن العمليه كلها تخضع لأرهاصات ونقاشات ونقد وتحليل ، لا للعمل الادبي
فقط ، بل بكل مايحيط به من تقاطعات اجتماعية وفكرية وطبيعة زمن النص أو النظرية
وحتى يصل الامر الى الدراسة والبحث في نفسية صاحب النص ومدى علاقته بمحيطه
الخارجي ، ويتم هذا من قبل عقول حاذقة مختصة تتصف برهافة الحس واتقان الحرفة
والخبرة المستفيضة وجمال الذوق ، لتوضع بعدها عصارة فكرٍ وإبداع فتتخذ شكل مسميات
واصطلاحات ذات أسس وقوانين لاتتعداها ، يتبناها الدارسون والباحثون ومن يأتي بعدهم
ليستمر الركب بالتطور والارتقاء .
والذي يعنينا هنا هو (المذهب الأدبي الكلاسيكي) . إذاً نحن امام عالم الادب لاغير هنا .
تُطلق صفة كلاسيكي على الادب الرصين الباذخ الذي يمتاز بالبساطة الممزوجة بتوازن
الوحدة الادبية وتناسق اجزاءها ...
وهناك الكثير من التفاسير والايضاحات لهذه اللفظة ، قد يستطيع القاريء الباحث ان يلتقطها
من مصادر كثيرة ، لكننا نهدف الى التركيز والتكثيف كما أسلفنا ... والكثير عندما يسمع
بهذه اللفظة يتبادر الى الذهن انها القديم الأصيل ، وهذه السمة جاءت نتيجة استعمال نوع من
الفن الادبي باديء ذي بدء في امتدادات القرن الثاني عشر والثالث عشر ، أيام الشاعر
الايطالي الشهير (دانتي) ، ثم مع امتدادات القرن الرابع عشر حيث أقدم الشاعر (بترارك)
الذي دعا الى احياء التراث اليوناني واللاتيني والبحث والتنقيب في كل ماهو قديم من التراث
الادبي . حيث كان الادباء الاوربيون ينظرون الى قدماء الادب اليوناني نظرة تبجيل وتقديس
واحترام لأنهم كانوا يعتمدون على الطبيعة في ترجمة انعكاساتهم العقلية في الشعر. ويعتقد
شعراء القرن السابع عشر بأن تكوين المَلَكَة العقلية الصحيحة لا يتم إلاّ بدراسة القدماء لانهم
حللوا الطبيعة بمزيد من البساطة، لذا استطاعت انجازاتهم الادبية أن تصمد أمام المتغيرات
السياسية والأخلاقية والفنّية حتى إن (لافونتين) يقول:
" إ نك إذا اخترتَ طريقاً آخر غير طريق القدماء فسوف تضلّ "
إذاً هم يعتقدون بأن في تقليد القدماء تستطيع مؤلفاتهم الاستمرار بالحياة على موازاة مع حياة
الأجيال القادمة . وقد مر هذا الادب بمراحل تطورعلى مدى حقبة طويلة من السنين حتى بلغ
غاية الكمال والاتقان ووجدت له قواعد وضوابط بحيث لايتجاوزها .
وآثَرَ الشعراء في تلك الحقبة على كتابة الشعر باللغة الايطالية وأطّروها بكل ماهو بديع
ورصين حتى اصبحت لغة الأدب الرفيع .
ولنأخذ ترجمة لمقطع كتبه (دانتي) في ملحمته الادبية الشهيرة (الكوميديا الإلهية) التي
أشبَعَها بالرمزية المتعددة الاغراض ، حيث يقول فيها :
" الكلمات الداكنة والمُجَللة بالكآبة
المحفورة في أعلى المدخل
والتي أنا غايتها ومبتغاها
إنها يا إلهي قاسية عليّ
..........
علمتني الممارسة أن لا أتخلى عن ظنوني
وأن لا بد للخوف من أن ينتهي إلى الأبد
..........
نحن جئنا إلى هذا المكان المعلوم
حيث سيبقى الناس على أحزانهم
طالما أنهم لا يدركون محاسن الفطنة والفكر
.........
وضع يده فوق يدي
باعثاً في نفسي السكينة والمَسَرّة
ثم قادني عبر عالم من الأسرار "
.....................................
المحفورة في أعلى المدخل
والتي أنا غايتها ومبتغاها
إنها يا إلهي قاسية عليّ
..........
علمتني الممارسة أن لا أتخلى عن ظنوني
وأن لا بد للخوف من أن ينتهي إلى الأبد
..........
نحن جئنا إلى هذا المكان المعلوم
حيث سيبقى الناس على أحزانهم
طالما أنهم لا يدركون محاسن الفطنة والفكر
.........
وضع يده فوق يدي
باعثاً في نفسي السكينة والمَسَرّة
ثم قادني عبر عالم من الأسرار "
.....................................
وبعد ظهورحركة النهضة والبحث العلمي في اوربا ــ وخاصة في القرن السادس عشر حيث
انتعش فن الادب ــ دأبَ الباحثون على التنقيب في اعمال الاوائل والبحث في الاسباب التي
أدّتْ الى ديمومة هذه الاعمال الضخمة والكبيرة والعمل على بعثها الى العالم من جديد
للتعرف على مكنوناتها واسرارها وكان الباحثون يعتمدون في بحثهم على آلية التذوق الادبي
نتيجة الخبرة الكبيرة لديهم أو بطريقة التحليل المباشر للنصوص او الاعتماد على ماكتبه
الاوائل من نظريات وتحليلات راقية مثل (أرسطو) في كتابيه ( الشعر) و(الخطابة) ... وبعد
كل هذا الجهد والابداع ، لم تكن لفظة (كلاسيك) قد أطلقت على هذه الاعمال بعد أو شاع
استخدامها في الوسط الادبي ، وأول استعمال ظهر لهذا المصطلح كان في القرن التاسع
عشر ومنها انتشر الى باقي اوربا وخاصة بعد الدراسة والنقد والتحليل ، وكان هذا
المصطلح يُطلق على الادباء الذين ينتمون الى طبقة الشعراء اليونانيين الكبار، كون هذا
النوع من الادب ينتمي الى الطبقة الارستقراطية وطبقة البلاط الامبراطوري ، حيث انهم
لايتذوقون الا الارقى والاجمل والاكثر كمالا ، حتى تطور استخدامه ليصبح عنواناً لمذهب
معين له صفات وَسِمات محددة بقوانين وقواعد وأسس .
ثم انتقل النشاط الكلاسيكي من ايطاليا الى فرنسا نتيجة الاحتكاك العسكري بين البلدين
والحروب بينهما أدى الى تلاقح وانتقال فكري هائل حتى اصبح مفهوم (الادب الكلاسيكي)
في فرنسا اكثر لمعانا واشراقا ووضوحا وازدهارا من باقي اوربا، نتيجة إعادة تحليل وفهم
الادب الايطالي من قبل الفرنسيين ، وكان عملهم أكثر وأدق وأشمل حتى كتب الكثير من
الادباء الكلاسيكيين الفرنسيين باللغة الفرنسية وكان من روادها الشاعر الغنائي الفرنسي
(رونسار) . ولابأس ان نستعرض بعض من جمال كلماته :
لا ... لا تقبّلني
بلْ إجتذب قلبي بِنَفَسَك العذب
لا ... لا تجتذبه بل
إمتصْ من كل وريد
روحي المتناثرة بين ذراعيك
لا ... لا تمتصّها
فماذا سيبقى لي ولك بعد الموت
غير جسد هامد لا جدوى منه
فأنا لا زلت أذكر
روحي منتصبة على شفتي تنتظر
حين مالَ لي ثغركَ
لتتذوق طعم العسل على شفتيك
وإذا بها تخرج من فمي وتغادر
إلى فمك حيث تثمَل من رحيقك
وتنسى طريق الرجوع إلى البيت
وما كان توسّلي ليُرجع تلك الخائنة
التي طاب لها البقاء لديك
وإذا بي أتحرّق شوقا من دونها
ومن دوني طالما أنا من دونك
وفي وحدتي بكيت
القُبلة التي أعطيتني إياها
إسترجعها وأرجع لي ما قُبلتك أَخَذَتهُ
لا ... لا تسترجعها بلْ
تعذّب لمّا تعود لي روحي
وإيّاك أن تفرّق ثانية ما الطبيعة جمعته
..................................
..................................
من كل هذا يتضح ان هدف المدرسة او المذهب الكلاسيكي هو النقل والمحاكاة لكل ماهو
قديم مؤطر بقوانين الجمال والابداع والاتقان مع تقديس العقل والمنطق ، مع اعتبار كل عمل
حقيقي هو غاية ، بعيداً عن الخيال والعاطفة التي هي سبب الافساد ، مع اعتماد الغايات
والشخصيات النبيلة في النصوص الرصينة التي تبنتها الاعمال الادبية اليونانية واللاتينية .
تقديري الكبير...
تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه هذا ما ننتظره بفارغ الصبر اخي الاستاذ الناقد كريم القاسم النبيل....
انت تعلم ان غايتنا منفعة الناس..وانتم من اخيار الناس ان شاء القدير تعالى, فلطالما قدمتم ولطالما نفعتم شكر الله مساعيكم ونفعنا بكم ..هذا تقديرنا وبالغ اعتزازنا , والسلام..
انت تعلم ان غايتنا منفعة الناس..وانتم من اخيار الناس ان شاء القدير تعالى, فلطالما قدمتم ولطالما نفعتم شكر الله مساعيكم ونفعنا بكم ..هذا تقديرنا وبالغ اعتزازنا , والسلام..
رد كريم القاسم
كريم القاسم بكل الود والتقدير ، اخي العزيز استاذ ابانعمان ...سوف لن تبخل اقلامنا عن تقديم ماهو مفيد وجميل ، لزيادة المعرفة واشراق الذاكرة ... محبتي واحترامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق