الأربعاء، 30 يناير 2019

قراءة بشذرات (أحمد نون).. بقلم الأديبة/ نور السعيدي

الشيء أو الوجود ، ولماذا ليس العدم ؟
العدم مفردة دوغمائية * بطابعها الصارم لا تقبل التأويل لِما تمتلك من مقومات صمودها الذاتية على إحداث معنى بين الأنطلوجيا وبين ثراءها الفلسفي الهرومونطيقيا كحضور وبزوغ ،،،،
لهذا تناولها كل الفلاسفة الغرب ،،، لتَجْسير الهوَّة بينها وبين الوجود ،، لكن الفلاسفة العرب الصوفية سبقوهم بقرون فوصلوا لأقصى مدى للبُعد المفقود ( كناموس دائري ) ممنوع من التشظي بسيمائيتها القادحة الغير قابلة للتدجين .
{ رأيتُ العدم في منامي ،، أستنكر لُعبتي بلغتهِ }
حوار رؤيوي لعالم موازي للحال لا للذوات ،،، بإستدرارٍ مُتأني للواعج الذات ، تموقع الشاعر مع بن عربي( الوجود المطلق يقابل العدم المطلق ) لأرضنة العدم ،،،، رافعاً فأسهُ الجليدي لمهاجمتهِ ورافضاً ( أن العدم إنكار غير مشروط بل هو أتصال كما لا إنفصال ) ،،،
مع إستحواذه على الأنا بمقصاتهِ الحادة العاملة بحرفية لدياليتك قوامهُ اللاتصالح ( أستنكر ) ،، هذه المفردة المُحصنة بالدال لتسحب المدلول المتعالي بحراسة مُشددة منه والشاعر لا يكفْ عن التمرد والإستبسال على أرضية الإستخفاف ( لعبتي ) ،،،،
مما يُحيل مبدأ العبث الغير قابل للذوبان بينهُ ( كوجود ) وبين العدم كمجاز لعالمه المُقرف ــ حيث سيادة الذات مع كامل الأحقية له بقانون اللعبة ،،،،
الذات التي لا تُضطرب الآ بقدر ما يُسرق منها ــ والشاعر جامح وبإستخاف كرياحٍ بالشوارع الخلفية لا يمكن قياس سرعتها ليُبقي النص بين التبعيض ( حلم جزء من الشاعر ) وبين التبغيض ( أستنكر ) ،،،،
وهذا ما يحوم حوله الشاعر للتموضع على مَحك مُنصف كيلا تتصدع الذات المُريدة ( كانط ) ،،،، هنا الشاعر كوجود ( ساخر ، متمرد ، يلعب ) ،،،
والعدم كعالم غيلان -- احمد نون -- ليس بحلم أركيلوجي* بل إمتصاص واقع ،،، ليس بالمدينة الفاضلة بل كحائط نائحات والأثنان يتصارعات حد التساوي .
{ أكسر أي شيئ بالمرآة وأشعر ببرودة العدم }.
عند مارتن هايدغر ( العدم ـ صميم الوجود بحالة القلق هو سيد الموقف المتعلق بأحوال الوجود ) ،،
يفجر الشاعر بمكيدة العقل المُستبد لحظة متنمرة مع سبق الإصرار ( أكسر) ،،،،،
هنا طفحت الموتيفيا* عالمه الشاخص أمامهُ ـ مرآتهُ المشاكسة ـ المتصاعد منها نشيد قرينهُ الساخر منا وعلينا ،،،
وقد هيكل خصوصيتها ،،،،، لا نِدْ له ولا عالم فانتازيا * بل مأزق وجودي لخلاصٍ جامح بمَلَكةٍ جسورة للإنقضاض على لحظة ميكانيزميا* ،،،،
أراد تصدعها بصولجان سلطان كيلا تتوالد عنده الى مالانهاية ،،،،،
هو ليس صراع أضداد -- بل عالمين حيث الوصول لنقطةٍ ما ،،، وفتح لنا نافذة على( سؤال ) ،،،
أين العدم إن كان الوجود هو الجواب الجاهز بزمنكانيتهِ ؟؟؟؟
هنا الأبداع ( بمجرد النزول للعالم الحسي ينكشف العدم ـ أفلاطون ) ،،،، ( اشعر ببرودة العدم ) ،،،،،
ومن خلف ستائر غير مرفوعة كغوصةٍ أخيرة ينقل النص من طمأنينة التناقض لمبدأ الغائية* ،، لما العدم يتسلطن علينا حين نُثرثر على أنهُ ،،،
اللاحضور ـ الموت ـ الفناء ـ اللاشيئ ،،،،
وعند الشاعر ،، هو ثبوت للأعيان ، شاهد ومشهود وهذا ما أطلق عليه بن عربي العدم الثبوتي ،،،
(((( ــ وجهك المجهول يجعل عالمي مخيفاً تجري برأسي كل دماء القرابين
ــ كنت أود ان اشرح لك العدم ـ لكنك تصرين على الغناء بحناجر الأموات
ــ أيتها البعيدة ، كل الطرق اليك مقطوعة بالكوارث .
ــ مثل كل الآلهة تزدادين جمالاً عند الغياب
ــ في لغتي لك أقدم السجون
ـ أحتاج الى ضجر كبير ـ الضجر الكافي لمعرفة سر جناحيك الحديديتين
ــ بعينكِ صمت الجزر الفارغة ـ فواكة معلقة بأشجار تشبه الدموع )))) .
أن الولوج لعالم هذا الشاعر ،،،
( لا تلمسي قصائدي أنها بجلد ميت مليئة بالليل والنمل ـ للشاعر) ،،،،
كالتحرش بطقوس الهنود الحمر الراقصين حول النار والراسمين على الرمال ،،،،،
هو يُدرك تماما اين يضع مفردة العدم بكامل كينونتها ـ درسها دراسة تيماتيكية حيث ،،، شجرة نَسبها ،،،، قَوْمانيتها القاموسية -- لتدخل صيرورة فوكو ( الصيرورة هي هوية العدم والوجود وخلالهما الزمنكانية ) ،،،
حيث الحصيلة الأصفى وقد عبر بنا الشاعر من الوجود للعدم وبالعكس ،،،
عاد وكأنهُ قادم من هَوَل ـ رأى كل شيئ صح ،،، وفهم صح ،،،، ألآ احتوائها ،،،،،
فلا هو يصمت ( كنت أود أن أشرح لك العدم ) ،،
ولا ألمها ينطق ( غناء بحناجر الأموات ) لأنها ،،،،،
كفيضان أعمى لا تُمسكها أصفاد تساؤلات ،، كحلولٍ فاترة وكأن لهفتها سلكت طريق الجلجلة كنارٍ حاقدةٍ ببيادر الفقراء ،،، لموت مؤجل من شروخ دالقةٍ دماء الغياب ،،،
هي المَشْبوبة وغير قادرة على نَجاعة تضاريس أقدم سجونها -- ولأن الأكتفاء أسوء الأعداء -- ،،،،
أكتفتْ هي بإيماءةٍ بين طغراءها النوستاليجي وبين ديمومة التوق ،،، بعيداً عن الجنسسانية ( بعينك صمت الجزر الفارغة ) لترحل بهمهمةٍ ،،،
-- يا هذا إن طائر القطا غير الغربان ،، كما المسافر غير القضبان .
(((( -- أنا الجرس الوفي للساني المقطوع .
ــ تغرد على حائطي طيور من طباشير .
ــ أجلسُ في بيتي ـ أوقع لأشباح إهداءات ولا أدري لِمَ يبكون .
ــ كلما نظرت في المرآة تسآلت من أين يأتي هؤلاء الغرباء .
ــ يركض في رأسي كل فجر بغلٌ سكران .
ــ أضع على قبوري العديدة أزهار من غبار .
ــ تدق في أحلامي قلوب من زنك .
ــ الألم ،، هو العطر العطر المصنوع من جلودنا )))) .
كل هذه الأبيجراميات* وكم ضغط على المفردة ليُقلص الخطاب بفلسفة وبُعد راقي ،،، وهو المحتال القادر على الإحتماء أينما يريد وكيف يتحرك بعيداً عن الأسلبة ( الخطوط العريضة ) ،،
لتأطير النصوص بمحايثة* ضاربة أطنابها بفضاءٍ جَوّاني حيث الأرتقاء لهالة التَسَيّد بخيال يُباغت القارئ ،،، والشاعر المغزو من العدم وقد صاغهُ بحرفية عبر شسوعاتهِ التي لا تُحد على أنهُ ( الوجود السديمي الأكثر عقلنة ) ،،،
غازياً الفن الأوقياني* وقد وضعنا على عتلة توازن الرعب ( أشباح ، طيور من طباشير أزهار من غبار ، بغل سكران ) لفوضى عارمة مع تراجع حَرون منه بمعية قرينهُ الأنذهالي وشاعرنا البرزخي ،،،
هو شاهد عيان يَشهدُ ويُشهد أن العدم هو ( الموجود نُزِعَ منه عين الوجود ) ،،،
{ وقفتُ على قبر لا يرقد فيه أي أحد ـ قرأتُ عليه بعض آيات العدم }
نور السعيدي 2 / 11 / 2018
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
دوغمائية ،، حالة من التعصب
أريكلوجي ،، عودة صفات السلف
الموتيفيا ،، الفكرة الرئيسية بدلالات وإيحاءات
صيرورة ،، دخول قضية ما بتطور وحركة متتالية
ميكانيزما ،، آليه الدفاع النفسي يستخدمها العقل رغماً عنه لمواجهة المخاطر
فانتازيا ،، تناول الواقع برؤية غير مألوفة
مبدأ الغائية ،، الأيمان بأن العالم معنى وغاية
الأبيجرام ،، نص قصير بكثافة معنى وكيان متكامل
المحايثة ،، التغلغل بجوهر الظواهر
الأوقياني ،، فنون لا تفقد قيمتها مع الوقت

إضاءة على نصّ ( أعلنت انعتاقي ) للشّاعر منهل حسن.. بقلم الناقد/ أسامة حيدر



من البداهة القول إنّ المرأة قد حظيت بمكانة عظيمة وصلت حدّ التقديس في عصور خلت ؛ فقد ظهرت نساء معبوداتٌ كالإلهة ( إيزيس ) وهي إلهة الوفاء والإخلاص . وكان لها أيضا دورٌ كبير في كل مجالات الحياة كالملكة ( حتب ) أم الفرعون خوفو و(خنت) ابنة الفرعون (منقرع ) . وكانت المرأة بعد ذلك شاعرة وأديبة ومقاتلة فارسة وكانت وكانت .......
والنصّ الذي بين أيدينا فيه إشارات إلى أسطورة ذات منبع آشوريّ تقول :
إنّ إله الضباب ( مردوك ) السومريّ أراد أن يقتل الإلهة ( تيامات ) وهي تنين بحري فأرسل إليها الرياح الأربع لتحيط بها وأرسل سبع رياح في بطنها وقد تمّ له ذلك فقتلها وقسمها إلى نصفين ( السماء والأرض ) .
وتتكرّر هذه القصّة في الكثير من الأماكن والكتب الدينيّة التي تتناول قصّة الخلق وبأسماء أخرى .
وكمحاولة من منهل حسن لردّ الحقّ المسلوب إلى أصحابه يعلن بدءاً انشقاقه عن تاريخ مؤلم يمثله ( الآباء والأجداد والرفاق وجيش مردوك وأبناء جنسه ) مع ما يمثّله كلّ من هذه الألفاظ من دلالة ؛ لكنّها جميعاً تجتمع تحت لواء واحد هو لواء الاغتصاب لحقّ المرأة في الحياة واغتصاب مكانتها التي كانت لها فيما مضى وهو قادمٌ ليعلن براءته من هذا التاريخ السّقيم محمولاً على عقله الذي نجّاه من الاستمرار مع هذا الركب القاتل الّناهب لحقوق الغير . جاء ليعترف بحقّ المرأة ( أختاً . أمّاً . زوجة ) في الحياة الحرّة الكريمة التي وهبها لها الخالق ثمّ اغتصبها عباده الذّكور .
ثمّ يعدّد باعترافه أمامها عناصر عظمتها فهي مصدر _لا ينكره كلّ ذي عقل _للخصب والعطاء الذي لا يقف عند حدّ . ويردّ على أولئك المتشدّقين بعجز المرأة بأنّ الذّكر فيه القصور لا في المرأة ويذهله هذا الكمّ من عطائها . ثمّ يطلب منها أن تثور على واقعها الإسمنتيّ الذي بناه المجتمع الذّكوريّ الظالم . وينتقل إلى محمول جميل في النصّ فيرى أنّ المرأة حين حكمت كان أساس حكمها الحبّ والجمال وحين حكم الرجل حكم ببربريّة واضحة مدمّرة . ويلمّح إلى البعض من رجال الدّين الذين يلوكون أحاديث كانت سبباً في انهزامها والنيل منها . ويشير إلى ليونتها التي تمثل عنصر القوّة عندها بل تلك الليونة والرقّة هي أقوى بكثير من قسوة الآخر ( الرجل ) وفي نهاية المطاف يطلب منها أن تثور على بني جنسه من الذّكور. هو مساندٌ وداعمٌ لها .
وكأنّي بمنهل حسن - وقد رأى ما رأى من وطن يتشظّى ومفاهيم وقيم تتبدّل وتتغيّر ووطن يُدمّر بفعل فتاوى كريهة ومجتمع ذهب كلّ خير منه بفعل الكره والضغينة والأحقاد - أقول كأني به يريد أن يعيد للكون توازنه فما وجد سبيلاً إلاّ أن يعيد للمرأة حقّها المسلوب المنتهب لأنّها مصدر الخير الثرّ ومصدر الحياة كلّ الحياة .

__________________
يقول الشاعر :
أعلنت انعتاقي
أعلنت طلاقي
عن جدي عن أبي
عن جيش (مردوك)
عن أبناء جنسي
عن رفاقي
وجئتك ((تيامات))
ممتطياً دماغي ..معلناً أنشقاقي
............
فهاكِ إعترافي يا مولاتي
أطرقي السمع مليا
أنصتي لتعرفي
أن منكِ أُخرج كل شيئٍ حيا
أنصتي لأبوح لك
أنّي أنا الضلع القاصر
ولستُ إلا إحدى
تجلياتُك السرمدية
فاكسري القيد العتيا
صيحي صيحة (أثينا)
هدمي قلاع الخوف
حطمي ..حطمي العقائد الأسمنتية
أمااااه
آهٍ لو تعلمين بأن النسل منك
ونبع جيناتنا الوراثية
....
أنصتي لتعلمي
أنكِ مذ حكمتِ ..حكمتِ
بصولجان الجمال والحب
أنصتي لتعرفي
أننا مذ حكمنا
حكمنا بطريقةٍ بربرية
....
تعالي لأعلمكِ يا أُخيا
كيف تستردين الإمارة
كيف تباهين بحيضك
مباهاة رجل دين
يدعي الطهارة
وفمه حائضٌ بالقذارة
تعالي لأعلمك
كيف يكون عين شرفك
العلم والعمل
وليس مجرد غشاء بكارة
لأبرهن لكِ أن العود الطريا
أجلد من إعصارٍ قويا
فهل رأيتِ إعصار(ا)
نجح في بناء حضارة
.....
سيري على الماء يا أُخيا
سيري على الماء
لأثبت لكِ أن الرب
أنثى
له نهدان يمنان علينا
نسغاً ونشوه
له رحمٌ يكلأُ نبيا
......
تعالي لأعلمك يا أُخيا
كيف تثورين عليا

الثلاثاء، 29 يناير 2019

الاديب/ محمد البابلي في وقفة مع قصيدة الشاعرة/ سارة فؤاد

الشعر هو مرآة الروح وترجمان القلب ورسول الشاعر وغايته التأثير بالمتلقي باسلوب نغمي توفره موسيقاه والشاعر عندما يمتلك الموهبة لابد من صقلها كالتبر لايمكن التعامل معه الا بعد تصفيته بالنار فلا بد ان يصقل تلك الموهبة بما وضع لها من اسس فنيه للبناء الشعري وهذا الصقل للموهبة الفذة لشاعرتنا(ساره فؤاد) نلاحظه جليا واضحا في قصائدها فهي لم تكتف بالموهبه بل تعدتها بدافع حبها للمعرفة ان تغوص في اعماق البحور الشعريه وتسافر الى قمم البلاغة العربيه وتستظل بظلال النحو وتقطف ازهار المعاني لتضع هذه اللمسات بقصائدها من احكام النحو وروعة البلاغة وحلاوة المعاني وموسيقية البيت الملائمة للالفاظ وبالعكس حتى كانها سبكت اللفظ مع المعنى والوزن كقطعة واحدة كالؤلؤ ثم جمعت ذلك في قلادة احكمتها من حيث المطلع وهو الركن المهم بالقصيدة العربيه لانه الاول في لفت انتباه المتلقي وتحريك مشاعره فجاء مطلع قصيدتها كما ارادت هي محققة غاية التأثير حيث قالت( البحر في عينيك يغرقني وتزيدني امواجه القا) ومن تحليل المطلع نلاحظ عمق الصورة الشعرية والخروج من الكلاسيكية الى التجديد فالغرق بالبحر لا يحبذه الانسان لكنه أي بحر هو تلك العيون التي وصفتها شاعرتنا بالبحر كما يقولون(العين بحر)فحولت كره الغرق المعتاد الى لذه والق عندما تصارع تلك النظرات للعين والتي كنتها بالامواج ثم تتنقل بالابيات جاعلة المتن للقصيدة مراد ماتتمنى وماتعبر عن مشاعرها ازاء من تعنيه فيها حيث تقول:
قلْ أيُّ سحرٍ أنــــــــــــتَ تملكهُ أم أيُّ حُسنٍ فيـــــــــكَ قد خُلقا
أم أيُّ طرفٍ صـــــــابَ عاشقهُ سلبَ المنــــــــامَ وسامــهُ أرقا
أهو الغرامُ يعيــــــــــشُ حاملهُ ليمـــوتَ مفتــــــــوناً بمن عَشقا
انظر الى بداهة البناء وروعة الصورة وهي تسائل من تعنيه ان يجيب عليها مستخدمة استفهامها منه باداة الاستفهام(أي) ثم تستفهم بالهمزة من باب (العتاب ) ايعيش العاشق الغرام ليموت مفتونا بمن عشقا . قمة الابداع بالاستفهام الحقيقي ثم تخاطبه بماتعانيه وماسبب لها فراقه من لوعة والم وتلهف وماكابدته من اشواق وكنت الفراق بالخريف اللذي اعلن سقمها ثم كسر الاغصان واحرق الورق باليباس مشبهة نفسها بالشجرة من غير تصريح حيث تقول:
أفنيتُ عمري فيــــــــكَ في ألمٍ وأضعتـــــــــهُ في لوعةٍ وشقا
ومضى خريفــــكَ مُعلناً سَقَمي كَسَر الفــــروعَ وأحرقَ الوَرَقا
ناجيتُ قلبـــــــكَ أنْ يواصلني يا ليتـــــــــهُ بالوصلِ قد صَدَقا
فهل الغـــــــــــرامُ أتى ليجمَعنا أم إنّـــــــــــــــــهُ سببٌ لنفتَرقا
مستفهمة منه هل الغرام هو وجد للجمع بين عاشقين ام هو سبب للفراق والالم واللوعة مدخلة هذا الاسفهام في دائرة مناجاتها له ثم تبهجنا بروعة الخاتمة وهي خلاصة المراد والغرض واحكامها كاحكام المطلع والا بدون احكامها ستبدو القصيدة مقطعة متعطشة للمزيد وتصبح اخرها (غصة ) لكن شاعرتنا لم يفتها ذلك فاحكمت خاتمتها كمطلعها بابيات مختتمة بها وجدها مصورة لحظة كتابتها للقصيدة واشتعال مشاعرها وحرقة فؤادها فيمن تعنيه . الى هنا اختم هذه النظرة المختصرة لقصيدة (لظى الحرف) متمنياً لشاعرتنا كل التوفيق والابداع لما تحملة من موهبة فذة ودراية ادبية واسعة مع بالغ تحياتي .....
**********
نص الشاعرة:
***********
"لظى الحزف"
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
البحرُ في عينيـــــــــكَ يُغرقني
وتُزيدني أمواجـــــــــــــهُ غَرَقا
والوردُ في خديّـــــــكَ يطعمني
عطراً أشمُّ أريجهُ العَبِقا
قلْ أيُّ سحرٍ أنــــــــــــتَ تملكهُ
أم أيُّ حُسنٍ فيـــــــــكَ قد نطقا
أم أيُّ طرفٍ صـــــــابَ عاشقهُ
سلبَ المنــــــــامَ وسامــهُ أرقا
أهوَ الغرامُ يعيــــــــــشُ حاملهُ
ليموتَ مفتــــــــوناً بمن عَشقا
أفنيتُ عمري فيــــــــكَ في ألمٍ
وأضعتـــــــــهُ في لوعةٍ وشِقا
ومضى خريفــــكَ مُعلناً سَقَمي
كَسَرَ الفــــروعَ وأحرقَ الوَرَقا
ناجيتُ قلبـــــــكَ أنْ يواصلني
يا ليتـــــــــهُ بالوصلِ قد صَدَقا
فهلِ الغـــــــــــرامُ أتى ليجمَعنا
أم إنّـــــــــــــــــهُ سببٌ لنفتَرقا
لتتيهَ نفسي بيـــــــــنَ لوعتِها
ظمآنةً والوصــــــــــــلُ مابرَقا
أشعلتَ وجدي بيــــــــنَ قافيتي
حتى تلظّى الحــــرفُ واحتَرقا
وتمايلتْ روحي على شغفٍ
والروحُ بي تستنطِقُ الأرقا
ساره فؤاد

( 1 ) من حقيبة المذكرات *************** لقائي مع الروائي الأردني غالب هلسا.. الأديبة/ وفاء كمال

إثر اختطاف الموت لحياة هذا المبدع الذي أثرى المكتبة العربية بنتاجه الأدبي والفكري ..تساءلتُ نفس تساؤل " رودان " إثر وفاة " مالارميه " : " ترى كم من الوقت سيقضي هذا الكون ليخلق فيه دماغ كهذا " ؟ .
فقد كان " غالب هلسا " نموذجاً للأديب الملتزم بصفوف حركة التحرر العربي, وفي مقدمتها صفوف المقاومة الفلسطينية . حيث أمضى أجمل سني حياته في رحلة مكوكية بين السجن والمنفى والإقامات الجبرية أو الرحيل القسري . فمن سجن بيروت حتى سجن طرابلس, ثم إلى سجن عمَّان المركزي .ثم سجن بغداد التي ذهب لدراسة الحقوق فيها فاعتُقل بسبب صلته بحركة الخمسينيات الثورية . ثم إلى القاهرة التي اعتقل فيها مرتين ثم غادرها إلى بيروت في فترة حصارها . وكان ينقل مشاهداته وينشرها في جريدة " العودة 
" .ثم غادر بيروت إلى اليمن الديموقراطية مع خروج المقاومة . وكانت دمشق مقراً أخيراً لإقامته وآخر محطاته .
كنت ألتقي به كثيراً في المناسبات الفنية أو الأدبية .وكلما تصافح نظرانا كان يبتسم . فأمضي وأنا أحمل المزيد من الدهشة والتساؤلات حول هذا الجسد الذي لايألف الراحة وهو يجلس بين صفوة من الكتَّاب والشعراء , يهبهم طراوة الحديث ونضارة الأفكار . حتى أصبحت ممن يحبون لقاءه والاستمتاع بمجلسه ونقاشاته وتجلياته . 
وفي المرة الأخيرة التي رأيته بها ,استبقني بنظرة طفل غرير وابتسامة عذبة ,وبدماثته اللامتناهية قال :
ـ هل زعلتِ مني بالأمس ؟ 
قلتُ :متلعثمة لا لكل إنسان ظروفه .
قال: أنا اليوم مرتاح وجاهز للحوار . 
قلت: 
ـ أنا " بقى " لستُ جاهزة للحوار .مضطرة أن أذهب لتغطية نشاط المهرجان السينمائي اليوم .. 
ضحك قائلاً :
ـ هذا يعني أنكِ مازلت غاضبة مني .
ـ وهل تعتقد أني " تفيدة أو سلطانة " تزعلني متى تشاء ,وترضيني متى تشاء ؟! 
أنا لست بطلة من أبطال رواياتك . 
ـ وهل تكرهين أن تكوني بطلة من أبطال رواياتي ؟ 
ـ بصراحة لستُ من أنصار هذا النوع من البطلات اللواتي يزرْنَكَ في اوقات القيلولة , وفي الأجواء الخماسينية الحارة .
ـ تقصدين ليلى , صدقيني أنا مظلوم .ليلى كانت طالبة في معهد السينما , جاءت لزيارتي وكانت مشمئزة من ذلك الحر . يومها خرجنا وجلسنا في كازينو ثم أوصلتها إلى موقف الباص وعدْتُ راجلاً. 
قلت ضاحكة :
ـ اردتَ ان تحلم دون أن يقطع عليك السائق أحلامك . 
ـ لا والله ...لم أكن أحلم .بل كانت حرارتي تكاد تقارب الأربعين درجة .
ـ إذا عدتََ سيراً على الأقدام لأنك دفعتَ كل ماتملك في الكازينو, ولم تحتفظ بأجرة الركوب 
ــ ليه فقد كنتُ أعمل في وكالة أنباء وكان لدي فلوس كفاية .
ـ هذا يؤكد أنك بطل الرواية الذي كان يقوم بنفس العمل . حتى اسم البطل كان نفسه .وقد تحدثتَ في الرواية عن تجربة في السجن في مصر .فهل سُجِنتَ هناك ؟
ـ لقد كان ذلك في زمن ملاحقة اليساريين في مصر . وسُجنتُ لأسباب سياسية في سجن القلعة في القاهرة .
ـ ولكنني كررت قراءة هذا المشهد أكثر من مرة لأعرف ماذا حلَّ ببطل الرواية "غالب في السجن؟ وأي عذاب كان يعاني ؟ . ولم أعثر على صور كثيرة تروي شغفي لتلك المعرفة .
ـ "يبقى كنتِ عايزة تشمتي فيَّ " . 
ـ لا والله كنت عايزة أحس بوجعك . 
للحديث بقية

قراءة الناقد العراقي الاستاذ علاء الحامد، لاحد نصوص الشاعرة عليا عيسى... (لدغة انوثة مفرطة) .

ماذا لو خطونا خطوتنا على أثر الفكرة في اللغة ، فهذا يعني سنجاور بعض المقاربات الرمزية ضمن منهجية معنى المعنى الذي يدعمنا حول الخوض في قصائدية مرحلتنا الان ، لذلك ينسجم الماضي مع الآن ، ولكن قوة الآن المستقبلية والحضورية هي الأقوى ، لأن الماضي قد مضى ، وإعادته ضمن دائرة حاضرة وليس دائرة الماضي ، ومثلما تتقارب اللغة الرمزية في النصّ الشعري ، تتقارب معها اللغة الانية في التقصي والبلوغ واعلان الفكرة من خلال لحظات كتابية ، تدعمنا وتدعم الشاعر بشكل عام ..
لدغة أنوثة مفرطة :
من خلال هذا العنوان الذي يبين لنا بأن لحظة كتابته يقودنا ليس فقط لخدمة النص والتعرف على محتوياته ، بقدر ما ، لحظة تعبيرية موجزة ، تحمل احتجاجا واضحا مع دلالاتها المتحولة من خلال المعاني المتداخلة والتي تقودنا الى تقاربات رمزية ، فاللدغة ( لدغة عقرب موجعة ) وهنا لدغة أنوثة تبشرنا بحالة الوجع المفرح للأنوثة ، فتحولت الحالة من المأساة الى نشوة داخلية تدفعنا الى الأريحية ..
الشاعرة السورية عليا عيسى والتي تخطو خطواتها ببطء وهي تقودنا مع حالات تنكرية في بعض الأحيان ، وهي حالة مأساة يومية أو لنقل معاناة داخلية من خلال التذكر والتفكير بالمعاني ، لذلك توجز منهجية الجملة الشعرية ، بينما تقودنا من خلال المشهد الشعري الى حالات تنظيرية تدفعنا الى اللزوم الشعري ، وهذا هو العامل الانفعالي بين اليومي المحكي ، وبين الذات المتحولة من اليومي المحكي الى اليومي الشاعري ..
(( إنّ كشف الذات عن تجربتها مع العالم هو – في الآن نفسه – إيجاد لوجودها هي نفسها في الزمن . يؤكد هذا ارتباط فاعلية الكشف من حيث هي حركة تحول مستمرة في الزمن ؛ بفاعلية الايجاد ، من حيث هي وجود منبثق عن تلك الحركة . يتحقق بتحققها ويتوقف بتوقفها . – ص 62 – الذات الشاعرة في شعر الحداثة العربية – د . عبد الواسع الحميري )) . لتصبح الذات نفسها جزء من العمل التأثيري اليومي طالما هناك حركة للزمن ، تحرك الذات ، وكذلك حركة الذات التي تحرك زمن وقوع الفعل ..
تميل الذات الى الرمزية كمعان مرسَلة ، لذلك تتجنب حدوث الـ " أنا " بين جسد القصيدة ، وتبدلها بالغائب في بعض الأحيان أو تشير اليها أو ترمز بلفظة تكون مرجعية للذات نفسها ..
مَن عرّى مساءاتِكَ،
مِن لعنة النوم.
ثمّ ألبسَها تعويذةً بلون الأرق.
طُوِيَتْ أسرارُها ...
على حروبِ انعتاق،
و مجازرِ احتراق،
قد ... رفَعَتْ اسمَكَ للسفارات..
...
سفر للتكوين الموجه مابين الحدث الاني للـ " أنا " ومابين الحدث الموجه للاخر، وهذا السفر يختص بالتحليل اللفظي التفكري ، ونعني من ذلك تفكيك الحدث المنقول من خلال فكرة ، واسنادها بشكلها الخلاق الى الاخر ، وان كان الاخر صامتا ، ولكن يتحرك من خلال الالفاظ التي اختارتها الشاعرة السورية عليا عيسى ، وكل لفظة كانت مكونة ضمن عبارة أو جملة شعرية ، وهذا مايقودنا الى منهجية الشعر ومن خصوصياته كيفية توظيف أدواته ضمن الشيء المتحرك ..
مَن عرّى مساءاتِكَ، + مِن لعنة النوم. + ثمّ ألبسَها تعويذةً بلون الأرق. + طُوِيَتْ أسرارُها ...+ على حروبِ انعتاق، + و مجازرِ احتراق، + قد ... رفَعَتْ اسمَكَ للسفارات..
لايمكننا اختزال المعنى بدون ايجاد بعض الاختلافات مابين المحسوس المتحرك بصيغة الـ " أنا " غير الظاهرة ، ومابين المحسوس والمتلقي عبر وسيلة الـ " هو " أو متلقي النصّ أو القارئ ، ومن خلال هذه الحالات تظهر الينا حركة المعاني المتجمعة حول الذات مما تشير إلينا بأن الشاعرة ومن خلال حركية ذاتها قد وجهت بياناتها نحو القصدية ، وربما يكون المقصود غائبا وهذا مايحدث عادة ، فنقع على نقطتين مجهولتين ، الذات الغائبة والمتحركة ، والمقصود الغائب الذي تتنقله قصدية الشاعرة من خلال المرسَلة ..
فيبان الينا : المرسِل والمرسَل إليه ...... والمرسَلة ..
...
جزء من نصّ ضمن ورشتنا في مجلة رؤيا لعدد من الشعراء
وقد بدأنا بالشاعرة والاعلامية التونسية سهام محمد
#لدغة_أنوثة_مفرطة
.........................
ترى !
مَن عرّى مساءاتِكَ،
مِن لعنة النوم.
ثمّ ألبسَها تعويذةً بلون الأرق.
طُوِيَتْ أسرارُها ...
على حروبِ انعتاق،
و مجازرِ احتراق،
قد ... رفَعَتْ اسمَكَ للسفارات..
ِ لاجئَ عناق،
في بلادٍ ...تكفُرُ بالعناق.
وتلحدُ بارتكاب المطر في فصولِ السهر.
ترى!
مَن جعلكَ تستجدي العودةَ،
مبعوثَ هذيان،
لمدائنِ النبيذ،
في قصيدةٍ وثنيّةِ الأوزان،
تبتردُ عطرَكَ مخمورةً فوق عرشِ الورق.
ترى!
مَن علّقَ ربطةَ عنقِكَ العصرية،
بمشابكِ نعناعٍ بريّة،
وحوّطَ ياقةَ رزانتك بحنوطِ نزقِ الاعصار.
حتّى تدحرجَ سؤالٌ مراهقُ الاتزانِ،
يتعفّرُ بلثغةٍ جاهليّة،
على شفةِ انتظار .
يستدرُّ من جلبابِ الجوابِ ...
مواعيدا
تُعِيدُ مهابةَ النبض،
لكنْ ...على ذمةِ الغرق.
.............

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لتجربة الشاعرة ( مليكة الجباري ) من خلال ديوانها ( في قلب العاصفة ) عنوان الدراسة الذرائعية المستقطعة ( سلطة فعل الكتابة في التجربة الشعرية للشاعرة ( مليكة الجباري )/ الجزء الأول .للناقد/ الصوفي عبد الرحمن الصوفي

تقديم:
بسم الله الرحمن الرحيم
يجب أن تتوفر العديد من الشروط في الناقد الأدبي ، وهي سلامة الذوق . الذكاء والخبرة ، المتمثلة في معرفة الناقد بالأدب بشكل كامل . دقة الإحساس ، أي انفعالات الأدب في الناقد وأثرها ، التعاطف ، أي بمعنى المشاركة الوجدانية . الثقافة الخاصة والعامة والفردية أي الذاتية ، والصدق والجدية والإخلاص والصبر بالمواصلة وحب صيد الأفكار المخبوءة بأي شكل من الأشكال .
الناقد الذرائعي ( النظرية الذرائعة لمنظرها عبدالرزاق عودة الغالبي ) ، تقف موقفا خاصا أمام كل عمل فني أدبي ، موقف يؤكد على مسؤولية الناقد الجسيمة ، على أعتبار أن القصيدة أو التجربة المراد دراستها على حد كبير من الصعوبة والخطورة ، لأنه ليس ثمة من من يساعد الناقد على أن يخطو هذه الخطوة الأولى والضرورية ، والمطلوب قراءته لما بين يديه ، أي القصيدة أو التجربة الشعرية ، كما لو كانت هي قراءته الأولى على الإطلاق ، لأنه سيكون المسؤول الوحيد عن قراءته . من حيث أن كل ناقد بل كل قارئ من حواليه ستكون له قراءته المستقلة ، ونشير أنه من الأفضل للناقد الذرائعي أن يقرأ ما بين يديه مرات كثيرة معمقا معرفة صاحبا وقشرتها النصية أو مدها البصري ( المدخل البصري ) ، بل مطلوب من الناقد الذرائعي معرفة جملة الظروف التي تحيط بالنص أو التجربة عموما حتى يسهل عليه التقمص ( المدخل التقمصي ) ، وعلى الناقد الذرائعي أن لا يتناسى أن كل تجربة شعرية هي أعمق وأخصب . وعلى الناقد أن يسأل نفسه ، ما الذي دفعه إلى اختياره ؟ ما الحجة ؟ وما وسائل غوصه في أعماق النصوص ؟ ...النظرية الذرائعية لم تترك الباب مفتوحا أمام هواجس الناقدوأهواءه وتساؤلاته ، بل زودته ب ( المدخل الرقمي الساند ) الحكم الوسيط والمقنع للناقد والشاعر والمتلقي . يقول عبدالرزاق عودة الغالبي : " ليتسنى للناقد إسناد تحليله على جدار نقدي علمي قوي ، عليه أن يختبر تحليله بجمع مجموع الدلالات الحسية ، والأعمدة الرمزية وتحليلها ، ثم حسابها رقميا ، ليثبت رجاحة الدلالات وموازنتها ، مع بعضها البعض وتحديد درجة الميل لكل واحدة منها ، بذلك يكون قد أسند آراءه النقدية رقميا وحسابيا بأحكام رقمية بحثة لا تقبل الشك ، وتزرع اليقين لدى كل متلق أو ناقد ..."
======== المدخل البصري لديوان الشاعرة " مليكة الجباري " " في قلب العاصفة " ===============
ديوان الشاعرة " في قلب العاصفة " يقع في مائة صفة ، تضم دفته الأولى لوحة تشكيلية رباعية الأبعاد ، أما دفته الثانية صورة الشاعرة وسيرتها الذاتية . لقد قدم للديوان الناقد الأدبي " محمد يوب ، ومما جاء في تقديمه : " إذا كان الشعر يتتبع تفاصيل الواقع وفسيفسائه ، فإن الناقد الأدبي يتتبع واقع القصيدة ، وتفاصيل الجمل الشعرية وهي تتواشج فيما بينها ، من أجل خلق متعة فنية ترقى إلى أفق انتظار المتلقي ودائقته ، وبما أن القصيدة في عمومها عبارة عن جسد يشعر بما يشعر به الإنسان ، لها أحاسيس ومشاعر ، فإنها تزداد حساسية عندما تتشاكل وتتمازج مع ذات الشاعر ، محدثة روحا واحدة ، وهذا ما نراه في ديوان " في قلب العاصفة " حيث أن الشاعرة والجمل الشعرية روحان حلا في جسد القصيدة ..."
يضم الديون ثمان وثلاثين قصيدة تختلف من حيث الطول والقصر ، تحمل اسطر النصوص مختلف وجل علامات الترقيم ، كما أن بعض القصائد ذكرت الشاعرة تاريخها ، منها قصيدة " قيودي 1984" و قصيدة " صرخة حروف 1985 " و قصيدة " إنسانيتي تئن 1986 " و قصيدة " الفكر الأرجواني 1988 " وقصيدة " أمل 1991 " وقصيدة " يا امرأة 1992 " وقصائد أخرى لم تذكر الشاعرة تاريخها ، منها قصيدة " في قلب العاصفة " و قصيدة " ثورة امرأة " وقصيدة " أيها الظلم " وقصائد أخرى طبعا . وكل القصائد من صنف الشعر النثري .
تقول الشاعرة في إهداء الديوان : " ذاك القابض على الحروف ، أخبرك ...على شفاه السطور في قلب العاصفة تعلمت كيف أسرد الفرح كيف أرسم الحزن ...كيف ألبس القصيدة لأربك جفون الحلم الغامض وأنا على مشارف الطريق إلى الحياة نكاية بالحزن ليتعرى أرذال من يقتل الحب فينا .
لن ألزم بحر العشق بإغراقي ، سأسبح إليه لإشعال فتيل الضوء أثناء ولادة كل قصيدة ... في قلب العاصفة جهزت قوافل دفئ الكلمات ، وعقدت هدنة لتكبيل ضجيج شتلات الأنثى ، فأصبح ثغر الصوت يضيق الخناق على كل لحن نشاز يسكن الحلم عندما تنطق أرواحنا هكذا نقوض البناء المشروخ في عقولنا ... فما أحوجنا لهدم خلاق يعيد ترتيبنا . ( قصائد تمتد أنفاسها من ( 1982 ) .
============= السيرة الذاتية للشاعرة " مليكة الجباري " ============================
جاء في الكتاب النقدي المعنون ب ( مليكة الجباري : عنقاء اللوكوس " الكتابة ، الوجود ، التمرد ) للكاتب الإعلامي والناقد والأديب " مجدالدين سعودي " ما يلي :
" مليكة الجباري حاصلة على الإجازة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة محمدبن عبدالله بفاس ...أستاذة وجمعوية ، رئيسة جمعية السلم للتنمية والثقافة بمدينة العرائش ..حقوقية كتبت منذ الثمانينات في عدة ملحقات ثقافية ( المثاق الوطني ، العلم ...) اهتمت بمسرح الطفل وشاركت في لجنة التحكيم المسرحية في عدة ملتقيات ثقافية عديدة خارج الوطن وداخله وحازت على جوائز تقديرية ...
تقول مليكة الجباري عن نفسها : ( ولدت بالمشرق ، من أم شرقية وأب شمالي من أصول مولاي عبدالسلام بن مشيش ، درست في وجدة وبوعرفة ، أحببت الجبال والصحراء وعشت طفولتي متنقلة بين مدرسة ومدرسة بسبب عمل الأب كضابط في الجيش بكل من تازة ووجدة وبوعرفة ... درست الثانوي بالقصر الكبير والجامعة بفاس ، مارست المسرح والعمل الجمعوي والحقوقي والرياضي ...)
_ اصداراتها الشعرية :
( في قلب العاصفة _ على صهوة الجموح _ شذرات مجنحة _ رؤى آجلة _ العشق والهجران " ديوان مشترك بالعربية " )
====== البؤرة التابثة في نصوص ديوان في " في قلب العاصفة " ( سلطة فعل الكتابة ) ==============
من صفات النصوص الرصينة المتكاملة الشروط النصية البنائية الجمالية ، أحتوائه على إستاتيكية وديناميكية التنصيص في الأفكار والأيديلوجيات الإنسانية وحتى في الشكل البصري ، فتلمس ذلك ، وهي محطة البؤرة التابثة في النصوص ، أيديلوجية الشاعر أو الكاتب الأديب واستراتجيته الفكرية ونظرته نحو مجتمعه ، وتلك رسالة إنسانية يتميز بها كل الأدباء والشعراء ، فتشكل تلك النقطة مرتكزا تابثا ، وبؤرة لا يمكن تغييرها أو التلاعب فيها نقديا . على الناقد المتمكن أن يثبت تلك اللحظة ومحطتها ويقف عندها في كل تجربة أدبية ، وعليه كذلك محاكاتها وإبرازها بشكل يستحق ذلك ، ومنها سينطلق نحو التنوع في مخبوءات النصوص لكل تجربة شعرية أو أدبية ، مبرزا دلالاتها السيميائية والرمزية ...
سنركز على " سلطة فعل الكتابة " كبؤرة تابثة في نصوص التجربة الشعرية للشاعرة " مليكة الجباري " من خلال دراستنا الذرائعية المستقطة لديوان " في قلب العاصفة " ، مركزين على دراسة التجربة الشعرية للشاعرة في ديوانها الأول ( في قلب العاصفة ) ، وسنواصل دراسة تجربتها الشعرية في كل دواوينها إن شاء الله ، مركزين استقطاع لمداخل النظرية العديدة والمتعددة . دراستنا هذه هي الجزء الأول ، والجزء الثاني . وكإشارة مهمة قرأنا كل دواوينها مرات كثيرة ، وسجلنا ملاحظاتنا التي تخص كل ديوان ، وكذلك المفاتيح النقدية ، كما أننا لم نغفل عودتنا للشعر المغربي خلال أربعين سنة ، رغبة منا في تمييز تجربة الشاعرة ( مليكة الجباري ) عن كل التجارب الشعرية الأخرى .

================= ====== لحظة " سلطة فعل الكتابة " ===========================
تعبر الكتابة عن كل تسجيل مرئي لكافة لغات الكون المختلفة ، حيث تمكن من حفظ وإرسال الأفكار عبر المسافات الشاسعة جدا . ونشير إلى أن الكتابة تختلف عن اللغة ، حيث أن هذه الأخيرة نظام معقد في الدماغ يسمح بإنتاج وتفسير الألفاظ ، أما الكتابة فهي طريقة تنطوي على جعل الكلام ظاهرا ، ورغم ذلك يصعب التمييز بينهما ، لكن مع وظائف الكتابة يتوضح الأمر وينجلي ، فوظائف الكتابة كثيرة جدا ، منها الانتشار الواسع للأخبار المختلفة والفنون والإبدعات ...في جميع أنحاء بقاع الأرض ، كما أن الكتابة وظيفتها الحفاظ على اللغة في كل زمان ومكان . ولحظات فعل الكتابة هما : لحظة ما قبل فعل الكتابة ولحظة فعل الكتابة .
تتكون كل تجربة شعرية من خلال النص الحي الذي ينمو شفهيا ، متحركا زمانيا ومكانيا ليتمكن من تأليف صوت جماعي ، إن التجربة الشعرية بدايتها هي بداية النص عند ولادته والذي لا يبدأ مكتوبا ، بل ينتهي عند الكتابة . والكتابة بهذا المعنى المحدد لحظة اكتمال النص الحي ، سواء دون على ورق أو لم يدون . الكتابة هي اكتمال الشكل وانفصاله عن قائله . مع قابيلته للانتقال بتمامه على ألسنة المتلقين أو ألسنة الرواة . فسلطة فعل الكتابة قد يبدو " بسيطا" لكن كل لفظ له أعماق وأبعاد تناقض أي حكم بالبساطة ، وهكذا يقف مفهوم البساطة إزاء مفهوم التعقيد أو الغموض وهي من سمات الشعر الحديث . فالغموض راجع إلى المدلول لا إلى الدال في حد ذاته ، ونؤكد على الغموض يتبدد بمفعول القراءة ، ولا سيما بتعدد القراءات ، فيترك محله لمعان سامية ليست في معاني الكلام في مستواه الإخباري المباشر . والغموض في تجربة الشاعرة لا يحطم المنطق في مقولاته ، ولا اللغة في قواعدها ، ولا تقاليد النظم فيما عرف منها . غموض لا يعطل كل السنن المتعارف عليها بين الشاعرة والمتلقي .
لنتأمل قصيدة من ديوان " في قلب العاصفة للشاعرة " مليكة الجباري " ، القصيدة معنونة ب " امرأة " ، تقول :
لا تسألني من أنا ؟؟
كنت وما أصبحت أنا ،
أكتب حرفي على الوسادة ،
أغرس الرياحين وشما ،
باسمك عادة ،
وتسألني من أنا ؟؟
أنا على الشرفة ستار ،
على قلاعك أزهار ،
على ورقك مداد ،
على شاطئك رمال ،
وتسألني من أنا ؟؟.
قلبي لك نبض
يهوى السيادة ،
يرحل البعد عمقا في ضفافك
فأنتمي لترتيلاتك ، وكأنها عبادة ،
وتسألني من أنا ؟؟.
يصرخ البوح جنونا ،
فذاك قوس بنبال ،
وعويل الحرف لا يتقن الرماية ،
فمن يرسم الهمس لوحة ،
لعلمه : الشوق لا يحتاج كتابة ،
فصبرا على التائه بين النبال ،
القوس بين كفيه لا يحتاج وصاية .
سلطة فعل الكتابة الكتابة هي اكتمال للمعنى والشكل ( أكتب حرفي على وسادة ) . هذا لا ينفي عن النص المكتمل الانفتاح ، وقابليته لقراءات متنوعة ، ولتأويلات ، ولا اختلاف فيتحقق حياته النصية . لكن النص المفتوح غير النص الحي ، بالمعنى الذي حددناه . النصوص المفتوحة يصطلح بديلا لاصطلاح النص المفتوح الذي هو نص مكتمل ، لكنه يحتمل قراءات متعددة ، أو يسمح للقارئ أن يختار فيه موقع محاور ، وأن يبصر سياق العمل استنادا إليها ، فيسهم القارئ بشكل شخصي ذهني أي لا يتدخل في مادة النص ، وتدخله في بنائه محدود جدا ، وأيا كان التنوع في القراءة والتأويل فإنه لا يلزم أي قارئ آخر ، قد يشكل طورا جديدا من أطوار النص ، لكن النص الأصلي يبقى المرجع ، فحتى لو اعتبرنا النص المفتوح المكتمل مجموعة قراءاته ، فإن هذه القراءات تتدخل في الدلالة والا تتدخل في الدال ، النصوص الحية هي دوما متطورة ومتنامية ( لا تسألني من أنا ؟؟ ) على صعيدي الدال والدلالة معا ، واكتمال النص هو اكتمال الدال ، ومن ثم قابليته للاستمرار والانتقال بتمامه ، واكتمال النص الحي هنا يوصل النص الجمعي إلى سلطة فعل الكتابة . ( ويصرخ البوح جنونا / وعويل الحرف لا يتقن الرماية / فمن يرسم الهمس لوحة / القوس بين كفيه لا يحتاج وصاية ) . يقول الناقد المغربي ( سعيد فرحاوي ) : " ...لا تكتب إلا ليكون النص صادقا يعبرها وهي تتنفسه ، تستعير حروف كتاباتها من جوفها ( الشاعرة مليكة الجباري ) الذي يعشق الشمس وهي تخيط الطريق ..." .
تقول الشاعرة في قصيدة أخرى عنوانها " أنين الصمت "
ما أصعب أن تتكلم
وتنسى
أن الذي أمامك نسي الكلام
وأتلف الأحلام
وكسر الأقلام
وأهداني صمتا
بدون عنوان
فهل أجعل كل صمت
كلاما ...
الكتابة لها قوة السلطة ( ما أصعب أن تتكلم ) بمختلف معانيها ، ففعل الكتابة " مكتوب " مرادف " للمقدر " ، " والمكتوب ما منه هروب " ، الكتابة بدأت في الحجر ليبقى المكتوب . فالتجربة الشعرية الحديثة عند الشاعرة " مليكة الجباري " تعود بالشعر العربي إلى سالف عهده التليد من حيث تحرير القصيدة من النمطية العروضية التابثة ، إلى إيقاع اللغة وما تحمله من تشكيل مرتبط بالأفكار وإيقاعها ، إضافة إلى إيقاع الصور وانسيابها داخل القصيدة في نمو متنوع . ولكن مرتبطة دوما ب " بسلطة فعل الكتابة " ( فهل أجعل كل صمت ... كلاما ) . قال أحدهم لمن تكتبين ؟ وتجيب الشاعرة ( مليكة الجباري ) : " أكتب لجيل قادم من ثورة التكنولوجيا ...جيل قد لا يرحم أفكاري وقد لا يقبل .. أو يقبل خطابي ... أكتب له ولا أنسى أنه عقل وفكر ونبض له مقومات أخرى يدفعني هذا لتغيير نمطية الصورة الواحدة في كل كتابة ، فأختال بين الأزمنة أستحضر التاريخ أوظف مقاربات أرهق الخطوط العريضة التي شكلتها بين المسافات ...أتملص ما أمكن عن عبادة منهج آخر رغم الإعجاب به .. أتفق ومقولة أدونيس في إشارته للحداثة أنها منظور كوني والقصيدة جزء من هذا المنظور .. نجتهد قد نصيب وقد نخطئ لكن نصيبنا من الاجتهاد نستمد شرعيته من رؤيتنا للقضايا والأمور العالقة بيننا كإنسانة متفاعلة ، فاعلة جمعوية وحقوقية كممارسة للعملية التربوية ولا أنسى أني أنثى قابضة على جمرة النبض تعشق جمال كل شيء في الكون ) .
نتابع ( سلطة فعل الكتابة ) عند الشاعرة في قصيدتها المعنونة ب " قيودي " 1984
زمن القيود قلت رحل ،
فوجدت زماني أقسى القيود .
كبلتني نشوة التغريد ،
ونسيت أن للتغريد صيادا،
فاحملني ياصاحب القيود ،
لأكون التلاشي فيك .
احملني لأتهادى فيك دون تقسيم ،
كوريقات استعارت عيون الندى ...
أنا سأمكث في حقول الفراشات ،
دون انشطار في زمن الغياب .
أتحصن في نجوم ضريرة ...
عمرك يقترب من تضاريس عمري .
هذا الحلم أينع في مملكة ،
منحوتة بين كفيك ...
زمن القيود قلت رحل ،
لكن الزمن فيك أجمل القيود
بسطت لي شوارع بكروم ،
كومة الحب في عنبها سلمتني لك ،
لا انفلات من الغرق فيك .
من كوة الضوء في عينيك ؛
أتابع روايتي ..
أتابع الدهشة فيك .
سأكسرها على المداد
سأكتب بها أشعاري
ونصائح لصغاري ...
التجربة الشعرية المجيدة هي التي تنجح في إنتاج وإبداع علاقات متجاوبة تتبين كل عناصرها ، فترقى القصيدة حينها إلى مستوى الإبداع ، في حين يسقط كثير من الشعراء المحدثين ، لأنهم لم يفهموا من العملية الشعرية غير ظاهرها وشكلياتها ، فيجيئ شعرهم رصا لأفكار ذهنية في جمل متعاقبة لا يربط بينها رابط ، ولو لعبنا بتغيرها وترتيبها لما تغيرت حالتها ، والقضية ترجع إلى الشاعر نفسه ، فهناك الشاعر المجيد الذي سبر الشعر وعرفه حق المعرفة ، والمدعي الذي دخل إلى مملكة الشعر متطفلا عليها ، والأمر كما قال ابن رشيق في العمدة :" إن عمل الشعر في الحادق به أشد من نقل الصخر ، وإن الشعر كالبحر ؛ أهون ما يكون عن العالم . وإن أتعب أصحابه قلبا من عرفه من حق معرفته " . تجربة شعرية متصاعدة دوما من ترسيخ سلطة فعل الكتابة للتميز بتجربتها الشعرية ، ( سأكسرها على المداد / سأكتب بها أشعاري / ونصائح لصغاري ) .
ولنتأمل معا قصيدة أخرى من نفس التجربة الشعرية " معنونة ب " صرخة حروف " 1985
احترق القلب ، طال الانتظار ،
تململ الجفن وقدم الاعتذار ،
لألف تهاوت ،
للام تساوت ،
بحاء تنادت ،
لتعجب برسم الباء .
لاستفهام لون الضاد ،
لكلمات صرخت بعدها :
لا للسان الأحمر ،
لا للون الأسمر ،
ولا لسائح في مواطن الكلمات ...
إدانتك
لسانك أرضنا
لقاتل طفلنا
لا تساوم اللون الأسمر ،
لا تظلم الكتاب الأكبر ،
ولا ترسم الشوارع باللون الأحمر .
بالكلمة بالقلم فجر الشمس والقمر .
وارسم لوحة الحب والأمل ،
وارسم لوحة الحب والأمل ،
واهد شمعة لمن عشق
حب الأرض والسماء .
تجربة شعرية( سلطة فعل الكتابة ) ( للألف تهاوت / للام تساوت / بحاء تنادت / لتحجب برسم الباء / لاستفهام لون الضاد / لكلمات صرخت بعدها ) ، عمل إبداعي معقد وهو من سمات الشعر الحديث ، يحتاج إنتاجه إلى وقت للمراجعة والقراءة . وجهد التأمل والفهم يتطلبان القراءة الصامتة والفردية ، على اعتبار أن القصيدة عملية فنية معقدة تتخذ مسارا متناقضا لحركية العصر وسرعته ، وكأنها محاولة انقاد الإنسان المعاصر وانتشاله من دوامة المتاهات النفسية المرهقة . والتجربة الشعرية عند الشاعرة " مليكة جباري " تساير الإنسان العربي وما يمر به من نقلات حضارية جريئة ، ويتمثل أحد مظاهرها في انتقال طريقه في التفكير من التجزيئ إلى الكلية . تجربة شعرية تنقلنا شعر الحالة المتكاملة تتطلب فهم القارئ والمتلقي العريض لها . كما أن التجربة الشعرية عند شاعرتنا أدركت أن الإيقاع شرط أساسي في الشعر العربي خاصة . فلجأت إلى الإيقاع اللغوي إضافة إلى صور إيقاع أخرى التي تحدثها الأفكار والصور والنغمات وهي قيمة أساسية . وإيقاع اللغة عندها مرتبط باللغة العربية ذات الإيقاع الموسيقي الرفيع والشامل ، لأن الإعراب أحد سمات اللغة العربية الأساسية ، وله فيها أهمية عضوية ، إذ بدونه تتعطل اللغة . ووظيفة الإعراب على أواخر الكلمات ، تتحدد فيه المعاني ، فالإعراب مرتبط ارتباطا كاملا بالمعنى ، وداخله يثم ربط الفكر بالإيقاع الفني للكلمات ، فيحصل عندئذ ضربان من الإيقاع في كل كلمة ، أحدهما ذهني والآخر فني ، وهذا يزيد من وقع الكلمات على نفسية المتلقي ويسكن في ذهنه ووجدانه . ( بالكلمة بالقلم فجر الشمس والقمر / وارسم لوحة الحب والأمل ) .
وننتقل معا لنتأمل قصيدة أخرى من داخل التجربةالشعرية ل " مليكة الجباري " القصيدة معنونة ب " إنسانيتي تئن " 1986
دعيني أكبر مع أحلامي
اجعليني أكتب مع أحلامي ؛
فأنا الغضب .
أنا الورقة التي احترقت بمدادك ،
أنا السنبلة تنتظر حبات مطر .
لا تعاتبوني :
فالامتهان أسقطني
من زمن الحقيقة ،
وأسكنني أكذوبة
بين المطرقة والسندان .
اجعليني أصرخ
من خيبة تلد كل يوم سوادا ،
بالجفاء لوجودي
تصنع الأحداث
والمقابر .
الأوتاد :
اكسروها بالغناء .
أطرقوا أبواب الأصفياء ...
تمهلوا ...
لا تسكنوني قصرا في الفضاء .
إنسانيتي تئن من الاستعلاء
قد أصبحت عملة لا تليق إلا بالأقوياء ...
سلطة فعل الكتابة في التجربة الشعرية للشاعرة " مليكة الجباري " ، لا تخرج عن الأدب عموما والذي هو عملية إبداع جمالي ، وهو كذلك تذوق جمالي للمتلقي ، وهدفه طبعا ليس نفعيا بل جماليا ، إذ تسعى التجربة إلى إحداث انفعال في النفس ، ولتحقيق هذا الهدف أحكمت بناء اللغة والصورة الشعرية والإيقاع ، من داخل سلطة فعل الكتابة . للغة في التجربة الشعرية وسلطة فعل الكتابة رموز تثير في الصورة في الذهن . والصورة يتلقاها الإنسان من الخارج ، أو يكونها من الجمع بين أشتات من عناصر خارجية ، تتألف من خلالها الكلمات في تركيبة جمالية ذات طاقة انفعالية .( اجعليني أكتب مع أحلامي ) وبذلك تكون اللغة في قصائد الديوان وسيلة للإيحاء وليست أداة لنقل معان محددة . ونشير إلى أن هنا يكمن الفرق بين المعنى العقلي للكلمات والمعنى التخيلي لها . اللغة الشعرية إدن رمز للعالم كما يتصوره الشاعر ، وكذلك رمز لعالم الشاعرة النفسي ( إنسانيتي تئن من الاستعلاء ) . ونؤكد على أنه على هذا الأساس يفهم الشعر ، وإلا أخلطنا بين الشعر وما ليس بشعر . لغة الشعر في تجربة الشاعرة " مليكة الجباري " لغة مجازية انفعالية ، وقد قال " ابن سينا " : " كانت العرب تقول الشعر لوجهين : إحداهما ليؤثر في النفس أمرا من الأمور تعد به ، نحو فعل الانفعال ، والثاني للتعجب فقط ، فكانت تشبه كل شيء لتعجب بحسن التشبيه " . فأخذت الصورة في التجربة الشعرية دورا رئيسيا ، فصارت توضح المعنى وتؤكده في الذهن . حالة شعرية تنبع من أعماقها كل المعاني الموحاة من الشاعرة والمتخيلة من القارئ ، لما في الصور داخل التجربة من دفق شعوري فياض .
ولنستعد معا للغوص في تجربة " مليكة الجباري " / من خلال قصيدة أخرى من قصائد الشاعرة تحمل عنوان " في قلب العاصفة "
لماذا تربني على الصمت ؟
اللغة المراوغة ملتبسة بالحب ،
كانت الولادة قصيدة ...
هذه الشهقة على أطرافها ...
لا تعلم البكاء ...
لا تعلم البصراخ ،
هي فقط تعلمني رسم الحلم .
حلمي على أبراج عشتار وفينوس ،
على قلعة من قلاع أفروديت ؛
لألتهم الض ء ...
وألهتم أحجية العشق ...
سأتخلص من فخاخ الحزن ،
لأني أنا ورائحة عطري
نعزف لذاكرة الحب وحدنا ،
ليستفيق مفتونا بي وبالفراشات ،
يدور ويدور ...في جوف لحظاته ،
هي لي ...
لعلي أمنح قلبي جنونا
وجنون قلب العاصفة
عشرون سنة مضت وأنا أكتب ...
وأمزق شراشيف المعاني .
أكتب وأرسل للرياح شهقاتي ...
عشرون سنة لا يهجرني هذا الدفء .
شقي هذا الحب ...
سأهز صبابة نخلة ،
سأنتظر رطبا تحت ظلاله .
إني أنا التي تحمل سخرية للحياة .
الولادة قصيدة في قلب العاصفة .
سلطة فعل الكتابة في التجربة الشعرية عند " مليكة الجباري " مرتبط الصلة بالشعر الحديث ، ومواقفه الحياتية التي هي كثيرة ومختلفة (لماذا تربني على الصمت / اللغة المراوغة ملتبسة بالحب / كانت الولادة قصيدة ) ، فإذا كانت الشاعرة مسؤولة عن قصيدتها ، فلابد لسلطة فعل الكتابة أن ينحو منحى مزدوجا ، للقصيدة أولا ولأنفسنا في آن واحد ، فيتكون خلال وعينا حضور سلطة فعل الكتابة المعرفي ، وهو حضور تجريبي ، نعرفه من خلاله أنفسنا بقدر معرفتنا للقصيدة ، ونبين المعرفة التجريبية في التجربة الشعرية الذي يمكن أن يتواجد لحظة القراءة . الشاعرة كونت لنفسها اتساع نطاق لا يناسب زمن الشاعر الحياتي فقط ، بقدر ما يناسب قوة الشاعرة التي لها مقاييسها الخاصة في سلطة فعل الكتابة وداخل تجربتها الشعرية غير محدودة الزمان وتنفتح انفتاحا عميقا نحو المستقبل . تطابق يكون ويجمع العناصر الشعرية المكونة للقصيدة دورها العضوي ، لا يمكن الاستغناء عنه ، منها الشكل والوضوع والمضمون والإيقاع والنبرة ، وكذلك ما نسميه بالأسلوب ، والمتمثل في ظلاله وأضوائه وأعماقه ومساحاته . تجربة شعرية تحوي كل هذه العناصر ، بوصفها تركيبة عضوية متماسكة ، يعايشها القارئ من خلال تجربة القصيدة . ( عشرون سنة وأنا أكتب .../ وأمزق شراشيف المعاني / أكتب وأرسل للرياح شهقاتي )
اعتمدت الشاعرة ذكر الأسطورة، لتقوي سلطة فعل الكتابة ، كما اعتمدها الشاعر الحديث لتصوير حالاته الشعرية ، والهدف من استخدام الأسطورة هو استثارة المخزون العاطفي والنفسي ، وللأسطورة وقع خاص في وجدان القارئ ، ليدفع به إلى الانفعال بعالم القصيدة ، ونجحت الشاعرة في أداء وظيفة الأسطورة حين جعلتها مفهومة لدى المتلقي ، ومتجاوب مدلولها مع حقيقة مشاعره . يقول حازم القرطاجني في منهاجه : ( أحسن الأشياء التي تعرف ويتأثر لها ...هي الأشياء التي فطرت النفوس على استلذاذها ، أو التألم منها ، أو ما وجد فيه الحالان من اللذة والألم ، كالذكريات للهعود الحميدة المنصرفة التي توجد النفوس تلتذ بتخيلها وذكرها ، وتتألم من تقضيها وانصرامها ) ، ويدخل في قوله هذا استخدام الأسطورة ، فكلما كانت وثيقة في نفوس المتلقين صارت أقرب إلى استثارة مكنون نفسية المتلقي . أما إذا كانت الأسطورة غريبة عليهم أو مناقضة لمعتقدهم فهذا من دواعي النفور منها ومن القصيدة ككل . تمسكت الشاعرة في تجربتها على إبداع شعر أصيل يعتمد على الموروث الأصيل محاولة تفجيره في ضمير القارئ . ( إني أنا التي تحمل سخرية الحياة / الولادة قصيدة في قلب العاصفة ) .
تقول الشاعرة في قصيدة أخرى عنوانها ( أتنفس فوق الأوراق ) من نفس الديوان ( في قلب العاصفة )
أتنفس فوق الأوراق ،
على أسوارك تعلو
كل أشكال الأولوية ؛
حمراء خضراء رمادية .
يلهمني الدخول .
أسقط الزمن عبر الثقوب .
للرسائل تغريداتها ...
يحتضنني هذا البعد ،
يلهب حمرة مغيب الشمس ،
يلملم بقايا النفس
التواقة للفجر الجديد ،
أدرك الأولوية لون واحد .
باب الدخول موصد .
أسوارك تعلو ... تبعثر أوراقي .
يصعد التنفس ليحكي قصته ،
كانت قصيرة بحلم كبير ،
نثرت زهرة بنفسج على الطاولة .
فنجان قهوة .. وعلى وجهي سؤال :
أكتب حقا ... ؟؟
سلطة فعل الكتابة حاضر دوما في التجربة الشعرية عند الشاعرة ( مليكة الجباري ) ( أتنفس فوق الأوراق / أكتب حقا ...؟؟ ) . تستمد سلطة فعل الكتابة قوتها في التجربة الشعرية عند الشاعرة بكونها من فاعليتها الواعية الصانعة لتفريغ الانفعالات الوجدانية ، الملتزمة بالوضوح المنطقي الذي تشكله اللغة وتتشكل به ، فتنتج اللغة مستويات دلالية مركبة تنم وتتجاوب مع المستوات المعرفية التي ينطوي عليها الوعي الصانع ، فتميل بذلك سلطة فعل الكتابة إلى الوضوح المنطقي أو واحدية المستوى الدلالي ، وكما يقال : ( القصيدة المحدثة ليست زجاجا ناصع الشفافية لا نراه بقدر ما نرى ما يقع وراءه ) .
سلطة فعل الكتابة في تجربة الشاعرة تصبح اللغة فيه وسيلة يتموقع داخلها الخطاب الشعري ، نظام لغوي يتميز عن بقية الأنظمة اللغوية في تجارب أخرى ، خطاب يتسم بجوانب فنية شعرية مبطنة بنظام دلالي خاص مرتبط بتجربة الشاعرة الشعرية ، ذات النصوص المفتوحة على التعددية الاحتمالات التي تملؤهم على مستوى دلالي . تجربة شعرية تسعى من خلالها الشاعرة لتطوير التعامل مع اللفظة المفردة ، أو العبارة المفردة ، وذلك بنقل آلية تعبيرها من مستوى المعنى إلى مستوى معنى المعنى كما يعبر عن ذلك عبدالقاهر الجرجاني .
===================== خاتمة ==================================
ونختم دراستنا الذرائعية المستقطعة لتجربة الشاعرة ( مليكة الجباري ) بشهادة من كتاب مجدالدين سعودي ( مقارباب نقدية في دواوينها الأربع / مليكة الجباري : عنقاء اللوكوس ) والشهادة ل ( الشاعر محسن العافي ) :
( للوهلة الأولى وأنت تقرأ لها ( الشاعرة مليكة الجباري ) تأتيك رسائل قوية غريبة ، تدعوك لمتابعة القراءة ، ذلك ما فسرته حسب قراءتي ، بأنه مساحات ثكلى بالتجاوب العديدة المتنوعة المتعددة على بعد نظر لم يات عبثا ، لنجد نفسك أمام حالة إبداعية مختلفة ، تعنون تيمتها ، بما لها من دعائم ، تقوي حضورها ضمن كثير من الأعمال ، التي يصعب التموقع بينها بأعمال لا ترقى إلى التميز والتفرد ، أو بالأحرى بأعمال لا تخاطب اللاشعور الجمعي في زمن كل له فيه غايات وامتدادات . ربما إن حصرنا تجربة الأستاذة : الشاعرة مليكة الجباري بين معقوفتين ، سنكون قد قتطعنا أجزاء مهمة من رسائل قوية ، ترصد تجاعيد الحزن والبؤس ، وترصد بهجة الألوان في المجتمعات الحديثة ، بمسلاط ضوئي عالي الدقة ، لا ينكر التفاصيل والحيثيات ، لذا أرى أن لكل قارئ متمكن نصيب أوفر ، مما قد يراه أو يشعره ، أو يحس به ، أو يدركه ، أثناء تموقعه في الزمان والمكان ليجد مبدعتنا قد تناولت عالمه بتفصيل غريب عالي الدقة ، لا يتفصل عن واقع معاش ، ولا ينسى الاستثناءات كمسألة تنتظر منا الانتباه الحذر الشديدين ، ولعل ما يثير الانتباه في تجربة المبدعة ، هو توجيه القارئ بعناية أثناء حضور قصيدها بين يديه ، ليضم إلى رؤاه رؤى أخرى ، أبلغ وأجمل ، مصاغة في قوالب إبداعية ، ذات محصول وافر أكثر شمولية ودقة . وأنا أقرأ لها قرأت تموقعا بأمل يرغب في معانقتها ثانية ، وهي تتألق بغيرة متنامية ، تعمل المبدعة جاهدة على بعثها في بعض ممن لا غيرة لهم ولا أمل ، غير حركات وسكنات ، لا تؤتي أكلها ، ولم يكن لنا منها غير العبارات ، لا تحيا طويلا وهي لا تقترن بما يلزمنا أثناء التموقع الجاد في الزمان والمكان . وأخيرا تبقى الأستاذة المبدعة الشاعرة : مليكة الجباري ، تلك الشاعرة المبدعة ، التي لا أستطيع بسط كل جوانب تجربتها الإبداعية ، على ورقة ، ارتأيت أن أتناول فيها جوانب مما لا مسته وأنا بين رؤى مختلفة ، في أعمال شتى لمبدعة تشق طريقها ، بحرفية المبدع المكتمل الأدوات . )
ملاحظة : الجزء الثاني من الدراسة الذرائعية سنتابع قراءة التجربة الشعرية لمليكة الجباري من خلال دوانها ( على صهوة الجموح ) .
================== عبدالرحمن الصوفي / المغرب / ==============================
===================== الهوامش ============================
1 _كتاب ( مقاربات نقدية في دواوينها الأربع / مليكة الجباري : عنقاء اللوكوس للناقد مجدالدين سعودي
2 _ كتاب ( الذرائعية في التطبيق ) تأليف عبدالرزاق عودة الغالبي
3 _ إحسان عباس : تاريخ النقد الأدبي عند العرب
4 حازم القرطجاني : منهاج البلغاء وسراج الأدباء
5 _ أحمد بن جعفر بن شاذان : أدب الوزراء
6 _ قضايا الشعر الحديث / نازك الملائكة
7 الأدب العربي / ابراهيم الكيلاني
8 _ شوقي ضيف / الفن ومذاهبه في الشعر العربي
9 ديوان / في قلب العاصفة لمليكة الجباري
10 _ ميشيل فوكو / إرادة المعرفة / عرض محمد حافظ دياب

المتراجحة الوجودية في نص الشاعرة زكية المرموق ( سبب اخر للنجاة):: الاديب غسان الحجاج،

ربما يمكنني القول بأن اللغة الأكثر جنوناً هي ما يتطلبه الواقع المفخخ بشراك الموت او بمعنى اخر لتليق بهذه الحياةالضاغطة كسبيل لإعادة الموازنة القلقة للاهتزاز وصولا الى حالة الرنين تماما كقلب عشق من اول وهلة هذا ما اوحى به العنوان الى ذهني الذي يطالبني بلحظة استجمام او استشفاء او نقاهة
فهذه الومضات الاستدراجية بما يشبه الفرضيات التي تثبت المبرهنة في نهاية المطاف هي إبحار في الوجدانية من خلال تغليف الواقعية بالمجاز لنحصل على توائم التأويل غير المتماثلة هي مراودة اللغة بفتح الأبواب على مصاريعها هي عملية ضخ الوقود في المحرك لتحويل الطاقة الوجدانية الى حركة وانطلاق فالشاعرة الموقرة زكية المرموق تمتلك تكتيك الفنار من خلال توسيع مدى الرؤيا وتغطية المساحات بالكثافة النوعية التي ستجتاز بمكونها الانفجاري الكامن أبعاداً كما يحصل عندما ترمى شبكة الصيد لتكون حصيلة الصيد وفيرةً للغاية
ففي الومضة الاولى بمضمونها الاحتجاجي المبتكر بحثتُ عن سبب للحياة ربما كان املا مخفياً في احتمالية تغير اتجاه الريح على الرغم من المضي في بديهيات الحكمة المنسدلة من بصيرة الشاعرة ( النار لا تروض بالنار) بعد احتجاجها على الشارع المتحالف مع البرد ضد المتسكعين فظاهراً هذا مثبت واقعياً ولكنها ارادت اثبات ذلك باعتبار اللغة هي نار ولايمكن ترويضها بطبيعة تكوينها الحر وعلى الشاعر الا يحاول التطبيع معها بل يترك زمام الامر لصهيل اللغة الجامحة ومن جهة اخرى ربما هذه النار هي انعكاس بين ناري الحب والشوق وهذا ما يصعب ترويضه حقاً سيما ان هذه الريح غير مطواعة (تجري الرياح بما لاتشتهي السفن) كما رأى ذلك من قبل المتنبي البصير وفي مقطع آخر تعيد صياغة رؤيتها بسؤال موجه الى الشاعر أوكتافيو باث ( فهل نشفى من الحياة).
وللحصول على اطلالة مناسبة لمشهد السؤال واجابته الداخلية ساستعين بما ذكره الشاعر والناقد اللبناني عبده وازن
(يقول باث: "الشكل السري للغة هو فكرتها، رؤيتها إلى العالم". غير أن الخلق هنا ليس "خلقاً من عدم" كما يعبر مالارميه بل هو خلق من ذاكرة أي من وجود يسبق وجود الشعر. والشعر ليس إلا تشكيلاً للإحساس والإدراك والتخييل والحدس والمعرفة... هو هذه الأمور جميعها ولكن منصهرة داخل العملية الشعرية)
في إحدى قصائده يسأل باث نفسه: "أين يُمكن أن يوجد الإنسان، ذلك الذي يمنح حجارة الموتى الحياة والذي يقدر أن يُنطق الحجارة والموتى؟" ولن يحاول أن يجيب طبعاً فالسؤال الشعري هو نفسه الجواب الذي يأخذ شكل السؤال دوماً. لكن باث يعرف كيف يخاطب نفسه أو الآخر قائلاً لنفسه أو للآخر بصيغة الأمر: "إسْتَحقَّ ما تحلم به". فالإنسان هو الحلم الذي يستحقه. والحلم هو مفتاح البوابة التي تفصل بين الحقيقة والخيال، بين الواقع والوهم. (1)
فلو امعنا النظر الى هيكلة النص نلاحظ ان المقاطع مترابطةٌ مع بعضها باواصر المبنى والمعنى كشريط DNA ليظهر النص ككائنٍ عجائبي حيث يتجلى
سبب الحياة في المقطع الثاني بـ(لكن بعض الجروح ضوء) بل ان رمز الصبار كان حاضراً بامتياز كمقارنة مدهشة بين ( الحياة المريرة الصعبة المراس وبين الصحراء التي لم تذكر كمفردة بل كانت ضمنيا موجودة في نبات الصبار) والمقارنة الاخرى بين تكيف الصبار للتعايش في اعتى الظروف المناخية و بين العنوان ذاته كنقطة مرجعية او كجذر أساسي يمد الساق والأوراق بقوتها الارتكازية
ولكن مايلفت الانتباه هو حوارية الوقت والمكان وخلق المتراجحة الرياضية بين الصحو والسكر بتعبير لطيف وإيحاء جميل بعيداً عن التقريرية فالشعر هو رسم مناخات جديدة تتلاءم مع جغرافية الحداثة
من خلال خلق الثنائية المتناقضة احيانا والمتطابقة احيانا اخرى حسب ما يسترعيه عالم اللاوعي الى حد الوصول الى الذات واستخراج الحكمة من اعماق التأمل.
تستمر الشاعرة بالاتكاء على العنوان كبحيرة المنبع لنهرها المتدفق الذي يرسم ضفاف نضرة المعنى
لكن الاستدراكية هنا (لكن من يطارد ارنبين لن يفوز بأي منهما ) بمثابة رافد من النهر بل انه رافد ضروري جداً في إشارة الى ان الحياة لا تعطي كل شيء في هذه الرؤية الحكيمة ولكن التشبث بالأمل هو من يعطي سببا آخراً للحياة كمعنى خبيء .
هذا الاستفهام والاستدراك كان مقود الابحار في كل مقاطع النص لان للشاعرة غايةً أبحرت باتجاهها مستخدمة بوصلة الفطنة .
ان ما يثير الدهشة حقاً تلك الإيحاءات المترابطة هي فرضيات المبرهنة التي اشرت اليها في البداية حتى انك ستلاحظ الحقيقة الوجودية بأن الحياة دائما ما تجد سبيلاً للنجاة هي الاخرى لترجح الكفة على مايفعله الموت فهذه الثنائيات دليل على نجاة الصبار (البرد و النار ، فم البحر و الخبز الحافي، الوقت والمكان ، الصحو والكأس، الصياد والأرنب ، الشجرة والفأس، النافذة والقفص ، النهايات والبدايات ، المعنى العميق وفقاعات الكلام ، القفز والحلزونُ ، الطريق والعنكبوت ، انا وهو ، ماء وجدار ، صحراء و مطر )
، فهذه الثنائيات تتعايش مع بعضها حتى وان كان هذا التعايش صراعاً في ظاهره لكن الكائنات في طبيعتها دائما ما تجد سببا للحياة في المتراجحة الوجودية...
نص الشاعرة زكية المرموق
..سبب آخر للحياة..
،،،
ثمة شارع يوزع السعال
على المتسكعين
أيها البرد
النار لاتروض بالنار
الخطب خطو
ولا يد لنا في الريح
ثمة مدينة تنام في فم
البحر
توزع الخبز الحافي
على أطفال الشيح
أيها الدرويش
لا ترم بردة الجبل
السبحة صبار
لكن بعض الجروح ضوء
للوقت يقول المكان:
أنت ياصديقي ورق مستعمل
وأنا لا أصلح للتدوير
ولا جغرافيا لهذا الصحو
فكيف نصل الكأس
والأبواب رهبان؟
أستعير من الصياد شهيته
الرصاصة نيئة في الجيب
لكن من يطارد أرنبين
لن يفوز بأي منهما
في الغابة ما يبرر المنفى
أنا العش الذي يحسب
خطوات الفأس
فمن يغسل دمي من دمه
أمه شجرة
أمسح التراب عن وجه المعنى
لكني أتعثر بفقاعات الكلام
كلما تحولت نافذة إلى قفص...
لا تزرر ثقوب الحكاية
بأشلائك
سيبتلعك النص
ولا تحرض النهايات ضد البدايات
كي لاتسقط في يد الاحتمالات
الاحتمالات باب على
الضباب
تدرب مثل حلزون على القفز
الطريق عنكبوت
...
أتبع آخر القوافل
أقتني الموت من رجل دين
على الحدود
وأركب مصعد المحو
مع النمل
فهل نشفى من الحياة
يا اوكتافيو باث؟
هناك حيث لا أنا
هو حيث أنا
لكن ما لا أملك
لا يملكني...
قلبي حقل ماء
لكن ظلي جدار
والمسامير أصابعي
فكيف لصحراء أن تصف
المطر
واللغة أسلاك شائكة؟؟؟