الاثنين، 20 فبراير 2017

لماذا هذا النص بالذات ؟ قراءة لقصيدة الشاعرة دنيا حبيب (وأنا القصيدة..) بقلم / الناقد غازي احمد ابو طبيخ

لماذا هذا النص بالذات؟!:
-------------------------
وأنا القصيدة..
بعد القصيدة!
في الحظ لي..
خمس.. وعشرون تنهيدة!
أول أمري وبادؤه،
كآخر صفحة في الجريدة..!
يعنيني البؤس وأعنيه
تجمعنا ريح
ويربطنا.. سويا
في المدى..
حبل الأماني البعيدة
لم أكتب شعرا.. لكن
هكذا يظن.. من يرى
ندوبي العديدة
لم أسمع موسيقى أبدا
لكن..
هكذا تشعر
لأني..
نورسة حلت
في البلاد..شريدة!
-
#دونيا_حبيب
************
السؤال الاهم في تقديرنا :يا ترى أي جوانب هذا النص البالغ الأهمية لشاعرتنا البارعة اصلا بحكم وعيها النقدي بالنسبة اليها من جهة وبالنسبة لنا نحن متابعيها من جهة أخرى?...ايها الاكثر اهميه?..
هل هي موضوعة النص?
غربتها التجريبية المتصاعدةالى أعلى يوما بعد يوم?!..
محاولاتها المثابرة لآقتحام دفائن الوعي ومكامن المعرفة فيما وراء اللغة بذاتها ?!..
البحث بالاداة التعبيرية عن جديدها المتخفي بالتفجير واعادة التركيب?!
أم ان كل ذلك كان بحثا عن المستجد الموسيقي التلقائي غير المتكلف ..?!
ماالذي دفع الشاعرة اصلا لكتابة هذا النص الجديد كل الجدة عليها شخصيا..
وهل هو ناتج عفوي عن قراءات شعرية حداثوية معمقة فجاء كردة فعل مباشرة لم تتوقف الا على خيارات التقفية ثم العبور الى ذات الهاجس الوجودي الفلسفي الحافز..
ونحن هنا لانقصد البحث في الوجود بمعناه (السارتري) , وإنما نقصد البحث عن الوجود بمعناه (الديكارتي)( انا افكر , إذن انا موجود)..
إن الشحنة الضاغطة التي قادت لكتابة هذا النص كانت بالغة الإقناع حد استيطان دخيلة الشاعرة , ولكن قوة موهبتها ,وشدة بأسها , ومقترحات نبوغها ,
ومرحلتها الادائية التعبيرية توحدت كلها معا في خلق هذا النموذج البالغ الخصوصية ..
----------
وانا القصيدة بعد القصيدة
في الحظ لي
خمس وعشرون تنهيده...
----------
حتى الرقم له علاقة بما نحن بصدد توكيده هنا..ليس اربع ولاثلاث ولا اثنتان ولا واحده..بل خمس وعشرون..
هذا الامر له علاقة بموسيقى هذا النص الشديدة الرهافة والعجيبة الحساسيه..
هذا يعني إن اي تغيير في اية مفردة قد تكسر الهارموني الموسيقي الذي كان في الحقيقة هو :
الموضوعة ..
وهو الاطروحة..
وهو المبنى..
وهو المعنى..
وهو البدء..
وهو الختام..
هذا النص في الواقع كائن موسيقي بآمتياز..
----------
لم اكتب شعرا
لكن هكذا يظن
من يرى ندوبي العديده
لم اسمع موسيقى ابدا
لكن هكذا تشعر
لأني
نورسة حلت
في البلاد شريده..
.............
لم اسمع موسيقى ابدا.?!.
لكننا نعلم انها سمعت..?!
لكن هكذا تشعر?!
من هو عنصر الحوار المخاطب?!
وبماذا يشعر?!..
هل انه يشعر بالنغم الخبئ المتخفي فيما وراء الكلم ?!
......
اسئلة لانهاية لها الا ان نتابع ولو بإيجاز شديد اسرار النغم الموسيقي المنساب عبر أجراس مفردات وتراكيب ومقاصير هذا المخلوق الشعري الرائع..
......
امامنا تجارب واسبقيات عروضية وموسيقية لشعراء عظام سجلوا في تاريخ الشعر العالمي والقومي حضورات كبرى..
وقبل نزوح الشعر العربي الحديث رويدا من العمود الى الحر ثم الى محطة موسيقية جديدة ذات متسعة شاسعة بدات بالسياب نفسه في مطولاته ثم البياتي ثم سعدي ثم ادونيس , وليس من ذكرناهم حصرا , تلك المحطة هي ما تم الاصطلاح على تسمية نتاجها ب( قصيدة الدائرة العروضيه)..وهي قصيدة التفعيلة التي تجمع بين اكثر من بحر واحد ينتمي الى نفس الدائره..بشرط ضبط الإنتقالات الإيقاعية من دون إحداث فجوة او كسر موسيقي, ولاريب إن مثل هذا الاداء يحتاج الى إذن بالغة الرهافة شديدة الفطنة الموسيقيه..
لكن مابين ايدينا الآن فعل من نوع آخر أكثر اتساعا مما ذكرناه آنفا.. وأعني هذا التداخل المتقن بين العروض والايقاع والموسيقى بآنسيابية لايفعلها الا الأعلام الكبار..
وليس من حقنا هنا ان نطالب شاعرتنا دنيا حبيب بمساحات تعبيرية اوسع مما عرضته علينا الان , فهي مرحلة , تستلزم اقصى درجات الحذر والتوفز خوفا من الوقوع في الهلهله او التشظي..
فبماذا بدأت أ.دنيا حبيب هذا العرض الموسيقي الناجح?:
وأنل..فعلن..متدارك..او زحاف الخبب والمتدارك..
قصيده..فعولن..متقارب..
تبعدل..فعولن..متقارب..
قصيده..فعولن..متقارب..
تفلحظ..فعولن..متقارب..
ظليخم..فعولن..متقارب..
سنوعش..فاعلن..متدارك..
رون تن..فاعلن..متدارك..
هيده..فعلن..ساكنة العين..خبب..
اول..فاعل..متدارك..
امري..فعلن..خبب..
وباد..فعول.. متقارب..
ءهوك..فعول..متقارب. .
آخر..فاعل..متدارك..
صفحة. فاعلن..متدارك ..
فلجري..فاعلن..متدارك ..
دة يع..فاعلن. متدارك..الخ....النص
......
هذا النص في غالبه اذن مكتوب على ايقاع دائرة ( المتفق) التي تتفق موسيقاها حد امكانية جمعها في اطار تعبيري واحد, وقد يشذ الخبب في الاواسط فيدفعه الشاعر الى بدايات اونهايات المقاصير وقد يضطر الى استخدامه فيحتاج بذلك الى التمهيد له في الدخول والخروج , ولهذا حديث طوال ليس هذا ميقاته..
وقد يحدث ان نحتاج الى حرف او حرفين مثلا فيردمها الاداء التعبيري الموسيقي الذكي..
ولاريب ان مثل هذه النصوص , تحتاج الى متلق حصيف قد بلغ من صفاء الذهن غايته لكي يحضى بما يمكن ان توفره له من الاستجمام والمتعة الراقية كما تفعل ( السوناتات والكونشيرتات والسيمفونيات) , ومن كل بحسب طاقته..
الشاعرة الواعدة بكل كبير ومتميز دنيا حبيب..
كنا نتمنى التعريج على كل صغيرة وكبيرة في موسيقى هذا النص النابغ..ولكن ما يشفع لنا علمك بزحمة مشاغلنا , وانت سيدة العارفين..
معذرة عن التقصير..ايتها الزميلة العزيزة ..والسلام..
 
تعقيب الناقد كريم القاسم
كريم القاسم البارحة ، كان هذا النص بضيافة قرائتي ، وقد اعجبني فيه سهولة اللفظ وسلاسته ، وقد زانته بالموسيقى والجرس الشعري المتسارع ، مما اضقى عليه جمالية اكثر اشراقا وبريقا ... والست دنيا حبيب ، تخزن من الالفاظ والسبك الكثير الذي لم يخرج من رحم القلم بعد ... فهي تكتب حينما يشتد الوجد والشجن ، وهذا من اسس التاليف والكتابة ... تحياتي للست دنيا حبيب ... وتقديري الكبير لهذه الرؤية النقدية الفاحصة اخي الحبيب الاستاذ ابانعمان
 
تعقيب الشاعرة دنيا حبيب
دنيا حبيب أحاول منذ الظهيرة أن أجمع تعليقا؛ يعبر عن تقديري الكبير لأستاذي الذي لا يبخل علي بعطائه الوافر، لكن وكالعادة أجد أن كلمات الشكر لا يمكنها أبدا أن تكون موازية لمن يأخذ بيد غيره ويوجه ويرشد ولا ينتظر مقابل.. هذا أولا
أما ثانيا، فكل ما أود قوله هو سؤال وا
حد.. كيف يمكن أن أعرف عن نصي كل هذا وحدي؟ ههههه يعني لو جلست من هنا للعام القادم، فلن أتعلم من نصي شيئا كما تعلمت الآن من نقد حضرتك.
العروض، علاقتي به مرت بمراحل كثيرة، ولازلت أتعلم.. لكن إلى الآن أحسست أن أفضل طريقة لتعلم العروض وموسيقى الشعر هو أن تقرأ الشعر -العمودي والحر- تقرأ (بحب) .. وستتعلم وحدك مع القليل من المعرفة الأكاديمية، أذكر هذا الأمر، لأني صدقا ودون مبالغة، تعلمت أكثر من بحر شعري بسبب قراءتي لقصائد أحبها، حتى هذا النص الذي كتبته بدقائق ولم أكن أعرف أن به إيقاع أو موسيقى؛ بل كنت أحسبه نثرا! لكن هو ناتج تأثري لقراءة قصائد نثرية ذات إيقاع وكذلك ناتج لقراءة الشعر الحر. تراكمات عديدة، ولا أقول أنه من السهل أن أكتب مثله مرة ثانية (بالضبط كما نوهت لي حضرتك)
طبعا لازلت أتعلم، وأمامي الكثير.
أخيرا وليس آخرا:
أنا محظوظة بكم .
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق