الثلاثاء، 14 فبراير 2017

تنقيب نقدي في همس الشاعر غسان الآدمي بقلم / الناقد كريم القاسم


تنقيب نقدي في همس الشاعر غسان الآدمي بقلم / الناقد كريم القاسم
.......................................................
وانا اتصفح المنشورات كعادتي في متون الفيس ، وإذا بي امام قصيدة من العيار الثقيل .
عيار ابداعي متمرد على القلم المتملق ، وعيار مبدأي ، كي يرسم للقلم بصمة التزام
وعنفوان .
الشاعر غسان من المقربين الى سلوكي النقدي ، فأنا من النوع الذي الذي احيك المقال
النقدي واضع ديباجته معتمدا على القراءة الاولى ، اما الثانية والثالثة والرابعة فهي
للاستمتاع بجمال السبك ولمعان الفكرة وجمال الطرح ورشاقة الالفاظ وقوة وذكاء الاقتباس
، وهذه الجماليات والروائع وجدتها في هذه المحطة الكبيرة محطة (طرب على وتر المآسي)
ــ ان من سبك الحروف مايجعل العصب الساكن متحرك ، وها انا اكتب وأضغط على ألمي
، فكلي انتشاء بهذه الديباجة الشعرية وهذا النظم الباهر، حيث يلجأ الشعراء عادة الى
استخدام حروف الجهر في نظمهم للشعر عندما يعبّر الوجدان عن حالة رفض واستنكار
لحالة ما ، او ان يرسم صورة ادبية لمعاناة شعب كي يرفع الظلم والجور والفساد ، كونها
حروف تعتمد على قوة مخارج الحروف ، وكما اسماها سيبويه بـ (اصوات الصدر)، لكن
شاعرنا الاستاذ غسان اتى بهذه الثورة اللفظية الرشيقة وقد جعل قافيتها حرفاَ مهموساً وهو
(السين) وهذا الذي دعاني الى ان اطلق عليهاعيار ابداعي ثقيل ، فقد استطاع بمهارته
الادبية وخبرته المتراكمة أن يجعل هذا الهمس ينطق بالثورة كالبركان ، رغم ان صوت
حرف السين يدل على الانخفاض واللين ، إلا انه اتى بالصرخة الكبيرة عنما جعل
حرف( الصفير) (السين) جرساً شعرياً رناناً يقرع الاسماع لحرارته .
وقد اتى بما أتي به الشعراء الاوربيين في انتصاراتهم ، وكذلك شعراء المهجر امثال ايليا
ابوماضي وغيره ، والذي أيّد هذا النوع من الشعر هو الناقد العربي الكبير الدكتور محمد
المندور رحمه الله ، والذي قاطعه فيها سيد قطب والعقاد ، فهما يعتبرانها حالة ذل وانكسار ،
وعلى العربي ان يأتي بالفاظ واجراس ماتزلزل العروش وتسقط التيجان .
 
 

ــ كان بودي ان يستنبط الشاعر عنوان القصيدة من فحوى النص ، لكنه ثائر النفس
والوجدان فجعل العنوان هو (الشطر الاول) .
_ مطلع القصيدة (طربٌ على وترِ المآسي *** وترنّمٌ مــــن ابــــتئاسِ ) يدل منذ البداية
على ان هنالك استعراض دفين وذكي ، حيث زاوج الشاعر المآسي بالهمس ، الذي لايخلو
من جرس الصفير . فالقاري لمقدمة القصيدة بابياتها الست ، يجد ان الشاعر في غيبوبة
السكر الوجداني المرافق للانتشاء ، لكبر اللوعة ، وعظم الخطر ، وهذا ينذر بقدوم فيض
هائل من الصور الشعرية والبديع اللغوي وقد افصح بها :
(أنبيذُ صاحبــةِ اللــمى! *** كأسٌ طبــاقيُّ جناسي )
ــ المقطع جاء محملا باقتباسات صوراً قرآنية رائعة ، استطاع الشاعر ان يدمجها مع حال
المجتمع:
( رجعت عجول السامري ـ والســـامريُّ بلا مساسِ ـ نزفتْ موارد ناقتـــــي ـ واخافُ
ينبـــعثُ الشقيْ ـ خرقتْ سفينةَ موطــني )
ــ وهناك اقتباسات لصور تاريخية اخرى بالغة الدقة والجمال :
(عندي كؤوس ابي نوآسِ ـ ابعادها ثقبٌ ســـداسي ـ ليعيش (آمون)السياسي ـ هل نـــحن آلهة
النعاسِ )
ــ استطاع الشاعر ان يجسد الفكرة بابيات شعرية مترابطة ، وهذا مايؤكد عليه العرب
القدماء ممن تفحصوا الشعر وانغمسوا فيه ‘ فهم يرون جودة النظم يتمثل بارتباط الافكار بعضها برقاب بعض كي لايأتي النص وكأنه نسج مشوه .
ــ احتوى النص على جماليات لاذعة ساخرة ، يتطلبها الحال والوجدان الذاتي ، كي يجعل
من النص فوهة بركان يهمس بالدخان الذي يليه الانفجار . وقد شدني هذا البيت لقوة السبك
ولبديع الصنع وقوة الخيال (نجمُ الظــلامِ حكايـــــةٌ *** ابعادها ثقبٌ ســـداسي) فياله من
خيال خصب وإيماءة هائلة .
ــ الختام جاء مناسب جدا لجودة المطلع والمقطع :
(ان النجومَ عقيمةٌ *** فتشبّــثوا بالانعكاسِ!! )
ففيه دعوة مكبوتة الى ثورة الذات ، وقد جاء بفعل الامر (تشبث) للسخرية والتهكم .
ــ هذا النص من النوع المتفاعل مع الذات والوجدان ، ومن النصوص التي تدخل الى وجدان
المتلقي بقوة ، رغم همسها الدفين ، فهي زفرات نفس ، وعبرات وخلجات ذات ، قد رسمها
الشاعر بمهارة ، وحاكها بخبرة ، فانتج قُماشة تسر الناظر ، وتلهب الخاطر ...
احسن استاذ غسان ، ولقلمك العزوالكبرياء .
تقديري الكبير ...
 
طربٌ على وترِ المآسي
...........................

طربٌ على وترِ المآسي
وترنّمٌ مــــن ابــــتئاسِ
واسيتُ نفســـي شاعراً
فنديميَ الشعر المواسي
انا بانتــــشاءٍ دائــــــمٍ
عندي كؤوس ابي نوآسِ
أنبيذُ صاحبــةِ اللــمى!
كأسٌ طبــاقيُّ جناسي
متغــــزّلٌ كهـــــلٌ غوى
هو مغرمٌ صبٌّ يقاسي
فالنبض قطـــعان الظبا
والهمُّ ذئبُ الافــــتراسِ
..............
وطــــنٌ وحــــــبٌّ شاحبٌ
عطشٌ أيروى من يباسِ؟
ما قد سقتــــني غصّةً
أسطورة العام الدراسي
ففســــادنا لا ينــــــــتهي
متيمـــــمٌ بالارتـــــماسِ
رجعت عجول السامري
لكن بزيٍّ دبلومـــــاسي
جلدي تزوّج ســــوطهُ
والســـامريُّ بلا مساسِ
نجمُ الظــلامِ حكايـــــةٌ
ابعادها ثقبٌ ســـداسي
.................
خسرتْ سماسرة الردى
وتجارتي موتٌ حماسي
نزفتْ موارد ناقتـــــي
والضرْعُ مال الاختلاسِ
واخافُ ينبـــعثُ الشقيْ
وحشاً بأقْنعــــــــة الاناسِ
كم من بلايــــينٍ ذوتْ
وبناؤنا صفرّ قيـــاسي
..............
الشــعبُ ردّد صادحا
ليعيش (آمون)السياسي
تحيــا أباطــــرة العُلا
نفدي الأريكة والكراسي
بكمٌ وعــــميٌ انــــــنا
حتى الحواس بلا حواسِ
أننــامُ في كهف السدى؟
هل نـــحن آلهة النعاسِ
أم ان قدوتـــــنا غدا
في ذلك النوم الرئاسي

هي باختــصارٍ أمــــةٌ
موءودةٌ فـــي الانتكاسِ
خرقتْ سفينةَ موطــني
دوّامةُ الغـــرق السياسي
عرّافتي كتــبتْ هنـــــا
ما بين اقواس اقتـــباسِ
(ان النجومَ عقيمةٌ)
فتشبّــثوا بالانعكاسِ!!


 
تعقيب غسان الحجاج

غسان الآدمي ربما كان عليّ ان أشكر هذه القصيدة لانها استطاعت جذب انتباه الناقد الكبير الاستاذ كريم القاسم حتى ان صفحتي تكاد تنفجر من الغبطة لهذه الإطلالة المشرقة بنور الإيثار فكلنا يعلم بابتعاد استاذنا الكريم عن الساحة الفيسبوكية واعني الادب تحديدا بسبب الوعكة الصحية ربما هذه الوعكة انتقلت بعد ان فاضَ قلبك بالالم لما يجري وأصبح الالم موغلا حتى في الرسغ (لانه يمثل اليراع) .
لقد أدهشني هذا التوغل ولا اقصد في اعماق القصيدة ولكن التوغل في قراءة ارهاصات غسان الآدمي والذي يشبه إمكانية الدخول في دوامة الاعصار وتفكيك مكوناته وأسبابه وهو ما عهدناه سابقاً من عمق رصانة الاديب الناقد الكريم ...

لا اعرف كيف أعرب عن مدى امتناني استاذنا الكبير ..
خالص مودتي وتقديري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق