الأربعاء، 1 مارس 2017

قصاصات في متحف الذاكرة (نقدية البريكان) بقلم / كريم القاسم

قصاصات في متحف الذاكرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(نقدية البريكان)
ـــــــــــــــــــــــــ
إن البريكان من الشخصيات التي تتصف بالوداعة والهدوء والسكينة ودماثة الخلق ، مما

...
زاده هيبة ووقار. والذي يتفاعل معه عن قرب يجد نفسه بين حالين ، فبساطة الذات التي
يتمتع بها البريكان تغريك للتوجه اليه للمناقشة والاستزادة المعرفية ، لكن ما أن تقترب
اكثر حتى تجد نفسك مصطدماً بجدار من الوقار يجعلك تنتقي عباراتك انتقاءً ، احتراماً
وإنسجاماً مع اسلوبه في الكلام .
استسمحته ذات يوم ــ كنت في مرحلة الشباب ــ في ان اعرض عليه نتاجاتي الادبية كي
يبدي ملاحظاته حولها ــ وكنت في غاية القلق ــ خوفا من الرفض ، ولرفضه الظهور
والاشراق في فترة عصيبة ، قد كَـبَّلَتْ الحرف ، وركنته في خانة السلطان لاغير. لكني
فوجئت به مبتسماً وهو بالكاد يرفع رأسه ويقول : نعم نص واحد فقط .
قلت : اشكرك جدا استاذ ، ومتى ؟
قال : في اي وقت تشاء.
ــ اقتضابه للألفاظ يجعلني اتعامل بالمثل ، ولكن دون اشباع فضولي ، فمن لايعرفه ،
سيتقيد في كل حوار ونقاش .
ــ انتخبتُ نَصّاً من بين نتاجاتي ومؤلفاتي في تلك الفترة الجامحة الطامحة ، وتعمدتُ ان
تكون فكرة النص عن (الحرية والكبت) . وهذا مطلع القصيدة :
" من قلمِ السلطانِ
نقطةُ حبرٍسَـقَـطَتْ
فَـزَورتْ معالم التاريخ ..
يا أيها القابع فوق المزبلة
إتلُ خطابَك . "
ــ قرأ النص وهو يحرك نظارته الكبيرة بيده وكانها حالة انعكاس نفسي لشيء قد أثر في
ذاته ، ثم نظر لي بثبات ، دون ان ينطق ، وكأنه يختار مفردات معينه ليضخها في هذا
الحيز الزمني المهم في حياتي الادبية ، وأخيرا نطق :
هل رآه غيري ..؟
قلت :لا
قال : امتأكد من كلامك أم لغرض ارضائي ؟
قلت : صدقني استاذي ، انا خجول ان اعرض ملفاتي على الآخرين خوفا من
الاعتراضات والنقد.
قال : انت تكتب في شيء لا اريدك ان تكتب فيه ، وانظر حولك واختر ماتشاء .
قلت : وإن اخترت ما أشاء ، من سينظر فيها ويقيمها ؟
قال : أنا وفي اي وقت ياكريم .
ــ كدتُ أطير من شدة الفرح ، حتى اني اتذكر مسكتُ يده بحرارة وبلاشعور وكنت اروم
تقبيله ، لولا الحياء ، وعدم رفع الحواجز بعد.
قال : ملاحظاتي ستكون (شفوية) ، احفظها عني . اعلم ياكريم عندما تكتب عن (الحرية)
فلاتكتب بقلمك او مدادك ، بل اجعلها هي التي تكتب ، واياك ومجاراتها في كل حال ،
فلربما تنقلب قيداً او مقصلة .
ــ ما ان تفوه بهذا المضمون من الكلمات ، حتى سارعت الى كتابته تحت النص ، وسؤال
كبير يحظرني :
لِمَ شفوياً وليس تحريرياً ...؟؟؟
وقتها لم اكن افكّرــ ولو بلحظة ــ ان اسأله هذا السؤال .
ــ الحرية الفكرية ، هي شغله الشاغل ، وتتبلور في كثير من قصائده ، وقد تتضمنها تحت
ستار الرمزية .
وقال لي ذات يوم :
ان الحرف كالطفل ، او كالبذرة ، لاينمو ولاتنمو في الحضن السبخ .
تقديري الكبير ....



تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه خيار استاذ الجيل الحداثي في العراق كان فريدا وصعبا للغايه, ذلك لانه يحتاج الى قوة نفسية تستحيل على جميع المغريات..ترى لذائذ الدنيا مبسوطة امامها ولكنها تأنف وتتعفف ..وبخاصة امام طاقة فارعة كطاقة البريكان الكبير, الذي تمنت كل سلاطين عصره ان يكون مثله في عداد مداحيها, ولكنه نأى بنفسه بعيدا جدا. حتى اصبح اسطورة تتحدث عنها الاجيال, وتكفي بصمته الراسخة لصقل جوهرة منيفة مثل الاستاذ الناقد كريم القاسم..
خالص الود اخي اباعمار العزيز..تحياتي وبالغ تقديري..
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق