الاثنين، 13 فبراير 2017

يوميات قارئة / بقلم الروائية سهير خالد

يحدث احيانا تخذل ..تصاب بالاكتئاب ..تفقد رغبتك بكل الاشياء ..تقف على ناصية الاحباط ويتراءى لك عبث الجود حين تضحى كل الاشياء لك سواسية وبلا علامة فارقة ...أخبرني هل راودك هذا الاحساس ذات يوم ؟؟؟؟؟
أخذني الرائع القيسي لحوار مقتضب لكل من استراجون وفلادمير ..حوار يمثل العبث الذي نعيش ..احسست في حينها انهما اليوم اقرب الي من أي وقت كان ..فانا مثلهما لا اعرف ما الذي اريد ...حتى رغبتي في الكتابة افقدها ..ولان القيسي حاضرا في كل الملمات كتب لي ( حين تفقدين رغبتك بالكتابة ..عليك بقراءة أي شيء )
راقت لي الفكره ..من يدري ..قد تنفع واكف بعدها عن البحث في قمامة العمر الذي نعيش عن كل السنوات الضائعة في خضم حلم اللقاء بكل الذين غادروا دون رجعة ...أو أنأى بعيدا عن هموم وطن .. ولكن المشكلة اني لم اعد امتلك الكتاب كالسابق ..ولا ادري كيف اختفت وتناقصت حتى اصبح عددها بضع ..محصلتي اليوم خمسة دواوين اثنان منهما للسياب والمتبقي للرصافي وابراهيم ناجي.. ..والاخير للرائع طاغور ..رُكنت جميعها على رف انيق ..انها بقايا من عصر الثقافة الذي يكاد ينزوي ... وهناك ايضا الاخوة كارامازوف استعرتها من احد الاصدقاء قبل سنوات ولطالما طالبني بها كلما التقيت به وكنت اعده في كل مرة اني سأعيدها له ولكني لم افعل . كنت اعده كذبا فلم اكن املك النية بتاتا لاعادتها ....ياالهي كيف فاته ان يدرك ان الغبي من يُعير كتابا والاغبى من يُعيده .
لابد من ان اجد كتابا ...الاخ الصديق القيسي قال لي عليك بالقراءة ..من يدري قد اقرأ وافلح في استبدال طعم الخيبة بطعم اخر ...لااحد غيره من سيعيرني كتابا ..انه جارنا الماركسي الانيق في كل شيء حتى في فكره والذي كان لي خير رفيق في زمن الحصار الثقافي ....مدني بكل الكتب التي كان يحصل عليها ولم تكن تعجزه أي وسيلة في الحصول على أي كتاب حتى تلك الكتب المحظوره والتي كانت تناهض التوجه الفكري السياسي للنظام كان يشركني في قراتها سرا ولكن صديقي الماركسي كان ومايزال يرهقني بشروطه التعسفيه عند استعارتي لكتاب ما وكأنه يدرك نواياي الخبيثة ( عليك ان تحافظي على الكتاب ..ان لايقترب اطفالك الابرياء منه وان تعيده خلال سبوع واحد واحد لا اكثر وإلا .....) وكانت كلمة وإلا كافيه لتردعني عن أي فكرة شيطانية تخطر في بالي . احيانا كنت ارواغ في المدة الممنحونة لي ربما لسببين .. الاول قد يكون احيانا لضيق الوقت والثاني كنت أأمل نفسي قائلة : عسى ولعل ان ينساه واكون قد ضمنت حق ملكيته ولكن ما ان تنتهي المدة المحددة حتى اجده يحاصرني من كل مكان التقيه به مطالبا بالكتاب ...اه يا ابا نزار يال ذاكرتك القويه ..ترى ماذا يحدث لو نسيت انك اعرتني كتابا ولو لمرة واحدة ...ماذا كان يحدث لو باردتني بالتحيه الصباحية او المسائيه ونحن نلتقي صدفة قبل ان تلقي علي سؤالك المعتاد وانت متكأ على عكازك ( سهير وين الكتاب ؟؟؟؟؟؟؟ ) ...ولكي أضمن بقاء الكتاب اطول فترة ممكنه عندي ومتأملة في ذات الوقت نفسه انك قد تنساه إن تعاقبت عليه فترة طويلة كنت اجيبك مبتسمة : لازلت لم انهي قراءته وكن مطمئنا انه سيكون في الحفظ والصون معي.. ولكنك كعادتك وكأنك تعلم بكل مخططات الشر في داخلي تصر الى حد الاستقتال لاستعادة الكتاب وفي النهاية لايمكن لي الا الرضوخ لك فأعيد الكتاب صاغرة .يالك من ماركسي عنيد !!!!!!!!!!!
انظر الى اين قادتني فكرتك ياابا سرى ..الكل يرفض ان يعيرني كتاب .. فالجميع ادرجني ضمن القائمة السوداء . لايهم ...لن تعجزني الوسيلة ..سأجد كتاب لأقرأه ..لي صديق اخبرني ذات يوم انه يحتفظ بمجموعة نادره وقديمة ..سأطلب منه ان يرسل لي ما تجود به يد الكريم ..أتصلت به : احمد هل من الممكن ان تعيرني او ترسل لي بعض من هذه الكتب . ضحك الاخ الصديق من كل قلبه وبدء يحدثني عن زراعة الصبار وكيفية الاعتناء بها !!!!!!!!!!!!!!
ياه ايها القيسي الطيب يبدوا ان الجميع يعلم اني من اصحاب السوابق فلا احد يأتمنني على كتاب ..لابأس لن أكل فعمنا google موجود وهو ليس شحيحا مثل الاخرين ..ولن يطالبني باعادة الكتاب وقد اجد مايخفف وطأة الاحساس بالعدم في ظل الاخفاقات في زمن الديمقراطيه ..ساقود نفسي الى حيث اريد ...لن ادع الوطن يقودني الى مسالك ابحث فيها عن خلاص له فيرديني قتيلة ...لابأس من اعادة قراءة بعض القصص الرومانسيه واشعار الغرام ألم تكن تشكل يوما ما جزء من مشاعرنا ونحن في دور المراهقة ...ألم نعتصر الما لكاثرين وهيثكليف ونحن نقرء Wuthering Heights في المرحلة الاخيرة اداب انكليزي
لااحد سيسعفني غير العم كوكل ..انه المارد الذي ينصاع لكل رغباتك دون كلل او ملل ....انا الان امام اختيارات شتى وكان من ضمنها مجموعة قصص قصيره للكاتب سعدات حسن مانتو من الهند .. ضغطت على اول قصة وكانت بعنوان ( توبا تاك سينغ ) يا الهي لااكاد اصدق ايمكن من جديد ان اقف امام خيبات وطن ..قد أعادني سعدات الى واقعي المر الذي حاولت جاهدة الخروج من شرقنته فاذا هو يعيدني اليه لاموت فيه قبل ان اضحى فراشة
الكاتب مانتو من خلال قصته القصيره ( توبا تاك سينغ ) يكشف عن الوجه القبيح لعهر الاستقلال وهو يفضي الى مجزرة اسفرت عن قتل أكثر من مليون نفس بشرية واغتصاب مئات الآلاف من النساء، وحرق بيوت وقرى بل وأحياء بكاملها من المدن وكالمعتاد اغلب الضحايا هم من فقراء القرى والمدن ... وتجزئة دولة الى دولتين( الهند وباكستان ) تحت مسمى حركات التحرر والتي على إثرها فر المسلمون من الهند باتجاه باكستان والسيخ والهندوس إلى الهند هربا من الموت وليجتث من بقى من جذوره وان كان مجنونا
تدور احداث القصه في مستشفى للمجانين يوم تقرر حكومتا الهند وباكستان تبادل السكان وفق التصنيف السكاني الجيد بعد عام من الانفصال ..ليشمل هذا القرار حتى المجانين حيث يتم تقسيمهم الى هندوس وسيخ ومسلمين وكان من بينهم توبا تاك سينغ وهو من السيخ الذي يجب ترحيلهم الى الهند .. غير ان توباك لايدرك مايدور حوله من متغيرات وكل الذي يعرفه هو تشبته بالمكان وبصديقه المسلم الذي يزوره بين الحين والاخر ..في خضم الضجه المحيطه يبدء بالتسأؤل عن ماهية المكان الذي بدء الحراس بالحديث عنه ..واخيرا يتم وضع المجانين في حافلات لنقلهم الى نقطه حدوديه معينه لاتمام عملية التبادل ...وعند النزول يبتعد توبا تاك عن الجميع بهدوء ويتسلق شجرة ..يعجز الحراس عن اجباره من النزول ليصرخ انه لايريد الذهاب الى الهند ولا لاي مكان ..
تنتهي القصه عند هذا المشهد ليتركنا سعدات حسن مانتو بطعم مر ونحن ندرك ان توبا تاك سيموت في تلك البقعه الجدية المسماة الهند وهو رافضا اقتلاعه من مدينته ولو تمثلت بمستشفى المجانين .. وفي عالم يسود فيه التعصب الديني الى حد المجازر ..يفسح مانتو المجال لشخصيه مجنونه لتنطق بالفكره العاقله التي مازال يسمح بها الواقع القاسي
اما انا فقد تركني مانتو بطعم اكثر مرارة وخوفا ان نضحى كلنا ذات يوم اكثر بؤسا من توبا تاك سينغ فلا نجد حتى شجرة نتسلق عليها لنقرر لاي بقعة ننتمي وفق كل هذا التطرف والغلو الذي نعيش
ياه يا أبا سرى ..الم تكن لديك فكرة تسديها لي غير القرأة وإن فعلت مرة اخرى عليك بإعارتي كتاب شرط ان لايروي خيبة وطن وكن مطمئنا اني سأعيده اليك ذات يوم
* القيسي :الناقد العراقي جمال القيسي
 
 
 
التعليقات والمداخلات
 
Laith Aldakel سرد ممتع ..سيدتي..وفاجع..فعلا القراءة..وجع مضني..فاتورة يجب علينا دفعها..احيانا احسد ..رجلا ..في حينا..وهو يذهب بكل هدوء.. وفي ويده..مسبحة الى ..الجامع..انه متسالم مع الواقع..الوعي ..هو اللعنة..تطاردنا..تحياتي..

Suhair Khaled الاخ الفاضل ليث ..ربما انا مثلك اليوم ..احسد كل الذين يعيشون على الهامش ..لاتعنيهم الدنيا بشيء ان شرقت او غربت
تحياتي لمرورك العطر

Laith Aldakel واذكر اني يوما ..اعرت رواية ..لدوستويفسكي ..الى صديق..لم يرجعها لي..وجدت الكتاب بعد سنوات..في شارع المتنبي .مذيل باسمي..اشتريته..وانا جذل..

Suhair Khaled ههههههههههه ههههههههههه ههههههههههه وهل لك اليوم الاستعداد لتعير كتاب من جديد ...معظم الكتب التي فقدتها بسبب الاعاره

نائلة طاهر ماذا أقول بعد هكذا نص ؟
عادة يقولون الله وهي تنفع هنا الله مع انحناءة خفيفة للرأس وتقطيبة لا أعرف سببها ترافقها ابتسامة على شفتين مازال أثر مذاق الحروف بينهما يحدث انفراجة خفيفة تشير إلى شعور بالمتعة (انا دائما أكرر هذه الكلمة لانها الابلغ في وصف مشاعر
ي تجاه نص يبهرني) لا ينتهي بل يطالب بالعودة إلى النص ليلمح ذاك الذكي العنيد في السرد ،العند مأتاه حرص الكاتبة على نقل وقائع عادية بأسلوب المتحدث الشيق الذي يرغمنا على الإصغاء بتركيز مخافة أن تفوتنا أحد الإشارات هنا وهناك .
أحيانا كاتبتنا حين اعثر بقصة قصيرة بهذا الابهار والقيمة اقول ليت الأمر يطول ولا ينتهي النص وذاك دليل على أن الرواية هي التي تليق بك .فهكذا تمكن من أدوات السرد وخاصة التشعب بالوقائع مع تسلسل منطقي يجعلنا على يقين أن الكاتب لو استرسل فسيكون معه بالآخير رواية يتداخل بها الذاتي والعام ،وهو ما يضمن النجاح للأثر الأدبي .
أحسنت يا أنيقة ..سردت الأفكار بمنتهى الأناقة فجذبت القارئ دون وعي منه إلى القراءة لك بشغف.
 

 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق