وصلت متأخرة...
لم تُرِدْ رؤية أحد، فمنذ فترة وهي تتفادى مجالستهم هروبًا من
نظراتهم وتساؤلاتهم...
وقد يكون هروبًا من مواجهة نفسها....
خلدت إلى النوم... بصعوبة...
جالسة على مكتبها قررت أن تكتب.........
بجنون حبري وعصف عشقي...
"فتّشت دائمًا عن ذاك الجنون، ذاك العشق الذي يهزّ كلّ قواعد الحياة وقوانين الطبيعة...
كنت أتوق دومًا أن أكون خارجة على القانون، أن أكون استثنائية...
لم يكن يعنيني معرفة كيف ينظرون إليّ، إلينا، نحن معشر النّساء!
المهم أنني "أنا"، لا أشبه أحدًا ولا أريد أن يشبهني أحد... فوجدتك أمامي!
أكنتُ أكثرهنّ حظًا؟ أم أشدهنّ تعاسة؟؟!!
لا أحاول فهم نفسي ولا فهمك، فالفهم والمنطق لغة لا أريدها، لأنّها تتّبع نواميس البشر...
وهذا بالذات ما أهرب منه وأحاربه...
بحثت عنك في كلّ الكتب التي قرأتها والتي لم أقرأْها،
في كلّ مقطوعة موسيقيّة سمعتها أم لم أسمعْها،
في كلّ لوحة، صورة، نغمة...
وفي كلّ رجل صادفته أو حتى لم أصادِفْه....
وفي كلّ حلم كنتَه أم...
وكان لي ما تمنيّت...
أنت الذي أحببت قبل مولدي بدهور، وعشقته قبل أن أعرفه
بعصور، فقد عشتُ فيك من دون أن تدري وترعرعتَ في داخلي من دون أن أعرف...
ووجدتك، فما عساي أفعل؟!؟!
أجمل ما في الوجود، أن تحلم بشيء وأنت تدرك أنّه مستحيل...
وفجأة، ومن دون إستئذان، تراه يتحقّق أمامك!
فكنت أنت...
كلّ شيء بيننا كان استثناءً تمامًا كما أردته، إعصارًا، زلزالًا، بركانًا...
المهم أنّه جرى.... جرف... وحصد!
كم من الناس يعيشون عمرًا مليئًا بالمنطقيّ والطبيعيّ وهم بحاجة إلى أعمار تضاف إلى أعمارهم وقد لا يصادفون استثناءً واحدًا...
أما أنا سيّدة الاستثناءات في هذا العالم...
لم أصادفْ حدثًا منطقيًا أو طبيعيًّا واحدًا خلالها...
كم كان حدسك غريبًا يا ربيع!!!
واستيقظت مضطربة... متألّمة....
ما هذا؟! أحلمًا كان؟! كابوسًا؟! أم حدسًا ما؟!
نهضت، وبسرعة أخذت تطلب رقم فرح
– فرح تعالي... الآن...
أقفلت من دون حتّى أن تستمع إلى ردّ صديقتها.
أما فرح، ففي غضون دقائق كانت ترنّ جرس الباب.
– عزيزتي، ما بك؟
– لا أعرف، أنا أرتجف، قلبي...
– سأطلب الطبيب...
– فرح إجلسي أرجوك، لا شأن لصحتي بالأمر، رأسي بل قلبي
هو...
– أَعُدنا إلى ذلك من جديد، يارا هذا قدره...
– توقفي فرح أرجوك، اسمعيني من دون مقاطعة، فالأمر مختلف
تمامًا...
– إذًا؟!
– سأخبرك، أنا قافلة أضلّت طريقها في الصحراء...... لكن لا ينفعها
لا نجم ولا دليل...
– يارا!!
– أرجوك لا تقاطعيني فرح...
كلّ الكثبان متشابهة، وكلّ الآفاق كذلك...
وحدي أنا مع الرّمال الصفراء التي، تارة تحرق لشدّة اصفرارها، وطورًا تقسو لشدّة جفافها....
تشبهني، هذا الشبه الفظيع... حبّات صغيرة مبعثرة هنا
وهناك، مجتمعةً كوّنت تلك النّفس الهائلة...
تشبهني حدّ التطابق، فإذا مرّ بها غريب أحسّ بدفئها
وجمالها، لكن من يعرفها يدرك عطشها وتعطّشي الدائم...
– وأنا أعرفك...
إقتربت نحوها وضمّتها وشعرت بارتعاشها...
– يارا أرجوك، ما بك؟! أما زال موته...
– نعم، موته، وموته، موتنا، وموتي....
– ماذا تقصدين؟!
– أبي، ربيع...
– آآآآآآآآآآآآآآآآآآه عزيزتي...
– كلا ليست تأوّهات وحسرة، فهي أعمق وأعظم...
– ماذا تقصدين؟؟؟ لم أعد أفهمك صديقتي...
– ولا أنا!!! فأنا لم أعد أفهمُني...
أغوص في أعماق نفسي، فأجدُني لا أعرفُني...
أتراني عشت عمرًا في نفسي بلا نفسي؟!
أم تراني أريد عمرًا على عمري، لأجد نفسي؟!
فكم من الأعمار أحتاج إذًا،
لأفهم ما في نفسي؟؟!!
– يارا...
– أنفاس تعدّ ولا تحصى، فهي أيّام تمرّ،
لكن أتبقى نفسي هي نفسي؟!
أم تراها تسمو وتعلو إلى حيث تتوق وتسعى...
عندها تصبح الأنفاس لا تعدّ لكن تحصى......
حين تلتقي تلك النّفس بنفسي...
– يارا... أتهذين؟! من هو؟!
– نعم الآن بدأت تفهمين...
مقتطف من روايتي "حرية وراء القضبان"
Jamal KJse
...............................
جميل سيدتي،،،هذه الطريقة في السرد والتبئير،،،ميزة جديدة في تظمين،،الجمل السردية بموسيقى شعرية،،،اعتقد ان الست نائلة لها دراسة بهذا الخصوص،،ربما هذا الأسلوب يتزعمه الروائي واسيني الأعرج ،،لكني أقرأه ،،بصوت امرأة،،هو اقرب
للقلب والروح،،،تحياتي
نائلة طاهر
.........................
دخلت للرابط هو فعلا كما قلت عنه نص على النهج الواسيني وبعض من الروائيين الذين كذبوا النبوءة القائلة أن الأدب الروائي يحتضر.ف واسيني يقول "ان الرواية هي جنس الحياة" بمعنى أنها الشكل الأدبي الوحيد الذي يمكن أن يختزل الأجناس الأدبية الأخرى من شعر ،مسرح ، اسطورةو موسيقى.
المدرسة الجديدة في الرواية كما تعلم ناقدنا لا تستقر على شكل واحد فالأسلوب يتجدد مستندا على الفلسفة المثبتة للغة التي ترفض القالب المُعطى للغة وتبتدع معجما لغويا حديثا لا تتغير ماهيته وإنما استعمالاته. رسائل بحث كثيرة في هذا الموضوع منها ما لم ينشر لانها أكاديمية وغالبا ما يواجه الاكادميون صعوبات في النشر بوطننا العربي ولذلك يظل التطور السريع للرواية العربية رهين فئة من النقاد الكبار الذين يعزفون عن تناول هذه التجارب بالنقد لأسباب عدة منها الديني والأخلاقي (أدب واسيني مثلا لا يلاقي قبولا في الشرق لأنه يعري حقيقة الجسد والرغبات من خلال السيرة الذاتية المتدخلة في عدة روايات ،وقد نعت حرفه بالحرف الملحد ) .
لم أفصح هنا عن موضوع رسالة البحث لأنه لم يكتمل فقط اقول بأن الأسلوب الروائي الذي يُنظر له الآن هو الشعرية في كتابة الرواية الحديثة بحيث يتشذر النص ما بين شعر وسرد حتى بالحوار نفسه في شكل يشبه الملحمة ،والملحمة أسلوب قديم نعم لكن آن له أن يتطور كما تطورت كل الأجناس الأدبية الأخرى وان لم يتطور كجنس أدبي قائم الذات فيقع الاستعانة به لتجديد الأساليب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق