الجمعة، 29 مارس 2019

قصيدة أنت فوق الإطراء بقلم الاديب غازي احمد الموسوي

أنت فوق الإطراء
تاريخ النشر1989
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
غادَةُ الْجِنّ غرَّةُُ زوراءُ 
راودتْها الْأَطْمَاعُ والأهواءُ
.
كُلَّمَا جَنّ حَوْلَهَا اللَّيْلُ غنَّتْ 
بعزيفٍ يَرْتَاعُ مِنْهُ الْغِنَاءُ
مَا الَّذِي تَخْطبَينَ يا ٱبْنةَ حَبْسِي 
وَ حَصَادُ المُغامِرِ الأرْزاءُ
.
ما لِعيْنيكِ لَا تَرَى مَا أُرِيهَا 
دُونَ مَرْقاكِ أَفلُكٌ جَمَّاءُ
حَدِّقي الطَّرَف هَل تَرَيْن ختاماً
خسأ الطَّرَفَ إنَّه الْأرْجَاءُ
.
لَيْتَ بَحْرًا كَان المُرَجَّى عُراماً
كُنْتُ فِيمَنْ لِغُرَّةِ الْبَحْرِ جَاؤُوا 
.
" سَلْمُ " إنَّ الَّذِي ترومينَ شأنٌ
أَطْرَقْتْ عَن سَمَائِهِ الْغَبْرَاءُ

أَفَمَدْحاً ؟!...وَالمادِحونَ جميعاً 
عَلِمُوا أَنَّ صوتهُمْ أَصْداءُ
.
هُوَ فَوْقَ الإطْراءِ مَا عَكِفَ النُّثْ-
رُ على الْبابِ أوْ شَدَا الشّعراءُ
.
هُو فَوقَ الأسْماءِ ما خَلَقَ اللهُ
على الأرضِ أوْ طَوَتْهُ السّمَاءٌ
.
ظاهرُ القَوْلِ في خفايَاهُ تِيْهٌ
و عظِيمُ المَقالِ نارٌ وماءُ
.
وَطَّنَ الشّمسَ في الفؤادِ وأَعْلى
قمراً تسْتنِيرُهُ الأنبِياءُ
.
كانَ والمُنتَهَى طُلُوعاً نَبِيّاً 
سَرمَدِيّاًّ أسْفَارْهُ عَصْماءُ
.
ذاتُهُ المجدُ والكتابُ المُعَلَّى 
فَيضُ وِجْدانِهِ ومِنْهُ السَّناءُ
.
فاسْتوَى مُذْ دَنَا سِراجاً مُنيراً
و تَدلَّى بُرَاقهُ الأجواءُ
.
سَارياً والفُتوحُ بعْضُ خُطاَهُ
مُعْرجاً لا تَطَالُهُ الأنْبَاءُ
.
سَيِّدي مَوْطنُ الجمالِ المُصَفَّى 
أَبداً حَولَهُ يطوفُ البَهاءُ 
.
أَنَا إنْ رُمتُ وَصْلَهُ فَلأنِّي
دَنِفٌ شَفَّهُ النَّوَى والعَنَاءُ
.
أوْمَضََ الحُبُّ فِي حشَاشَةِ قلْبِي
فَهِيَامِي مُضَمَّخٌ وَضَّاءُ

و بِصَدرِي مِنَ الطِّماحِ رِيَاحٌ 
سَيّرَتْهَا منَ العُروقِ دِماءُ
كُلَّما اسْتَوحَشَتْ مِنَ الهجْرِ حِيناً 
و اسْتَغاثَتْ هَمَى إليهَا العَطَاءُ 
.
أَيَرُدُّ المَلهُوفََ وهوَ حَبيبٌ ؟!
أمْ يصُدُّ الآمالَ وهوَ الرَّجاءُ 
.
سَأُناجيهِ يا شَفيعَ وِدَادِي 
عَطِشَ المُبْتَلَى وجَفَّ الإِنَاءُ
.
شَارَفَ العمرُ والعُيونُ حَيَارى
شاخِصاتٌ أزْرَى بِهِنَّ البُكاءُ
.
يا رفيعَ الجَنَابِ رِفْقاً بِقَلبِي
إنَّ قَلبِي ممَّا بهِ أَشلاَءُ
.
يَا أبَا القَاسِمِ البَهِيّ نِدائِي 
و دُعائِي يسْعَى بِهِنَّ الرِّداءُ 
.
أَمِّنِي منَ الحُزنِ كلَّ قديمٍ
و جَديدُ الأسَى هُوَ البَلْوَاءُ
.
شَبَحاً منْ مَجَامِرٍ صيَّرَتْنِي 
غُصَّة الانْتظَار والإبطَاءُ
.
ومِنَ الصَّبرِ عَبرَةٌ يَصْطليهَا
ألفُ عامٍ ، ورِحلةٌ وعَناءُ
.
فَأَجِرْ مِعْصَمِي يرَاعاً أرِيباً
إنَّ كفِّي مِن دُونكُمْ جذَاءُ 
.
أيُّها المُصطفَى ونورُ البَرايَا 
و مَنارُ الإلهامِ والسّقَاءُ
.
مُدَّ جُنْحَيْكَ فَالعراقُ حَزينٌ
أَحْرَنتْ في رُبُوعِهِ الأدْوَاءُ
.
وَطنُ الخَيْرِ مُسْتبَاحُ الحَنَايَا
و الرَّبَايَا أنَّتَ وغِِيضَ المَاءُ
.
ياشَفيعَ المَحْزُونِ هَذا نِدَائِي 
بَيْنَ كَفَّيْكَ لا يَضِيعُ الدُّعَاءُ


الأربعاء، 27 مارس 2019

قراءة في نص الشاعرة الدكتورة سارة سامي بقلم الاديب إحسان الموسوي البصري

قراءة في نص
الشاعرة الدكتورة سارة سامي
بقلم الاديب إحسان الموسوي البصري
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ّ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الشعر الراسخ سباحة في اعماق الشعور وقراءة معمقة كثيفة للذات والموضوع،وذلك يستدعي نوعاً من الاحترافية العالية الناضجة لتدعيم الموهبة..ولا ريب ان الموهبة منطلق اساس..
والشاعر اذا كان طامحا للتحققات الكبيرة فيجب عليه ان يكون مبدعا..
ومن صميم التجربة تلمست شخصيا مطالبة الشاعر من قبل المتلقي باعلى مستويات المصداقية..انما المقصود بها الصدق الفني الجميل..
الشعر تعبير عن المشاعر العميقة قيل كل شئ ، والشاعر المبدع لابد ان يترقى حرفة ووعياً لكي يتمكن من هذه المهمة ، وللمتلقي أن يطالبه بالصدق والعفوية في ذات الوقت.
والصور الشعرية البديعة حاضرة في أذهاننا ويحضرني ماقاله " محمد زكي العشماوي حيث يقول: "
ليس من الضروري أن يعتمد الشاعر على تجاربه الذاتية المباشرة وحدها، فإن الأديب الذي يقتصر في أدبه على إطلاق مشاعره وحدها أديب عاجز أما الأديب الناجح فهو الذي يستطيع أن يخلق بقوة خياله الشعري الذي يريده"
وعندما قرأت بداية هذا النص الذي بين يدي الآن ، إستوقفني بإدهاش ماتضمنه من خيال خصب استطاع صنع صورة شعرية متكاملة بألفاظ ومعاني كبيرة وأحاسيس ومشاعر صادقة ولفتات معبرة أخرى تفسح مجالا خصبا للتأمل والوقوف بيسر على جودة وجمال الصورة الشعرية في هذا النص النابض بالذات الشاعرة ، التي كانت بمثابة القطرة التي أفاضت كأس الرومانسية ، من خلال تدفق ماء الوجدان .
وكان لحضور الذات أثر واضح التجلي في هذه الصورة الإشراقية الإبداعية من خلال التمرد على التقليد و" الإحياء" بعيدا عن التطرف ذات اليمين وذات الشمال.
هذه الفكرة التي ذهب اليها أكثر شعراء الحداثة من أصحاب "مدرسة الديوان"و"التيار المهجري" الذين يؤمنون بسؤال الذات في أواخر القرن التاسع عشر أمثال "العقاد"و"ميخائيل نعيمه"
ورجوعا لهذا النص بالذات للشاعرة المغتربة الدكتورة سارة سامي ، وجدت ضالتي في البحث عن المضامين الذاتية في النص .
حيث تتجلى البنية الايقاعية التي أفرغت فيها معاناتها الذاتية وكيف صورت مكنونات وجدانها بهذه الصورة الرائعة المنتمية إلى الشعر العربي الحديث انطلاقاً من طراز التفعيلة الحرة كون النص مكتوب على تفعيلة بحر الوافر القوي الايقاع،والذي يعبر عن الأسئلة المتكاثرة التي تختزنها الذات .
"""""""""""""""""""""""""""""
نص الشاعرة
""""""""""""""""
كُن مطراً
،،،،،،،،،،،،،،،،،،
رَأَيتُك في صَدى صَوتي
مواعيداً تُغازلُني
وأَحلاماً تُناديني
فكُنْ مَطراً
يُقاسِمُني جُنونَ الصَّمْت...
يُلْقيني كأُغْنيةٍ
على شَوقِ البساتينِ
رأَيْتُك في صَدى صَوْتي
تُراقصُني على شَيْءٍ مِن التَّانْغو
رَأَيْتُك مِثْلَ ملاَّحٍ
يَجُوبُ البَحْرَ في خَوْفٍ
وقبلَ الفَجْرِ يُلْقيني
على أَرْضٍ مِنَ الرَّيْحانِ
والرُّمَّانِ
في كُلِّ الميادينِ
تَحَدَّ المَوْجَ فِي بَحْري...
وَلاَ تَحْفَلْ بِعَجْرَفَتي
وَكُنْ خَوْفي...
وَكُنْ فَرَحي...
وَكُنْ مِلْحَ الشَّرايينِ
أَنَا امْرَأَةٌ كَما الدُّنْيا
كَعُصْفُورٍ مِنَ الأَحْلامِ مُنْطَلِقٍ
فَلا تَقْرَبْ لأَجْنِحَتي
وَلاَ تَجْعَلْ رَمادَ السِّجْنِ يحْرِقُنِي
وَكُنْ فِي القَلْب كُلَّ القَلْب
يا حُبّاً...
على كُلِّ العَناوينِ
""""""""""""""""""""""
وبتأملي النص ومضمونه المفعم بالاشراقات الابداعية أجد وصف الشاعرة للأشياء له تأثير كبير على نفسيتها .
"رأيتك مثل ملاح يجوب البحر في خوف"
وبتأملي أكثر إلى لغة النص يتضح لي أن مايتضمنه هذا النص ينقسم إلى قسمين دلاليين هما الذات والغربة.
وأجد أن العلاقة بين الذات والغربة علاقة انسجام نابعة من بواطن النفس ،
ولم تلجأ فيها الشاعرة إلى المعجم كما يذهب شعراء مدرسة "البعث والاحياء"
الذين عزلوا لغتهم عن نفسيتهم وواقعهم متناسين بذلك اللحظة الإبداعية المتمثلة بانغماس لغة النص في محبرة الوجدان.
"تحد الموج في بحري ولاتحفل بعجرفتي "
ومن خلال هذين السطرين وما سبقهما تظهر لنا لغة هذا النص منسجمة مع ذات الشاعرة رقراقة منسابة هامسة بعيدة عن الجزالة والفخامة.
"
وكن خوفي
وكن فرحي
وكن ملح الشرايين"

وقد أضفت الموسيقى جوا جميلا على آفاق هذا الوجدان الصافي،متزامناً مع ترسيخ بعض الأفكار الذاتية التي حتما ستترسخ في ذهن المتلقي كما يحدث معي الآن.
"فلا تقرب لأجنحتي 
ولاتجعل رماد السجن يحرقني "

وكما أسلفت سابقا ، يحفل هذا التزاحم الشعوري بالتوازي الصوتي والتركيبي مما خلق جرسا موسيقيا يشنف الاسماع عند الانشاد .
وبنزوعي إلى تتبع البنية الأسلوبية أجد الشاعرة قد مزجت بين الاسلوب الخبري والاسلوب الانشائي ، فقد وظفت الخبر للتعبير عن مكنونات النفس المغتربة ، لأن الشاعرة كما نرى تحتفي في كلمة تكتبها بذاتها وتمزج الخيال باللوعة لتجسد لنا صورة شعرية غاية في الجاذبية ،فمع كونها سهلة التناول ولكنها تنطوي على دفانات تنأى بعيداً الإنكشاف الا بعد التركيز الشديد.
ومن خلال مناشدتها عبر الآف الأميال برؤى الخيال
اعتبرت كل هذا الانهمار المتجسد على الشاشة البيضاء نابع من الذات بهمومها وانكساراتها وتأملاتها .

"وكن في القلب
كل القلب
ياحبا على كل العناوين"

وبعد أن وصفت الشاعرة وأسبغت على ذلك الوصف عنصر الروحانية يتسامى الموصوف ويبتعد عن كونه شخصا عاديا، إذ يصبح رمزا متعاليا لدى الواصفة. 
فالشعر يبارك احساسنا بالحياة هذه هي الخلاصة
التي قرأتها في كتابات "العقاد"وكثير من الفلاسفة والمفكرين القدماء.
بعد "افلاطون" جاء أرسطو فأدرك من طبيعة الشعر وأثره مايدركه، لما يؤديه من وظيفة نفسية هي التطهير من العواطف المكبوتة.
فانحسر الإهتمام بعالم الوجدان والروح والقيم الانسانية. 
وفي عصر النضج العقلي قد يمتهن المرء ما يجعلنا نتصور انه بعيد عن الشعر خصوصا والأدب عموما كما هو حال شاعرتنا صاحبة النص آنفاً التي جمعت بين الشعر والطب.
أقول:
للشعر نظام وللطب نظام آخر وقد يكون بينهما إنسجام ،
وهذا الانسجام بين الطب والشعر جذره انساني عميق يهيمن بفلسفته على التحول عن هذا المذهب إلى ذاك وعن هذه الفكرة إلى تلك ، أو الانسجام التام بواسطة القاسم الإنساني المشترك بينهما.
نعم هي طبيبة اذاً هي انسانةً متنورة تحمل على جناحيها
مشاعر خفية لايتسنى لنا فك طلاسمها الا من خلال حسن الاستقراء لبيان صلتها بموضوعة هذا البحث.
فهناك تكامل موسيقي موضوعي في النص من حيث الشكل واصل امتداده من البدايات وحتى الخواتيم بنظام التفعيلة الحديثة هروبا من رتابة الايقاع الواحد.
وهذا التنوع مرده إلى الميل للتجديد والابتعاد عن التكرار الممل .
وقد حاولت الشاعرة بنجاح باهر توظيف بعض الأساليب الإنشائية التي لها تأثير كبير على المتلقي ليشاركها همومها وخلجات ذاتها.
وفي خضم هذه الرؤية المتواصلة لهذا المشهد الدراماتيكي ، لامناص من الاحساس بالإعجاب بهذا النص الوجداني العميق،على الرغم من كثافته العالية..خالص تقديري ،سيدتي..


دوامات مياسة / قراءة لنص الشاعرة مياسة بقلم الروائي الناقد جمال قيسي.

دوامات مياسة /
قراءة لنص الشاعرة " مازلت أقول".
الناقد Jamal Kyse
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تمتاز لغة الرموز الرياضية،،بتجريد كامل،،،هي لغة احصائية بحت ،،معيارية لتقييس ،،الموجودات المادية ،،في تلك التراكيب المتمخضة ،،عن افتراضات ،،ربما يحاول الانسان ،،ان يستدرك ،،تنسيبه في عالمه المادي،،،هي شبكة رموز وعلاقات ،،لاعلاقة لها في العالم الميتافيزيقي وبالذات المخيلة ،،،او الوعي على الاقل في مناحيه السايكلوجية ،،لانه وعي ،،منخرط في علاقة كونية،،مع مجاهيل كاملة ،،لكل اسبابها مهما افترض او جرب،،،ليس لديه سوى اخبار السماء التي تحملها الأديان ،،او النظريات الرافضة لها،،وهو عالق بينهما مهما أعلن انتسابه لأحدها ،،،ومنظومة الأرقام هي رموز تجريدية ،،مع كل هذا الكلام،،هناك سعي حثيث في الفيزياء النظرية،،خصوصاً في نظرية ( الاوتار الفائقة ) ،،التي تسعى الى تكوين نظرية بمسمى ن ك ش ،،اي نظرية كل شيء ،،مستندة بذلك على الفلسفة الاختزالية ( فلسفة تسعى الى إيجاد نظريات تنطوي على كل المعارف ) ،،مثلاً علم الأحياء هو جزء من علم الكيمياء،،،وعلم الكيمياء هو جزء من علم الفيزياء،،هذا مع اعتبار العلم السايكلوجي ،،هو نشاط ،،من علم الأحياء ،،وهكذا دواليك ،،،
رباط الحديث،،في نص مياسة من هذا الكلام،،،،،هو. استخدامها المتداخل لأكثر من مفهوم ،،وكل واحد،،ينتمي لشبكة رمزية معينة،،،ف ( الخارجُ) ،،،وهو اسم ،،يعني احد البواقي في المعادلات الخوارزمية ،،وتموضع هذا الباقي في الأسفل اي ( المقام ) ،،في حين بقي ( البسط) ،،،لا علم لنا به ،،،في هذا الحد الرياضي تقحم مياسة قيمة اخرى ( الداخل) ،،ولكنها تنفتح بوظيفته باتجاه ،،اخر،،،انه خيالي،،،مستبطن ،،هي هنا تمارس تقنية ( تيار الوعي ) ،،،متأثرة بشدة بفرجينيا وولف،،،في روايتها السيدة دالوواي،،،
ينتفي دور الشاعر( بالنسبة لنص مياسة ) ،،ويغيب التنظيم المنطقي للأفكار ،،،لتفسح الجمل والملفوظات المجال للتداعي الحر والتكرار ،،والحلم والارتداد والاستباق ،،،عندها تمحى الحدود الفاصلة بين الازمنة ،،،وبين الداخل والخارج ،،،اي بين الأفكار المتدفقة وبين ما يحدث لشخصية الشاعر وما حوله ،،هنا تنتفي الحبكة ،،بل ان الزمان الواقعي يفقد أهميته ،،وتحل محله ديمومة نفسية ،،هذه التقنية تتيح الغوص في أغوار النفس البشرية وتكشف تعقد الحياة وظلمتها وضياع الفرد وفقدان اليقين،،،ومجهولية المصير
هذا التوظيف ،،الذي أصبحت به الشاعرة مياسة ،،متميزة ،،فهي تجمع ملفوظين ،،متناقضين ،،في عبارة او جملة ،،ومن خلال تناقضهما،،،ينتجان معنى اخر يتخطى ،،،المعنى لأصل الملفوظين كل على انفراد،،،مثلاً ( اسمع لحظة مرئيّة ) ،،اسمع = فعل واضح المعنى ،،،لحظة = بما تؤدي وظيفة زمنية مطلقة ،،لانها تقع بين متنافرين،،،ومختلفين في الوظيفة ،،السمع يقع على اللحظة ،،وكذلك الرؤية ،،بحكم فعلها المضمر ،،،بالمجمل هذه الجملة تؤدي وظيفة ،،لم تصمم لها أصل الملفوظات المستخدمة ،،،
النص جميل،،ومثقف،،،،ومحترف،،،لكنه عبثي سوداوي،،،غارق في دوامة سايكلوجية كئيبة ،،،وتمزق للهوية
جمال قيسي / بغداد

الخارجُ إلى الأسفلِ ,
الداخلُ في حوافٍ منسيّة !
.
ليجفّفَ البردُ كلَّ عينٍ أو زفرةِ صلبة ,
ليجفّفني بطيئاَ .. ملءَ حواسّي
على شمسٍ طويلةٍة .. لا تعرفُني , 
وأرتجفُ .. من بقايا نُخاعٍ , 
أو رُقادٍ ييبسُ .. فوقً أنفاسي ! 
.
الخارجُ إلى الأسفلِ ,
الداخلُ في وحدةٍ منسية !
.
وأسمعُ لحظةً مرئيةً ولحظةً غير مرئية ,
لحظاتٍ أكونُها ولا أكونُها ..
مصائري تتعدّدُ , وأنفاسي خاليةة !
.
الخارجُ من دَهري 
الداخلُ في هاويةٍ منسيّة !!


قراءة نقدية لنص الشيخ الشاعر احمد الخليلى :بقلم الاديب إحسان الموسوي البصري


قراءة نقدية


**************************************
ليس الحديث عن الشعر وتحديد معناه أمرا يسيرا في ضوء النظريات النقدية الحديثة من حيث تعدد وجهات النظر المختلفة تبعا لاختلاف مذاهب الشعراء الفكرية والفلسفية.
فمن الشعراء ما كانت قصائده مستوحاة من الطبيعة إيمانا بمقولة أفلاطون الخالدة(إن الفن محاكاة للطبيعة).
ومنهم من ذهب إلى تجسيد واقعه الإجتماعي والسياسي والاقتصادي على القرطاس بانهمار منقطع النظير ، معتقدين بذلك إن هذه الظاهرة ليست نوعا من اللهو بل هي نشاط ذاتي يهدف إلى خلق بيئة أخلاقية واعية ، أو بالأحرى أداة لتحقيق الترابط الإجتماعي من خلال الاندماج مع متطلبات وأحاسيس أبناء المجتمع .
وأعتقد القسم الثالث أن القصيدة تعبير عن رغبات الشاعر المكبوتة وتنفيس عن ذاته السجينة في أكثر الأحوال ، وذهب إلى ذلك "فرويد" وتلاميذه.
إذا فالقصيدة إبداع ونشاط خلاق يُستجلى الجمال من بين سطورها بما تتضمنه من دلالات ومعان جاءت وفق رؤية الشاعر الذاتية المفعمة برهافة الإحساس والقدرة على نقل تلك الأحاسيس إلى ذهن المتلقي بكل سهولة ويسر.
ولعل هذا ماجعلني أقف بإجلال إزاء نص شعري كبير ولم أمر من أمامه مرور الكرام.
فأنا الآن أقف مباشرة أمام قصيدة نثرية لشاعر خصه الله تعالى بإحساس مرهف وانفعال قوي ووجدان عميق.
ولعلي أحيط بجوانب هذا النص الرائع المترامي الأطراف.
حيث انني كلما تغلغلت في بواطنه متلمسا جذوره يخيل إلي انني شاهدته للمرة الأولى ، مع أنني شاهدته مرات ومرات.
ولأجل تسجيل المظاهر الحية والولوج مجددا إلى الصور الحيوية والحقائق الموضوعية في هذا النص دعونا نتلمس عن قرب صدق هذا الشاعر وإخلاصه في التعبير عن مشاعره وعواطفه وآرآئه ، والإعلان عن مهارته الخاصة وذوقه الشخصي .
نص الشاعر:

********************
على شفا حال مستعارة:
*******************
حرمان
يشب حتى الريق
فيخنق صهد الزفير الشهيق
يا بشرة الوقت يا وجهى
أكنتِ دمية أضرب فيها
كل حرمانى ؟ !
أم كنتِ الصديق ؟
أكنتِ فى ظن احتمالاتى قيودى
أم كنتِ الطريق ؟ !
يا نديا جففته
الشمس المارقة
يا حيرة النفس
يا مجهة حارقة
متى يصطفى الأيك

طير العصافير ؟!
متى تنام عين التدابير ؟!
عن صبية يلعبون فى براح الوقت
ينثرون الروح حبا فإذا الثرى
حياة تدب وعطر يفوح
هكذا انفصامى أحبه
وهكذا ألف مليون أنا !! معذبون
ومطروحون وطارحون
صنارات الأمل فى محيطات المنى
ومحيطات المنى باتت
بلا سمك بلا صدف
باتت والملح فيها بلا خبز
وبقايا جماجم
سرقت منها الحياة
هكذا انفصامى أحبه
وهكذا ألف مليون أنا
وحيدون فى وحشة الحياة

نستأذن الإرهاق فى خطانا
لنترك طوق النجاة
فى الورقة رسمت عصر المستحيل
فقط على الورقة
رسمت السلحفاة
أمنة بلا درقة
قطعت الورقة بعد فرحة
رميتها وبهجتى محترقة
هناك فى القاهرة وحيداً
يبحث عنها
وهنا وحيداً أزوره
أجده وحيداً على سريره
وزوجه وحيدة على خدها يدها
رأيت الممشى وحيداً تلهب خده
الشمس
وجدت النخيل وحيداً
يرسل الظل والوجد وحيدا
وجدته على كل الوجوه
فى متحف الخريف
على شاطىء الطمى الزلال
وعلى شفا حال مستعارة
تصرخ الإنارة والعمارة والإمارة
وعلى كل الوجوه ابتسامة
كأنها أخدود حفرته الفؤوس
كأنما أحلى منها العبوس
هكذا انفصامى أحبه
وهكذا ألف مليون أنا
معذبون ولولا عذابنا
يا ألف مليون يا أنا
ما كان للحياة أن تهون
ولو لم تهن الحياة
فما أقسى أن غيرها يهون"
في هذا النص المتخم بالاحتجاج والإشارات والالماحات مجاز ترميزي وشعور عميق بخيبة الأمل حد أن يكون جلد الشاعر وبشرته إطارا للتجربة الزمكانية المعاصرة بكل مافيها من خيبات أمل وشعور بالمرارة والإحباط .

ثم إن النص ملئ بقراءة الذات والماحول الواقعي ،وهو متراص لاتوجد فيه فجوات ايقاعية، ويندر ان نعثر على نثر ايقاعي بهذه السلاسة.
"يانديا جففته الشمس المارقة

ياحيرة النفس
يامهجة حارقة"
مفردات تميزت بالدقة والوضوح ، إذ إن الأسلوب في هذا النص غاية في نفس الشاعر وتعبير عن مكنونات ذاته وكل كلمة فيه أدت غرضها من الناحية المعنوية والبلاغية والموسيقة.

حيث اتخذ من الترميز مجالا واسعا للتعبير عن أفكاره.
"حياة تدب وعطر يفوح

هكذا انفصامي أحبه
وهكذا ألف مليون !!
معذبون
ومطروحون وطارحون "
لقد أسهب الشاعر في تصوير لوعته وظمئه إلى رؤية فجر جديد ،فكان يصعب عليه أن يخفي صوته في مثل هذه الظروف ، وأن يلبي مطالب مجتمعه على الأقل من خلال منبر عاطفي ثوري يهدف إلى استنهاض وبعث العزائم في النفوس ، واستصراخ ضمائر الذين يقتعدون زوايا حجراتهم مكتفين.
"

وجدت النخيل وحيدا
يرسل الظل والوجد وحيدا
وجدته على كل الوجوه
في متحف الخريف
على شاطئ الطمى الزلال
وعلى شفا حال مستعارة
تصرخ الانارة والعمارة والامارة "
إسلوب شعري رفيع المستوى،دائم الحيوية ، من خلال طريقة التعامل مع كتابة النص التي اتقنها الشاعر، فمن خلال الفكرة المتبلورة في خياله اتسعت متطلبات رؤاه لاشباع الرغبات حتى بلغت في الغالب معظم القصيدة ، وكأنها كلمة واحدة لمعان متعددة ترتبط بغاية جزئية خفية في نفسه.

وحتى لاتنفد طاقته الشعرية فينحسر غرض القصيدة في مقدمتها ووسطها تأتي الخاتمة متنامية متعددة التوظيف والترميز.
"

وعلى كل الوجوه ابتسامة
كأنها أخدود حفرته الفؤوس
كأنما أحلى منها العبوس
هكذا انفصامي أحبه
وهكذا ألف مليون أنا
معذبون ولولا عذابنا
ياألف مليون أنا
ماكان للحياة أن تهون
ولو لم تكن الحياة
فما أقسى أن غيرها يهون"
إن هذا الاسلوب كفيل بأن يعبر عما يريده الشاعر من ادراك للمجهول والوصول إلى أعماق اللاوعي والتعبير عن المشاعر الخفية الغامضة ، فكانت النهاية والبداية مبنية على الإيحاء بدلا من الإفصاح ، والتلميح بدلا من العرض .

فقد استطاع من خلال هذا الطرح أن يولد المعاني في ذهن القارئ ، يقول "مالاراميه " عن الشعر (يجب أن يكون وصفيا لاروائيا، بل أيحائيا )
وفي الختام أقول إن هذا الشاعر المجيد وصل بخياله إلى درجة التوقد حينما رسم صورته الشعرية بهذا الشكل االرائع كلوحة ستظل تحتفظ بجمالها عبر مئات السنين لأنه صاحب رؤية حيوية بصيرة على مستوى الذات والموضوع التي أحتشد بها النص من المداخل وحتى الخواتيم.
أتمنى لأخي الشاعر أحمد الخليلي التوفيق والنجاح في مسيرته الأدبية والشعرية الحافلة بالإبداع.

الخميس، 14 مارس 2019

( مقدمة بحث ) بقلم / الاديب كريم القاسم

( مقدمة بحث )
************
بسم الله الرحمن الرحيم 
والصلاة والسلام على خير الانام محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين .
فلقد ادلهمت الخطوب وانخلعت من مكامنها القلوب وبات الرأي العاقل في غربة ورأي الجاهل في رحبة ، وللباطل قرن بارز وللحق طرف غامز، فلا صرخة تطيح بالخذلان ولا سيف يجابه الشيطان ، حتى اختلط الحال بالحال وتكالبت على جراحنا النبال والنصال ، فصارت شعوبنا جوازات قهر وحكوماتنا حقائب سفر وجيوشنا تجيد الفر لا الكر ، حتى ضاع الدليل وتشرذمت قوافل الرحيل ، وصرنا كحاطب الليل لانقدر على كشف ألأمور ولا نفرق بين القلم والساطور . 
ديننا بيننا غريب ونداس كهوام الدبيب ، حتى أثخن الغباء جراحنا وخنجر الغدر يصول بين جوانحنا ، ومازال حالنا منذ ذلك الزمن كحال يومنا ... 
ولمّا راجعتُ وتفحصتُ ملياً ثنايا كتب التراث والجدود ، وبما جاء على لسان السلف بما يجود ... وجدتُ عروشاً سادتْ ثم انحرفتْ عن الحق فبادتْ ، وتركوا الناس عتادا للمحن وحطبا للفتن ، وهي مقبلة كظلام ليل بهيم يشيب لها اليافع والفطيم ، فما من مخرج الا العدل ، وما من خلاص الا الفصل .
وحينما استوقفتني هذه العبارة ــ طالما أبكتني كلما قرأتها ــ لسيدنا الامام علي بن ابي طالب (كرم الله وجهه) :
" أما والله لقد رقعتُ مِدرعتي حتى إستحييتُ من راقعها ... حتى قال لي قائلٌ أَلا تنبذها عنكَ ؟ فقلتُ أَعزِبْ عني فعند الصباح يحمدُ القوم السرى * ، ما لِعَليٍّ ونعمة لا تبقى ، ولذة تفنى "
عندها قررت ان اغوص في فلسفة سياسته للرعية ، وماتنطوي عليه رؤيته الثاقبة الجليّة في حلِّ المعضلات ووضع أسس السياسات لراحة الناس والعباد ... لأرصفها في كتاب بحثي (القيادة علم وعمل) . 
مايمر به بلدي والعالم الملتهب ، بسبب سلوكيات حكومية معظمها ذاتية شخصية ، تتمثل بالشخص الحاكم ، تتحمل تبعاتها ونكباتها شعوب ومجتمعات الكرة الارضية قاطبة . 
هذا الامر جعلني اتفحص سيرة الكثير ممن حكموا عبر التاريخ العربي الاسلامي وغير العربي الاسلامي علَّني أقف براحلتي عند واحة خضراء تنبض بالحياة وسط هذا السفر البشري الموحش الموغل بالجفاف والجفاء ، وأخيرا ً ، ومن بين هذا الجمع ، اجد التاريخ العالمي يعيش جدلية كبرى حول شخصية انسانية أَغنَتْ التاريخ الانساني بالفكر والعلم والمعرفة ، مخترقة الزمكان ، لتضع بذور حضارة انسانية لم تُزرَع بعد ، فالأرض لازالت بورا . 
تلك الشخصية ، هو الامام علي بن ابي طالب (كرَّم الله وجهه) .
كعادتي وبفعل تركيبتي وثقافتي التربوية العائلية ، لم اتعَود القراءة العمياء ، بل مازلت اتلمس والتمس طريق الحق بفضل الله تعالى ، مستنيرا بالحقائق والدلائل والشواهد ، ورغم كل السواتر والسدود التي اقيمت حول الورود الى هذه الروح الكبيرة ، لكننا مازلنا نراها مشرقة على الجهات الاربع ، حتى وصل الحال الى ان تُطرِّزَ كلماته جدران المحافل الدولية والامم المتحدة ، ويتشرف بدراسة عطاءه ، معظم علماء ومفكري الارض على مرِّ العصور ، حتى شهد له الاعداء بذلك قبل المحبين والاصدقاء . ومازال عرشه متفرداً بالانسانية التي لانظير لها في الوجود المتمدن .
احترامي وتقديري ....
.............................................................................
* هذا المثل يأتي بمعنى ...ان النائمين حين يستيقظون صباحا ويجدون السارين ـ السائرين ليلا ـ قد وصلوا الى مبتغاهم وانهوا الطريق ، فإنّهم يمدحونهم ويذمون انفسهم لبقائهم نائمين .
الاستاذ كريم القاسم..بغداد..



الشاعر ياسين عقيل بدر الشاوي، وتوظيف الايحاء الشعري في قصيدة "الفلكة الموقوتة" :رؤية تحليلية بقلم الاديب غسان الحجاج..

الشاعر ياسين عقيل بدر الشاوي،
وتوظيف الايحاء الشعري
في قصيدة "الفلكة الموقوتة" :
رؤية تحليلية بقلم الاديب غسان الحجاج..
..............
في البدايةً ساستهل شرفة رؤيتي لنص الشاعر ياسين عقيل الصيمري الشاوي بالاستعانة بما ذكره الدكتور بشير تاوريريت في كتابه الموسوم "الشعرية والحداثة بين افق النقد الادبي وافق النظرية الشعرية "حيث يقول :
(يصطلح على الشعرية التي نادى بها مالارميه بشعرية الابتكار والاثر او الايحاء فالشعرية عنده هي ابعد من ان تقلص النص الى بنائه اللفظي فهي تركتز على المحتوى الذي هو المشاعر لان الشعر يقوم على الابداع وينبغي ان يؤخذ من النفس الانسانية الصافية "(1) )
فالشاعر الصيمري استمد قصيدته من خلال معايشته الواقعية على السواتر وهو مستأنس بأزيز الرصاص وهتافات الشجعان الإشاوس فضلا عن ذوبانه الوجداني بهذه "الفلكة" الغراء التي تسكن في قلبه كما تستوطن الياقوتة في الخاتم والرحيق في الزهور حيث الاصرة متغلغلة كجذور النخيل الباسق في فؤاد الارض.
من المعتاد ان تكون شاعراً تنفذ من خلال مهماز رؤيتك الى ابعادك النفسانية لتكشف المتواري في عقلك الباطن عبر مصداقيتك الشعرية ولكن عندما تضيف الى ذلك مصداقية الفعل من خلال اقتحامك معارة الحروب والخوض في الخطوب فان ذلك سوف يجعلك تضمن مطابقة نقل الحدث وتصوير الحقائق بأدق اللقطات المختزلة للمضمون ...
وعوداً على النص نرى ان الشعور هو ما كان يمسك المقود الشعري بل ان الشاعر كان يرى مكانه في قلب هذه الفلكة وكأنه ينتظر موعده المعهود لكن بقاءه بعد غياب رفاقهِ كان لحكمة اقامة التأبين بطريقة رفيعة تليق بهم ومن اجل ان ينقل الينا صميم الحدث بلغة القصيدة والتي لا توجد لغة اروع منها للقيام بالمراسيم على اكمل وجه..
هو يعرفها جيداً ليس لانه يجاورها فقط بل لانه يعرف من سكنت صورهم في محياها الوضاء ،فهو يعرف حكاياتهم ويسردها لنا على ايقاع ألمِهِ النازف بالارواح التي يزرعها ببراعة في اجساد الكلمات.
من جهة اخرى هو يتأرجح بين تشابهه معها احيانا وبين جهله باسرارها العجائبية ولكنه يؤكد التشابه بينه وبينها فكلاهما يحتضنان ارواح الناس ربما هو سبقها في احتضان صديقه الشهيد لكونه عايشه حياة وشاهد منظر استشهاده برمته وبتفاصيله الفدائية التي تعجز الكلمات عن احتضان معانيها السامية...
هو يبحث عن نفسه كل مساء ،يبحث عن مكانه في العلياء التي يعشقها منذ صباه وها هو مابين الغبطة والتمني يفتش في صورها المضيئة بين الارواح ويعرج على وصف الليل الذي اضحى ناياً حزيناً من رفقتها التراجيدية فالتخاطر بين هذه "الفلكة" التي تتربع في مدخل مدينته الجميلة وساكنيها تأرّج بين دموع اليتامى ونحيب الثكالى وندب الارامل او وجد جوى فتاة مخطوبة لم تحظ بالوصل بعد ان قطع الردى حبال الوصال ..
هو يتخيل في اغماضة عينيه شكل بعثة الفلكة في يوم القيامة وموكبها المهيب كسرب من الملائكة واصوات زغاريد الامهات المبثوثة رغم غبشة الدموع وصرير الاهات وهن يعلقن على صدور اولادهن نياشين البطولة .حتى انه من شدة يقينه يرى ان العالم يتداعى دهشةً ازاء رسوخ هذه "الفلكة" المباركة.. فلم تعد مجرد جزرة وسطية واسعة مستديرة محاطة بالقضبان الحديدية المزخرفة وحسب،بل هي الات واحدة من اكبر جداريات العالم ،وهي تحتشد بلوحاتها الفوتوغرافية الناطقة المذهلة..
الشاعر هنا يحمل اعباء الواقع على كاهله لذلك هو من جهةٍ يرسم مشهد هذه اللوحة الملحمية "الفلكة "وهو يدور حول محيطها المرسوم بنقاط التماس التي تزاحمت من الصور المكتظة العدد مؤديا الطواف اليومي ومن جهةٍ اخرى يرفع الشاعر لافتات احتجاج تندد بمن يكيلون بمكيالين وهم يرقصون على الجراح المستمرة على منوال النزيف!!..
في مقطع آخر ينشر مشاعره المبللة بالدموع ليقوم باحتساب ما نحتاجه من حناء مدينة الفاو " الشهيرة لزفاف الكواكب التي بقيت صورها شاخصة وبخور الهند المرموق يتصاعد بعبقه من حولها.
فهو يذهب بعيدا بالاستنكار ويستخدم الإشارة ( فكل لبيبٍ بالإشارة يفهمُ )
واستخدامه لمفردة المرموقة هنا لغرض المفارقة مع الوطن المذبوح كنبيّ،اما اشباح الناس هنا فكناية عن الشحوب وربما لان الناس في سبات الصمت لايحركون ساكناً ،حتى انه ما عادت تعنيه الألوان بسبب الشحوب الباهت المطبق على رئتي العراق ،حتى الليل أمسى بنيا، فالأصفر الشاحب والأسود يعطي هذا اللون البني اذن حتى الليل شاحب بلا مصابيح تنير ظلامه هو الاخر. لان العشاق موتى ولا احد يعيد اليه نضارته التي كانت تداعب مقل العشاق السهارى
" ياالله أوقف سير الكون قليلا
فصديقي في الصورة في ثوب زفافه"
هنا حتى الكلمات ترتعد فرائصها من تراجيدية المعنى
وهو يتساءل كيف لا تتوقف ديناميكية الكون من هول هذا المشهد المهيب.
اذن كانت مجسات الإحساس تسبح في قلب الشاعر غير مبالية باتجاه التيار فالأمواج الداخلية تمتلك زمام المبادرة لتتناغم بحركتها على وقع موسيقى الخبب الواثق المسير كفيلقٍ عراقيٍّ باسل ....
النص من طراز الشعر التفعيلي الحر المشغول بمهارة شاعر مرهف ورصين..
تحياتي وعميق تراصفي اخي الشاعر ياسين عقيل بدر الغالي،مع التقدير..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
1- الشعرية والحداثة بين افق النقد الادبي وافق النظرية الشعرية – تأليف الدكتور بشير تاوريريت..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نص الشاعر:
*
الفلكة الموقوتة*
،،، ،،،
"الفلكةُ" روحٌ مخبوءة
رغم تضاريس الارواح
اعرفها جداً
كصديقي القابع فيها ... صورةْ
في "الفلكة" اشياءٌ اجهلها مثل الموتْ
اشبهها احياناً
تحتضن الفلكة ارواح الناسْ
في كل مساء أذهب في نزهة
الناس كثيرون هناك
بين زحام الارواح الموقوتة
ابحث فيها عني
في كل مساء تذهب كل الناس
لتزور "الفلكة"
ببخور يصعد كالأرواح
الليل هنيئ في كل مكانٍ إلا فيها
صوت ثكالى
او ندب ارامل
او دمعة طفل او طفلة
او بكرٍ ما زالت تحلم ان يأتيها محبوبٌ من خلف اطار الصورة
لو بُعثت تلك "الفلكة" في يومٍ
يالله
كم مَلَكٍ في يمنى اكتاف الناس يسجل
كم دمعة امٍ ترفع هلهولة نصرٍ للعرش المحمول بأطراف الجرحى المبتورة !!!
صمتْ
هل يخرج مسجون من خلف اطار الصورة !!!
سيموت العالم حتما من فرط الدهشة
دعهم يا الله
الظلم المحمول بميزان العدلْ
اتساءل احياناً
الفقر كبيرٌ جداً
فلماذا يتساوى ميزان العدلْ
فجيوب السراق المملوءة لا تعدل موت الفقراء
حتما نحتاج لموت اكثرْ !!
نحتاج الى عطار ماهر
يرفدنا من "حناء الفاو " الاصلية
وقماش
أي قماش اخضر
"وبخور الهند" المرموقة
لا نحتاج الى دفانٍ اصلاً
لنؤدي طقوس الموتى
اشباح الناس كشمع يوقد في الليل البني
احدهم يخبرني حول سواد الليل
ما عادت تعنيني الوان الاشياء
غزلُ الاحباب هنا دمعٌ اسمر
كالارض المعجونة بالطين المقذوف على صور "الفلكة"
من سير الكون المتغير
يا الله
اوقف سير الكون قليلاً
فصديقي في الصورة في ثوب زفافه
الليل لوحدي الآن
وعيون موصودة
في اول طابور من ابواب الجنة
ما بيني والطابور الاول ثورة
يصعد فيها ابناء الساسة
في "الفلكة" ربٌ يختزل الأديان
يبعث كل شهيدٍ في امة
إنْ شاءْ
أوجَدَهُمْ فينا حزناً
هلاّ نعرف حقا ماذا يريد الله
حتى لا نُبْعَث في الدار الاخرى غرباء
* الفلكة : هي الاستدارة في مدخل قضاء المدينة وقد علقت عليها صور الشهداء الابرار لتكون موطناً مقدساً والصورة ادناه لها
النص كتب في ميسان
3/2/2019 مـ

قراءة نقدية لنص الشيخ الشاعر احمد الخليلى :بقلم الاديب إحسان الموسوي البصري

قراءة نقدية
لنص الشيخ الشاعر احمد الخليلى :
الاديب إحسان الموسوي البصري
**************************************
ليس الحديث عن الشعر وتحديد معناه أمرا يسيرا في ضوء النظريات النقدية الحديثة من حيث تعدد وجهات النظر المختلفة تبعا لاختلاف مذاهب الشعراء الفكرية والفلسفية.
فمن الشعراء ما كانت قصائده مستوحاة من الطبيعة إيمانا بمقولة أفلاطون الخالدة(إن الفن محاكاة للطبيعة).
ومنهم من ذهب إلى تجسيد واقعه الإجتماعي والسياسي والاقتصادي على القرطاس بانهمار منقطع النظير ، معتقدين بذلك إن هذه الظاهرة ليست نوعا من اللهو بل هي نشاط ذاتي يهدف إلى خلق بيئة أخلاقية واعية ، أو بالأحرى أداة لتحقيق الترابط الإجتماعي من خلال الاندماج مع متطلبات وأحاسيس أبناء المجتمع .
وأعتقد القسم الثالث أن القصيدة تعبير عن رغبات الشاعر المكبوتة وتنفيس عن ذاته السجينة في أكثر الأحوال ، وذهب إلى ذلك "فرويد" وتلاميذه.
إذا فالقصيدة إبداع ونشاط خلاق يُستجلى الجمال من بين سطورها بما تتضمنه من دلالات ومعان جاءت وفق رؤية الشاعر الذاتية المفعمة برهافة الإحساس والقدرة على نقل تلك الأحاسيس إلى ذهن المتلقي بكل سهولة ويسر.
ولعل هذا ماجعلني أقف بإجلال إزاء نص شعري كبير ولم أمر من أمامه مرور الكرام.
فأنا الآن أقف مباشرة أمام قصيدة نثرية لشاعر خصه الله تعالى بإحساس مرهف وانفعال قوي ووجدان عميق.
ولعلي أحيط بجوانب هذا النص الرائع المترامي الأطراف.
حيث انني كلما تغلغلت في بواطنه متلمسا جذوره يخيل إلي انني شاهدته للمرة الأولى ، مع أنني شاهدته مرات ومرات.
ولأجل تسجيل المظاهر الحية والولوج مجددا إلى الصور الحيوية والحقائق الموضوعية في هذا النص دعونا نتلمس عن قرب صدق هذا الشاعر وإخلاصه في التعبير عن مشاعره وعواطفه وآرآئه ، والإعلان عن مهارته الخاصة وذوقه الشخصي .
نص الشاعر:
********************
على شفا حال مستعارة:
*******************
حرمان
يشب حتى الريق
فيخنق صهد الزفير الشهيق
يا بشرة الوقت يا وجهى
أكنتِ دمية أضرب فيها
كل حرمانى ؟ !
أم كنتِ الصديق ؟
أكنتِ فى ظن احتمالاتى قيودى
أم كنتِ الطريق ؟ !
يا نديا جففته
الشمس المارقة
يا حيرة النفس
يا مجهة حارقة
متى يصطفى الأيك
طير العصافير ؟!
متى تنام عين التدابير ؟!
عن صبية يلعبون فى براح الوقت
ينثرون الروح حبا فإذا الثرى
حياة تدب وعطر يفوح
هكذا انفصامى أحبه
وهكذا ألف مليون أنا !! معذبون
ومطروحون وطارحون
صنارات الأمل فى محيطات المنى
ومحيطات المنى باتت
بلا سمك بلا صدف
باتت والملح فيها بلا خبز
وبقايا جماجم
سرقت منها الحياة
هكذا انفصامى أحبه
وهكذا ألف مليون أنا
وحيدون فى وحشة الحياة
نستأذن الإرهاق فى خطانا
لنترك طوق النجاة
فى الورقة رسمت عصر المستحيل
فقط على الورقة
رسمت السلحفاة
أمنة بلا درقة
قطعت الورقة بعد فرحة
رميتها وبهجتى محترقة
هناك فى القاهرة وحيداً
يبحث عنها
وهنا وحيداً أزوره
أجده وحيداً على سريره
وزوجه وحيدة على خدها يدها
رأيت الممشى وحيداً تلهب خده
الشمس
وجدت النخيل وحيداً
يرسل الظل والوجد وحيدا
وجدته على كل الوجوه
فى متحف الخريف
على شاطىء الطمى الزلال
وعلى شفا حال مستعارة
تصرخ الإنارة والعمارة والإمارة
وعلى كل الوجوه ابتسامة
كأنها أخدود حفرته الفؤوس
كأنما أحلى منها العبوس
هكذا انفصامى أحبه
وهكذا ألف مليون أنا
معذبون ولولا عذابنا
يا ألف مليون يا أنا
ما كان للحياة أن تهون
ولو لم تهن الحياة
فما أقسى أن غيرها يهون"
في هذا النص المتخم بالاحتجاج والإشارات والالماحات مجاز ترميزي وشعور عميق بخيبة الأمل حد أن يكون جلد الشاعر وبشرته إطارا للتجربة الزمكانية المعاصرة بكل مافيها من خيبات أمل وشعور بالمرارة والإحباط .
ثم إن النص ملئ بقراءة الذات والماحول الواقعي ،وهو متراص لاتوجد فيه فجوات ايقاعية، ويندر ان نعثر على نثر ايقاعي بهذه السلاسة.
"يانديا جففته الشمس المارقة
ياحيرة النفس
يامهجة حارقة"
مفردات تميزت بالدقة والوضوح ، إذ إن الأسلوب في هذا النص غاية في نفس الشاعر وتعبير عن مكنونات ذاته وكل كلمة فيه أدت غرضها من الناحية المعنوية والبلاغية والموسيقة.
حيث اتخذ من الترميز مجالا واسعا للتعبير عن أفكاره.
"حياة تدب وعطر يفوح
هكذا انفصامي أحبه
وهكذا ألف مليون !!
معذبون
ومطروحون وطارحون "
لقد أسهب الشاعر في تصوير لوعته وظمئه إلى رؤية فجر جديد ،فكان يصعب عليه أن يخفي صوته في مثل هذه الظروف ، وأن يلبي مطالب مجتمعه على الأقل من خلال منبر عاطفي ثوري يهدف إلى استنهاض وبعث العزائم في النفوس ، واستصراخ ضمائر الذين يقتعدون زوايا حجراتهم مكتفين.
"
وجدت النخيل وحيدا
يرسل الظل والوجد وحيدا
وجدته على كل الوجوه
في متحف الخريف
على شاطئ الطمى الزلال
وعلى شفا حال مستعارة
تصرخ الانارة والعمارة والامارة "
إسلوب شعري رفيع المستوى،دائم الحيوية ، من خلال طريقة التعامل مع كتابة النص التي اتقنها الشاعر، فمن خلال الفكرة المتبلورة في خياله اتسعت متطلبات رؤاه لاشباع الرغبات حتى بلغت في الغالب معظم القصيدة ، وكأنها كلمة واحدة لمعان متعددة ترتبط بغاية جزئية خفية في نفسه.
وحتى لاتنفد طاقته الشعرية فينحسر غرض القصيدة في مقدمتها ووسطها تأتي الخاتمة متنامية متعددة التوظيف والترميز.
"
وعلى كل الوجوه ابتسامة
كأنها أخدود حفرته الفؤوس
كأنما أحلى منها العبوس
هكذا انفصامي أحبه
وهكذا ألف مليون أنا
معذبون ولولا عذابنا
ياألف مليون أنا
ماكان للحياة أن تهون
ولو لم تكن الحياة
فما أقسى أن غيرها يهون"
إن هذا الاسلوب كفيل بأن يعبر عما يريده الشاعر من ادراك للمجهول والوصول إلى أعماق اللاوعي والتعبير عن المشاعر الخفية الغامضة ، فكانت النهاية والبداية مبنية على الإيحاء بدلا من الإفصاح ، والتلميح بدلا من العرض .
فقد استطاع من خلال هذا الطرح أن يولد المعاني في ذهن القارئ ، يقول "مالاراميه " عن الشعر (يجب أن يكون وصفيا لاروائيا، بل أيحائيا )
وفي الختام أقول إن هذا الشاعر المجيد وصل بخياله إلى درجة التوقد حينما رسم صورته الشعرية بهذا الشكل االرائع كلوحة ستظل تحتفظ بجمالها عبر مئات السنين لأنه صاحب رؤية حيوية بصيرة على مستوى الذات والموضوع التي أحتشد بها النص من المداخل وحتى الخواتيم.
أتمنى لأخي الشاعر أحمد الخليلي التوفيق والنجاح في مسيرته الأدبية والشعرية الحافلة بالإبداع..

زوايا نظر مغنية لنص الشاعرة رغد اسليم ( اجنحة السراب)


هذه زوايا نظر مغنية 
لنص نثري واحد:
أروع مافيها هذا التنوع الجميل الذي يثري الذائقة كما ويمنح النص ذاته آفاقاً واسعة في التاويل والتلقي ربما لم تخطر على بال الشاعرة الشامية رغد اسليم..
اذن فنحن مع الاستاذ محمد الدمشقي..
الاستاذ القيس هشام..
الأستاذ هيثم رفعت..
بعض القراءات الراقية التي حظي بها نصي المتواضع أجنحة السراب .....
خالص الشكر والتقدير والامتنان شاعرنا الراقي محمد الدمشقي وشاعرنا الراقي القيس هشام وسندباد الحرف شاعرنا الراقي هيثم رفعت

قراءة الشاعر المبدع أمير الياسمين محمد الدمشقي
نص مؤثر فيه تجديد في اسلوب رغد و بحث عن حالة رمزية مختلفة مع بقاء الحالة السريالية الضبابية التي تميز حرف اميرة النقاء رغد
المشهد الاول توصيف و توطئة رمزية تبدو غامضة قليلا و السبب انها تريدنا ان نصل اليها بمتابعة باقي النص .... هناك ثالوث بدأ منه النص ( الريح و الزمن و الذاكرة )
الريح بساط ... بمعنى انها تطير بنا الى حيث لا ندري
و الزمن رفيق اي انه يبقى يحاصرنا بقوة
و الذاكرة اعتبار لمن يعتبر
و لا اظنني من المعتبرين
ربما هو جنوننا و عدم تعلمنا من تجارب سابقة مع من نحب لاننا نتمسك بامل عودتهم و بقائهم معنا و حولنا
و لهذا تابعت فقالت
في كل ليلة و يوم
تنكأ جراحي عقربة
و بعض اصابعي
ندم من جهة مجهولة
و لكنني حتى اللحظة الراهنة
لم اعلم كيف
أتعثر دائما و اعود ادراجي
مقطع سردي جميل يحكي عن وجعنا في الحب حيث نندم و نعاني و نعود لنفس الحفرة ثانية و نعيد الكرة و لا نعتبر فالحب طاقة دافعة تجعلنا غير ابهين بما سيحدث لنا ان خضنا غماره فنعود ادراجنا عدة مرات و ربما هو نداء الحنين و الرغبة في نكران الهزيمة لا احد يدري
و ياتي المقطع التالي ليلخص لنا مظاهر صحوة بعد وجع
ايقنت انني خارج المشهد الان
و ان الريح التي حملتني
كانت غريبة
و ان الزمن الذي رافقني
كان عدوا
و ان ذاكرتي التي رتقتها الف مرة
كانت مثقوبة
و ما عاد في يدي
الا احلام القصيدة
تلك التي تقف معي
على مسامير الدهشة
مقطع موجع و معبر و رائع ...
الريح الغريبة حملتها الى المجهول
الزمن عدو متربص بنا ياخذنا الى الموت و الوجع دون ان نقاومه
و الذاكرة مثقوبة و النسيان وهم كبير
و القصيدة التي نختبئ فيها تقف على المسامير وجعا و دهشة من خيبات الحياة
علي ان ادفن قلبي قبل الضوء
ان اكسر جرة الرتابة
اتحرر من اجنحة السراب
و حنين القصب
هل هي الادوات التي تشفينا من الذاكرة العنيدة و الوقوع في نفس الحفرة ... ان ندفن نداءات القلب و الاحلام و الاجنحة المستعارة من الحب و الرتابة في الجري وراء السراب و كسر هذا الحنين الذي يبعثرنا ؟
و تاتي القفلة بالحنين الى الوطن و الى الامان الاول قبل ان تتغرب الروح فربما يكون هناك الشفاء من كل الجراح
نص مؤثر و حزين فيه دمع صادق جدا يا اميرة النقاء
...............................................
قراءة شاعرنا الراقي القيس هشام
" أجنحةُ السراب "
نذهب والعين معماة نحو السراب دائما تحدونا تلك الرغبة في الرواء ...،
هذا كمعنى لظاهرة السراب ...،
هنا كانت القطفة الشعرية مائزة ومختلفة فالسراب في صورة محلقة هو الذي يحيط بنا ويلج حياضنا وكأنه خلق لنا فالسراب يحلق كطائر عنيد لا ليرافقنا وفقط بل ليدثر بالوهم والشتات أحلامنا فيغتالها في مهدها ..،
عبر هذا التجسيد لظاهرة تعد هذيان بصري ترتفع نبضات القصيدة عبر تحليق
الصورة بروعة لنلج النص مع هذا الهرموني التصويري الرائع ...،
الريحُ
والزمنُ
وذاكرتي التي رتقتُ فتقها
ألفَ مرةٍ
نحبو سوياً على ساحلِ الحياة
الريحُ بساطٌ
والزمنُ رفيقٌ
والذاكرةُ اعتبارٌ لمن يعتبر
ولا أظنني من المعتبرين
" الريح ... الزمن "
الريح عكس الرياح كمعنى وهي دقيقة المعنى هنا ...،
فالريح هوجاء عاتية ترمز لهذا الكم الهائل من الصعوبات والأشجان التي تحيط بتلك الروح ...،
يؤكدها لفظ " الزمن" للتعبير عن أوراق العمر التي مهرت ريح الخريف أعناقها بعد قطف من أغصانها ...،
ولأن العمر سجال من الأحداث ما بين الحلاوة والمرارة هنا نغرق بين سطور الذكريات التي تعج بها الذاكرة وتحاول ترميم حجارة حروفها ومحو
ركام الشجن ...،
هنا تُفصل الثالوث " الريح .. الزمن ... الذاكرة "
هذا البساط ليس بساط ألف ليلة وليلة المصنوع - كما الأسطورة - من شعر ألف ساحر وساحر ...،
كلا هنا الريح بكل ما بها وتعني كمعنى من قوة عاصفة غاشمة ورمزيتها التي تعبر عن العذابات التي واجهتها هي بساط من هراث الألم والشجن ...،
والرفقة فنحن نحمل سنوات عمرنا على كاهلنا بكل ما لها وما عليها وما بها فترافقنا أبد الدهر ....،
والذاكرة هي تذكرة قد نتعلم منها ونعتبر ولكننا في أمور كثيرة نعيد الكرة من جديد دون النظر لما كان من عواقب ...،
أو لأننا قد نغفر لروح ما أو لفئة من البشر ما كان منهم وهنا قد تعاتبنا ذاتنا كيف نفعل فنصم الأذن ونستمر ...،
هنا ديمومة الأمل الذي يرنو للحياة مع تعامي الروح عبر دوامة السراب الذي يطيح بالأحلام عند نقطة الوصول ...،
ولكن يبقى السؤال حائر على أفريز حنجرة الحرف ...،
أمازال المطر هاطلا
بالأماني كما كان ...؟!!
أخت القيس الشاعرة الرائعة رغد اسليم
نص رائع عبق بالصور المحلقة قوي النبرة عميق الفكرة ..،
دمت بهذا الإبداع والألق ..
.....................................
قراءة سندباد الحرف الرائع شاعرنا المبدع هيثم رفعت
جودة النص تعني أن يتسع لأفكار ومشاعر القارئ بحسب ثقافته وقدرته
هكذا هو النص النثري الممتع والمفتوح التأويل
وهنا كانت شاعرتنا ومنذ عتبة النص أجنحة السراب في مواجهة مع مشاعر الكاتب أو الشاعر
أو كل من ينتمي إلى سماء البوح وهنا تطرح السؤال الداخلي الذي أرق وما زال يؤرق الذات
ولكن طرحته بشكل غير مباشر ويستفاد رمزياً وتأويلياً
وهو هل الكتابة - بأعتبارها لحظة لأحلام اليقظة - هي من أجنحة السراب ؟
وهنا كان الثنائي الضدي / الأجنحة تعني الحقيقة و التحرر والانطلاق والخلاص وفيها قدر كبير من النشوة والمتعة ، السراب يعني الضلال والفقد والحيرة والندم والحسرة ..الخ
وهنا كانت المقابلة أو الصراع النصي ليس فقط في معرض النص بل من داخل عقل محبرة شاعرتنا ، وهنا تحدثت بلغة الأجنحة المحترقة ووقودها التذكار و الزمن
وهي في حالة صراع دائم مع الريح وهي رمز متعدد المقاصد والمعاني اختارته شاعرتنا بكل حنكة وذكاء ليشكل بؤرة النص ومحور انطلاقاته؛ لتعبر عن ذاتها كحالمة وشاعرة محملة بالكثير من الخيبات ربما لأن الريح غادرة وكم خذلتنا في أفق أو سماء كثيفة الغيوم وهذا المعني هو خلاصة رحلة الحياة الغير آمنة إلا بين أو في أحضان الأم التي استحضرتها شاعرتنا في آخر النص بقولها :
يازيتونةَ الدارِ
يا يمامةَ أبي الصباحية
أما زال المطرُ هاطلاً
بالأماني
مثلما كان
وهنا قد يرى القارئ العجول أن هذه المشهدية دخيلة على أفكار النص ، وبقدر من التأمل والربط نجد المعنى ونفهمه عبر التشكيك في كل شيء - أجنحة السراب - ليظل دفء وحضن الأم هو الحقيقة الثابتة والتي لا تتغير ابداً وفوق هذا هي رغبة مشاعر النص من فقد الأمان والثقة في كل شيء .
نص من مداد السهل الممتنع و الأناقة
كل المنى بدوام التميز والألق
أختي العزيزة محبتي والورود &
......................................
أجنحةُ السراب
الريحُ
والزمنُ
وذاكرتي التي رتقتُ فتقها
ألفَ مرةٍ
نحبو سوياً على ساحلِ الحياة
الريحُ بساطٌ
والزمنُ رفيقٌ
والذاكرةُ اعتبارٌ لمن يعتبر
ولا أظنني من المعتبرين
في كلِ ليلةٍ
ويومٍ
تنكأُ جراحي عقربةٌ
ويعضُ أصابعي
ندمٌ من جهةٍ مجهولةٍ
ولكنني
حتى اللحظة الراهنة
لم أعلم كيفَ
أتعثرُ دائماً وأعودُ أدراجي
يا حياتي الرغيدة
من غيرِ حبور
أيقنتُ
أنني خارجَ المشهد الآن
وأنَّ الريحَ التي حملتني
كانت غريبةً
وأنَّ الزمنَ الذي رافقني
كانَ عدواً
وأنَّ ذاكرتي
التي رتقتها ألفَ مرةٍ
كانت مثقوبةً
وما عادَ في يدي
إلا أحلامُ القصيدة
تلك التي تقفُ معي
على مساميرِ الدهشة
وأنا على قارعةِ الأمل
أعودُ إلى اللامعنى
أتمسكُ بتلابيبِ الضوء
حتى تعرقَ الرغائب
ينطلقُ الشعرُ
شهقةً تورقُ
على ذراعيها فتائلَ الجمرِ
عليَّ أن أدفنَ قلبي قبلَ الضوء
أن أكسرَ جرة الرتابة
أتحررُ من أجنحةِ السراب
وحنين القصب
يازيتونةَ الدارِ
يا يمامةَ أبي الصباحية
أما زال المطرُ هاطلاً
بالأماني
مثلما كان
رغد

{{ نوافذ لنصوص دمشقيّة }}: قراءة نبعض صوص الشاعر محمد الدمشقي بقلم الاديبة فضيلة ذياب..تونس الخضراء:

{{ نوافذ لنصوص دمشقيّة }}:
الاديبة فضيلة ذياب..تونس الخضراء:
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
حين يكتب محمد الدمشقي قصيدته نراه فيها بكل ملامح العاشق المشغوف بالحبيبة بمعناها الشامل المرأة والوطن والقيم.. نراه يطير داخلها وخارجها تحمله جوانح الحلم نحو آفاق الكلمة بما فيها من دلالات وجدانية ونفسية .
لذا تلتصق لغته الشعرية التصاقا كليا بالمعجم الطبيعي لأنها تتوافق ورغبته الجامحة في بناء فكرة حب ناصعة البياض شديدة الخصوبة .. خالية من كل شائبة مادية أو فكرية كما في المقطع الأول الذي اتسعت فيه رؤيته الشعرية اتساع البحر كاشفة عن انشطار بين عالمين الارض والسماء العالم الحسي والعالم الروحي والروحاني فتأتي التفاحة ببعدها الرمزي لاسقاطه في الهاوية كصورة معبرة عن مفارقة بين الحلم والحقيقة حيث تصعد الروح باحاسيسها وتسمو ليصطدم الحلم بالمستحيل الذي أخرجه منه عنوة اتساع البحر وعلوّ موجه وبعد السماء ... هذه الصورة الشعرية التي أوحت بطرد الواقع للشاعر من جنة أحلامه وهنا تبتدئ المعاناة النفسية ...
بُني النص على جملة من المقابلات كلون تعبيري بلاغي كثيرا ما تقوم عليه قصائد شاعرنا لترتقي بالنص في فنيته الى مستوى جمالي تحكمه الدقة في انتقاء العبارة وتلوينها بالبديع والانزياح
لذا نجد المفارقات السياقية طاغية منذ بداية النص حيث تجتمع المتناقضات كلها في مشهد واحد .. غناء ،نافذة ناعمة ،بحر ،سماء بعيدة، شطآن # تساقط، حزن اجش، ينقرني ضوء اصم ،صدى ،زبد ،كيد ...
نلاحظ اقتران الحزن والأسى بالأنا ما يحدثه في النفس غياب او عدم اكتراث الاخر او استحالة الوصل في جمل خطابية تحدّث فيها الأنا نفسها داخل مونولوج نفسي نلمس فيه خطابا ساخرا وكأنّ النفس تسخر من استغراقها في حلم لا أمل منه ما يضاعف البعد الدرامي في القصيدة فلَأكثر ما يحزن النفس وقوفها أمام الوعي وانشطارها الى ذاتين (مخاطِب ومخاطَب) وكأنها تقرّع نفسها على تمادي أحلامها وانتظاراتها الواهمة لذا استهل المقطع الثاني بلفظ "اضغاث "
لتتسع رؤية المشهد الدراماتيكي في مسرح شعري يغطيه الرماد
يواصل الشاعر خطابه للذات مصرّحا بتمزقها بين الوعي والقلب فكانت ال أنت غريبة عنها وكأنها الروح التي محرَّم عليها الاستغراقُ في طلب الحياة والضوء ما عبّرت عنه التعابير التالية او الحقل الدلالي لصورة الظلام :
{ظل غروب غبار اجفان اعين صباح فتيل رقصات يد نعاس هذيان انطفاء وسائد النوم... }
نلاحظ دقة باهظة الجمال في تشكيل المشهد المعبّر عن الغرق في الظلام مستدعيا كل الصور والاشياء الحسية والمعنوية الدالة عليه.
لا مناص من الهروب من الحقيقة فالذات الشاعرة تدرك أن الكتابة ايضا لا تُقرأ في زمن لا يكترث باحتراقها وصدق احاسيسها هذا ما يميط اللثام عن بعد فكري ايضا وثقافي تغترب فيه القصائد كاغتراب اصحابها في ساحة الأدب رغم انها في محتواها تسعى بمضامينها النبيلة واهدافها السامية الى بعث الامل واستمطار الضوء في واقع ساده الظلام كصورة العنقاء تنفض عنها الرماد لولادة جديدة .
صورة سيزيفية تكشف ببعدها الايحائي فشل الشاعر رغم محاولاته تغيير واقعه وواقع مجتمعه نحو الافضل رغم محاولاته اشعال فتيل الوعي
الرفضُ لطالما انهك الشعراءَ في رحلة بحثهم عن الجمال وتحويله الى قيمة نبيلة ولكنه استفز قريحتهم ما امطرنا قصائد بالغة التاثير عميقة الاحاسيس .
شاعرنا محمد الدمشقي رغم هذا الكم الفائض من الاحاسيس لم ينس ان للقصيدة شعرية لا بد من الحفاظ عليها لذا نراه يزخرف قصيدته بالمجاز اثناء وصفه للانا في الجمل الاسمية التالية: ( اضغاث ظل انت .. قحط )
او الفعلية القائمة على صيغة الامر والنهي :
(غط في نوم طويل.. قبّل يد نعاسك .. نم على وسائد ,, لا تفرك ..لا تشعل ..... )
هذا النفَس التشاؤمي الذي نلمسه في تقريع الشاعر لنفسه وسخريته يكشف عن سموّ قيميّ وشعوري لدى الشاعر وعن اتجاه روحاني ونفسي في حركة القصيدة وايضا وجداني حين يتحول المونولوج الذاتي الى خطاب مع ضمير ( أنتِ )
هنا يخرج النص في خطابه من فضائه الداخلي الضيق الى فضاء خارجي يشمل الانا والاخر لترتفع وتيرة الشجن بالرغبة في التحرر من الاخر الذي هو سبب معاناة الشاعر عبر عنه الحرف الناسخ (ليت) الدال على التمني .
فاستحالة التحرر من حب الاخر الانثى او الوطن هو في معناه المضمر رغبة في البقاء في فضائه لكن الذات ارهقها المكوث طويلا في حالة الاستحضار والتمني
لذا تشتهي اسكات ما بداخلها والتحرر منه بتقديمه للريح خيفة الاحتراق اكثر .
نلاحظ فنيات التصوير في التعابير المجازية حيث كان الانزياح اداة رسم لمشهد المعاناة في هذه الجمل المدهشة
: "للريح ان تاخذ صرختي"
"ما وجدوا في كأسي الفارغة الا رذاذ نغمتك " عودة الى المقطع الاول الذي استهله ب" غناؤك" محققا الترابط البنيوي في القصيدة فالغناء هنا له بالغ الاثر في الشاعر هو من يقشره اي يعري دواخله ومكنوناتها .
ربما يكون صوت الحبيبة غناءا بالنسبة للشاعر وربما يكون فعلا ترانيمها التي اغوته وربما ايضا يكون نشيد الوطن وصوت الحب المندلع في ذاته وكل ذلك تضافر لصناعة الصور الشعرية وحركية في السرد خلقت حدّة intensité في العلاقة التاثرية بين الانا وهواجسها واحاسيسها وعلاقتها بالاخر
نلمح هذا في نفس العتاب الموجه الى الطرف المشارك في قتل الحلم عبرت عنه الجمل الفعلية ..
"يطلقونَ حمائمي بعيدا ... عن صلواتِ عطرِك "
"قبضوا على جرحي القديم"
وفي الجملة الاستفهامية " هل كان حبكِ تهمتي ؟ "
في هذه الاخيرة انتقل بنا الشاعر الى دلالة اكبر للمعاناة حيث اضحى الالم شاملا وكأنّ أفعال الاخر مؤامرة ضد السلام والحب والحلم هنا تبدو ملامح معاناة الذات اشبه بمأساة الوطن المكبّل بالموت عبرت عنه : ( الشظايا والوجه المتناثر وشحوب المرافئ ... ) ولكنه وطن من ياسمين يرفض ان ينحني للموت لذا لم تطمس ملامحه كلها بل ظلت في الذاكرة والقلب والشعر خضراء كالشجر ...
المشهد الأخير الذي فتح أفقا آخر للقصيدة يكشف عن تحدّي الشاعر لكل العقبات المادية والمعنوية وفاءا وولاءا للحبيبة الأنثى والوطن عبّرت عنه الجملة الفعلية في صيغة النفي ثم الجزم ( لا.. لم يشطبوا ملامحك )
ثم الفعل الناقص (مازال ،مازلت لوني, ما تزال تتذكرني ...)
تعبيرا عن استمرارية الفعل الذاتي المناقض للحقيقة اي مواصلة الشاعر رحلة البحث عن الحرية والحلم والخصوبة بدل الجفاف والشحوب وهي بدائل يسعى لتوثيقها عن طريق الكتابة
طرح الاسئلة لم يكن عبثيا اذا فقضية الشاعر ابعد ما تكون عن الذاتية لانها ذات أبعاد أعمق مما تبدو عليه في ذهن القارئ وهي أبعاد اجتماعية ثقافية ووطنية تكشف عن رفض مصادرة الأحلام وتحدّي الزيف وقيم الشر .
كي لا يكون النّص الشعري مدنّسا بغبار التحدّيات والعقبات نرى ان شاعرنا طهّره وسما به بصدق الاحاسيس وشفافية المعاني الوجدانية معبّرا بذلك عن تطلّعاته كشاعر ومثقّف وانسان تخلّت عنه سُبل السلام في عصر بائد وواقع متردٍّ
لذا كانت القصيدة مليئة بالاستطرادات في نزعتها السرديّة ومنهجها الحكائيّ الذي قدّم لنا مشهدا انسانيّا في أقصى حالات المعاناة والتمزّق والشكوى والتحدّي شكّلته المشاهد الشعرية المبنيّة على الانزياح والبديع والنعوت والجمل الإسمية والفعليّة والإيقاع في حركة التكرار مثلا في المقطع الأخير أو الجناس مثل (أشجان ،وأشجار ) أو في المقطع الأول تردّد (كاف) المخاطبة في آخر السطر وتردد حرف (الشين) في المفردات المستعملة في المقطع الأخير ...
وبذلك تكتمل القصيدة النثريّة لدى محمد الدمشقي بشكلها الدائري الذي يبدأ بالحلم وينتهي به ولكنها لا تنتهي لتبقى عملا مفتوحا على المحتمل ولتبقى فكرة سماوية عُليا تنشد الحب والجمال وتخرج حيّةً من تحت الرماد .
مقاربة تحليليّة عبّرت من خلالها عن رؤيتي للنص من زوايا مختلفة لعلني وُفقت في الاحاطة ببعض جوانبه
تحيتي لياسمين قلبك دمشقينا المبدع
قراءة أ. فضيلة ذياب

الثلاثاء، 12 مارس 2019

تأملات في مناخات الشاعرة إيناس حسين الشعرية:بقلم الاديبة دنيا حبيب

تأملات في مناخات الشاعرة 
إيناس حسين الشعرية:
Enass Hussian
الاديبة دنيا حبيب
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تتعدد أنواع الإبداع، وتختلف مسمياتها مع تقادم الزمان..
وهذا ما يحدث منذ القدم وما يحدث الآن وما سيظل يحدث إلى نهاية الكون.
وبالطبع هناك فكرة اجمالية مناسبة لوصف إبداع الشاعرة التي هي محور حديثنا لهذا اليوم، ولكنني لا أريد أن أحاصرها بصيغة محددة، كما ولا أريد أن أصف إبداعها بطريقة فلسفية أو بطريقة مجازية، لأن نوع الإبداع الذي تقدمه هذه الشاعرة مثله مثل (الماء) ليس له لون محدد سوى مايعكسه من بهجة في النفوس؛ ذلك لانه "سر الكون" وسر الحياة (النقي).
ومن عند آخر سطورها يمكننا البدء، والشيء بالشيء يذكر، فإن تجارب الشعر الصوفي عامة خير مدخل لما تقدمه شاعرتنا الصادقة ايناس. وكما نعلم جميعا أن الشعر الصوفي بحره شاسع، ينطوي على جواهر وأسماك ملونة..ومنه الممنوع ومنه المباح، ومنه ما يخاطب العامة ومنه ما يخاطب الخاصة، لكن مع كل هذه الاختلافات والألوان، يظل الشعر الصوفي بين المبدأ والهدف، فهو للباحثين العارفين الموحدين المتأملين في الكون..."وإن كان لكل شيخ طريقة" كما يقال.
ولكن الأسباب التي جعلتني أسحب كرسيا على طاولة الصوفية وإجالس تجربتها الشعرية من زاويتها هي الآتية:
أولا وجود نفس الأهداف والمبادئ التي يشترك فيها الشعر الصوفي -كما ذكرت سابقا- فجل نصوص الشاعرة لا تخلو من توجيه حديثها لله -عز وجل- وكأن نصوصها عبارة عن خلاصة مناجاة وتضرع لله، فهي تشكو لله وتدعو الله وتعترف لله، حتى أنه قد يشعر القارئ وكأن الشاعرة قد أخلت الكون كله من جميع المخلوقات ولم يتبق سواها تناجي الله بما شاءت وكما شاءت، دون تسلط بشري قد يقطع عليها خلوتها..تقول الشاعرة:
"أنا اعرف ُ ياالله
كيف لإمرأة ٍ مغرية أَن تقتل َ
شياطين بغداد الّف َ مَرة ً
وتعود"
*
"يااارباه ُ
لا امنية ً لفم ِ الريح
ولا شارع ً يلد المواعيد
ولا مدى يُبيح لنا عفّة الاُغنيات "
ومع وجود اشارات خفية ترميزية تلمح فيها الى واقعها السوسيولوجي ولربما السياسي المحيط ،ولكنها تكتفي بالتلميح دون اية مباشرة حذراً ذكياً تلقائياً منها ،انطلاقاً من موهبتها القوية التجليات والتي وصلت الى مرحلة تبشر بالوعود الابداعية الكبيرة..
ثانيا، حسها الشاعري التصويري والتعبيري.. فهي -وكما كل الشعراء المتصوفين- كان توجهها التصويري والتعبيري مباشراً نحو (الطبيعة) فهي لا تعنيها ولا تثير تساؤلاتها التكنولوجيا والآلات المعقدة وغيرهما من الماديات التي هي آخر هم الفرد المتصوف، بل تعنيها السماء والرياح والصحراء والقمر والليل والصقور والخيل، وكل مخلوق مباشر بعلاقته مع الله -عز وجل- وهي من هذه الناحية تذكرني كثيراً بمخيلة شعراء الهايكو ،بينما تعرف كيف تضخ همساتها عن واقع الحياة العراقية والعربية المسكونة بالمتناقضات التي تتراوح بين المرارة والحبور..وها هي تقول:
"لست ُ وحدي
مَن ْ احصى عدد سَحنات الجنوبيات !
واحصى الخيول المسحوبة َ بأحبال ٍ
على سطح ِ الجبل العالي"
"لكني اعرف ُ الصقور التي
ترصد براءة الكون"
"ولأن الأسى مِلح ُ السماوات
والناي ّ وسيلة الناجين ..
ولأن القمر َ ماعاد ختم ُ الليل"
ثالثا، موسيقاها الشعرية.. ولا أعني بذلك أن الشعر الصوفي له موسيقى واحدة أو بحر شعري واحد أو إيقاع ثابت.. ولكن وكما اتفقنا من قبل أن المنهج واحد وإن كان "لكل شيخ طريقة" فعموم الشعر الصوفي يتميز بموسيقى وإيقاع هادئ، وهذا يتحقق من خلال السياقات والتراكيب والألفاظ الطالعة من ارواح السعاة وكل على حده، ومن خلال ترابطها مع بعضها البعض، وأيضا من خلال عمق الفكرة المطروحة، فكلما ازددت تأملا وعمقا، أجبرت على اختيار الألفاظ ذات الوقع الراسخ والمؤثر، وهذا بالضبط ما تميزت به الشاعرة، فكرا ولفظا ومن ثم موسيقى.
وقبل أن اضع نصي الشاعرة امام المتلقي الكريم وبمطابقة الحال مع كل ما اوردته انفاً، يمكن لي أن الخص رؤيتي بالتالي:
ان هذه الشاعرة -كما أحس عميقاً- كيان شعري جديد مضاف لعالم الشعر عموما، وللشعر الصوفي خصوصاً،اقول ذلك،واليكم نصي الشاعرة واكم ان تحكموا بانفسكم على مطابقة ما ذكرناه معهما شكلاً ومضمونا:
*
(1)
أنا اعرف ُ ياالله
كيف لإمرأة ٍ مغرية
أَن تقتل َ شياطين بغداد الّف َ مَرة ً
وتعود
واعرف ُ أيضا ً
مَن ْ أفزع َ ذلك الطفل ُ
الذي يلعب ُ بِعُلب ِ التّبغ ِ الفارغة
ومن اعطى عكازة ً
لرضيع ٍ فر ّ من رحم ِ الحياة ِ توا ً
لست ُ وحدي مَن ْ احصى
عدد سَحنات الجنوبيات !
واحصى الخيول المسحوبة َ بأحبال ٍ
على سطح ِ الجبل العالي .
خجلة ٌ
هي سكاكين الارض غير الحادة
لم ْ تمر ّ على لحوم ِ المارة ِ
وتجرح عبثيتهم
لكني اعرف ُ الصقور
التي ترصد براءة الكون
وكل قصائد الشوق النابضة
التي تمزق وجيب القلب بأقدامها
خانتنا الصقور
وكذبتنا القصائد
فَمَن ْ ؟
ايقَظ بغداد !؟
***************
(2)
ولأن الأسى مِلح ُ السماوات
والناي ّ وسيلة الناجين ..
ولأن القمر َ ماعاد ختم ُ الليل
.فالكل ُ
مصابون
راحلون
منذ ُ الخَلد
.
يااارباه ُ
لا امنية ً لفم ِ الريح
ولا شارع ً يلد المواعيد
ولا مدى يُبيح لنا عفّة الاُغنيات
.
كل الأوراق عطّشى
والأُمهات ثكلى
لأن احضانهن أوهتها الرجالات
ذلك النادل ُ
الذي يمسح ُ المساءات الاخيرة
من الطاولات
ماعاد كونا ً لكؤس الدهر
ولا مؤذنا يلمّ ُ مساءات الرب
فتى نادل ٌ
منفي ٌ
راحل
يغزل اشياؤه
برمل ِ الصحراء
وتيه المعتّقين ..