الثلاثاء، 14 فبراير 2017

--جريمة مبدأ-- بقلم/ نائلة طاهر

--جريمة مبدأ--
تصدير :ليتني متّ قبل أنْ فيه أُسبى
قبل أن ألمحَ الهوى في جلالهْ!!
الشاعرة دنيا حبيب .
~~~~~~\
كانت تعلم أن هذا الصباح سيكون مختلفا،فهي لن تشاركه قبلة الصباح الأولى ولن يتكلف عناء محاولات إيقاظها حتى لا تتأخر عن عملها ،ولا حتى ستشرب فنجان القهوة التي يحرص على إعداده بنفسه منذ زواجهما .هذا الصباح الكئيب.. الكئيب كان لابد أن لا يأتي أبدا ،لذلك أسدلت منذ البارحة الستائر الشتوية على النافذتين الواسعتين بغرفة النوم في محاولة منها لمنع أي تسرب لعيون الشمس الوقحة ،لمْ تكره الشمس من قبل كما كرهتها هذا اليوم ،ما بها تصر على التسلل إليها ،لمَ لم يتأخر الشروق ؟ عسى أن تدوم الظلمة التي تلبّستها في أناقة السواد منذ أن ودعها البارحة أمام باب منزل والديها، ما كان لليل أن ينتهي، فكيف ستعيش يومها الأول دونه؟ لا بد أن تعتذر للأيام القادمات كلها ،للزمن المفرغ منه ،ستعتذر زمنا لكل الدموع التي انسكبت من دمه وهو يحاول ثنيها عن اتخاذ القرار عن التفكير ثانية ،بإعطاء حبهما فرصة أخرى..كان عليها أن تنزع حنجرتها بأظافرها المقلمة في أناقة قبل أن تقول للقاضي وهو يسألها للمرة الأخيرة: -هل مازلت مصرة على الطلاق سيدتي ؟كان عليها أن تترك قلبها يجيب لا عقلها الذي تكلم بكل برود :"نعم ...لازلت على رأيي. "لم ترَ حينها تأثير إجابتها عليه لأنها لم تكن تبصر ولا كانت عيناها اللوزيتان بمحجريهما ،فكل الحواس غادرتها كل ما بها نزح إلى حيث الفراغ المقيت ،كحامل أجهضت مولودها المرتقب بلهفة سنين عقيم ،وقد جربت هذا الإحساس مرتين من قبل ، وها هي للتو تجهض زوجها متعمدة ..ارتكبت جريمتها ببرود غريب عن طبيعتها الرقيقة ،ثم سارت بلا وعي ولا إدراك بأنه هو من أخذ مفاتيح سيارتها منها، للقيادة عوضا عنها، تاركا سيارته أمام المحكمة .حتى وهي تسدد له آخر الطعنات المميتة يبدو حريصا على سلامتها ،أي رجل هذا الذي خُلق ليُحب ولتقبل هامته حتى غابات الزيتون ؟
-كان لابد أن أضحي من أجل ....
بترت جملتها تلك فهي تدرك أنها لا أحد محدد يمكن أن تضحي من أجله بحب وتفاهم كالذي بينهما ، بعشق لم تنطفئ جمرته يوما . بل كثيرا ما كانت أسباب العتب بينهما سببا في تأججه. العتاب والغيرة كانا منها ،فهي لم تتقبل أن يشاركها به أحد وهو شخصية خلقت لتكون ملك الجميع ،شخصية ناجحة لها جمهور ،متابعون، معجبون ومريدون.لم تتقبل حتى العلاقة الحميمية التي تربطه بأخته الكبرى ولا كانت ترضى عن تلك الساعات التي يخصها بها يوميا سواء بالهاتف أو بالحضور ، تمنت أن يكون ذاك التفاهم الذي بينهما لها وحدها ،حاولت أن تدخل دائرة وفاقهما ان تكون شريكة حلقات نقاشهما الطويلة لكنها فشلت فالمواضيع التي يخوضان بها لا تعنيها، لا تفهم بالشعر ولا بالكتابة، وكثيرا ما كانت اللغة حاجزا بينها وبين محاولات مسايرة اهتماماتهما، وسريعا ما فقدت الحماسة لإرضائه في هذا الجانب ، كرهت الذهاب معه اليها بل وكرهت أخته أيضا وتغلب عليها الشعور بالرفض لمن رفضت سابقا ارتباطها بأخيها لاختلاف الثقافات والشخصيات .
أي قدر هذا الذي يجعلها تتشارك زوجها مع كل الناس ، أن يكون معها ومع الكل في نفس الوقت ،ما تزوجته إلا لتمتلكه كله .
-لم أشعر اني ملكتك يوما .
هكذا كانت تنهي عتابها له كل مرة حين تشتكي له إحساسها بالوحدة وهو في زياراته المطولة لاخته، او بإحدى الندوات، لم يكن هو يأخذ شكواها على محمل الجِد إذ لم يشعر يوما بتقصير عاطفي تجاهها ،يكتفي كل مرة بأن يطوقها بذراعيه هامسا: "ما كنت يوما ملكا لأحد ولا حتى لنفسي.. أنا هكذا يتوزع كلّي ولكل في نصيب لكني بالأخير أعود لك طفلا، أوبتِي لهذا الحضن الذي اخترته ملاذي تكون هدية تعب كل ساعات النهار التي أقضيها دونك ،أعود لنفسي فقط حين تجمعنا اللقاءات الحميمية أو الهادئة ،اعذري انشغالي عنك .."تقاطعه في ضعف وتسليم:"بل اعذر انت هوسي،جنوني، ضياعي فيك... "
هذا الصباح المفرغ منه يأتي بحقيقة واحدة بعد ارتكابها لجريمة الأمس .أنها لم تضحي لا من أجل نجاحه ولا من أجل هدوئه كما تدعي ولا هي "جريمة مبدأ "كما حاولت أن تقنع نفسها مثل ما كان "راسكولنيكوف" يقول مدافعا عن قتله للعجوز المرابية. فهي لم تقتل الشر وإنما قتلت الخير .قتلت الإحساس المتضخم بالنجاح لدى زوجها والذي يجعله يفخر بالتوفيق ما بين حياته الخاصة والعامة والأمرّ من ذلك أنها قتلت المبدأ الذي عاش به طويلا، الحلم الذي عاش ليثبته، أن الفرد طاقة حب موزعة على الجميع ،كلما امتدت كلما تصالحت الذات الإنسانية مع كل ما يحيط بها .
-مالي أنا والجميع ؟ما تزوجت جسدا فقط، أردته لي جسدا وروحا فكيف والروح منه مهاجرة ؟
هزت كتفيها النحيلتين و رمت بخصلات شعرها للوراء في نزق ، وقالت : "فليكن ملك الجميع كما أراد ،ضرورة عمله ، صورته بالإعلام ،نجاحه نظرياته الإجتماعية المُثبتة.. فليكن ملك الجميع كما شاء ،ليهب حبه واهتمامه للكل ..."توقفت عن التفكير فجأة ، قطبت ما بين الحاجبين في هلع ..هذا الذي توجها يوما بحبه وخصها بالارتباط به تركته في لحظة عناد ويأس، هل تركته للجميع أم سيكون يوما ما لأخرى ..لامرأة غيرها كيف فاتتها هذه الفرضية ؟ رددت بصوت هامس مشحون بارتباك وضياع :"ويلي رفضت الجزء منه لأهديه لغيري ..ماذا لو جاء يوما يعلمني بحب جديد ، يعلمني من باب اللياقة انه سيتزوج؟"
لكن ليس مثلها من يعود إلى الوراء ولا مثله من يغفر ،الآن تدرك أنها خسرت رهان حبه للأبد ،إنها قامرت به على طاولة الفقد ،وهي تعلم أنها مقامرة خاسرة منذ البدء ،فزواج القمر بالشمس وهم الشعراء ، نبوءة كاذبة لا تتحقق.

(نائلة طاهر)
 
 
 
 
تعقيب سهير خالد
Suhair Khaled حين يتحول الحب الى هوس،يأخد منحى اخر ...تكون( الانا) فيه هي الفكرة المهيمنة ..وحتى الغلبة لن تكون في النهاية اكثر من خسارة موجعة ...
الحب تضحية قبل ان يكون امتلاك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق