شعرنا اليوم إلى أين
___________________
مرّت على الشعر عصور كان فيها مزدهرا ولا يُعلم متى بدأ ولكنّ موئله جزيرة العرب فامرؤ القيس يذكر شاعراً اسمه ابن حذام كان يقف على الديار ويبكي :
عوجا على الطلل المحيل لأننا
نبكي الدّيار كمابكى ابن حُذام
___________________
مرّت على الشعر عصور كان فيها مزدهرا ولا يُعلم متى بدأ ولكنّ موئله جزيرة العرب فامرؤ القيس يذكر شاعراً اسمه ابن حذام كان يقف على الديار ويبكي :
عوجا على الطلل المحيل لأننا
نبكي الدّيار كمابكى ابن حُذام
والذي ذكره ابن سلام ( هو رجل من طيء لم نسمع شعره الذي بكى فيه ولا شعرا غير هذا البيت ).
ثمّ توالت العصور والدهور على شعرنا العربي _ العصر الإسلامي _ الأمويّ _ وقد مال الشعر فيهما إلى الضعف قليلاً لأسباب كثيرة . وعاد إلئ الثراء والغنى في العصر العباسيّ لأسباب كثيرة أيضاً منها : استقرار الدولة والتمازج الثقافي بين الأقوام المختلفة والدول المجاورة للدولة الإسلامية القويّة والترجمة ......
وبعد ذلك دخل الشعر مرحلة الضعف والانحطاط . إلى أن جاء عصر اليقظة والانبعاث في بداية العصر الحديث بمجيء شعراء المدرسة الاتباعية وبعدها الواقعية والواقعية الجديدة فالإبداعية والرمزية . وظهرت مدارس جديدة تبعتها أشكال جديدة للشعر تغيّر المضمون على إثرها وذلك منذ اقتران الشعر بالرسم . وعلى الرّغم من أنّ لكل منهما منطقته الخاصّة ولكن بينهما منطقة قاسم مشترك ؛ فكل منهما يحاول التوصل لاكتشاف العلاقات بين الأشياء المتناقضة والمختلفة ظاهرياً . وقد أكّد الفلاسفة المسلمون كابن سينا أنّ بين الشعر والرسم نقطة التقاء وهي محاكاة الطبيعة .
لكنّ الشاعر يقع في الكثير من الأخطاء أثناء عملية المحاكاة هذه " الشاعر يخلط من وجهين ؛ فتارةً بالذّات والحقيقة إذا حاكى بما ليس له وجود ولا مكانة ؛ وتارة بالعرض إذا كان الذي يحاكي به موجوداً لكنّه حرف عن هيئة وجوده كالمصور إذا صوّر فرساً فجعل الرجلين وحقّهما أن يكونا مؤخرين إمّا يمينين أو مقدّمتين " .
ثمّ تابع عبد القاهر الجرجاني بنظرية التّخييل وليس المحاكاة . ثمّ الفارابي الذي رأى أنّ بين صناعة الشعر وبين أهل التزويق مناسبة فهما مختلفان في مادّة الصناعة ومتفقان في الصورة والأفعال والأغراض .
وفي بداية القرن العشرين راح جيل من الشعراء يبحث عن شعر أكثر بصريةً فأقاموا علاقات مع رسّامين كبار مثل بيكاسو ودوران ودالي وهنا كانت العلاقة حميمية بين هؤلاء وهؤلاء ؛ فالرسّامون يرسمون والشعراء يكتبون قصائدهم بوحي من تلك اللوحات كما حصل في لوحة الجيوكندا والقصائد الكثيرة التي قيلت فيها بل إنّ بعضهم ألف ديواناً في مجموعة لوحات اختارها كموضوعات لقصائده . ومن الشعراء العرب الذين ربطوا بين الشعر والرسم صلاح جاهين وهو شاعر ورسام والشاعر الكبير فؤاد حداد وإذا أردنا أن نعرج على اللون فسنعود أدراجنا إلى الشعر منذ البدء لأنّ اللّون موجود حول الإنسان القديم منذ نشأته ربّما . وطقوس الإنسان القديم كانت ترتكز على اللون والصوت والحركة ؛ وصار اللون فيما بعد رافدا ثرّاً للغة المجازيّة . ودخل الشعر باستخدام اللون إلى عالم الرمز والدلالات . فالأصفر يشير إلى الموت تارة وأخرى إلى الإشراق تبعا لدرجته . واللون الأبيض يرمز للسلام .......
ويظهر اللون كرمز في الكثير من النصوص القديمة والحديثة - أمل دنقل - صلاح عبد الصبور - السياب ونازك الملائكة . وظهر شعراء اليوم يمسكون القلم بيد والريشة باليد الأخرى ؛ وحين تقرأ قصائدهم تقرأ لوحةً فيها اللون بكل تدرجاته ودلالاته كالشاعرة دّ ميساء الدرزي والشاعر العراقي هاشم تايه والعراقية رنا جعفر ياسين وغيرهم كثير .
وفيما بعد ظهر شعراء يستخدمون شكل النصّ كتشكيل بصريّ يخدم المعنى اللّفظيّ . وللحقيقة فإنّ الشاعر قد استلهم من اللوحة والتمثال والصورة ومن كلّ شيء تقع عليه عيناه .
يقول سيمونيدس ( ت 465 ق.م ) : الشعر رسمٌ ناطق . والرسم شعر صامت . وما أردت أن أنتهي به هو :
* الشعر مرّ بمراحل كثيرة ؛ تارة يخبو ضوؤه وتارة تستعر ناره . وبعد كلّ مرحلة من الخمول تأتي مرحلة النهوض والازدهار .
* ارتباط الشعر بالرسم ارتباطاً وثيقاً .
* التّمهيد لأسباب ضعف الشعر اليوم رغم كثرة الشّعراء أو من يسمّون أنفسهم كذلك وكثرة المنابر وهذا من الغرائب التي نلاحظها اليوم . فالمطالع اليوم يرى عشرات النّصوص التي لا تترك أثراً أيّ أثر إلاّ الامتعاض ونادرا ما تلتقي بنصّ يترك أثره فيك .
يتبع ...........
أسامة حيدر .
ثمّ توالت العصور والدهور على شعرنا العربي _ العصر الإسلامي _ الأمويّ _ وقد مال الشعر فيهما إلى الضعف قليلاً لأسباب كثيرة . وعاد إلئ الثراء والغنى في العصر العباسيّ لأسباب كثيرة أيضاً منها : استقرار الدولة والتمازج الثقافي بين الأقوام المختلفة والدول المجاورة للدولة الإسلامية القويّة والترجمة ......
وبعد ذلك دخل الشعر مرحلة الضعف والانحطاط . إلى أن جاء عصر اليقظة والانبعاث في بداية العصر الحديث بمجيء شعراء المدرسة الاتباعية وبعدها الواقعية والواقعية الجديدة فالإبداعية والرمزية . وظهرت مدارس جديدة تبعتها أشكال جديدة للشعر تغيّر المضمون على إثرها وذلك منذ اقتران الشعر بالرسم . وعلى الرّغم من أنّ لكل منهما منطقته الخاصّة ولكن بينهما منطقة قاسم مشترك ؛ فكل منهما يحاول التوصل لاكتشاف العلاقات بين الأشياء المتناقضة والمختلفة ظاهرياً . وقد أكّد الفلاسفة المسلمون كابن سينا أنّ بين الشعر والرسم نقطة التقاء وهي محاكاة الطبيعة .
لكنّ الشاعر يقع في الكثير من الأخطاء أثناء عملية المحاكاة هذه " الشاعر يخلط من وجهين ؛ فتارةً بالذّات والحقيقة إذا حاكى بما ليس له وجود ولا مكانة ؛ وتارة بالعرض إذا كان الذي يحاكي به موجوداً لكنّه حرف عن هيئة وجوده كالمصور إذا صوّر فرساً فجعل الرجلين وحقّهما أن يكونا مؤخرين إمّا يمينين أو مقدّمتين " .
ثمّ تابع عبد القاهر الجرجاني بنظرية التّخييل وليس المحاكاة . ثمّ الفارابي الذي رأى أنّ بين صناعة الشعر وبين أهل التزويق مناسبة فهما مختلفان في مادّة الصناعة ومتفقان في الصورة والأفعال والأغراض .
وفي بداية القرن العشرين راح جيل من الشعراء يبحث عن شعر أكثر بصريةً فأقاموا علاقات مع رسّامين كبار مثل بيكاسو ودوران ودالي وهنا كانت العلاقة حميمية بين هؤلاء وهؤلاء ؛ فالرسّامون يرسمون والشعراء يكتبون قصائدهم بوحي من تلك اللوحات كما حصل في لوحة الجيوكندا والقصائد الكثيرة التي قيلت فيها بل إنّ بعضهم ألف ديواناً في مجموعة لوحات اختارها كموضوعات لقصائده . ومن الشعراء العرب الذين ربطوا بين الشعر والرسم صلاح جاهين وهو شاعر ورسام والشاعر الكبير فؤاد حداد وإذا أردنا أن نعرج على اللون فسنعود أدراجنا إلى الشعر منذ البدء لأنّ اللّون موجود حول الإنسان القديم منذ نشأته ربّما . وطقوس الإنسان القديم كانت ترتكز على اللون والصوت والحركة ؛ وصار اللون فيما بعد رافدا ثرّاً للغة المجازيّة . ودخل الشعر باستخدام اللون إلى عالم الرمز والدلالات . فالأصفر يشير إلى الموت تارة وأخرى إلى الإشراق تبعا لدرجته . واللون الأبيض يرمز للسلام .......
ويظهر اللون كرمز في الكثير من النصوص القديمة والحديثة - أمل دنقل - صلاح عبد الصبور - السياب ونازك الملائكة . وظهر شعراء اليوم يمسكون القلم بيد والريشة باليد الأخرى ؛ وحين تقرأ قصائدهم تقرأ لوحةً فيها اللون بكل تدرجاته ودلالاته كالشاعرة دّ ميساء الدرزي والشاعر العراقي هاشم تايه والعراقية رنا جعفر ياسين وغيرهم كثير .
وفيما بعد ظهر شعراء يستخدمون شكل النصّ كتشكيل بصريّ يخدم المعنى اللّفظيّ . وللحقيقة فإنّ الشاعر قد استلهم من اللوحة والتمثال والصورة ومن كلّ شيء تقع عليه عيناه .
يقول سيمونيدس ( ت 465 ق.م ) : الشعر رسمٌ ناطق . والرسم شعر صامت . وما أردت أن أنتهي به هو :
* الشعر مرّ بمراحل كثيرة ؛ تارة يخبو ضوؤه وتارة تستعر ناره . وبعد كلّ مرحلة من الخمول تأتي مرحلة النهوض والازدهار .
* ارتباط الشعر بالرسم ارتباطاً وثيقاً .
* التّمهيد لأسباب ضعف الشعر اليوم رغم كثرة الشّعراء أو من يسمّون أنفسهم كذلك وكثرة المنابر وهذا من الغرائب التي نلاحظها اليوم . فالمطالع اليوم يرى عشرات النّصوص التي لا تترك أثراً أيّ أثر إلاّ الامتعاض ونادرا ما تلتقي بنصّ يترك أثره فيك .
يتبع ...........
أسامة حيدر .
تعقيب نعيم المعلم
Naim El Moallem الاستاذ الباحث/اسامة حيدر. //شكرا على هذا البحث القيم الذي القى ايضاحات وافية حول الشعر والرسم. ونحن في نقدنا نقول. عن القصيدة الجيدة لوحة فنية متكاملة. من حيث توزيع. الاضواء والظلال. وتناسب الالوان من الصارخ. والبارد ونقرا الالوان حسب مناهج معينة. حسب الدلالات. التحليل من حيث المبنى جيد ولومثل تطبيقيا لعمت الفائدة. وهذا لم يغب عن ذهن باحث مقتدر. كالاستاذ اسامة// واود ان اشير الى الجانب الاخ للشعر وهو الشكل لتعم الفائدة فالشكل اثر كثيرا من حيث المضمون فاسر القافية وحدتها. وقيودها جعلت الكثير يتنطعون. بل يثورون بل يحطمونها. وهذا على /نازك الملائكة والسياب. وبد الحيدري. وغيرهم. وتضيق هذه العجالة عن الاسهاب في متطلبات هذه الثورة التي اسيء استغلالها من المدعين وغيرهم. وقبل موت نزار العظيم. وصفهم وصفا اقل ما يقال فيه. جردهم من الشاعرية///يتحاورون مع المحال فلاهم عجم اذا نطقوا ولا اعراب///// /افاق نقدية/// وقد نعود للتفصيل اذا وجدنا فرصة سانحة
Naim El Moallem الجانب الاخر للشعر على يد ثلة عراقية.//نازك وغيرها///
رد أسامة حيدر
أسامة حيدر سعدت بمرورك أخي نعيم
وما قلناه سابقا هو مقدّمة للحديث عن الجزء الثاني من المقال وهو ما بغيه .
وما قلناه سابقا هو مقدّمة للحديث عن الجزء الثاني من المقال وهو ما بغيه .
تعقيب علي البدر
Ali Albadir تحياتي استاذ اسامة حيدر.. دمت ألقاً أبداً..
رد أسامة حيدر
أسامة حيدر أخي علي دمت بخير . شكرا لطيب مرورك .
تعقيب نائلة طاهر
نائلة طاهر وددت لو طال أكثر ليس لأن الباحث غفل عن معلومة ما وإنما سلب الأسلوب جل تركيزي فساءني أن انتهت متعة القراءة سريعا .
رد أسامة حيدر
أسامة حيدر الأخت نائلة طاهر الشاعرة والناقدة الفذّة أسعدني رأيك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق