اعترافات شاعر حداثي
قصة / ثروت مكايد
( نشرت بجريدة المساء المصرية)
-1-
لم يعد شيء يثير في حديقة منزلنا.. ولا في منزلنا نفسه حتى زوجتي! . نعم قد كانت مثيرة فيما مضى لكنها الآن تشبه إلى حد كبير صندوق قمامة لا أكثر من هذا، وما إن تشتعل رغبتي حتى تخمد تحت وطأة إهمالها الذي بلغ حدا لا يطاق.. ولم تعد الحديقة كما كانت فقد باضت فيها الغربان، وأفرخت، وراحت تنعق صبح مساء ؛ مما استدعى الخراب لنفسي القلقة.. ولما كنت من شعراء مصر الكبار فقد أثر ذلك على انتا...جي.. صحيح أن سوق الشعر كاسدة، ولم يعد أحد في المحروسة يقرأ أشعارا حتى الشعراء أنفسهم لكني شاعر حداثي كبير.. كبير جدا، ولي قراء من المثقفين.. قراء يطربهم الغريب، ونقاد يستخرجون من شعري مالم أكن أدركه أنا كاتب الشعر حتى لقبت بشاعر الحداثة الأكبر في مصر المحروسة والوطن العربي كله.
-2-
حتى دورة المياه لم تعد مثيرة كما كانت من قبل، فقد كتبت فيها أكثر من نصف قصائدي.. المسألة أن زوجتي تمت بصلة قربى لناقد كبير.. كبير جدا، ولولا هذا ما أسكنتها حديقتنا. أنا أعرف أنها سبب هروب الشعر من صدري لكني لا أستطيع أن... أن ألعب بذيلي وإلا هدمني الناقد الكبير كما بنا....أووه... كل هذا لا يهم. المصيبة أنها اشتكت لقريبها هذا الناقد الكبير، واستدعاني لمكتبه في الجريدة، وقال بوجه غير الوجه الذي يلقاني به:
- زوجتك اشتكت إهمالك لها..
قلت بلا وعي:
- إنها لا تستحم..
ضرب على مكتبه بقبضة عصبية، وقال:
- ولم تستحم وأنت لم تقربها منذ... هل أقول لك منذ متى؟ ..
- سيدي أنا شاعر...
رد ساخرا:
- وهي تدرك هذا جيدا، ولذا لا تستحم.. ألم تدعها لهذا!
- أقسم لك برأس كل شاعر حداثي في مصر وغيرها أني...
وقاطعني الناقد الكبير وقد اشتد غيظه:
- أنت أخبرتها أمامي بأن تكون غريبة الأطوار حتى لا تصاب بالملل، فلم الآن تمل!!
ولم أنبس في حين أردف الناقد الكبير يقول:
- لقد تجاوزت عن الكسر في شعرك كثيرا..
- الوزن؟
- الوزن قضبان الشعر.
- لكن هذا لم يكن رأيك يا سيدي!
- نعم.. لكن هذا حين يكون الكلام مثيرا.. كلام حداثي.. حداثي بمعنى الكلمة.
وقمت خائر العزم ، حائر الفؤاد، شارد اللب.
-3-
باخ كل شيء حتى أنني رميت بالقلم في السلة، وكانت زوجتي تمتطي كرسيا هزازا في حديقة المنزل مما أثارني، وكان البوم ينعق كعادته وقت الغروب، وهي تترنم بأغنية قديمة، فقد كان صوتها جميلا أيام خطبتنا، وانحنيت فوق السلة، واصطدت قلمي من بين الورق الملقى فيها، وجعلت أخط فوق ورقة أمامي:
" كل شيء هنا حولي..
من الزهرة حتى الصخرة..
لا أرى فيه أثرا لروح،
لكني مازلت أهيم بتلك
الزهرة التي لم تخلق بعد. "
وطار قلبي فرحا. إنها قصيدة رائعة.. وربما حزت بها على تلك الجائزة التي وعدني بها الناقد الكبير، لأنني أجدد فأنا مجدد كبير كشاعر حداثي لا مثيل له في مصر المحروسة.
-4-
مات قريبها الناقد الكبير، ومت إذ انطلقت أقلام النقاد تلتهمني كألسنة اللهب، ولم تغير هي شيئا من نظام حياتها. أردت أن أتخلص منها كي أتخلص من الوراء كله لكني... وا أسفاه! ، لم أستطع فقد سجلت - في حياة قريبها - المنزل باسمها ليربطني بها إلى الأبد.
قصة / ثروت مكايد
( نشرت بجريدة المساء المصرية)
-1-
لم يعد شيء يثير في حديقة منزلنا.. ولا في منزلنا نفسه حتى زوجتي! . نعم قد كانت مثيرة فيما مضى لكنها الآن تشبه إلى حد كبير صندوق قمامة لا أكثر من هذا، وما إن تشتعل رغبتي حتى تخمد تحت وطأة إهمالها الذي بلغ حدا لا يطاق.. ولم تعد الحديقة كما كانت فقد باضت فيها الغربان، وأفرخت، وراحت تنعق صبح مساء ؛ مما استدعى الخراب لنفسي القلقة.. ولما كنت من شعراء مصر الكبار فقد أثر ذلك على انتا...جي.. صحيح أن سوق الشعر كاسدة، ولم يعد أحد في المحروسة يقرأ أشعارا حتى الشعراء أنفسهم لكني شاعر حداثي كبير.. كبير جدا، ولي قراء من المثقفين.. قراء يطربهم الغريب، ونقاد يستخرجون من شعري مالم أكن أدركه أنا كاتب الشعر حتى لقبت بشاعر الحداثة الأكبر في مصر المحروسة والوطن العربي كله.
-2-
حتى دورة المياه لم تعد مثيرة كما كانت من قبل، فقد كتبت فيها أكثر من نصف قصائدي.. المسألة أن زوجتي تمت بصلة قربى لناقد كبير.. كبير جدا، ولولا هذا ما أسكنتها حديقتنا. أنا أعرف أنها سبب هروب الشعر من صدري لكني لا أستطيع أن... أن ألعب بذيلي وإلا هدمني الناقد الكبير كما بنا....أووه... كل هذا لا يهم. المصيبة أنها اشتكت لقريبها هذا الناقد الكبير، واستدعاني لمكتبه في الجريدة، وقال بوجه غير الوجه الذي يلقاني به:
- زوجتك اشتكت إهمالك لها..
قلت بلا وعي:
- إنها لا تستحم..
ضرب على مكتبه بقبضة عصبية، وقال:
- ولم تستحم وأنت لم تقربها منذ... هل أقول لك منذ متى؟ ..
- سيدي أنا شاعر...
رد ساخرا:
- وهي تدرك هذا جيدا، ولذا لا تستحم.. ألم تدعها لهذا!
- أقسم لك برأس كل شاعر حداثي في مصر وغيرها أني...
وقاطعني الناقد الكبير وقد اشتد غيظه:
- أنت أخبرتها أمامي بأن تكون غريبة الأطوار حتى لا تصاب بالملل، فلم الآن تمل!!
ولم أنبس في حين أردف الناقد الكبير يقول:
- لقد تجاوزت عن الكسر في شعرك كثيرا..
- الوزن؟
- الوزن قضبان الشعر.
- لكن هذا لم يكن رأيك يا سيدي!
- نعم.. لكن هذا حين يكون الكلام مثيرا.. كلام حداثي.. حداثي بمعنى الكلمة.
وقمت خائر العزم ، حائر الفؤاد، شارد اللب.
-3-
باخ كل شيء حتى أنني رميت بالقلم في السلة، وكانت زوجتي تمتطي كرسيا هزازا في حديقة المنزل مما أثارني، وكان البوم ينعق كعادته وقت الغروب، وهي تترنم بأغنية قديمة، فقد كان صوتها جميلا أيام خطبتنا، وانحنيت فوق السلة، واصطدت قلمي من بين الورق الملقى فيها، وجعلت أخط فوق ورقة أمامي:
" كل شيء هنا حولي..
من الزهرة حتى الصخرة..
لا أرى فيه أثرا لروح،
لكني مازلت أهيم بتلك
الزهرة التي لم تخلق بعد. "
وطار قلبي فرحا. إنها قصيدة رائعة.. وربما حزت بها على تلك الجائزة التي وعدني بها الناقد الكبير، لأنني أجدد فأنا مجدد كبير كشاعر حداثي لا مثيل له في مصر المحروسة.
-4-
مات قريبها الناقد الكبير، ومت إذ انطلقت أقلام النقاد تلتهمني كألسنة اللهب، ولم تغير هي شيئا من نظام حياتها. أردت أن أتخلص منها كي أتخلص من الوراء كله لكني... وا أسفاه! ، لم أستطع فقد سجلت - في حياة قريبها - المنزل باسمها ليربطني بها إلى الأبد.
تعقيب وسام الاحمد
وسام الاحمد شاعرة الياسمين كالعاده مصائب البشريه سببها امرأة ؟؟
كما مصيبه شاعر الحداثه الذي لا مثيل له في مصر المحروسة ...
قصه موثره تحكي معاناه رجل ربط لب حياته بمصالحه ...
سرد جميل ومضمون للقصه اجمل
تقديري سيدي
كما مصيبه شاعر الحداثه الذي لا مثيل له في مصر المحروسة ...
قصه موثره تحكي معاناه رجل ربط لب حياته بمصالحه ...
سرد جميل ومضمون للقصه اجمل
تقديري سيدي
تعقيب جميلة الكجك
Jamileh Alkujok بصراحة هذه القصة القصيرة الرائعة كان يمكن ان تعنونها ب "الفساد" فساد الذوق، فساد الأخلاق والقيم، فساد الحياة ككل، والأهم فساد للعلاقات بين البشر. والأكثر أهمية فسادها بين الزوجين، الزواج بحد ذاته نادرا ما يكون عن حب حقيقي. الحياة مصالح أجل، ولم لا، لكن القلب والروح لا يعرفان المصالح، ونتاجهما لا يكون الا عن أصالة. والشاعر ذاك أراد الوصول إلى قلوب الناس من خلال كلمات فارغة لا تحمل مكنون وجدان عاشق، ولا ذهن مفكر، ولا معاناة حقيقية. هكذا كلمات لو كتبت بماء الذهب او سطرت بأشعة من نور لن تعبر إلى وجدان إنسان. لكن قصتك عنه وصلت إلينا لأنها تحكي معاناته "تصور"!! هو تحطم على صخور أنانيته وبشاعة وفساد ذوقه، اما انت فقد نقلت لنا صورة صادقة عنه، عن معاناته، تمكنت من رسم صورة متحركة جلية نشاهدها بأذهاننا كأي حياة حقيقية تحدث امام بصائرنا.. ساكمل انا..
رد ثروت مكايد
Tharwat Mekayed قراءة بديعة منك شاعرة الياسمين ومن الدكتورة جميلة... تحياتي لكما وقد تناول هذه القصة عدد من النقاد والكتاب في صالون المساء الأدبي ونشر تعليق النقاد عليها وكان حسنا للغاية ومن ثم لم أثبته هنا... كل الود والتقدير.
تعقيب جميلة الكجك
Jamileh Alkujok انا لم اكمل بعد، ارجو ان يتسنى لي ذلك مساء فالقصة واقعية وتتحس حياة الإنسان في عمق مشاعره، ليتك تنشر ما كتبه النقاد من تحليلات نقدية لها
Tharwat Mekayed كلها مدح وخاصة أنها من عمالقة الأدب في مصر وهي بعد منشورة في جريدة المساء وقت أن كانت مساء
تعقيب جميلة الكجك
Jamileh Alkujok اما انا فلن امتدح، سأحاول ان يكون تحليلي موضوعيا يمتزج بذائقتي الفنية قدر استطاعتي
رد ثروت مكايد
Tharwat Mekayed لم يعد يؤثر في مدح أو أتطير بقدح فقد تكسرت النصال على النصال..
تعقب نائلة طاهر
ندى الأدب سرد قصصي ممتع ينقل الواقع دون نزول بالعمل الأدبي إلى المستوى الذي تحتمه الواقعية ..خاصة وأن الموضوع المطروح متعلق بشاعر ونحن عادة نتكلم عن استغلال النفوذ مجالات أخرى غير الأدب .لمحت طرافة مضمنة تدعو القارئ أحيانا إلى الابتسام رغم أنه الظاهر الأمر يدعو إلى السخط. .لذلك رأيت أن واقعية النص جعلته رسما كاريكاتوريا يجعلنا نبتسم ونأسف بنفس الوقت .
الحوار بالقصة كان حيويا بعيد عن البساطة ويقدم مفاهيم وأفكار هامة متلائما مع طبيعة الشخصيات.
أحييك على هذا النص الناجح
الحوار بالقصة كان حيويا بعيد عن البساطة ويقدم مفاهيم وأفكار هامة متلائما مع طبيعة الشخصيات.
أحييك على هذا النص الناجح
رد ثروت مكايد
Tharwat Mekayed ندى الأدب.. هذا من الكوميديا السوداء..
تعقيب جميلة الكجك
Jamileh Alkujok بطل قصتك ككثير من الناس جعل أقصى غايته هدف ذاتي محض، ألا وهي "الشهرة" لا غير، ولو على حساب النفس ذاتها، وهنا عمق مأساته الحقيقية، يضحي بوجدانه، بإنسانيته، بعمق أعماقه من اجل شهرة تقوم على جرف هار، لا على أسس حقيقية. فهذا الناقد المزيف، الخالية نفسه من كل القيم، يحاول ان يقدم صهره بصورة غير صورته الحقيقية، ونظرة واحدة فاحصة من غيره من النقاد تسفل بهذا الشاعر وتعيده إلى الحضيض الذي ارتقى عنه زورا بهتانا، وهذا ما حدث بالفعل بعد ان توفي الصهر الناقد.
Jamileh Alkujok والملفت الثالث في قصتك هذه، أو قل الومضة التي صلطت الضوء على حياة غالبية الأسر في مجتمعاتنا وما يحدث فيها بين الأزواج ونظرة الرجل التي تتسم بالتقزز من زوجته رغم انه مسؤول عما وصلت إليه كما هي وبالدرجة ذاتها، وكأنه ما دام شاعرا فهو كائن أرقى.
والحقيقة التي تبديها القصة هي أن الخلل يكمن في ذات الشاعر اكثر بكثير مما تعشعش فيما حوله، تكمن في نظرته، في عمق كيانه. في كيان فارغ يحاول ملأه من خارج الذات فيستعصي عليه ذلك فيلتفت إلى زوجته وقريبها ليحملهما المسأؤولية
والحقيقة التي تبديها القصة هي أن الخلل يكمن في ذات الشاعر اكثر بكثير مما تعشعش فيما حوله، تكمن في نظرته، في عمق كيانه. في كيان فارغ يحاول ملأه من خارج الذات فيستعصي عليه ذلك فيلتفت إلى زوجته وقريبها ليحملهما المسأؤولية
Jamileh Alkujok واخيرا هذه القصة القصيرة الواقعية جدا، والتعبيرية أيضا كونها فن أدبي لا مجرد تقرير لما يحدث، إذ تعبر بنا إلى نفس هذا الشاعر وخيالاته وطريقة تفكيره، تبدي بكل وضوح فساد قيمه، وفساد معتقداته، بل فساد تركيبته النفسية ككل، نظرته إلى كل ما حوله غرائبية، واعتقد ان ذاك التقزز الذي وصف زوجته به إن هو إلا من مكونات ذاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق