الأربعاء، 25 يناير 2017

أنا وبراق القمر.. قراءة نقدية لنص الشاعرة نائلة طاهر بقلم / دنيا حبيب

أنا وبراق القمر..
=
قد يبدو ما سأقوله غريبا بعض الشيء. أنا إلى هذه اللحظة التي أكتب فيها، لم أحلل النص بشكل تام، لكني توا بدأت التعليق عليه.
لطالما أردت أن أخبر الناس -القراء- أن القراءة قد تصبح موهبة! نعم، فالبنسبة لي كل نوع من أنواع الأدب، من قصة وشعر ووو- له طريقة فنية للقراءة، وللحصول على فائدة فكرية أو شعورية معينة. وأظن أن قصيدة النثر، من أكثر الآداب التي تحتاج (لموهبة في القراءة) بل إنها في وجهة نظري، تنمي وتحفز موهبة القراءة. لتبسيط الأمر، أمثل فكرتي، كما لو كنت تعلم أحدهم شيئا ما، فأمامك طريقتين:
* إما أن تلقنه الدرس على طبق من فضة.
* إما أن تستعين بقدراته المتعلم العقلية، وتجعله يستنتج الدرس بنفسه.
طبعا،لا داعي أن أشير، إلى الأفضلية في الطريقتين؛ وكذلك لا داعي أن أقول، أن قصيد النثر هو النوع الثاني من طرق التعليم!..
فهو لا يقدم لك الفكرة على طبق من فضة. فنسب قصيد النثر يعود للمدارس الرمزية والفن السريالي، والذي يتطلب جهد مبذول من القارئ. وحتى لا يستثقل الناس فكرة "بذل جهد من أجل قراءة نص أدبي" .. أقول لهم: إن الأمر ممتع! بل أجده أحيانا مسليا للقارئ، ويعطيه مساحة من اكتشاف ذاته، وتوسيع روحه؛ وصراحة، أنا أجد المتعة أيضا في قراءة ما يدور برأس الشعراء والمفكرين ووو.. أجد أننا بحاجة لذلك! بحاجة للاطلاع على ذواتنا؛ بذواتنا! وأجدنا بحاجة لتطور قدراتنا على "الكشف" .. ولربما هذا ساعدنا في أمور كثيرة، وعلى مستويات شخصية، واجتماعية وووو.
وما أتمناه، هو أن يتعمل الناس... "فن قراءة قصيدة النثر" .. وهذا ما سأحاول فعله الآن..
مبدئيا، الشاعرة نائلة طاهر، من اللواتي يحفزن لدي متعة البحث، والتنقيب، لأنها تستخدم أكثر من (تكنيك) لكتابة النص الواحد.. فمثلا، لا تجدها تركن للرمز وحده، أو اللعب بالألفاظ وحده، أو جلب التشبيه المستفز وحده، أو الاقتباس من التاريخ، وأساطير الميثولوجيا، وإنما تلعب على أكثر من وتر في آن واحد.
والمطلع على أدب قصيد النثر، سيلمس الاختلاف في نصوص الشاعرة نائلة طاهر. المهم أن هذا يدفعني، لأن أكثر النص أكثر من مرة، ولربما أخذتني كلمة ما للبحث وراء قصتها -وهذا لأن كاتب قصيد النثر، والقارئ لها، كلاهما يحتاج ثقافة واطلاع كبيرين- ثانيا، العنوان لدى شاعر قصيدة النثر، أمرا هاما جدا، وقد يكون هو المفتاح لحل شفرة النص، أو على الأقل، البدء في الحل!
"براق القمر".. ولعل الشاعرة هذه المرة، جاءت بعنوان يسهل علينا استحضار المشاعر المطلوبة، لنلج النص.. (البراق هو، الدابة التي كانت تُحْمَل عليها الأنبياء. حسب مصادر التراث الإسلامي فإنها حملت الرسول محمد من مكة في تهامة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس ليلة الإسراء والمعراج) معناها، أنها تعلن ببساطة، عن رحلة لصعيد (صوفي) وهذا ليس غريبا عليها، وليست المرة الأولى لها. ومع ذلك، فإن الأمر لازال تحت رهن باقي النص.
الرقم (40) أحيانا أظنه -مازحة- أنه رقْم الحظ لدى الشاعرة نائلة طاهر، لأنها تعتز بهذا الرقم، اعتزازا مستندا على قدره، وقيمته. فهو سن البلوغ عند الإنسان. وقد أوردته في نص سابق. لكنها اليوم أردات، أن تبدأ من الليلة التي تسبقه "الليلة التاسعة والثلاثون" ... وهذا إن دلّ على شيء؛ فإنما هو إشارة لرسالة تريد أن تبلغها لأحد ما، ربما أنا حتى!
لنكن متفقين، أن الشاعرة نائلة طاهر، تكتب بروح تصوفية، لأجلها أولا قبل أن تكتب للناس.
قد تراها (ظاهريا) تزرع (بطلا) ما.. توجه له "الأحاديث المرمزة" تارة، وتصفه تارة أخرى، وتحكي عنه بالغيب تارة ثالثة.. لكن لنفكر قليلا، ونسأل لم لا يكون هذا البطل، هو هي، أو هو (الإنسان) ليس إلا!!
لماذا لا نفكر، أنها تخاطب الإنسان، أو وتتخيل ذاتها -المتمثلة في ذات كل إنسان على السواء- كيف تكون في الليلة التاسعة والثلاثون قبل أن تبلغ الأربعين؟! هكذا، ربما يبدو الأمر أكثر وضوحا..
"الليلةُ التاسعةُ والثلاثون
تراودك نزوة ما قبل البلوغ
الأجسادُ بلا تقوى
تلتقي. ..ترتقي
تطلبُ من السماءِ
بعضَ الحلوى والرّضَا"
الليلة التاسعة والثلاثون، هي الليلة المناسبة تماما، لمحاسبة النفس، لتأنيبها، لتوبتها!
لكن، ماذا ستقدم لقبول توبتك؟
"قربانكَ ذاك الكفنُ المخلوعُ
عن ذاكرةِ الأربعين
يوم تأتيها عاريًا إلا منكَ
سركَ في يمينكَ ذريعةُ ابتلاء" .. ولعلها أيضا اللحظة المناسبة للندم.. (لتذكر) ماذا كان مفترض علي أن أكون، وأنا في الأربعين؟.. أول قطعتين بالنسبة لي كانتا استحضارا روحيا، ودليلا وصفيا، لتلك الذات المعنية بالحديث -ذات الشاعرة أو غيرها- وكذلك كانتا مقدمة لما بعدهما.. وهي تقول واصفة، تلك "النفس اللوامة" .. التي لم تعش عمرها، ملهية في الشهوات، مودعة المستقبل نقشا على المعابد، لا يقدم ولا يؤخر!..
"مثلكَ لا تستهويهِ لحونُ الأمسِ
لا البواكيرُ ولا معابد الأدعياء"
في النهاية، الإنسان هو الإنسان، نفس أمارة بالسوء، ونفس يغرها المدح، ويغريها الثناء.. ورغم علمه أنه سيغادر، يوما ما، لكن ذلك لا يمنعه من أن يغتر بحسناته، مهما بلغ من التقوى ما بلغ.. ولعل هذا ما أرادت أت تشرحه الشاعرة، لكن وصف بنكهة التصوف وروحها -كما أسلفنا- .. تقول الشاعرة:
"ومثلنا...
من يعيدكَ للجبين عِصابة
بيضاء ..سوداء.. أو خضراء"
ولعلها ترمي، لفكرة كيف ينظر الإنسان، للآخر، وكيف تؤثر هذه النظرة، في ذبذبة النفس أو ثباتها، الاختلاط بمعتقدات الآخرين، والمتاهات التي يمكن أن يصل لها، من لم تكن له عقيدة راسخة..
"رغوةُ القمرِ المنتشيةِ بالاحتراق
تلهيكَ عن تدبير اللقاء
عن ردِّ الأمانةِ"
"حين ردّدَ السوادُ منا
أنكَ شيخُ الحكماء.."
.
دنيا حبيب
=
نص الشاعرة/نائلة طاهر:
--براق القمر--
الليلةُ التاسعةُ والثلاثون
تراودك نزوة ما قبل البلوغ
الأجسادُ بلا تقوى
تلتقي. ..ترتقي
تطلبُ من السماءِ
بعضَ الحلوى والرّضَا
قربانكَ ذاك الكفنُ المخلوعُ
عن ذاكرةِ الأربعين
يوم تأتيها عاريًا إلا منكَ
سركَ في يمينكَ ذريعةُ ابتلاء
~~
مثلكَ لا تستهويهِ لحونُ الأمسِ
لا البواكيرُ ولا معابد الأدعياء
مثلكَ....
غريبٌ يغادرنا بلا ميقاتٍ
ومثلنا...
من يعيدكَ للجبين عِصابة
بيضاء ..سوداء.. أو خضراء
تدرأ أوجاع الحاضر
وغضب الجبال
إذا اتقدت براكينها
في مجون ..
~~
أحاديثُ المساء
من أنينُ الناياتِ
قوانينُ الروحِ الساعيةِ
للسعير
رغوةُ القمرِ المنتشيةِ بالاحتراق
تلهيكَ عن تدبير اللقاء
عن ردِّ الأمانةِ
عن نفيِ الادعاء
حين ردّدَ السوادُ منا
أنكَ شيخُ الحكماء..



تعقيب أسامة حيدر
أسامة حيدر أختي دنيا حبيب :
أجدت فيما تفضلت به لكنّك تركتنا في منتصف الطريق فما عدت بنا ولا أوصلتنا . اخترت من النصّ بعض إشاراته وكنت تحللين بشكلٍ جدّ منطقيّ وغصت بعمق النصّ وظننت أنّ ثمّة مزيداً سيُقال ولكن ....

رد دنيا حبيب
دنيا حبيب نعم ربما تركتكم في المنتصف، وتركت نفسي كذلك ههه.. مؤكد هناك المزيد ليقال ، وصراحة النص له ابعاد أخرى، وأحدايث لم ترو بعد.. لكنني وجدت نفسي قد اكتفت بهذا، ربما لأني وصلت لمرادي بالنسبة للنص.. وطبعا مع حضرتك حق، كان هناك مجالا لأكمل ما بدأته.. جزيل شكري للملاحظة التي بمحلها تماما.. أ. أسامة.. دمت بخير..

تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه الست دنيا حبيب والمدخل الجديد على شاعرة البراق والقمر ,
............................
اقول انك قلت جديدا لانه ولج مالم يتطرق اليه احد الا أ.
غسان الآدمي تلميحا عاجلا ..
ولقد اثبت بهذه المتابعة ان نص الشاعرة نائلة طاهر مرن جدا بحيث يستوعب كل زوايا النظر التي قيلت فيه فكشف كل منها احد جوانبه , ومازال ..كما تفضلت حضرتك, قادرا على استيعاب المزيد من التحليلات ولكن من زوايا نظر اخرى ..
انا شخصيا اقنعني تحليلك جدا .. بحكم مفردات الحدث الشعري ..اذ وجدتها تتحمل هذا التفسير كمحمول عرفاني تشي به حد الوضوح بنية حمل النص نفسها ..كما واقنعني على شدة كثافته ايحاء اخي أبي سرى الاستاذ جمال العزير لان طبيعة الحدث وتعاقباته تسمح هي الأخري بمثل هذا التفسير ..وغازي تناول الشكل خصوصا..وانتظر مداخلة اخرى ايضا من اخي الاستاذ
أسامة حيدر كما تلمست من خلال تعقيبه على مطالعتك الرائعه..انما نتمنى عليه ان يكشف لنا عن جديد آخر..اذا احب طبعا..فالامر اولا وإخرا عائد اليه..لكن اختلاف زوايا النظر هذا يعطي للحوارية طعما باهرا بحق..وربما يتعلق الامر بالعمق النفسي على مستوى التحليل ( السيكولوجي) او الاجتماعي ( السوسيولوجي) , وربما البلاغي او البنيوي ..او غير ذلك مما يمكن لنا الافاضة فيه بلا تعسف طبعا..
شكرا ايتها الناقدة الواعدة البالغة الذكاء ست دنيا..وجميل من طالبة المرحلة الرابعة في قسم (البيولوجيا) مثل هذه الاسهامة الكبيره..وتلك هي الموهبة التي تفرض عالمها على مستوي الانجاز في جانب واحترامها على مستوي الحضور في جانب آخر..
شكرا كبيرة إبنتي المأمولة بقوة أ.دنيا حبيب الفاضله..هذا بالغ تقديري واعتزازي ..والسلام..

تعقيب نائلة طاهر
ندى الأدب قد يستطيع أي مهتم بالشأن الأدبي تحليل نص أدبي مادامت لديه بعض الرؤى وقد يستطيع البعض أن يخضع النص للنقد وفقا لرؤاه الخاصة المستندة لمواقفه ولمعارفه. ..الفرق بين هؤلاء ودنيا حبيب أنها تتعامل مع النص بحب وليس كمادة جامدة لذلك بين كل السطور التي تكتبها تنقل لنا الشعور بالانبهار فبعد أن عاشت هي كقارئة وناقدة حالة الحب مع المكتوب يعيشها بعدها قارئ المقالة النقدية فيصبح العقل والقلب معا مقتنعان بقيمة النص ..وصراحة هنا دنيا حبيب تفردت بهذه الصفة والبصمة النقدية ..إلى درجة أن بعد كل دراسة لها لنصي أحب ما كتبت أكثر ..
دنيا حبيب لم تدرس النقد الأدبي ولا الأدب نفسه باعتبارها طالبة علوم وهذا الإتقاد في مقالاتها النقدية يجعلنا نراجع حساباتنا واحكامنا القديمة بأن النقد شأن أكاديمي بحت. .لكن هذا الحكم قوضته دنيا ويكفي لإثبات ذلك تلك المقدمة التي اطرت بها المقالة فهي محتوية لتعريف ورؤية خاصة وإثبات. .ليتواصل كل ذلك في باقي المقالة...ولذلك أسعى دائما إلى عرض كتاباتي على دنيا حبيب لأعرف من خلالها رأي القارئ العادي من جهة ورأي أهل الاختصاص من جهة أخرى بحيادية "شرسة" فهذه الكاتبة رغم علاقتي معها لا تجامل و ابدا لا تصفق لشيء لا تقتنع به وكل هذا يجعلني حريصة على النشر بعد أخذ رأيها .
محبتي دنيا حبيب وكل تقديري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق