السبت، 14 يناير 2017

ة الاعلامي ناهي العامري////شكرا

على حافة النقد .

دراسة تحليلية .. الامكــانيــات الســردية في القـــصة العــــراقية الجـــديدة .. التـــوهج النصــي والتجــريبية
 في تجــارب
مهدي/السردية

هشام آل مصطفى/ناقد

 محاولات :

يحاول السارد مهدي ازبين وأقرانه من مبدعي القصة العراقية المعاصرة والساردين الذين برزوا بعد 2003 من أمثال حميد عمران الشريفي، نهار حسب الله، سالم المندلاوي وجماعة نادي السرد (صالح جبار ، محمد اسماعيل ، حميد الربيعي، حسن البحار، علي الحديثي)، يحاول هؤلاء وعشرات غيرهم من مجددي السرد المعاصر، تطوير التوهجات النصية والومضات السردية ، والبناء الحكائي، واللمعان الشكلي، والترددات اللغوية الحديثة إلى أبعد مدى من الجزالة والفخامة اللغوية

 المعاصرة، ببناء فني مشيد من التكوينات القصصية المقترنة بتشكيل حدثي متنوع ، غرائبي ومثير ، ومعبر عن صدمة الواقع ، والمتغيرات الاجتماعية المتلاحقة ، وعن معاناة عالمهم المرتبك ، المليء بالأحداث المتناقضة فتنبض سردياتهم بتسارع إيقاع العصر وبتغيراته وتحولاته... كل ذلك ، وغيره يؤطره القاص في نظرات تقنية ذات محتوى سردي معاصر حيث التأثيرات - التصوفية - الايحائية والتأملات - الفلسفية - التي يجمعها بسيناريو متقن عبر خيوط جمالية من تقنيات الميتاسردي وجماليات التشظي والتفكك بمحاور عديدة من المونتاج - والكولاج - كما يفعلها مجنون القصة شوقي كريم حسن أو حارق كانونها البصريائي محمد خضير ، فتعلم الساردون منهما ، علامات ومعادلات وعلاقات تداولية من التداعي والتخاطر

 الباراسايكولوجي بواسطة تياري الوعي ، واللاوعي بصيرورة " فعلية " شعورية متعمدة من القاص ، وبعقل باطن (لا شعوري) غير المتقصد ، أحياناً المعبر عن الزمان والمكان والأدلجة والمذهب والتاريخ و " الأوهام" والأحلام ، والمجتمع في - عقلية - المؤلف حيث يجمعها الحكواتي بأشكال متنوعة ، عجائبية كما فعل حميد المختار في - نيسابور او قرينه احمد السعيداوي / فرنكشتاين/ حيث البناء السردي المغاير ، بتراتب لما وراء السرد ، ما وراء الرواية .

محطات جاسم عاصي

لو درسنا ما فعله محمد الأحمد وكليزار أنور وأسماء محمد مصطفى وحسب الله يحيى في البنية السردية ن المتفاعلة تقنياً عبر بناء - هندسي - داخلي وخارجي ذاتي وموضوعي ، واقعي وخيالي ، صادم ومغري يمكن تسميته بمعمار السرد التكاملي كما في تجربة حسب الله يحيى مع " الأصابع " بقصتين صدمتا الخراب الجميل الذي نعيشه.. ولعل قصة المحطات لجاسم عاصي الدليل الأكيد على هذا المحتوى البنائي للقصة العراقية الجديدة ، إذ يبني عاصي قصته بتراكيب فنية مستحدثة من الأهرامات الحكائية المعبرة بمعمار متناسق من البنية السردية - التكاملية - بواسطة التشييد البنائي - العجيب المتكون من أواصر تقنية ، معاصرة ، وحديثة وبتقنيات سردية جديدة عبَّر عنها بمحتوى فكري غني بالتفصيلات الحديثة ، التي رسمها بتشكيلات " غرائبية" وبتكوينات مدهشة في إتقان من الروي ...

ويمكن تسمية هذه التقنية من فنون السرد بالسرديات العالية كما عند شوقي كريم حسن والسرديات المكثفة كما عند حسب الله يحيى وجاسم عاصي ، وبالسرديات المتنوعة كما عند أسماء مصطفى ومحمد الأحمد والتي يمكن وصفها بالتقنيات المتشكلة من سرديات متنوعة مترابطة لغوياً ، ومختلفة جمالياً " جماليات التشظي + جماليات التفكك " حيث غلبة الصور السيمائية على الصور الوصفية " الحديثة " أو بالعكس . وكل ذلك يجمعه المعمار - اقصد القاص - ببناء لغوي أخّاذ وبتعابير وجمل وتداول " فني " متطور مطرز بجماليات بلاغية بارعة ، وكأنها رسوم بيانية لخرائط استكشافية عن المستقبل عبر اختراع مضامين جديدة ، وبواسطة اكتشاف لغة فنية أخرى ، معاصرة ومتطورة وكاشفة لترددات العصر ، والتي تستطيع التوصيل ببراعة وتقنعنا بتفاصيل الحكاية رغماً عن محاولة - القاص - إيهامنا بأبعاده السايكولوجية المعبر عنها بردود فعل باطنية تأويلية كي يخدعنا بصورة "باراسايكولوجية" في ذهان - نفسي - متشتت وتمزق - عاطفي معبر عن الفوضى الخلاقة .
التخاطر والتداعي

كيف يعبر القاص عن الواقع الممزق باعتبار القصة ابنة الواقع .. وهل توجد هلوسات مرضية لدى أبطاله لمحاكاة الواقع الممزق ؟ .. حين يستعمل السارد تقنيتي التداعي والتخاطر - الباراسايكولوجي - لما بعد الواقع وما وراء النفس ، فلا بد له أن يعبر عن ذلك بما وراء القص ، ما وراء السرد ، ما وراء الرواية .. أو " الميتافاكشن " لابد له من استعمال تقنيات (اللاشعورية) من العقل الباطن والتفسيرات التأويلية التي بلعها وتخثرت في خلايا دماغه ، فيعطينا "وصفة" سحرية من حركة التداعي والإيحاءات عبر التخاطر بواسطة الحاسة السابعة أو السادسة !! وربما الثامنة؟  إنه التعبير الفني عن تقنية تيار اللاوعي أو اللاشعوري كما عند منذر عبد الحر في رواية "زائر الماء" وهكذا تشكل القصة العراقية الجديدة والرواية المعاصرة في العراق صرخة فعالة ، ورداً عملياً على السلبيات .

هكذا ترد القصة العراقية المعاصرة ، واختها الرواية الجديدة رداً سردياً على الواقع المحبط بجماليات متقنة ، وبتقنيات فنية مكتشفة ، حيث الكشف الدلالي والتفسير الإيحائي برؤى ناقدة ، متفحصة متبصرة ، واحياناً تأتي قصصهم ساخرة " ضحك كالبكاء .. وربما انهزامية " نادراً " مترددة ، راضخة غير انها " غالباً"  نافذة ، فاحصة ، عالمة ..
وقاصنا المبدع ، بحاجة إلى قارئ واعٍ / نخبوي يستطيع فك طلاسم قصصه ، يستطيع تفسير رؤية المؤلف بما لديه من قابلية تأويلية ، فضلاً عن القابلية التوصيلية للمؤلف بحسب قدرته التأويلية [ هيرو مونطيقيا[

إحالة تطبيقية :

نؤشر هنا محاولة - السارد - [ المؤلف ] بأن يكشف دلالياً ومعرفياً " بواسطة نصه " عن طريق العلامات والإشارات والدلالات وعبر التوصيف السيميائي ، وبطريقة تجريبية مغادراً السياقات التقليدية ، حيث يرغب بالكشف الدلالي المميز فنياً لتحليل الواقع الافتراضي لأجواء وبيئة - نصه - وحسب تعبيره التقني وقابليته التوصيلية ... فالموضوع هنا قصة غير تقليدية للقاص مهدي ازبين - أنموذجاً تطبيقياً ضمن مشاريعه السردية المنشورة في الف ياء الزاهر الملحق الأدبي للزمان الغراء ، إذ تعتبر " هذه النصوص " خير من يعبر عن هذه الإشكالية الاعتبارية بمحاولته الجادة للكشف - النصي - عن هذه المتوالية السلبية والانهزامية - الواقعية - أو التراجيديا المجتمعية المنهارة حيث التناقض الخطير في هيكلية - المجتمع .
ففي المحاولات السردية استخرع ازبين بصمته السردية ، وقابليته النصية ليشكل مفاجأة جميلة في عالم السرد العراقي المعاصر .

ولعل تجاربه الخاصة به ، حددت معالم واضحة في مسيرته القصصية والروائية لفك طلاسم الواقع العراقي بتراتب سردي مغاير تقنياً وأسلوبياً لبقية التجارب .
هذه الميزة وجدتها عند هذا القاص باختلاف بصمته الفنية وتكنيكه السردي عن تجارب الآخرين في السرديات العربية الأخرى ، حيث يمتاز بغرابة حكايته ، وغموض بعض جوانبها .. كما يتسم بلغة مغايرة ، نوعاً ما للسرديات العربية والعراقية اطلقت على تجربته بالسرد المزدوج ، كما السرد العالي عند شوقي كريم حسن ، أو السرد المكثف عند جاسم عاصي وحسب الله يحيى في بعض تجاربهم القصصية المميزة .

حقاً ان تجربة السرد المزدوج تميز خاص للسارد مهدي علي ازبين في تجاربه العديدة في هذا المجال الحيوي من فنون السرد ، حيث لاحظت تطورات مهمة في بنيته السردية ، واكتشفت ذلك التمييز الجمالي كما في سروده "صفعة على وجه" الزمن "تبادل المواقع" ، "أزيز السنين" المنشورة في ملحق  "الف ياء" في جريدة الزمان، كذلك درست مجموعته "بياض قاتم" ورواية "هياكل خط الزوال"، و "سلالم التيه" ونصوص "المخاتلة" و "حين يبتسم الضفدع" التي تشكل قصصاً وروايات وسرديات ببصمة تجريبية وسرداً مزدوجاً تؤشر القابلية الخاصة في فن السرد ، حيث ينافس ببصمته السردية المتميزة غرائبياً ، المغايرة أسلوبياً والناضجة فنياً بأسلوبية تقفز على الأحداث بثغرات فنية تطيح بالحوادث وتربك الوقائع بخلطة سحرية من الواقعية الغرائبية .. من طلاسم سحر الواقع ، وتقلباته ، والمخيف من أحداثه تجمعها هلوسات السارد المضمر ، السارد الآخر ، والسارد العليم ، والسارد الإيحائي بهلوساته اللاشعورية النابعة من عقل تجريدي ، وتصورات العقل الباطن " يحللها - الراوي - العاقل برؤية عقلية تحلل ما يحدث " انك

1-إزاء راوٍ عليم اعتيادي .
-2راوٍ آخر مختلف يروي بزاوية أخرى كما - الكلب - في هياكل خط الزوال - الرواية .
-3الراوي المضمر كما عند بطل - سلالم التيه .
-4الراوي المجنون - كما في أغلب سردياته.
-5الراوي العقلاني كما عند الفيلسوف .
هذه التجارب تتميز باللغة المستقبلية لقصة الغد ، ولرواية ما بعد الحداثة ، ويعبر عنها - مهدي - بلوحات تجريدية /سريالزم/ نابعة من تقنيات تياري الوعي واللاوعي بصيرورة فنية تخدعنا بأوهام - الأحلام - و - (تحشيشات) غارقة في عسل الجنون ومتاهاته اللاعقلية ليدل القارئ على وصفة سحرية للخلاص .

ولكي أكون أكثر دقة لابد من التعريف لما وراء السرد /ميتا/ فهو سرد يعاكس ويوازي السرد الرئيس زمانياً ومكانياً وكأنه رواية داخل رواية ، أو قصة داخل قصة . أمّا السرد المزدوج ، فهو سرد آخر إضافي لنفس القصة أو الرواية يسير مع السرد الرئيس يجاوره ، حيث الثيمة الرئيسة بثيمة فرعية ، أو الأبطال الرئيسون بأبطال هامشيين ، والسارد العليم في السرد المحوري يواكبه السارد المضمر أو السارد الضمني ، وهذه الميزة تختلف عن السرد العالي المكثف كما عند شوقي كريم حيث الإيقاع المتسارع .. ديناميكي .. وينمو إلى عدة اتجاهات ومحاور رئيسة وجانبية ، أو السرد المكثف لدى جاسم عاصي كما اطلقت على حنون مجيد بقصصه القصيرة ، والقصيرة جداً ، وعلى أقرانه مبدعي السرد العراقيين بالتعادلية السردية أو التكافؤ السردي بين الدال والمدلول .. وهذه البصمة السردية لدى حنون اكتشفتها عند مهدي ازبين أيضاً فقصصه تشكل صدمة الواقع وتفاعله - الموضوعي - مع هذه الصدمة الانتكاسة ورد فعله الجمالي إزاءه ... بتفسير تحليلي - تركيبي الذي جعلنا نعيش ونعاني من ازدواجية مرعبة ما بين الديمقراطية والفوضى الخلاقة أين منها ازدواجية العراقي حسب عالمنا الاجتماعي الكبير علي الوردي وتفسيره لمركب نقص الشخصية العراقية .

وهكذا يعبر القاص العراقي/ السارد عموماً/ عن الواقع السلبي بتناوله الحدث بأبعاده الروحية والعاطفية والنفسية و - الحياتية الاجتماعية مع إعطاء نظرته" أو تفسيره التحليلي " المنسجمة مع واقع متغير .. صادم بتعبير فني خلاق معبر عن صدمة الواقع .. أنها واقعية سحرية - غرائبية تحيط بالسارد فتجعله مغترباً عنها من الناحية الذاتية ، ومترابطاً معها - موضوعياً أية هذيانات جميلة وسريالزم وجودي وتمزق نفسي يعيشه السارد العراقي ؟
إنها متغيرات بنيوية - اجتماعية حادة ، متقلبة لتؤشر لنا أبطالاً وشخصيات هامشية "مستضعفة" ، أو ربما شخصيات قوية "غاضبة" يقابلها شخصيات "سلبية" مترددة مغتصبة الحقوق ولا تعرف واجباتها .. واحياناً أبطال قصصه يعانون من ازدواجية الخراب الذي نعيشه... ليعبر في سردياته عن خيبة الأمل وفجاعة الحروب .. باعتبار - القصة - بنت الواقع فيكتب القاص - خلاصة وتحليليه ليعبر بقصصه عن الفجيعة غالباً والخلاص - الأمل أحياناً.

الحيادية الأخلاقية

يستعمل النقاد الفرنسيون مصطلح mirror الحيادية الأخلاقية للمفهوم الحيادي - الموضوعي غير المؤدلج ، والمنزوع طائفياً ، غير المنحاز ليشكل مرآة "عاكسة" للواقع يؤطره بكتابة "فنية" نوعية قد تكون ظرفية ، لكنها رد فعل طبيعي "عقلي" على الحدث !؟ فهل قام القاص العراقي /السارد عموماً بهذا الدور الخطير .. وهل نطالبه بأن يكون مفسراً ومحللاً ومصلحاً ليكتب بهذه "الحيادية" النظرية التي قد تعاكس نظرته "النفسية" المنقسمة ، أو حالته الاجتماعية المرتبكة؟ صحيح .. أن معظم الساردين العراقيين في محاولاتهم هذه يقومون بالكشف عن الواقع ، ورسمه سردياً بتعابير فنية - مشروعة - وبخلطات تقنية عجيبة ، ولمعظمهم رؤى ناقدة/مستبصرة وربما ساخرة وأخرى انهزامية إزاء سلبيات الواقع وتطوراته الانكسارية ، ومتغيراته الصادمة ... ولعل القصيدة الشبابية والسرد العراقي خير من عبَّر عن هذا التناقض الغريب في هيكلية المجتمع العراقي ، وبإثارة مشاعرية تحاول فك طلاسمه بتراتب سردي مثير /مغاير للسرديات السابقة حيث "صدمة" الواقع القاسي الذي تريد القصة العراقية الجديدة التعبير عنه "سردياً" بمعنى إلقاء الأضواء الحكائية الساطعة - فنياً- ونصياً - وأسلوبياً- على بناء اجتماعي "مقلوب" ومنهار [قبلية ضد الحضارة + تزمت ديني + تحجر فكري إزاء العولمة[
وبحبكة ثيمية تتحاشى المحاكاة الواقعية والمباشرة السطحية المبتذلة ، قافزة على التابو الاجتماعي من الممنوعات "السلفية" والمحضورات - القبلية - والأعراف البالية والعقليات الجامدة فتكون اقرب إلى الصور السيميائية/التخيلية لتؤطر الواقع بتكاملية - أسلوبية - عجائبية .. ساحرة من فنون القص وأنواع السرد وحبكة ما وراء السرد ، وما وراء الرواية

عدد/الزوار٤٥٠٠

:أ.جمال الزوبعي//لعلم
تم تصميم الموقع من قبل شركة الوصول لتكنلوجيا المعلومات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق