الجمعة، 27 يناير 2017

هواجس ليلية / ٤ بقلم / جمال قيسي

هواجس ليلية / ٤
الضغط من كل الإرجاء يكاد ان يشظيه،،، شحذ قواه للنهوض من الارض مبتعداً عن السرير،،( يالهذا السرير،،اشبه بالمشبك الذي تدس فيه السمكة لكي تحشر في تنور - لكن هناك امر مهم،،ملح الارض كله لايخفي مرارة لحمي - لكن لا ،،تنور الزيات استبدل فيه المسامير الحادة بدل النار،،لانه عرف اللعبة وأدرك سوء هواجسه ،،هو في النهاية صممه لقتل عذابات ضميره ،،وحصل على مراده - وانت لم تعد العدة لمثل هذه اللحظات لأنك. فاقد للرؤى )
دس يديه مفتشاً عن هاتفه النقال تحت الوسادة لمعرفة الوقت،،( يا الله ،، الساعة الثالثة والربع ،،لم يمض اكثر من نصف ساعة ،،وكأني قمت برحلة لقرون متفقداً الجحيم - انا أقوى من هذا الهراء - ربما هذا المجنون دانتي،،كانت الكوابيس هي من قوضت حياته - انا وهو من جنس واحد ملعون ) حاول التحرك الا انه أحس بأنه ،،فقد السيطرة على الجهاز العصبي الإرادي ،،( لماذا لا أستدعي الذكريات الجميلة - و أنفي الأخريات الى مقبرة النسيان - صه - كأنك. تملك الخيار ،،وكيف تنسى الاستاذ سلام ؟! ) ،،
اليوم كله بدا عجيباً،،منذ الصباح ما أن تتداعى جملة في تفكيره حتى تذيل بكلمة خارج السياق دون ارادته ،،تفضي الى موضوع اخر،،، هذا عدا موضوع الاشباح التي اعتقد بمشاهدتها،،الامر الذي اجبره على محاولة النوم مبكراً ،،كانت هناك حركة بدت لأشخاص يتجولون وسط البيت بصمت،، مع ان أسرته مستغرقة بالنوم منذ ساعات ،،لم تفزعه الاشباح هو بالأساس صاحب تفكير مادي صلب ،، ( معتزلي معاصر ) حسب ما كان يطلق على نفسه ،،ولاتجد الخرافات مسرباً لدواخله ،،لكن ما. أرعبه فعلاً وأدى. الى ارتعاد أوصاله ،،الوساوس التي تلبسته،،
( لابد انها،،بداية الانفصام او الجنون - وهل انت لا تعاني من الانفصام او المس ؟! ،، نعم غير ان الموضوع مختلف. عندما يكون رسمياً،،،ربما هو شبح استاذ سلام وعائلته - يالسلام هذا ! وذكراه التي تتسلل )
تذكر معرفته بالأستاذ. سلام ،،مع ان هذه. الذكرى تقض مضجعه ولم تفارقه حتى في أوقات سعادته ،،الا أن عقله اشبه بالباب. المواربة ،،ما أن يحضره أمر سيّء يقفز الى الجانب الاخر ،،
عندما كان طالباً في الصف المنتهي من الإعدادية ،،وفِي العطلة التحضيرية التي تسبق الامتحانات ،،تم تسويقه الى بيت احد الأقارب في الضواحي لكي يكون بعيداً عن حلقة الأصدقاء ، متفرغاً للمذاكرة ،، ربما يحصل على مجموع يؤهله لدخول الجامعة
،،( الماضي يتلاشى،،الا في بعض مفاصله وبالذات المؤلمة ،،وأكثرها. ايلاما المواقف التي تفضي الى فقدان الشرف الشخصي ،،بعد ضياع النزاهة والانصاف ورد الجميل ومهما كان الانسان افاقاً ،،فانه سيفقد الاحترام لنفسه بمجرد النظر الى وجهه في المرآة - لم اتذكر اني قد شاهدت وجهي منذ سنين - معظمنا فاقد للشرف الشخصي دون ان نشعر،،الا بعد فوات الأوان والندم سكة في الاتجاه المعاكس،، وكوابح تزيد من ثقل الحمولة ،،مجرد الانطلاق على سكة الْخِزْي،،لا شيء سوف يعيد الامور الى نصابها - قلة أولئك النزيهين ،،جماعة مهزومة،،امام جحافل الكراهية والبغضاء )
لم يكن حريصاً على الدراسة،،متمرداً سلبياً ،،وأخذ معه مجموعة من الكتب التي لاعلاقة لها بالمناهج الدراسية ،،وأتمها ،،ولم يقلب مواده الدراسية،،ولم يشعر باي ذنب،،لم يكن من النوع الذي يتحمل المسؤولية ،،ويكره القيود وفِي فورة شبابه اذ لم يبلغ العشرين عاماً،،
كان بيت أقاربه عبارة عن دار سكن واسعة ،،وسط بستان صغير زاخر بالنخيل والاشجار المثمرة،،والحياة النابضة التي تضفيها العائلة التي تزرع وتعتني بالثمار ،،مقابل اجر زهيد،،لايوازي الجهد المبذول ،،تلك الايام بالنسبة له لم تكن الا إجازة في الجنّة ،،متعة هو لن يبددها بالدراسة،،فهو يقفز منذ ساعات الفجر الاولى،،الى البستان يتلمس عطر الطبيعة الاول ونشيدها الخالد و رائحة الخبز ،،ونور الشمس الجامح ،،المكان اشبه بقرية مصغرة،،ويتخذ زاوية عند نهاية الجدار الطيني ويتظاهر بالقراءة،،ولكنه يتلصص بالنظر الى الفتيات ،،وهن يعملن،،ويبادلنه النظرات ،،والابتسامات،،ازدادت جولاته،،وتفتيشه عن اي ثقب في الجدار،،لانه سمع أصوات نسائية ،،خلف الجدار ،،في الجوار،،وتحين الفرص بعد ان التقط قضيباً من الحديد مدبب على شكل عصا،،وترقب خلو المكان ،،وأخذ يعمل ثقباً في الجدار،،دون حساب لأي عواقب ،،نجح عند الغروب بعمل عدة ثقوب ،،في أماكن متفرقة ،،وارتفاعات متباينة،،عندما انتهى من مهمته امتلكته الغبطة ،،وكأنه على وشك اكتشاف احد الأسرار الكونية
( انها ثقافة الثقوب،،ليست متاحة لاي أحد أن يمتلكها،،ندخل من ثقب ونخرج من أخر ،،ونودع اخيراً في ثقب،،ومجمل حياتنا عبارة عن محطات ثقبية،،منها الشبقية،،كل شيء يدخل جسمنا لنحيا من ثقب،،ونطرح ونتناسل من أُخر،،الانسان عبارة عن منظومة ثقبية. تصغر او تكبر،،كلها تؤدي الغرض ذاته اللحظة الكونية المهمة ،،"قبل - بعد" ،،نوع من الانعتاق ،،بل حتى الكون يمارس هذه اللعبة ،،الثقوب السوداء،،تبتلع الكواكب للعدم،،كم فلسفاتنا وتنظيراتنا مبتعدة عن هذه المقومات والمراحل الحياتية،،- الان بدأت تخطرف محاولاً الابتعاد،،عن ذكرى الاستاذ سلام - ألم تودعه هو عائلته في ثقوب - الزنازين ثقوب عطنة - وربما تمت إذابتهم بالأسيد،،ولم يحظوا بثقب القبر،،)
كان منذ ساعات الصباح الاولى يصيخ السمع ،،ملتصقاً بالجدار الطيني،،وينتظر ان تدب الحركة في الجوار،،والتي لم تحصل الا بعد منتصف النهار،،وأخذ يتموضع بين ثقوبه،،وتمكن من رؤية رجل وقور تخطا الخمسين ،،جالساً قرب طاولة وبيده كتاب ،،،وبعد قليل حضرت أمرأة ومعها إبريق شاي ،،وملأت قدحاً كبيراً،،شدت نظره ملابسها الزاهية،،وشعرها الاشقر،،ومن ثم حضرت ،،فتاة سمراء ممشوقة ،،ودار حديث بينهم ،،بالكاد سمعه
- انا لن أستطيع ،،ان أتركك هنا
- هذا الامر انتهينا منه
- وكيف ستتدبر امورك
- ليس بالأمر الصعب وهذه ليست المرة الاولى
- لكن صحتك لاتساعد على ذلك
- لا تقلقي،،،شدة وتزول
- لا أظن ذلك ،،هؤلاء مجرمين ،،لقد قتلوا ف.... وعائلته وكذلك ف....
- لقد نبهت القيادة بأن الجبهة هي فخ ،،لتصفية كوادر الحزب،،ولكن لم اجد إذنا صاغية بل حتى اعتبرني بعض الرفاق باني متطرف وتشددي في الامر سوف يُفقد الحزب فرصة تاريخية
- هذا الكلام لا طائل منه الان،،ماحدث قد حدث
- المهم ان تلتزمي بما أخبرته به ،،لاتذهبي للبيت مطلقاً،،وان تحذري بقية الرفاق
- اعتني بنفسك،،وخفف الامر على ( شعلة )
- تمام،،وكوني حذرة عندما تأتين ،،في المرة القادمة،،فكلابهم السائبة في كل مكان
- انت مناضل صلب،،مجرد ايام ،،وسننجح بإخراجك عبر الحدود
- سلام
- سلام
لم تكن المسألة بحاجة الى ذكاء،،من الواضح انه قائد في الحزب الشيوعي مهم. و هارب من بطش السلطة ومختبئ هو وعائلته في هذه الضاحية النائية،،،تندم كثيراً على فعلته ،،بقدر ما أصابه خوف من المسائلة،،وتلك الايام كانت اشبه بالجحيم بأبواب مفتحة وتشهد حملة على الحزب الشيوعي. وكوادره ، وتذكر بعض زملائه الذين اختفوا فجأة من المدرسة لكونهم اولاد أعضاء بالحزب الشيوعي،،
( ليتني لم اسمع حينها،،بل لو لم اذهب للدراسة هنالك - قدري السيء ام قدرهم الاسوء - وتلك الثقوب انا خرقت بها روحي )
تقالبت الأحداث ،،وكأنها مقاطع من سيناريو معد بدقة،،ودوره فيه هو يهوذا الاسخريوطي،،وانه خرق الجدران للبستان الجشيماني،،،
يتبع،،،،،،،،
-------------------------------------------
تنور الزيات / كان محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم العباسي ،،قد صنع تنوراً خشبياً في داخله مسامير حادة،،ويضع فيه خصومه،،وعندما يغلق التنور،،لايستطيع من بداخله النوم او الحركة،،لانه سوف يوغز بالم،،الامر الذي يؤدي الى الوفاة بعد ايام من الإرهاق ،،وأخيرا وضع هو في التنور ومات،،،
بستان الجشيماني / البستان الذي كان يجتمع فيه السيد المسيح مع حواريه،،والذي افشى بمكانه يهوذا الاسخريوطي
جمال قيسي / بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق