الخميس، 19 يناير 2017

براق القمر بقلم / نائلة طاهر

موال فرح :
مالي وظلك مكسور على شفتي
رغائبُ تَجتنِي من رغوة القمرِ
••••••••••

...
--براق القمر--
الليلةُ التاسعةُ والثلاثون
تراودك نزوة ما قبل البلوغ
الأجسادُ بلا تقوى
تلتقي. ..ترتقي

تطلبُ من السماءِ
بعضَ الحلوى والرّضَا
قربانكَ ذاك الكفنُ المخلوعُ
عن ذاكرةِ الأربعين
يوم تأتيها عاريًا إلا منكَ
سركَ في يمينكَ ذريعةُ ابتلاء
~~
مثلكَ لا تستهويهِ لحونُ الأمسِ
لا البواكيرُ ولا معابد الأدعياء
مثلكَ....
غريبٌ يغادرنا بلا ميقاتٍ
ومثلنا...
من يعيدكَ للجبين عِصابة
بيضاء ..سوداء.. أو خضراء
تدرأ أوجاع الحاضر
وغضب الجبال
إذا اتقدت براكينها
في مجون ..
~~
أحاديثُ المساء
من أنينُ الناياتِ
قوانينُ الروحِ الساعيةِ
للسعير
رغوةُ القمرِ المنتشيةِ بالاحتراق
تلهيكَ عن تدبير اللقاء
عن ردِّ الأمانةِ
عن نفيِ الادعاء
حين ردّدَ السوادُ منا
أنكَ شيخُ الحكماء..
(نائلة طاهر )
 
 
 
 

 

قراءة غازي احمد أبو طبيخ
 
آفاق نقديه موال فرح في دارة نائله طاهرشخصيا:
************************
في البدء لا بد من الوقوف عند عنوان النص الذي يشعرني كعراقي باحساس مشترك لايخلو من الإندهاش..
ولست ادري إن كانت مفردة ( موال) في تونس الخضراء هي بنفس معناها عندنا في العراق..?
فالموال ليس بما هو عليه كشكل شعري ذي بنية محددة واداء غنائي ذي نمطية تكاد تتقارب عربيا ,وانما نعني ماتحمله من احزان شفيفة او ثقيلة ايضا قياسا بمفردة (فرح) المعلومة بنفس المعنى تقريبا عالميا وليس عربيا وحسب..
فهل كان لوعي الشاعرة نائلة طاهر دور مؤكد في اختيار هذا المركب الرصين ام أنه من إفاضات اللاوعي العميق?!..
حزن وفرح..تعبير عن (كرنفال) من نوع بالغ الحميميه..بالغ الخصوصية..نازلا بالحدث الشعري كله من ابراج العاج الى ارض الواقع المباشر ..لكنه ليس الواقع المادي المباشر , وإنما واقع المشاعر والاحاسيس الأنسانية الشديدة الإرتباط بأخص الحيوات الأسريه..
بيد ان استلهام الإسلوب (السوريالي) في تركيب العنوان عبر ( اللقاء الممكن للمستحيلات) لم نلمس أثره في طريقة خلق النص او اسلوبية تعبيره عن تفاصيل الحدث الشعري ..ذلك لان الحس المشرقي ذي النزوع الإجتماعي الشديد الارتباط بالانفاس التي تحكي روح البيئة الوطنية بعيدا عن اية محاولة لتقمص الروح الغربي في البيان من جهة وفي المعاني من جهة اخرى ..
انما لابد من التنويه الى اننا بقينا نحس ونلمس ملامح الطائر المجنح بالحزن والفرح حتى مسك الختام ..
********
اما حين نصل بالحديث الي مدخل النص او بابه او حتى مفتاحه واعني به بيت الشعر العمودي فالمفرح فيه انه برغم التزامه العروض الفراهيدي فإنه التزم المنهج الحداثوي بآمتياز ورسوخ ..
ولكي يستلم المتلقي الكريم فكرة البيت بشكل دقيق لا بد من بيان الوجه الاعرابي لما يلي:

أصل الكلام (مالي رغائب تجتني من رغوة القمر..)وهذا يعني ان ما (ليسية )هنا خبرها شبه الجملة المقدم (لي)اما اسمها المرفوع فهو (رغائب)..في حين كانت جملة (وظلك مكسور على شفتي فحاليه)بيانية توضيحية , وقد كان لها اثر جمالي رائع منح البيت الكثير الكثير من الدلالات العالية التي سنشهد تجلياتها في عموم القصيد..

********************
لقد وقفنا دلاليا علي عنوان هذا النص متداخلين مع بيت العمود الذي جذبنا اليه عنوة فرحا به واستدلالا من خلاله على طيات هذا النص الذي يكاد يقطر حياة وحيوية وكاني به كينونة
حية تجمع بين ماض شخصي مركب قريب وحاضر يكاد يفصح او يكشف عن قلقه حول طبيعة ما سياتي من الايام..
وقد كنت في حوار سابق مع الشاعرة ألمحت إلى( أن للقصيدة النثربة عندها جذور عربية عمبقة, وهي التي تجعل من نصوصها محاولات لاستقراء الواقع بقصد استشراف المستقبل بعيدا عن العبثية او التشظي) .
**************************

ان الذي تمكنت شاعرتنا من عرضه بذكاء هو الماضوية الشخصية المركبة الملتحمة بالواقع بكل احواله ومظاهره الموجبة والسالبة بمافيها البعد الإجتماعي وربما بعض تمظهرات الحقلين الديني والسياسي ..
وتأكيدي علي اصطلاح ..المركبة.. كون الشاعرة المتخفية في رداء عنصر الحوار الراوي قد حلت حد نسيان الذات في المعشوق الذي يقف الآن بكل تركته المتشعبة الاحوال والآثار علي حافة العالم من اعلى منطقة قدمتها راويتنا كمقترح او زاوية نظر للرؤية التي يفترض ان تكون دقيقة في قراءتها للذات المركبة وللحاضر المحيط وللمستقبل القريب البعيد..
انما لم نلمس اثرا للعرافة هنا..لسنا في موسم للرؤى والنبوءات هنا..انها رحلة قرائية تحليلية كاشفة ودعوة في لحظات الانتقال الى مايلي حيث القادم من الزمن .. دعوة لإعادة النظر مثلا..او الالتفات الى الوراء مثلا..
لكننا وقفنا حيث وقفت..فنحن لا نمتلك الآن حق تحميل الحدث الشعري ما لم تفصح عنه سيدة المسافة الحوارية ندى الادب..أ.نائله طاهر..هذه تحياتي سيدتي..وبالغ تقديري..


رد نائلة طاهر
ندى الأدب آفاق نقديه
رغم اصرارك على عدم تكليفي عناء الرد رأفة منك على وقتي فإني مصرة على الحوار معك فليس هناك أمتع من الحوار مع أستاذي فالرد نفسه درس آخر لي وتعلم ...
-موال فرح جملة مركبة تختزل تضاد الحالة التي تشي بالشجن والفرح مجتمعين وعن وعي اكتب من العنوان إ
لى خاتمة القصيد بل اني أتحرى جيدا في العنوان والتصدير لأنهما النور الكاشف لما سيأتي لاحقا بالقصيدة .
-تأطير النص النثري بأبيات عمودية الهدف من خلاله إرساء نهج جديد قد أكون أنا من ابتدعته في جانب الاستعانة بالعمودي كنوع من التشذر الموجود اصلا في بعض كتابات الكبار من كتاب قصيدة النثر إذ ينتقلون من الشعر إلى السرد في قصيدة النثر نفسها ..والإضافة التي اجتهدت في تقديمها وابتداعها هي العروض وقد كتبت كل نصوص الفترة الأخيرة على هذا الشكل بتشجيع ورعاية منكم طبعا ..
في تحليلك هذا ناقدنا تجاوزت تحليل المضامين وركزت على البنيوية و هذا ذكاء الناقد بك حيث لم تر ضرورة في هذه المرحلة من تجربتي أن تسرد المضامين وإنما أوليت التجديد في البناء كل الأهمية ..انا نفسي لم أفهم بالأول سر ذلك إلا بعد حوار مع المُعلم أيقنت معه أن أولوية البحث الآن في قصيدة النثر صارت تطول التجديد في الأسلوب و إبراز مدى نجاح الشاعر في تحقيق الإضافة المرجوة في ظل تكاثر رواد قصيدة النثر ..
-انت العالم بأسلوبي وحين قلت للقيسي سأرد عليك بشواهد من ديواني وددت يومها أن أحيله إلى جملة فقط كانت منك كافية ليفهم الناقد ماهية تجربتي، تلك الجملة التي قلتَ بها :كون الشاعرة المتخفية في رداء عنصر الحوار الراوي قد حلت حد نسيان الذات في المعشوق الذي يقف الآن بكل تركته المتشعبة الأحوال والآثار على حافة العالم" كان هذا الرأي يكفي لأن يلخص كل ما اكتب ..بنظرتك الاستقرائية الآي تجعلني كتابا مفتوحا أما ناظريك. .
اوجزت حسب طلبك بالرد رغم انك استفضت بتحليل قصيدتي مع كل الإنشغالات التي لديك...
تقديري...

تعقيب غسان الادمي

غسان الآدمي مالي وظلكِ مكسور على شفتي
رغائبٌ تجتني من رغوة القمرِ
كانت هذه الإشارة كافية لينتقل غسان من شكهِ الى يقينه بأن شاعرة المسافات لمحتْ براق القمر قبل ولادة الحداثة لدى الجاهلي بل انها صرّحتْ بذلك بعد ان استيقظ الجاهلي من سباته الاربعيني فلا بدَّ من خلع ال
كفن كقربان لنيل وصال الحداثة , فيا له من رمز عميق هذا الكفن المخلوع لكني لن افسره الا برمز اخر مثلاً كما تخلع الفراشة شرنقتها .
الأستاذة نائلة قطعا تتبعتْ خرائط الماضين وهي تحكي عن ذاكرة الأربعين وما يعنيه هذا الرقم كما فعلت في مناسبة سابقة في توطئتها قبل القراءة النقدية لحداثة الجاهلي.
يوم تأتيها عارياً الا منك - ربما تقصد في ذلك إشارة الى الصفاء الذهني في مغازلة القصيدة او الحبيبة المهم ان ذلك كناية عن نقاء السريرة – اذن هي حالة اللاوعي للتناسل الوجداني وعزفٌ على قيثارة التصوف العذراء .
سرّك في يمينك ذريعة ابتلاء .. ارجو ان أكون تلميذا فطنا لأفسر ذلك .. لقد اشرتِ الى ان هذا السرّ في قلبه لا يتزحزح قيد شعره حتى انه يشكُّ في صفاء الماء ولم يبح بذلك السر حتى درجة حبس الدمع من الظهور ،هي عرافة وتعلم ان الضجر يخيم في وجدان الشاعر عندما لا يكتب شعرا يتضوع حداثة
ويا لها من غربة أستاذة نائلة تجعله خارجا كقوة طردٍ مركزي فكلما حاول وأد نبضتهِ الشعرية أعادوه اخوةٌ كرام أواصرهم لا تعرف الكلل ويرسمونه في جبين ضمائرهم عصابة لا تعترف بالطوائف.
وأحاديث المساء هي الوجه الثاني لهذا الموال التونسي فالبيت الذي توج القصيدة هو الوجه الاخر ..ونعود للظل المكسور هو ظل الحبيبة او القصيدة أياً يكن فهي سلوته التي تنسيه الرغبات التي تجتنى من رغوة القمر.
الأستاذة نائلة دمتِ مبدعة تقتنصين المعاني وتخبئينها بفطنة خلف كواليس القرائن والاسانيد
امتناني الوافر وخالص التقدير.
 
رد نائلة طاهر
ندى الأدب أخي الشاعر غسان :
قلت:"شاعرة المسافات لمحت براق القمر قبل ولادة الحداثة لدى الجاهلي" وحقا كتبت قصيدتي هذه قبل أسابيع قليلة من قصيدتك العظيمة وقد كانت تامة إلا من البيت العمودي الذي اضفته يوم التاسع والثلاثون أي ليلة الأربعين. أسعدني جدا توارد الخواطر ب
يني وبين شاعر أثبت كفاءته الأدبية .
وسعدت أكثر بتحليلك الذي به تنتفي التهمة عن النثر انه الغموض والطلاسم فكل ما تفضلت به من تحليل لإبعاد القصيدة يصب في ذات النهر الذي فتحته لمسرى الأفكار ..
طالما كتبت الشاعر ككائن .. كنبي .. كعراف أو كشقي ..وكنت انطلق من الذاتي لأتواءم مع العام ولعلي نجحت اليوم واليوم فقط خاصة حين رأى الشاعر القدير غسان الحاج أن بمضامين نصي ما يمثله هو كإنسان شاعر ، وبذلك أكون قد جاوزت إقليمية الأحاسيس.
كل ما تفضلت به من تحليل ينم عن فكرك المنفتح على كل التجارب الشعرية وهذا شاعرنا ليس بقليل
(أعجبني جدا التقاطك لكل الإشارات بالنص وخاصة الإشارة المتعلقة بالعصابة)
لست انا من يفرح للتصفيق والشكر ما عاد يهمني ذاك ولا يؤثر بي ..بل هكذا كشوفات لنصي من أقلام كبيرة هي التي تكاد لها عيني تدمع ...
شكرا اخي ...أخي غسان...

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق