الخميس، 19 يناير 2017

هواجس ليلية بقلم /جمال قيسي

هواجس ليلية
لم تعد ارتجافة يديه،،تقلقه وهو يسحب الكتاب،،لقد تقبل تقدم سنه وضعف حيويته دون أن يشعر ،،،هناك نقطة ما ان نبلغها في تراكم السنين،،تأخذ الامور في الانحدار،،نوع من التآلف ربما جعل منه،،غير مبالي،،،
لكن ماحدث مساءً،،لم يكن بالحسبان،،او على الاقل،،لم تخطر بباله مثل هذه الأفكار ،،ببساطة لم يحدث في يوم،، أن وضع رأسه على الوسادة،،ولم يغفُ ،،مجرد دقائق،،حتى في اكثر الايام تأزماً،، عندما كان في الخطوط الأمامية إبان الحرب،،وفِي ايام اشتداد المعارك،،كان ينام قرير العين،،ولكن في هذه الليلة ما ان دس نفسه في الفراش،،او الشرنقة الحالمة كما كان يحب ان يطلق على فراش نومه،،شعر بأنه دلف في ( تنور الزيات ) ،، بمجرد ان وضع رأسه على الوسادة،،تقافزت أمامه الهواجس ،،أراد ان يطردها،،معللاً،،ذلك بسبب وجبة العشاء،،ولكنه تذكر انه لم يفرط بالأكل كعادته،،( يا الله ،،انها الجيوش الزاحفة من منطقة اللاشعور - ربما هذا ثمن الإفراط بالقراءة - او الدعاوي المتراكمة في محكمة الظمير،،ربما استوفت شروطها - لكن لا - انه عيد ميلادي الستين بعد ايام ،،نعم ستين،، لم يبقى الا القليل،،وتغادر هذا المأزق الذي يسمى الحياة - خروج بلا عودة - مانفع كل شيء ؟! وما أهمية أي شيء ؟! - ما الذي يبرر كل الامر ؟! - انه لاشيء،،ليس الموت سيئاً ،،انا لا أخافه بكل الاحوال ) ،،لكنه في قرارة نفسه لطالما تمنى ميته من خمس نجوم ،، موت مفاجئ،،،لكن استدرك ،،ليس هذا مبعث القلق،،والسهاد،،( هناك الكثير،،من الامور العالقة ،،مواقف أفرطت بها - وجراح عميقة سببتها للآخرين ،،من دون وجه حق - لكنها في نهاية الامر كانت هي جراحي أيضاً التي لاتندمل - هراء - لازلت تخادع نفسك - على الاقل يجب ان تكون صريحاً مع نفسك )
هكذا قرر مع نفسه ان يعمل جردة مراجعة،،لعل في ذلك بعض التبرير،،للهوج والقسوة والدناءة ،،او ربما طلب الغفران،،بالتأسف والتأسي،،واولها تصرفه القاسي مع اول حب في حياته،، تلك الفتاة العفوية والطيبة والتي فطر قلبها،،بلا مبرر،،لم يكن قبل معرفتها،،ان مر بتجارب عاطفية،،مجرد علاقات عابرة،،
لاتمت باي صلة ،،لشعوره،،كأنسان ،،ومبعث فشله،،كان بسبب تربيته المتزمتة ،،التي غلفت شخصيته بالخجل ،،هي من مدت يدها اليه،،في الوقت الذي كان ،،يجهل اي شيء،،
وطريقة تعارفه بها،،بحد ذاتها ،،مبعث للإثارة ،،،هناك مواقف واحداث عجائبية ،،تمر بحياة اي شخص ،،تبقى محتفظة ببريقها في الذاكرة،،تولد نوعاً من الشعور بالمجد،،وقصص تروى في الجلسات الحميمية من باب التندر ،،او ذكريات لتعزية النفس،،
كان يفصل بين مقر عمله ،،وعملها شارعين،،،هو في اخر طابق في بناية مكونة من خمسة طوابق ،،وعادة ،،يكون بقرب النافذة ،،ولايغلقها الا ماندر،،استنشاق الهواء الطلق المعبأ بذرات ماء دجلة يشعره بشغف الحياة ،،،عدا المنظر الخلاب ،،لتفاصيل شارع ابي نؤاس ،،ومخلوقاته الملائكية من المسيحيين ،،بهرج بغداد وزينتها العطرة،،
بينما هي كانت تعمل موظفة في بناية ،،تقع بمكان موازي ،،وفِي طابق مرتفع ،،جذبت نظره ،،رغم بعد المسافة ،،وغياب التفاصيل ،،ولا يعرف مالذي دفعه للتلويح لها ،،هذه الجرأة الصبيانية ،،قام بها لانها لاتعرضه للحرج ،،لانه لو كانت أمامه بأمتار ،،لما استطاع ان يرفع نظره بوجهها،، وامتلكته الغبطة ،،حين استجابت له ،،بالتلويح ،،والتصقت هي الاخرى بالنافذة ،، تحول بصرهما الى حديد ،،رغم المسافة التي تقترب من المئتين متر،،
كان امكانية لقائهما ،،في غاية الصعوبة،،في مقدمتها ،،تخالف مخارج البنايتين واللتين تطل كل واحدة على شارعين ،، عملياً تكون المسافة بأربع شوارع ،،بالاضافة ،،الى خروج الموظفات ،،بسيارات الدائرة،،،ومع كل هذا ،،كيف سيتمكن من تمييزها،،،
(تلك ايام ،،تتدعى الروح لها شوقاً ،،رواق يشع من الجمال ،،كل شيء فيه الى اندفاع ،،باتجاه البهجة - للزمن معطيات ،،كل شيء له زمنه الخاص،،خارج نطاق الحسابات ،،المتعارفة - وتلك الأشواق ،،التي لن تشكل من تاريخ الكون شيئاً يذكر،،لكن الهمسات،،هي عوالم يصنعها الاحبة،،لاتتسعها عشرات الأكوان ،،واللحظات لاتستوعبها ،،التواريخ الحولية ،،مدونات المشاعر،،سجلاتها الوهمية ،،هي الذاكرة والنجوى،،،البعض يفلح بتقيدها،،بقصيدة،،او قصة او لوحة،،لكنها لاتعني الحقيقة،، لان من عاشها فقط عرفها،،فالإنسان ،،عبارة عن حقائق زائلة،،،ووقائع مهدورة،،،) تلك هلوسات ،،بالنتيجة أفصحت عنها زفراته الحارقة عند تذكرها،،،،
تكررت صلاة التلويح لديهما،،،وقفزت الى ذهنه فكرة،،التي بدت شبه مستحيلة،،وفق اي منطق،،لكن للشغف منطقه الخاص،،ربما تزداد ،،وتتمايز معطياته ،،لانها تتنقل على شبكة أثيرية ،،قوامها الاندفاعات الهرمونية،، أشار لها ان تكتب،،لم تفهم أشارته في بادئ الامر،،قام بوضع يده على أذنه ،،بأشارة الهاتف،،فأومأت ،،بالموافقة،،وأخذ يلوح يؤشر بأصابعه رقماً رقماً،،،ساوره الشك بأمكانية رؤية أصابعه ،،وأعاد المحاولة للتأكيد،،بعد دقائق ،، واعتراه الحزن لإحساسه بفشل المحاولة ،،،وكم حسد عالم الصم والبكم،،( انهم اكثر ذكاءً منا ) ،،،
لازم غرفته بعد عودته للبيت،،ووضع جهاز الهاتف قبالته،،رِن الهاتف،،لأكثر من مرة وكل مرة يجيب ،،،( ليست هي،،لا اظنها تمكنت من رؤية أصابعي - المسافة بعيدة - يجب ان أفكر بطريقة اخرى )
رِن الهاتف مجدداً،،وتردد قبل ان يجيب،، لانه شعر بأنها ،،في الطرف الاخر،،،
- ألو،،هل هو انت،،،،،
- نعم،،وهل انت ،،،
- نعم،،خشيت من عدم تمكنك رؤية إشارتي
- هل تعلم،،انا لم أرها جيداً،،ولكن كان هناك صوت بداخلي يردد الأرقام ،،ربما لن تصدق ذلك
- اكيد ،،انا اصدق،،والا ماحظيت بصوتك
- انا ترددت كثيراً،،قبل ان اتصل،،
- ولماذا ؟
- انا عاطفية جداً،،واخشى ان أقع في حبك،،وسأحرقك باشواقي
- ومن قال لك اني صلب،،ربما انا الذي سوف يحرقك
- انا خارجة من تجربة فاشلة،،صحيح انها سطحية،،ولكني جادة في أخذ الامور،،
- يجب ان نعطي أنفسنا فرصة للتجربة ،،لا اعتقد اننا سوف نخسر شيئاً
- انا مجنونة بعواطفي،،ولا اعرف منطقة وسطى
- بالمناسبة لم اعرف اسمك،،انا،،،،،
- وانا،،،،
- طيب ما هو رقم هاتفك،،حتى اتصل
- لا،،انا التي سوف اتصل،،
استمر الحديث بينهما لأكثر من ساعة،،وكان يغمره شيء يعجز عن وصفه أشبه بالتيار الكهربائي المنعش الذي يلامس كل جسمه،،تمنى ان يواصل الحديث لسنين،،وهو الذي يكره الحديث الطويل ولا يطيق صبراً عليه،،،( يا الله - الحياة كلّها الأنثى وأي شيء اخر هو ملحق بهذا الامر )
تطورت العلاقة ،،لتتحول الى حب جارف،، لم تبقي منهما ،،الا توحدهما ببعض،،،،( اللعنة،،الا آن لها أن تخمد جذوة الشوق،،بعد كل هذه السنين - " هذا حدنا وبس بعد،،تايبين وللأبد " - يكاد هذا المقطع من أغنية" ياس خضر " يقتلني كلما سمعته - وكأنه أعد خصيصاً لي - كم هو لعين من كتب كلماتها ولحنها وغناها - يا الله نجني من نفسي ومن ذكرياتي )
نهض من فراشه وجلس أرضاً ،،وضم رأسه بعد ان شبك يديه بين الأغطية ،،قفزت الى ذهنه صورة اول لقاء بينهما،،على حدائق ابو نؤاس،،،تذكر كم قطعا ،،الكورنيش جيئة ً وذهابا ،،لمرات لاتحصى،،في داخل كل منهما حمولة كبيرة،،فائضة وثقيلة من الكلام ،،وآن وقتها للتفريغ،،انه البوح الجميل،، ( لا أظنها ألا ،،لغة أهل الجنة ،،هي لغة الحب والا تصبح مكاناً لا يُطاق ) اكتمل المشهد المصغر للفردوس،،بالنسبة له،،انه شهر تشرين ،،و دجلة بأبهى حُلّة ،،موجاته الخمرية المتكسرة،،التي تتلذ روحه بها،،منذ ان صار شاباً ،،كان لايفوت،،الجلوس على ضفافه عند حلول شهر تشرين،،والآن ،،بجانبه حسناء،، اتخذا احدى المقاعد للجلوس من الإرهاق ،،الذي لم يشعرا به،،،لف الصمت بينهما ،،بعد الحديث المطول الذي استغرقهما،،هو استعاد في ذهنه شعر الدهيلقي "فيه ثلاث للسرور تجمعت ،،،،الماء والخضراء والوجه الحسن "
( ياالله ،،كم تغير العالم،،اين ذهب ذلك الايقاع المتناغم ،،لعن الله الحداثة وماعملته من فوضى ،،كان لكل شيء معنى وقداس - آه لوتعارفنا بهذا الزّمن وكنا شباباً - لا أظنني كنت سأنتحب - مجرد مشاعر ألكترونية وعواطف من ديجيتال عبارة عن ومضات سطحية لا عمق لها - صه - انها خطاريف ستينية )
كان بكائها في ذلك اليوم الهارب من روزنامة التاريخ،، ذكرى مسلطة تحفر وجدانه من حينها،،لايعرف ،،مالذي يفعله،،هو بالأساس لايتحمل ،،بكاء اي شخص،،حتى الأطفال ،كان بكائهم يثير حفيظته،،( هل سببت لها الالم في كلمة - لا- ربما جعلتها تتذكر موقف مؤلم - يالبؤسي - هذا الملاك ،،لايفترض به ان صمم لغير البهجة والسرور )
- ما بكِ،،ولم البكاء ؟ ،،انا اسف ان سببت لك هذا،،ومهما كان،،انا لا اقصد
- لا،،لا علاقة لك بذلك،،بل انت انسان رقيق ومحترم
- انا لا اريد ان أكون فضولياً ،،لكن ان احببت ان تخبريني بشيء،،سأكون عوناً لك مهما تطلب الامر
- هذه الاغنية الا تسمعها ؟
- نعم،،انها جديدة،،غناها " ياس خضر " في الكويت ،،سمعت عنها ولكني ،،لم اسمعها جيداً اعتقد اسمها ( تايبين )
أصاخ السمع ،،للأغنية التي كان تصدح من مكبر صوت لكشك قريب،،وكالعادة الاغنية الجديدة التي تلقى رواجاً،،تتم إعادتها المرة تلوى الاخرى،،،جيل كان يتشرب العمل الفني ،، دون ملل،،وانتبه للكلمات " غلطة مرت وانتهت،،وشمعة العشرة انطفت،،والذنب هو ذنبكم،،،هذا حدنا وبس بعد،،وتايبين وللأبد "
( هذه الكلمات،،لاتثير الا من كان خارجاً من علاقة حميمية،،بفشل،،مسبباً له الماً مبرحاً - ويبدو اني ،،مجرد بديل تعويضي لعشيقها السابق الذي خذلها - تحاول ان تستعيد إنسانها بي - لكن لا انا لن أكون مرمم لصورة مهشّمة - ساجاريها حتى لا أزيد من آلامها - وانسحب بدون ان أزيد جراحها محترماً نفسي - احسبها تجربة وانا لست بديلاً لأحد )
- انا آسفة ،،لكن كلماتها مؤلمة ولم أستطيع ،،السيطرة على دموعي
- ولايهمك،،لايوجد موقف ،،لا يُصلح،،رغم انه يترك أثراً بالغاً في بعض الأحيان
- كيف وإذا كان الموقف من اقرب الناس عليك
- لايوجد انسان بلا أخطاء
- لكن الأخ ليس ككل انسان
تنفس الصعداء بعد ان سمع كلمة ( أخ ) ،،وأخذ يلوم سوء ظنونه،،وكيف سحبته الى بيئة عدائية،،( كم انا شرقي متخلف - حتى لو كانت لديها علاقة ،، ماذا يعني - وهل يوجد إنسان بلا تاريخ ؟،،وأي انسان هذا؟! - مجرد خواء ،، " من كان منكم بلاخطيئة فليرمها بحجر " - لكن انسانك الشرقي أبى إلا أن يَكُون ما عَلَيْه و إنك أسير له. مهما حاولت )
- هذا امر لايستحق ،،ان تبكي عليه بهذه الحرارة
- لاطاقة لي بزعل اخي الكبير،،لانه كل شيء في حياتي
- وأبوك وأمك وبقية العائلة ،،اين هم
- انا البنت الوحيدة،،في العائلة،،لذلك مدللة من الجميع

- طيب،،اين المشكلة
- اخي الكبير،،اقرب الناس لي،،هو صديقي،،قبل كل شيء،،
- لم افهم ،،سبب بكائك،،وانت لست مضطرة لان تجيبي على أسئلتي
- انا هنا في بيت خالتي ،،وأهلي في كركوك،،منذ ان كنت طالبة في الجامعة،،وتخرجت ومن ثم توظفت،،هنا وبقيت،،واخي،،منزعج من بقائي ببغداد،،،
- ربما هناك ما لا يعجبه،،ببقائك،،يجب ان تفهمي وجهه نظره،،
- هو غير معترض على بيت خالتي،،ولكن على وجودي ببغداد،،وحريتي في الخروج والدخول ،،خاصة وان منطقة بيت خالتي،،متحررة
- يجب ان تجدي صيغة للتفاهم معه
- هو يحبني كثيراً،،ولا يقوى على زعلي،،لكنه بين الحين والآخر ،،يثور احتجاجاً على بقائي هنا
- إذن لا تسمعي هذه الاغنية ،،حتى لا تثير شجونك
- وهل انت لديك مثل هذه النزعة
- تقصدين الشرقية،،ومن منا يخلو منها،،لكنها بدرجة أخف
( اللعنة - لو كانت تسمع قبل لحظات ما دار بذهني،،لاكتشفت ان في هذا الصندوق مجرد حذاء قديم،،و خرْق بالية معتقة بعطانة الذكورة الشرقية،،وقيم الشرف التي لا تتعدى فخذي المرأة - لكننا مؤبونين بإنسانيتنا ومطعونين بشرفنا الشخصي - يجب ان ترثي حالك،،لأنك تعاني من الانفصام،، ما نفع ان تقرأ أزهار الشر ،،و الانسان ذو البعد الواحد ،،وعشرات الكتب،،وانسانك الفطري،، عالق بين الخيمة والجمل )
هواجس ليلية /٣
أخرج رأسه من بين الأغطية ،،( دور النعامة يوهم بالراحة .. لكنه باهض الثمن - انت ثائر بالفطرة ولا يليق بك دور الضحية - آه ،، لكن هذا الضوء يمزقني )
كان هناك ضوء متقطع لأحد الأبراج المطلة على نافذة غرفته،،يثير جنونه،،،( لطالما تعايشت مع كل الامور وقلبتها لصالحك - ليس من المعقول ان هواجس الماضي توغز ضميرك - انه التقدم بالسن مثير للشفقة )
انتبه الى زوجته وهي نائمة على الطرف الثاني من السرير وكأنه استفاق من حلم ،،كان جسمها ،،يظهر ويختفي ،،مع ومضات الضوء الخافت ،،( من هذه المخلوقة التي تشاركني السقف والفراش والاولاد - كيف وصلت الى هنا ؟ بل كيف وصلت انا ؟ هذه المسافة بيني وبينها وان تبدو قصيرة ولكنها لا تقاس. الا بالسنين. الضوئية - من المؤكد اننا ننتمي لشعب حياتية مختلفة جمعنا معاً هاوٍ للحيوانات الأليفة ،،في قفص الزوجية ) ،،،استغرب واستهجن انتباهه للامر بعد ثلاثين سنة ( ليس للامر اية أهمية - انها مجرد ثلاثين سنة ! - ولكنك ترتكب الخيانة منذ ثلاثين سنة - صحيح انك لم تقترب وتتخالط جسدياً مع أنثى اخرى لكن ان تكون مشاعرك مع امرأة اخرى ،،في الامر خيانة ،،لها ولَك )
أمعن النظر الى تضاريس جسدها المتلاشي تحت الغطاء،،وكأنه يشاهده لأول مرة،،( اين كنت ،،هل في كوكب اخر ؟ وكيف استطاعت ان تتحملني كل هذه السنين ؟ - لكنها هي صاحبة الذنب كله - لأني لم أرى جسدها طوال الثلاثين عام ،،حتى ولا بالصدفة،،)
تذكر الاخرى ،،حبه الاول،،وكيف لايزال يحفظ كل تفاصيل جسدها،،وعطرها،،بل وحتى الوان صبغ الاظافر لإقدامها ،،لحد اللحظة يثيره عطر ( سان لوران ) الذي كانت تضعه،،وألوان ملابسها الداخلية والخارجية ،،والتي كان يفرض ذوقه عليها،،،( كم هو كبير حجم الخيانة التي ارتكبتها مع نفسي )
لم تكن تجمعه بزوجته وهي بنت عمه بالأصل ،،اي علاقة حميمية ،،حتى في لحظات ممارسة العلاقة التي كانت تتم في الظلام،،بحيث كان يوهم نفسه انه مع حب حياته الغائبة،،،( هل وجدت خيانة ،،لهذه الدرجة - انا خائن للأولى والثانية و لنفسي )

كان هناك كلب ضخم يبلغ ارتفاعه اكثر من سبعة أمتار ،يدمدم و في حالة ترقب،، في طرف شارع طويل ،،ومطر توقف قبل قليل بحيث شكل برك سطحية على الشارع ،،يساراً كان صفاً من البيوت على الطراز الإنكليزي ،،و على اليمين ،،سكة قطار،،ومن ثُم تل صغير بمحاذاة الشارع،،،وخرج راكضاً في الشارع متجنباً برك الماء لكي لا يثير انتباه الكلب ،،الذي أن لاحظه ربما أبتلعه بقضمة واحدة،،،مُتَّخِذاً جانب البيوت ،،لينتهي الشارع به الى سلم ضيق ،،وحاد في نزوله،، عندها بدأ الهبوط،،فاقداً زمام السيطرة على قدميه ،،التي أخذت تتناول السلمات ،،كل اربع او خمس معاً،،،،أشبه بالطيران ،،ولكن بحالة سقوط نحو الهاوية بالكاد تلمس أصابع قدمه أطراف سلمة،،،مع هلع كبير،،
هذا الحلم الذي راوده عندما كان في العاشرة من عمره ،،لازمه ،،كلما خلا الى نفسه،، ليتملكه. نفس الرعب،،الامر الذي اضطره لاحقاً بعد مزاولة جريمة القراءة ،،الى التهام تفسير الأحلام لفرويد من الغلاف الى الغلاف ،،وقبلها لابن سيرين الذي لم يقتنع بحرف واحد منه،،زاد فرويد من ريبته،،لدرجةٍ أخذ يفسر اي تصرف من أي شخص جنسياً،،،لكنه لم يعاني من لعنة فرويد في عقدة اوديب،،لان سطوة الوالد لديه،،هي قضية مخصية ،، ربما الكلب الذي في حلمه ،،هو الوالد المفترض،،
(لأني ابن كلب او أسوء،،لما أرتكبت الجرم بحق نسائي ونفسي،،،وليس هناك مسرباً للرجوع القهقري بالعمر - الاعتراف بالذنب لا يلغي ،،الأضرار ،،و لايصلح القلوب المكسورة،،،)

كان اخر لقاء بينهما،، يمثل اخر ما يصل أليه الانسان من نذالة،،وتهشم قيمي ،،
- ها حبيبي،،لقد حصلت على اجازة زمنية ،،حتى اسمع ما الامر المهم والعاجل
- انت تعرفين،،اننا وسط أناس ،،ملزمين بالتعايش معهم ،،والاهل لايمكن للانسان ان يدير ظهره لهم
- انا اعرف ان ليس لأحد سطوة عليك ،،في اي امر و اهلك يعرفون بعلاقتنا منذ خمس سنوات،،وكذلك خالتي
- ربما الامر سيسبب لك الغضب،،ولكني أعدك ،،باني لن اقبل غيرك زوجة
- انت مجنون،، بعد كل الذي بيننا هل تستطيع امرأة أخرى ان تأخذك مني ؟!
- منذ اسبوع وهم يلحون علي بموضوع الزواج،،
- انت تعرف حبيبي ،،بعد كل هذه السنين ،،اننا نحتاج لأشهر فقط ،،حتى نستطيع ذلك ،،على الاقل بعد ان تستقر على عمل ،،لكي يقبل اخي،،
- أنا أردت مشاركتك الرأي
- اي مشاركة ،،وكيف سمحت لنفسك و لهم،،، لو لم يلمسوا لديك مثل هذا الامر لما تجرؤا
- عن اي امر تتحدثين،،،وماذا لمسوا لدي ؟
- انت اخبرني،،هل هذا الكلام فيه شيء من العقل والإنصاف ؟
- مجرد كلام حبيبتي،،ولا يمكن ان أفكر بأمرأة غيرك

كان هذا الحديث مجرد جس نبض متأخر،، و تمهيدا لفعلته المخزية،،اذا مضى اسبوع على خطوبته لابنة عمه،،وكان أقدامه على هذا الامر،،لسبب تافه،،اذ أنها لسذاجتها أخبرته قبل أكثر من أسبوع بأن لها علاقة بأحدهم قبل ان تعرفه،،وقد قتل في الحرب وانتهى الامر،،شعر بأنه قد تلقى طعنة في ظهره،،ونال منه الرجل الشرقي القابع داخله،، ليميط اللثام عن الوحش الخارج من السراديب المعتقة ،،( انها الجينات العصية على الفهم والتغير - و بداوتي الغادرة )



 
 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق