الأربعاء، 25 يناير 2017

- التعليم والتعلم الابداعي مقالة بقلم د. نجاح باراوي

- التعليم والتعلم الابداعي
مقالة بقلمي د. نجاح باراوي


- القسم الأول :

كثرالحديث عن الإبداع، وأهميته الكبيرة لبناء جيل قادر على مواجهة التحديات بكافة أشكالها
وابتكار ارقى الحلول لمشكلاتنا الراهنة والمستقبلية
وإنتاج أرقى المنجَزات الحضارية التي تكفل الطور و التقدم والرفاه
فضلاً عن تحقيق وجود حر كريم فاعل.
ولما كان الإبداع ليس هبة فطرية مقصورة على مجتمع دون آخر
بل هو قدرةّ مكتسبة تبدأ بالتعلم السليم إذا توافرت له الجهود الواعية وتحفزت له الإرادات الحرة.
والإبداع باختصارٍ يعني :
القدرة على إيجاد أكثر من حل جديد للمشكلة الواحدة
أو القدرة على افتراض عددٍ من المشكلات المحتَمَلة مع ابتكار عدة حلول لها
فما المقصود إذا
بالتعليم ، والتعلُّم الإبداعي؟
1) التعليم الإبداعي:
هو تعليم يحرِّر الطلبة من القيود
لكي ينمو الفرد إلى أقصى درجة ممكنة تسمح بها إمكانياته، وفي هذا النوع من التعليم
يجب ان يكون المعلِّم مسلحا بدرجةٍ عالية من المعرفة والوعي والقدرة على وضع طلابه أمام تحديات
بتخطيط مواقفَ تعليميةٍ تحتوي على عناصر مفقودةٍ أو غيرِ مكتملة ليحفزهم على إكمال العناصر بطرق جديدة غير مالوفة.
حيث يشجِّع التعليم الإبداعي
على إثارةِ أسئلة، واعتماد التجريبِ، ، والاكتشاف واختبارِ الحلول والأفكار، وتعديلها، كما يدعم قدراتٍ مثل : مستوى الحساسيّة للمشكلات، والطلاقة، والمرونة، والأصالة، وإضافة التفصيلات، وإعادة تعريف الظواهر والعناصر والموضوعات
متفوقاً بذلك على التعليم التقليدي الذي يدعم عدداً محدوداً من القدرات العقلية المتواضعة مثل: التذكر، والفهم والتطبيق والتفكير المنطقي. فقط
كما يساهم التعليم الإبداعي في اكتساب الطلبة للاتجاهات الابتكارية ،
وذلك من خلال حثّهم على التفكير بطرق جديد ، واحترام الأفكار الجديدة وغير العادية وتقبُّلها وعدم تسفيهها
بل وتقبُّل الأفكار الغريبة والشاطحة التي ينتجها غيرُهم
بالإضافة إلى تشجيع الطلبة على إنتاج مثل هذه الأفكار الغريبة، وتوصيلها إلى الآخرين دون خوفٍ من الوقوع في الأخطاء أو الفشل.
هذا وينبغي أن يدرك الطلبةُ المبتكرات الجديدة عبر العصور واهميتها في صنع تاريخ الحضارة من جهة ودورِها في حلِّ مشكلات الحاضر والمستقبل
من جهة أخرى، فلولا التجدد الإبداع والرموز المبدعة التي كانت وراءه لكانت البشريةُ لا تزال تعيش حياة بدائية حتى الآن.
ويقوم التعليم الإبداعي اساسا على اندماجَ المعلم في الأنشطة الإبداعية
مع طلبتُه ، ومشاركتهمَ فيها، عبر دور - التخطيط
-التنظيم
-التوجيه
- التقييم
-التعزيز
كبديل لدوره التقليدي القديم الذي
كان يقوم على إلقاء وتلقين المعلومة الجاهزة كما تطعم الأم صغارها بالملعقة
.. ورغم ماذكرنا فالتعليم الإبداعي
لن يكون البلسم الشافي لكل العلل في العملية التعليمية، ولا يقدم معجزة تقلب أنماط التعليم العادية، رأسا على عقب
إلا أنه مع توافر العمل الجادّ المخلص، وتمتُّع المعلم بدرجة عاليةٍ من الوعي والإدراك ، وخضوعه لدورات تأهيلية شبه مستمرة لإعادة تأهليه بأحدث الطروحات التربوية التعليمية الإبداعية الدائمة التجدد
فإن الطلبة سيكتسبون منحى التفكير الإبداعي، ويحلّوا كثيراً من المشكلات التي تواجههم في عملية التعلّم، والتي بغير هذا النوع من التعليم سيُخفقون حتما في إيجاد الحلول المناسبة لها.
إن ثورة المعلومات والانفجار المعرفي المعاصر يجعل من المستحيل على الطلبة أن يكتسبوا من المدرسةَّ التقليدية المعلومات والمهارات التي سوف يحتاجونها لمواجهة التحديات في حياتهم لذلك يجب أن يزوَدوا بالقدرات والمهارات التي تمكِّنهم من مواصلة عمليةِ التعلم طوال حياتهم،
عبر / التربية المستدامة/
من المهد إلى اللحد .. بأبعادها الثلاثة
الأفقي والعمودي وفي العمق
للارتقاء بالاستجابة واعتماد الاساليب والطرق البنّاءة المبتكرة في مواجهة التحديات والضغوط التي تحيط بهم في هذا العصر، ليس بطرق التكيّف التوافقية معها فقط؛ وإنما بأساليب وطرق غير مألوفة تخترق الشائع والمألوف إلى ماهو جديد لم يقاس على سابق مثال
ومن هنا تأتي الحاجةُ الملحة إلى ضرورة استخدام أساليب التعليم الإبداعي الذي سيَشعر معه المعلمُ بكثير الرضى عن نفسه وعن تلامذته على الرغم ممّا يبذله من طاقة وتضحيات، وذلك حينما يلمس امتلاك طلبته مفاتيح الدخول لكلِّ ما هو حقيقي ومنتِج في حياتهم ...
 
التعليم والتعلم الإبداعي
مقالة بقلمي د. نجاح باراوي
القسم الثاني :
2) التعلّم الإبداعي:
.. هو عملية تعلم ذاتي يقوم بها التلميذ حيث يكون هو محور العملية التعليمية التي يقتصر دور المعلم فيها على القيام بالمهمات التالية بالتتالي :
- التخطيط
- التنظيم
- التوجيه
- التعزيز
- التقويم
فالمهم أن يتخلى المعلم عن دوره التقليدي القديم كملقي وملقن للمعلومة الجاهزة التي يتناولها التلميذ كما هي بقالبها الجاهز ليخزنها عن طريق الحفظ في ذاكرته ..
تماما / كما تطعم الأم طفلها الصغير بالملعقة /
فتكتنز ذاكرة التلميذ بمخزون معلومات يحسن استرجاعها كما هي ..
لكنه لايحسن ابدا نقلها لحيز الممارسة والتطبيق لاستخدامها في مواجهة تحديات الحياة ..
أما خلال عملية التعلم الإبداعي
فإن التلميذ يصبح هو المحور الأساسي في العملية التعلمية والتي
يتمكن من خلالها كمتعلم
- اكتشاف المشكلات،
- تحديد وجوهِ النقص أو الثغرات
أو العناصر المفقودة في المعلومات التي يحصل عليها ..
ثمّ يقوم بعملية
- تجميع لهذه المعلومات التي حصل عليها بنفسه
- ثم تركيبها بطريقته الخاصة حسب إمكانياته وقدراته وهذه الخطوات تعتبر من أرقى عمليات التدريب التعلمية الإبداعية التي ينفذها المتعلم على الشكل التالي :
- البحث عن جوانب المشكلات
- وضع خيارات للحل
- اختبار الخيارات المفترضة والمقترحة
ثم تعديلها على أساس ما تُسفر عنه عملية الاختبار لها
ثُم إعادة اختبارها للتوصل إلى أفضل النتائج وذلك يتم بتوجيه وإشراف المعلم، أو غيره من الأشخاص المحيطين بالمتعلِّم من أصحاب العلاقة بالعملية التعليمية – التعلمية.
اما دور المعلم في هذه العملية التعليمية التعلمية فيتم تطويره من
- ملقي وملقن للمعلومات الى
/صانع ماهر للأسئلة/
كما أسماه / غانييه /
تلك الأسئلة الابداعية التي تحفز التلميذ
وتستثير عمليات التفكير العليا عنده فيرتقي مستوى تفاعله مع
مشكلات العملية التعلمية
و الثغرات المخططة والمنظمة
وأوجه النقص
أوالتناقضات الموجودة في المعلومات من خلال سلسلةٍ
الخبرات التعليمية المنظَمة والموجَهة من قِبل المعلم
وذلك عبر مجموعة من الأنشطة المعدة والتي يشارك المتعلم ذاتياً باختيارها او اقتراحها او التفاعل معها
عبر عملية تعلم زمري تعاوني
ينضم فيها المتعلم الى مجموعة من الطلبة الذين يشكلون معا زمرة متعاونة أثناء تنفيذ الأنشطة .
وخلال هذا التنظيم المتقن لعملية التعلم القائمة على
استثارة عمليات العقل العليا كما ذكرنا
عند المتعلم ودفعه لاكتشاف حلول مناسبة للمشكلة ..
فإن هذا النوع الراقي من التفاعل بين المتعلم والعملية التعلمية
يجذب المتعلم ويسيطر على أحاسيسه ويسثير لديه شعوراً بعدم الارتياح مع توتر واضطراب في توازنه النفسي يدفعه للبحث والاستطلاع باحثاً عمّا يلبّي حاجته إلى المعرفة لحل المشكلة القائمة سعيا لاستعادة توازنه الداخلي وراحته المفقودة ..
وهذا الحافز النفسي من أقوى حوافز التعلم الإبداعي لأنه يدفع المتعلم للبحث في ذاكرته أولا
ثم في جميع مصادر المعلومات المتاحة له مثل :
الكتب، والتقنيات، والخبرات المحيطة، وغير ذلك من أجل التوصُّل إلى الحلول المناسبة ..
وذلك عن طريق البحث والتساؤل، وإعادة تنظيم المعلومات، وبناء حلولٍ على حلول
ويظل المتعلم في حالة توتر وقلق وفقد توازن داخلي إلى أن يختبر هذه الافتراضات والحلول
ويعدّلها و يعيد اختبارها
وتظل الدافعيةُ لإنجاز الحلِّ قائمةً لديه حتى يأتي به على صورة تُرضيه بل ويظلّ التوتر قائماً في نفسه حتى يبلِّغ ما توصلُّ إليه من اكتشافات وحلول ونتائج إلى معلمه هذا المعلم المؤهل للقيام بهذا الدور الجديد في العملية التعليمية .
..هذا النوع من التعلم يندرج على سلم التعلم الإبداعي لأنه يتضمن إنتاج المعلومة واكتساب مهارات متجددة بشكل ذاتي من قبل المتعلِّم اولا
وقدتكون هذه المعلوماتُ والمهارات قابلةً للتعميم في المواقف المماثلة، وقد تكون مدهشةً بالمتعلِّم بالنسبة إلى ما كان معروفاً لديه، كما قد يكون الحلُّ نادراً إحصائياً وغير معروف ، وهكذا يمكن عن طريق التعلُّم الإبداعي اكتشاف مستوى الطاقة الإبداعية للمتعلِّم.
ويؤدي التعلم الإبداعي على الصعيدين السيكولوجي والمهاري إلى تحسين مستوى الدافعية واليقظة، وحب الاستطلاع، والتركيز لدى المتعلم، ويزيد من ثقته بنفسه، كما يساعده على الإنجاز، والتعبير عن أفكار وأحاسيسه بطلاقة وجرأة وأصالة ومرونة
كما يزيد من انشطته المنتِجة.
ويمكن تلخيص أهم النتائج الإيجابية المترتبة على هذا النوع من التعلُّم الإبداعي بالنسبة إلى المتعلِّم بما يلي:
- حبُّ المتعلِّم للاستطلاع، لاكتشاف النقص في المعلومة او التناقض، أو عدم الانتظام فيها تبسيطُ وتوضيح المعقّد، وتشخيصُ الصعوبات من خلال قيام المتعلِّم بتشكيل المعلومات بأساليب تحليلية ابسط لاعادة تركيبها من جديد ثم ابداء الرأي حولها ..
وتلك ماندعوها بعمليات العقل العليا.
من تحليل وتركيب واستنتاج وتقويم وابداء رأي
- التفكيرُ الإكمالي بإضافة تفصيلات مختلفة إلى المعلومات لإغنائها
أو إنتاجِ حلولٍ جديدة للمشكلة فيها
وأخيراً :
حري بنا أن نركز
تطلعاتنا وطموحاتنا إلى تكرِّيس مفهومي عملية التعليم والتعلُّم الإبداعي
وضرورة تطبّيقهما فعليا في
المدارس والجامعات والمؤسسات التربوية لكونهما الركيزة الاساسية
في العملية التعليمية –التعلمية،
تلك العملية التي بات يتوقّف على نجاحها تحقيقُ التنمية البشرية والاقتصادية الشاملة التي تسلح الفرد لمواجهة تحديات الحياة المعقدة والسيطرة عليها وتوظيفها لتحقيق سعادته في الحياة





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق