الجمعة، 27 يناير 2017

شفافية الرؤى في قصيدة غسان الآدمي - ارسم املا - ..نظرة فنية بقلم/ شاكر الخياط

شفافية الرؤى في قصيدة غسان الآدمي - ارسم املا - ...
نظرة فنية ...
لايمكن للناقد ان يبدع في اسستلهام نص معين مالم يكن هذا النص مدعاة للاستلهام وعلى كلا الصعيدين الايجابي والسلبي، لان الاستلهام هو المحفز والمحرك الذي يدعو الناقد ان يبحر في اعماق النص ويطفو تارة على سطحه ويغوص اخرى في اعماقه لكي يتمكن من سبر الاغوار والتطلع بتفحص دقيق على مكامن الابداع ، ومواطن الانبهار، ومعرفة الرؤى والابعاد التخيلية للمبدع صاحب النص...
وانا هنا لن ابحر كثيرا ولن اغوص عميقا لان شفافية الرؤى وعذوبة الايقاع وحداثة القصيد تجعلني اسحب النص لي وافتخر به اولا قبل التعرض اليه نقديا، وهذا ما يشرفني شخصيا ان اصرح واعلن بما لايقبل الشك ان هذا الشاعر الذي ينتظره الزمن القادم ( غسان الآدمي) امد الله في عمره سيستحوذ على الساحة الشعرية دون منازع له، لانه خبر الذات الشعرية لشخصه قبل ان يدخل ميدان الشعر فكانت الاجابة بـ نعم، ومن ثم حين قوى عضده واشتد غصنه اورقت شجرة فكره واينعت ثمرا طيبا مذاقه، اصيل جينه، لهذا اكتملت ارضية وقاعدة الانطلاق نحو النتاج ونحو الابداع ونحو ( التصدير) ماديا، الذي يقابله النشر والترويج واخضاع المنتوج الى (السيطرة والتقييس النوعي) الذي يقابلها النقد والنقاد...
ومن خلال ماتقدم ارى كمتابع لهذا القلم وسيرته الفنية انه ماعاد يكتفي بالمألوف او المعتاد لدى القراء والشعراء على حد سواء من قصيدة عمود او قصيدة تفعيلة التي اجادهما لكنه قفز بعيدا بتبنيه مشروعا فنيا آخر حديث في تواجده واسع في مساحاته البنيوية والابداعية الا وهو مشروع ( القصيدة المؤتلفة)التي تجمع بين العمود والحر في البحور المشتركة بينهما ليكونا معا توليفة راقية تبتعد بالرؤى وتسمح للمبدع ان يسافر كيفما شاء ملتزما بالموسيقى التي قررها للقصيد مسبقا، وهو الذي بدأ بممارسة كتابتها فاجاد وها هو ثانية يعود ليمتطي صهوة جوادها ويبدع مجددا، وانا ارى هنا وهذا الراي بالامكان اثباته عني : ان هذا المبدع سيتبنى هذا النوع الجديد من الفن الشعري الذي اضيف الى عمود الخليل وتفعيلة السياب ولم يخرج عنهما..ومستقبلا سيكون هو نفسه التعريف المختصر لهذا اللون الجديد من القصيدة العربية الحديثة...
وهنا حين اتابع بلهفة وشوق القصيدة منذ بدايتها الى الشطر الاخير ارى ان الارتياح والانسيابة كانتا العاملين المهمين في اظهار شكل الابداع بهذا التالق الذي حافظ على روح الايقاع في التزامه موسيقة جميلة تكاد تكون هي السكة الامثل من بين باقي السكك ( البحور) التي تعتمدها قصيدة التفعيلة، وحين يسير قطار النص على سكة ( الخبب) بالتفعيلة التي التزمها الاخ الشاعر وآخرون مثله من ذي قبل، نرى الانسيابية الرقراقة لغدير ماء لايقف امام جريانه عائق على الاطلاق، وهذا هو الفرق بين الاختيار السليم للنص في تفعيلته المعتمدة، وبين ان يفرض النص السليم تفعيلته المختارة دون ان يكون للشاعر اي تدخل في الاختيار، وهذا هو قمة النضج الذي يبغيه الشاعر او اي اديب كان. وهذه بحد ذاتها اضافة الى انها حالة راقية ومتقدمة في سياق التقييم الادبي في جانبه الفني للنص، فهي نعمة اعتبرها انا شخصيا تضاف الى باقي النعم التي يمن بها الله على عباده كنعمة البصر او السمع او ما الى ذلك مما لايعد ولا يحصى من نعم الله على عباده...
هذا التمسك الجيد والسليم جدا بالموسيقى المنتخبة من قبل النص دعت الشاعر ان يمسك بزمام النص( فكرة وموضوع) من جهة ويمسك بزمام الموسيقى ( اللحن او الايقاع) من جهة ثانية، فكان موفقا ايما توفيق في انتقالاته من الايقاع المنساب المنسرح ( التبريح، الريح) الى الايقاع المدعوم المضموم في ( مجروح روح نوح مسموح مذبوح)، وكلا الحالين جواز مرخص به للشعراء منذ ولادة الشعر العربي، وما اجمله في حسن استخدامه، ليركب بعدها زورق الانتقالات الاخرى غير المرتبطة بالتقفية، ليسافر الى ابعد في تنقلاته فيمسك بزمام ( المؤتلفة ) مبحرا في تفعيلة ايقاعيا منسابة مرة ومرتفعة صاعدة اخرى ومضمومة في جانب اخر ليكون معزوفة موسيقية رنانة تتارجح كسعف النخيل راقصا بتوئمة وتماه بصري سيابي خليلي شفاف لايكاد المتتبع في قراءته يرى التنقلات لحسن السبك واجادة الربط...
هذه النظرة الموجزة والاستعراض المقتضب هو وقفة استحقتها القصيدة واستحقها الشاعر بكل جدارة، متمنيا له التوفيق، ومنتظرا قصائد اخرى تستنهض النقاد لكي يدلوا بما عندهم من تأثر وانعكاس طبيعي لواقع سيفرضه غسان الآدمي في قادم الايام من شعره، الى ذلك الوقت والملتقى انا بالانتظار..
-- النص --
ارسمُ املاً
بملامح ذكرى قد صدأتْ
من وجد سيول التبريحْ
اطيافكِ قوقعةٌ

وأدتْها الامواج الحبلى
من نفخ الريح
ألقاءُ مليحة أيامي
في أفق الشمس المجروح؟
كلا لا يمكن ذا أبدا
غرقى الطوفان
قد انتبهوا
فالهالكُ ما صدّق نوح
لا عاصم لي من عينيها
الا ان اغرق او اغرق ....
فالحبُّ ملاذٌ للروحْ
والموتُ جنونٌ مسموح
يزرع شغفاً في نبضات القلب الراعف
يصنعُ جسرا يعبر كل الميتافيزيقيا
يدركُ معنى المعنى
ويباغتُ سِفْر التأويل
يستنفر كل كوامن طاقات الزمن الغابر
يستأصلُ أورام الكدر الآسن
يرقص كالطير المذبوح
ارشيف الحبِّ حداثة صوفيٍّ ثائر
تقتلع الأدغال المشؤومةَ من وجنة نجمة
فسنابل حقل الضوء الباركها الله
تنقذني ..
اعبر كل سبات العمر بلحظة استشعار صافٍ من رحم الضوضاء

 تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
آفاق نقديه احسنت اخي ابا عبدالله..نص  نقدي كبير بل نموذجي..بورك يراعك ايها الناقد المحترف العميق..
رد شاكر الخياط
Shakir AL Khaiatt اجزلتم ايها الرائد الطيب، يقينا ان الشاعر الآدمي يستحق بعطائه الابداعي هذا كل الثناء... شكرا لمروركم الكريم استاذ الموسوي المعلم الكبير... تحياتي
 
تعقيب غسان الحجاج
غسان الآدمي هذه القراءة النقدية هي درسٌ آخر يتعلم منه السائرون في مدائن الادب كيفية الولوج روحيا الى جسد النص واكتشاف سماته .فلقد جعلتني اقرأ النص مرة اخرى وانا أقف مقارنا بينه وبين القراءة النقدية وكأنك لم تفوتْ شيئا خلال رحلتك الاستكشافية لبنيوية القصيدة المؤتلفةً .
لا استطيع إيجاد الكلمات التي اريد ان اعبر بها عن مدى الامتنان الاستاذ الغالي
Shakir AL Khaiatt
تعقيب نائلة طاهر
ندى الأدب استحق الشاعر غسان الآدمي اهتمامك ناقدنا وافرادك لقصيدته الناجحة بتحليل قيم كهذا لاجتهاده و سعيه للتعلم منكم بكل تواضع .
ادام الله الوجود الطيب لكل من سعى للإضافة في الأدب العربي
 
رد شاكر الخياط

Shakir AL Khaiatt شكرا جزيلا لك سيدتي لهذا المرور الكريم الذي يشكل عتبة اسناد للشاعر المتألق ودعما له الى امام... خالص اعتباري
 
تعقيب ربا مسلم

Ruba Msallam قراءة رائعة جدا ومتمكنة استحقها الشاعر غسان بجدارة عن نصه الرائع سلمت الؤى الناقد المبدع شاكر كل التحية لكما

رد شاكر الخياط
Shakir AL Khaiatt سلمت روحك ايتها المبدعة، دعائي لك بالتوفيق والصحة... تقبلي تحياتي
 
تعقيب اياد الشاوي

اياد الشاوي جميل جدا ما نثرته استاذنا من قراءة النص شكرا لجهودك
رد شاكر الخياط
Shakir AL Khaiatt جميل مروركم اخي الطيب استاذ اياد... تحياتي
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق