الثلاثاء، 3 يناير 2017

أيلول المجنون بقلم / عواد المخزازي

أيلول المجنون
المهندس الذي اتسم بالرزانة والاستقامة كان يذهب إلى عمله كل يوم مارا بذلك المرج المسمى " مرج النفل "، وهو ساحة واسعة تقع بين الأحياء السكنية ، ..تنمو فيه ازهار النفل البرية ، مشكلة جزر جميلة من الألوان البرتقالية والصفراء والبيضاء ، قطرات الندى في الصباح تغلف تلك الزهور كما لو كانت جواهر ثمينة ، أشعة الشمس تسطع فتلونها بفرشاتها ،فتقفز الألوان كأنها أسيرة سجان ، فتح لها الباب فحلقت .فتثير رائحة عبقة ، تبعث في النفس ، راحة وسكينة . كانت الرحلة الصباحية ، عبارة عن...
رحلة غسيل لتلك الروح الجميلة مما يصيبها من كدر وملل ، لتجدد عناقها مع الحياة من جديد .
أحد الصباحات ، استوقفته احد الفتيات قائلة : إسمع أنا احبك ؟!!!!!!! نظر إليها مذهولا !!! هو لم يكن يعرفها أو شاهدها من قبل ! استدركت قائلة : أعلم أنك لا تعرفني ، وأنك مندهش مما تسمع ، ولكنني أراقبك منذ شهور . وقد شغف القلب حبك ، لم استطع التحمل ، قررت مصارحتك ، لا أريد منك شيئا ، فقط دعني أقولها لك ، وترتع عيناي بصباح وجهك ، وهو يقول في نفسه أيا للنساء ، "أيعقل هذا"...وأخذت تحدثه عن لواعج حبها وعشقها وهيامها وانتظارها له كل صباح . افترقا .وهو يقول في نفسه ، عجبا لقلوبهن !!!
تكرر هذا اللقاء اسابيع طويلة وهي تستوقفه وتحدثه عن لواعج الشوق والحنين ، و هو يقول : علها تنتهي وتتوقف .
في أحد الايام قرر الطلب منها التوقف عن ملاحقته ، طوال الليل فكر في ذلك اللقاء .
في الصباح ، استوقفته من جديد قائلة : أسمع ؟!!!!!
"أيا لتلك الكلمة اللعينة ، ماذا تريدين بعد ، قال في نفسه" !!!
أنا قررت السفر مع عائلتي خارج البلد حيث يعمل والدي ، أفعل ذلك من أجلك ، حتى لا أعذبك معي ، اعرف أني أحرجك ، وأعلم أن لا مكان لي في قلبك . كم كانت فرحته بهذا ، لقد اختصرت الكثير من الكلام الذي يريد قوله ، شكرها بشده ، وودعته بدموعة أحرقت تلك الوجنتين الذابلتين ، قائلة لن أنساك ، ما بقي النفس ونبض القلب .
الصباح التالي , كان يمشي بجانب ذلك المرج ، وقد تحلق حوله الكثير من الناس ، مستغربين ، بعضهم يضحك والأخر حزين لما يرى من هذا الرزين !!! لم يكن يرتدي حذائه أو لباسه الرسمي ، شعره لم يغسل ، كان منفوشا . نظارته لم يلبسها أيضا ، وهو يقول : سرقت قلبي تلك المجنونة وهربت ، أعيدي لي قلبي ، بصراخ وهستيريا مكررا ذلك ؟؟ !! نظر إلى الناس وإلى نفسه . وإلى مرج النفل ، لم تكن تلك الازهار موجودة ، الشمس كانت حارقة ، الفتاة كانت قصة حبيسة في داخله لم توجد ، شهر آذار لم يحل بعد ، كان المرج مليئا بالأوارق الصفراء ، والأراجيح كانت تهتز فارغة ...كان هذا شهر أيلول .
عواد المخرازي ....1/1/2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق