معركة في غير معترك
مقال / ثروت مكايد
(2-؟)
لعل أكبر مشكلة فكرية يقابلها العقل العربي تكمن في ميوعة ما نقصده من معان لألفاظ نلوكها صبح مساء، فتجد اللفظة الواحدة يقصد بها أكثر من معنى وفق فكر قائلها فلو أن فكرة ما ولنرمز لها بالرمز س فإن البعض يحسب أن س هذا يمثل قبيلا من الفيلة في حين يتصور البعض الثاني أنها تمثل سربا من الطير بينما تتصور فئة ثالثة أنه مجتمع من النمال ويتصور آخرون أنها كيت وكيت وهكذا، ففي حين أن س لا تمثل غير س نفسها، نجدها تتمثل في كل فئة بمعنى يختلف بالكلية عما يمثله لدى الطوائف الأخرى مما يؤدي إلى الفرقة ضربة لازب.. ولنضرب مثلا أشد ظهورا في واقعنا ولتكن فكرة الدين فبينما نجد الدين ممثلا في الكتاب وصحيح السنة، نجد ثمة اختلافات شتى حول مفهوم الدين فثمة دين مصري وثان باكستاني وثالث سعودي ورابع ماليزي وهلم جرا .. ليس هذا وكفى بل نجد دينا يمثله السلفيون وثان يمثله الإخوان وثالث يمثله الطرق الصوفية ورابع يمثله طوائف شتى من بهائية وشيعية وقاديانية بل نجد عند الطائفة الواحدة مثل الصوفية ألف فهم وفهم.. وهذه الفوضى الفكرية أو فوضى التصورات نتيجة أزمة حادة في العقل العربي المسلم على وجه خاص إذ هو عقل مشتت مسطح مفرغ لا ثقل له في دنيا الفكر، ولا جذر له ثابت ومن ثم فهو أشبه بذرة غبار في إعصار، وتلك أزمة كبرى.. ولا أقصد مما سبق أن أحدد معنى الدين وإنما أدلف من هذا مباشرة لتحديد معنى الثقافة والآداب و العلوم وهذا ما سنلقي عليه إشارة ولو من بعيد فيما بعد....
وإلى لقاء نكمل فيه مقالي هذا
رد الدكتورة جميلة الكوجيك هذه المشكلة بالذات سيد "ثروت" عالجها المفكر المصري باستفاضة وبدقة منقطعة النظير، تستطيع العودة إلى أبحاثه فيما يتعلق بهذا المجال في كتابيه: "المنطق الوضعي" بجزئيه وكتابه "نحو فلسفة علمية" وأنا الآن أقوم بالعمل في مبحث المنطق هذا لديه..
هذا الذي ترجوه للفكر العربي بعامة وللفكر الإسلامي بخاصة لن ينبت في الفراغ، بل يحتاج إلى عقول تقوم بتأصيل هذه المفاهيم على أسس سليمة وبمنهج مناسب ومن خلال أصول لعمالقة الفكر العربي الإسلامي، وقد سبق ان قدمت أهمهما، ابن رشد والغزالي
::::
رد الكاتب ثروت مكايد
سيدتي.. لعلك تقصدين الدكتور زكي نجيب محمود.. وقد قام بنقل الوضعية المنطقية عن أوجست كونت لكن الدكتور زكي قد أخطأ أخطاء فادحة كانت نتيجة لقصوره المعرفي الشديد فيما يخص الفكر الإسلامي والإسلام ذاته وهو نفسه قد اعترف أن لم يتصل بالفكر العربي إلا بعد أن تخطى شيخوخته.
رد الدكتورة جميلة الكوجيك
لا تبكر في الحكم عليه سيد "ثروت"، أنا الآن أقوم بإعداد أطروحتي عن منهجه النقدي وبعد قراءتك لها مؤكد ستغير رأيك فيه، المنهج السليم يبقى سليما وإن كان من اختراع بوذي او ملحد او حتى عند من لا يعرف الله. المنهج العلمي ليس له علاقة بالإيمان بدين ما، لكن تطبيقه والسير به نحو غاية معينة هو موضع التقييم من حيث القبول او الرفض.
لي مبحث في ميتافيزيقاه، والميتافيزيقا التي يهاجمها ليست هي الدين ولا عالم الدين الغيبي، هو يهاجم دائرة معرفية يدعي فيها المفكرون انهم يسبرون عالما لا ولن يقع في مجال إدراكهم. علم الإنسان محصور بأدواته، ألم تقرأ قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"
:::
رد الكاتب ثروت مكايد
لا أحكم على الشخص بالطبع وإنما على فكره وفكر الدكتور في جله منقول فلم يكن أصيلا في فكره ولم يكن منطقيا في هجومه على فكر يجهله وهو الفكر الإسلامي بل أنكر الرجل الغيب في كتابه خرافة الميتافيزيقا...سيدتي لقد غير كتابه الذي يحمل اسم خرافة الميتافيزيقا نتيجة لما وجده من حجج لم يقو على رد واحدة منها... والرجل أن الغيب جملة أي ماوراء الطبيعة وحجته أن ذلك الغيب لا يخضع للتجربة ومن ثم فهو خرافة وهذا عبث... فإن عقله الذي يفكر به غيب فهل نقول أن عقله خرافة وروحه التي تسري في روحه غيب من الغيب فهل ننكرها.. إن كلام زكي نجيب محمود لا يصمد للحظة أمام منطق مع ادعائه الدعوة للمنطق...
رد الدكتورة جميلة
بل هو رد في مقدمة الكتاب الذي بين يدي والذي جعل عنوانه "موقف من الميتافيزيقا" نحن سيدي وكما قلت انت نقلا عنه: نحن نقرأ بنصف عقل.. الخ. بل نحن لا نقرأ أصلا، وإن قرأنا لا نحاول الفهم، وإن فهمنا نحاول لي عنق النص بالإتجاه الذي نريد. لست أدعي أنني ممن لا يخطأ أبدا لكنني ممن يجتهدون في الحق وسعهم، ويحاولون جاهدين إصابة الحق بكل تجرد وحيادية وصدق. وليس لي من هدف الا خدمة الفكر العربي بعامة والفكر الإسلامي بخاصة. فإذا ما صلح الفكر العربي صلح بعده كل فكر نتناوله بالتحليل والدراسة
:::
رد الكاتب ثروت
كتابه موقف من الميتافيزيقا هو التعديل لكتابه خرافة الميتافيزيقا... لكنه لم يغير شيئا من أصول الفكر لكونه ضعف عن تصور الحياة أو الوجود ككل... بل هو وقف عند حد العقل أو التجربة ولم يقر بغير ما يأتي عن التجربة وأنا كاتب هذه السطور أتحدى أن كان في وسعه أن يذكر مرجعية كونت نفسه فيما ذهب إليه من أفكار..
:::
رد الدكتورة جميلة
سيد "ثروت" هو أنكر ذلك المجال الذي اخترعه الإنسان اختراعا وليس له وجود، هذا المجال إن هو الا مجرد كلمات في الذهن لا غير. "زكي نجيب محمود" لم ينكر الغيب، ثم أنا لست ميتافيزيقا انا واقع حقيقي وابني كذلك. المتافيزيقا ليست الغيب " يا ناس" الغيب واقع حقيقي جاءنا الدين ليخبرنا عنه. ونحن نؤمن بوجوده. الحق الذي هو الله كائن، هو الموجود الذي لا يحتاج في وجوده إلى غيره. عالم الغيب هو عالم قائم بحق. موجود وجودا حقيقيا. نحن لا يمكننا إدراكه ولكننا لا نستطيع وصفه الا من خلال نصوص الدين. هل لو ان الدين لم يخبرك بما جاء به قل لي كيف يمكن لك ان تصفه لي إن طلبته منك. هل يمكنك أن تركد او تنفي الروح والملائكة والجنة والنار وحتى قصة خلق آدم وحواء لو لم تخبرنا الأديان بكل ذلك. وأعيد وأزيد ان الغيب ليس هو المتافيزيقا التي اخترعها اليونان، وأؤلئك ليسوا مسلمين، بل هم وثنيون. هم من الغرب الذي تهاجم زكي نجيب محمود من أجلهم. ثقافتهم مستوردة. فلم تحل ثقافة وتحرم أخرى، لنتفاهم بالعقل، بالعقل الذي أشرت عليك ان نستخلص مفهمومه من خلال دراسة فكر عملاقين من عمالقة الفكر العربي.
الميتافيزيقا هي تلك المنطقة الوهمية التي تقع بين حقيقتين، بين وجودين، هي في الذهن فقط، بين الواقع والغيب. هي من اختراع الذهن لا غير، ثم أرجوك أن تقرأ المعاني العديدة لكلمة ميتافيزيقا ثم تحاورني فيها. وأهمها كيف نشأت هذه الكلمة ومن هو الذي أطلقها. هل يمكن ان تفعل ذلك لأجلي ولأجلك ولأجل الثقافة والمعرفة والعلم وسائر القيم والفلسفة؟! لأجل أن نتحاور ونحن نعني مفهوما واحدا بمعنى واحد، بمعنى واحد نتفق عليه. ثم أجبني هل نحن المسلمون من وضع هذا المفهوم؟! لم نتمسك بمفهوم هو لا يعني لنا شيئا؟! الغيب، الغيب المادي، والغيب الذي ورد في الدين هو الذي علينا أن نهتم له. على فكرة أنت استفززتني فجعلتني أصرح بنتيجة خطيرة من نتائج بحثي الخاص التي لم أكن اود الكشف عنها الا حين نشر الأطروحة. ولعله خير
:::::
تعقيب الكاتب ثروت مكايد
تحياتي لك د.جميلة... وجميل منك اهتمامك وعذرا لتأخر الرد فأنا في سفر دائم وشحن الهاتف يستنزف بسرعة ومن أسف هذا... ما علينا..
أولا: لا مشاحة في الأسماء فسواء علينا كان اسم عالم الغيب: عالم الغيب أو الميتافيزيقا أو ماوراء الطبيعة فلن يغير هذا من واقع الأمر شيئا..
ثانيا: moon تعني القمر بالإنجليزية والمقصود هو ذلك الكوكب التابع للأرض في كل الأحوال وبكل الأسماء..
ثالثا: الفيزياء أو الفيزيقا كما تعرفين هي علم الطبيعة والميتافيزقا هي ما وراء الطبيعة.. والطبيعة هي ما تقع عليه الحواس وما وراءها أي ما غاب عن الحس أي ما غاب عنا وهو عالم الغيب..
رابعا: غيبته أي عالم الغيب لكونه غائبا عن حواسنا ولا يعني هذا عدمه أو أنه غير موجود بدليل أن الروح وهي في الجسد غائبة عن الحواس لكنها موجودة يقينا لوجود أثرها ولا ينكر هذا غير الحمقى كما أن العقل نفسه غيب أي لم نره - والعقل غير المخ - ومع هذا فهو موجود باعتراف كافة العقلاء..
خامسا: حواسنا نفسها محدودة فالعين لها حد للرؤية فإن وجد شيء وراء هذا الحد فإننا لا نراه...
سادسا: الغيب أنواع... منها غيب نسبي ومنها غيب مطلق ومنها غيب مؤقت وهذا يحتاج لكتاب كي أشرحه لك وأنت تفهمين هذا ولا شك..
سادسا: من قال لك أن الميتافيزيقا بين الغيب والمشهد؟!
سابعا: لا أزمة لدينا في الفكر الإسلامي وإنما كانت الأزمة في عين زكي نجيب محمود ومن تبعه وهم كثر بل إن مصيبته الكبرى غير هذه هي خلطه بين التراث والإسلام وهذا خلط رذل لا يقول به إلا عميق الجهل أو عميق الحقد.... تحياتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق