حوار حميم
حول مطرقة عادل سعيد..
************************
لا يختلف اثنان على ان لإسلوبك الابداعي فرادة واضحة الملامح اخي ابا سلام المبدع الكبير عادل سعيد العزيز..
هذه الاسلوبية المتفردة تدعمها مناخات وعوالم ورؤى باتت واضحة المواصفات هي الأخري..
وقد ورد في هذا النص الباهر كشف لاذع رهيب الأثر عن فجيعة الانسان على الارض مقرونة بمصيره المجهول الاقرب الى التيه.. او المعلوم الاكثر سوداوية وخيبة لجميع الأمال،
أما الاحلام فلم يفسح لها الشاعر او النص ،ادنى فرصة للحضور،في مشهده القاهر هو الآخر..فكيف بٱحتمالية التحقق ..?!
ولاشك ابدا بروعة بل قوة الاداة الفنية والتعبيرية لجنابك ايها المخضرم العتيد ،بغض النظر عن جنس النص او طرازه،فلقد سبق القول منك شخصيا.. (اننا نكتب او نعبر عما يجيش في صدورنا وعلى النقاد والباحثين توصيفه بما يرونه موائما او مناسبا.. فالتجنيس ليس شغلنا ،بل شغلهم )..
ولكنني اركز اليوم على الناحية الفكرية وليس العقائديه..فلكل عقيدته التي تمثله ويمثلها بكل حرية ،وليس لأحد ادنى حق في قطع الطريق على عفوية وتلقائية حرية تعبيره مطلقا،فالتعسف ،والقهر وخنق الحريات هي السبب المحوري في مجمل مآسينا هنا في هذا الشرق العربي والاسلامي على وجه الخصوص..
ولست اشك لحظة واحدة ان جميع متبنيات الشاعر الايديولوجية قد تسبب بها هذا الشرق ذاته.. وكثيرا ما سألت نفسي :ترى لو ولد عادل سعيد في غير هذه البيئة هل سيتبنى ذات الرؤى والمعتقدات?
هذا السؤال ينطبق على الجميع،ويمكن تعميمه على الجميع.. من دون استثناء.. فلكل منا روايته الداخلية البالغة الخصوصية ،ولكنها الشديدة الارتباط بالواقع المحيط..بدء من لحظة الولادة وحتى أخريات الحياة..
الاستاذ عادل سعيد هنا اقرب الي روح الفيلسوف منه الى روح الفنان في مثل هذا النص..
وهو ايضا غير معني كثيرا ،ولا يفرض علينا جنسا او لونا او طرازا كما اسلفنا .(.ان سموا نتاجي هذا بهذا الاسم او بغيره)،او ربما لا يأبه كثيرا،لما سنطلقه من اسماء توصيفية فنية عليه اصلا..هو يفترض اننا نتفهم انه قد مهد لهذه الاسلوبية النادرة نشوء وارتقاء حتى وصلت الى ما هي عليه الآن من تجليات تظهر واضحة في هذا النص الذي بين ايدينا..
ومن هنا سوف لا نسميه بإسم محدد.. كأن نقول انه شعر ،او قصيد نثر.. بل سنلتزم برغبة الشاعر،ونقول ما قاله امرؤ القيس ذات يوم (هذا جناي وخياره فيه)..
جديد الشاعر الاكثر الفاتا للنظر في هذا النص هو انه قد صنع لنا نموذجا عالميا يكشف عن مصير الانسان هذه المره..
هذا يعني انه خرج عن تشخيص حال العراقي ،او العربي ،او المسلم وحسب..انما رسم لنا وليدا عالميا ،وفانيا عالميا..حتى النهايات القصوى.. ولم يشر النص ابدا الى هذا المسمار الصلب ،الذي تمكن اخيرا ،من تهشيم المطرقة..كما يظهر افتراضيا في اللوحة الرديفه.. وأعني مطرقة السماء..
هذا التعميم البارع الجرئ ،يؤكد روح المفكر الفلسفي اكثر مما يؤكد روح الفنان.. كما قدمنا آنفا..
بينما يحتشد الشاعر بالإرث الديني الذي تبركن به على طول مساره الابداعي ،وهو يرفع لافتات احتجاجه المتوالية عبر سني عمره الطيب،حتى وصلنا الى اكبرها اليوم في هذا النص الابداعي المتفجر..
ولربما ستكون تهمة الايمان المطلق بالسماء وما وراءها الميتافيزيفي ،هي اشد التهم اثقالا على اخي وصديقي الحميم ،فهي آخر ما يتوقعه من احد اصلا.. وحجتنا عليه انه وهو يتهم الغيب او ساكنه بالتدبير المتعسف ،فهو انما يقر به اصلا،ولكننا ندعوه الى افتراض عدمه ،لكي تأخذ المحاكمة شكلها الواقعي المحسوس والملموس..
فدعنا نفتزض العدم قبل الادانه ونرى كيف يتصرف الانسان..?!
هل انه بلارب سيتصرف بما يجب عليه فعلا?
فما تفسير سلوك صديقنا الاثير ..ستالين.. وهو يذبح ما يزيد على مليوني مناضل من رفاقه في الحزب المادي التاريخي العتيد?!
وما تفسير سلوك نسخته العراقية الاخرى..وأعني صاحبي الذي تعرف..وهو يذبح بٱسم العروبة وروح النصرحزبه كله وشعبه جله معا في آن واحد..?!
وكلانا يعلم انهما علمانيان نائيان عن أطاريح السماء،وإن ادعى احدهما غير ذلك.. استغلالا نفعيا للقيم..
ومن منا يا ترى رأى الله جهرة وهو ينزل على الارض حاملا مطرقته بيده اليمنى او اليسرى?!..
كلا والف كلا ..انه الانسان يا اخي الحبيب.. فلفد كان وما يزال وسيبقى ظلوما جهولا..الا من القى السمع وهو شهيد.. او من تمنطق بالاعتبار ،وسلك الى سعادة الخليقة واضح المسار،والا فما تفسيرنا لما يجري من سلوك انساني جميل في البلد الذي تعيش فيه الآن مثالا على كثير من بلدان العالم التي عثرت على طريقها النبيل..
المشكلة في الارض يا صديقي،وليست في السماء اذن.. والاعجب من ذلك كله ،ان الأحق بالشكاية وكتابة النصوص المماثلة لنصك الاحتجاجي الفريد هذا هو الماوراء ذاته ادانة لكل ما يجري علي خليقته المسكينة ،وبخاصة ما يجري من جور وظلم وتعذيب ودمار بٱسمه الكريم..
اخي وحبيبي عادل الكبير.. لقد اثار نصك شجوننا ايها الغالي.. هذه قبلاتي وعميق مودتي التي تعلم.. والسلام يا ابا سلام..
***********
ادناه نص المبدع
عادل سعيد
حول مطرقة عادل سعيد..
************************
لا يختلف اثنان على ان لإسلوبك الابداعي فرادة واضحة الملامح اخي ابا سلام المبدع الكبير عادل سعيد العزيز..
هذه الاسلوبية المتفردة تدعمها مناخات وعوالم ورؤى باتت واضحة المواصفات هي الأخري..
وقد ورد في هذا النص الباهر كشف لاذع رهيب الأثر عن فجيعة الانسان على الارض مقرونة بمصيره المجهول الاقرب الى التيه.. او المعلوم الاكثر سوداوية وخيبة لجميع الأمال،
أما الاحلام فلم يفسح لها الشاعر او النص ،ادنى فرصة للحضور،في مشهده القاهر هو الآخر..فكيف بٱحتمالية التحقق ..?!
ولاشك ابدا بروعة بل قوة الاداة الفنية والتعبيرية لجنابك ايها المخضرم العتيد ،بغض النظر عن جنس النص او طرازه،فلقد سبق القول منك شخصيا.. (اننا نكتب او نعبر عما يجيش في صدورنا وعلى النقاد والباحثين توصيفه بما يرونه موائما او مناسبا.. فالتجنيس ليس شغلنا ،بل شغلهم )..
ولكنني اركز اليوم على الناحية الفكرية وليس العقائديه..فلكل عقيدته التي تمثله ويمثلها بكل حرية ،وليس لأحد ادنى حق في قطع الطريق على عفوية وتلقائية حرية تعبيره مطلقا،فالتعسف ،والقهر وخنق الحريات هي السبب المحوري في مجمل مآسينا هنا في هذا الشرق العربي والاسلامي على وجه الخصوص..
ولست اشك لحظة واحدة ان جميع متبنيات الشاعر الايديولوجية قد تسبب بها هذا الشرق ذاته.. وكثيرا ما سألت نفسي :ترى لو ولد عادل سعيد في غير هذه البيئة هل سيتبنى ذات الرؤى والمعتقدات?
هذا السؤال ينطبق على الجميع،ويمكن تعميمه على الجميع.. من دون استثناء.. فلكل منا روايته الداخلية البالغة الخصوصية ،ولكنها الشديدة الارتباط بالواقع المحيط..بدء من لحظة الولادة وحتى أخريات الحياة..
الاستاذ عادل سعيد هنا اقرب الي روح الفيلسوف منه الى روح الفنان في مثل هذا النص..
وهو ايضا غير معني كثيرا ،ولا يفرض علينا جنسا او لونا او طرازا كما اسلفنا .(.ان سموا نتاجي هذا بهذا الاسم او بغيره)،او ربما لا يأبه كثيرا،لما سنطلقه من اسماء توصيفية فنية عليه اصلا..هو يفترض اننا نتفهم انه قد مهد لهذه الاسلوبية النادرة نشوء وارتقاء حتى وصلت الى ما هي عليه الآن من تجليات تظهر واضحة في هذا النص الذي بين ايدينا..
ومن هنا سوف لا نسميه بإسم محدد.. كأن نقول انه شعر ،او قصيد نثر.. بل سنلتزم برغبة الشاعر،ونقول ما قاله امرؤ القيس ذات يوم (هذا جناي وخياره فيه)..
جديد الشاعر الاكثر الفاتا للنظر في هذا النص هو انه قد صنع لنا نموذجا عالميا يكشف عن مصير الانسان هذه المره..
هذا يعني انه خرج عن تشخيص حال العراقي ،او العربي ،او المسلم وحسب..انما رسم لنا وليدا عالميا ،وفانيا عالميا..حتى النهايات القصوى.. ولم يشر النص ابدا الى هذا المسمار الصلب ،الذي تمكن اخيرا ،من تهشيم المطرقة..كما يظهر افتراضيا في اللوحة الرديفه.. وأعني مطرقة السماء..
هذا التعميم البارع الجرئ ،يؤكد روح المفكر الفلسفي اكثر مما يؤكد روح الفنان.. كما قدمنا آنفا..
بينما يحتشد الشاعر بالإرث الديني الذي تبركن به على طول مساره الابداعي ،وهو يرفع لافتات احتجاجه المتوالية عبر سني عمره الطيب،حتى وصلنا الى اكبرها اليوم في هذا النص الابداعي المتفجر..
ولربما ستكون تهمة الايمان المطلق بالسماء وما وراءها الميتافيزيفي ،هي اشد التهم اثقالا على اخي وصديقي الحميم ،فهي آخر ما يتوقعه من احد اصلا.. وحجتنا عليه انه وهو يتهم الغيب او ساكنه بالتدبير المتعسف ،فهو انما يقر به اصلا،ولكننا ندعوه الى افتراض عدمه ،لكي تأخذ المحاكمة شكلها الواقعي المحسوس والملموس..
فدعنا نفتزض العدم قبل الادانه ونرى كيف يتصرف الانسان..?!
هل انه بلارب سيتصرف بما يجب عليه فعلا?
فما تفسير سلوك صديقنا الاثير ..ستالين.. وهو يذبح ما يزيد على مليوني مناضل من رفاقه في الحزب المادي التاريخي العتيد?!
وما تفسير سلوك نسخته العراقية الاخرى..وأعني صاحبي الذي تعرف..وهو يذبح بٱسم العروبة وروح النصرحزبه كله وشعبه جله معا في آن واحد..?!
وكلانا يعلم انهما علمانيان نائيان عن أطاريح السماء،وإن ادعى احدهما غير ذلك.. استغلالا نفعيا للقيم..
ومن منا يا ترى رأى الله جهرة وهو ينزل على الارض حاملا مطرقته بيده اليمنى او اليسرى?!..
كلا والف كلا ..انه الانسان يا اخي الحبيب.. فلفد كان وما يزال وسيبقى ظلوما جهولا..الا من القى السمع وهو شهيد.. او من تمنطق بالاعتبار ،وسلك الى سعادة الخليقة واضح المسار،والا فما تفسيرنا لما يجري من سلوك انساني جميل في البلد الذي تعيش فيه الآن مثالا على كثير من بلدان العالم التي عثرت على طريقها النبيل..
المشكلة في الارض يا صديقي،وليست في السماء اذن.. والاعجب من ذلك كله ،ان الأحق بالشكاية وكتابة النصوص المماثلة لنصك الاحتجاجي الفريد هذا هو الماوراء ذاته ادانة لكل ما يجري علي خليقته المسكينة ،وبخاصة ما يجري من جور وظلم وتعذيب ودمار بٱسمه الكريم..
اخي وحبيبي عادل الكبير.. لقد اثار نصك شجوننا ايها الغالي.. هذه قبلاتي وعميق مودتي التي تعلم.. والسلام يا ابا سلام..
***********
ادناه نص المبدع
عادل سعيد
السماءُ مطرقةٌ
و الأرضُ سِندان
ــــــــــــــــــــــــ
و الأرضُ سِندان
ــــــــــــــــــــــــ
الأرضُ التي تشقى
تَلِد
و بين الحصى و المسامير
تشقُّ لقدمَيْ وليدِها
طريقاً
وتَرمي في أفقهِ شمساً صغيرة
أما السماءُ التي
لم تلِدْ و لم تولدْ
و لم تَبعثْ يوماً
( قابلةً مأذونة)
تغمسُ يديها في مخاض الأرض
أوبرقيةَ تهنئة
بوليدٍها
أو حفنةِ زغاريدٍ و حَلوى
فهي تّسجّلُ ـ مشكورةً ـ
...... الوليدَ شقيّاً
و تحجزُ له مقعداً في جحيمِها المَسجور
بالناسِ و الحجارة
ثُمّ توعِزُ الى عُملائِها في الأرض
بقصفِ طريقِهِ
بالحصى
و المَسامير
و الأدعية الحارقة
ثمّ تَفخيخِ أُفقِهِ
و طلاءِ نهارهِ
و حُلمِه
و أغاني تَعبِهِ
بماءِ النار
و إطفاءِ
.... شمسِهِ الصغيرة
تَلِد
و بين الحصى و المسامير
تشقُّ لقدمَيْ وليدِها
طريقاً
وتَرمي في أفقهِ شمساً صغيرة
أما السماءُ التي
لم تلِدْ و لم تولدْ
و لم تَبعثْ يوماً
( قابلةً مأذونة)
تغمسُ يديها في مخاض الأرض
أوبرقيةَ تهنئة
بوليدٍها
أو حفنةِ زغاريدٍ و حَلوى
فهي تّسجّلُ ـ مشكورةً ـ
...... الوليدَ شقيّاً
و تحجزُ له مقعداً في جحيمِها المَسجور
بالناسِ و الحجارة
ثُمّ توعِزُ الى عُملائِها في الأرض
بقصفِ طريقِهِ
بالحصى
و المَسامير
و الأدعية الحارقة
ثمّ تَفخيخِ أُفقِهِ
و طلاءِ نهارهِ
و حُلمِه
و أغاني تَعبِهِ
بماءِ النار
و إطفاءِ
.... شمسِهِ الصغيرة
تعقيب الشاعر / عامر نصر الله
Amer Nasrallah نص جميل
اتوقع شعر حر هذا
ومع انه قصير لكن كما يقال خير الكلام ما قل ودل
والاسلوب رائع ايضاً
فعلا الانسان يولد للشقاء من لحظة ولادته حتى مماته
تحيتي. لك استاذ غازي على هذا النص الجميل الذي خطته يداك والذي لا يقل عن جمال نص الاستاذ عادل سعيد أمتعتني حقاً
اتوقع شعر حر هذا
ومع انه قصير لكن كما يقال خير الكلام ما قل ودل
والاسلوب رائع ايضاً
فعلا الانسان يولد للشقاء من لحظة ولادته حتى مماته
تحيتي. لك استاذ غازي على هذا النص الجميل الذي خطته يداك والذي لا يقل عن جمال نص الاستاذ عادل سعيد أمتعتني حقاً
تعقيب الاديب / أسامة حيدر
أسامة حيدر النصّ أكثر من رائع . وللحقيقة ثمّة نصوص تفتح أمام قارئها نوافذ كثيرة وتساؤلاتٍ عميقة بقدر عمق النصّ وصدق مشاعر المبدع . أدام اللهّ الشّاعر عادل سعيد والنّاقد الفذّ الأستاذ غازي أبو طبيخ الموسوي . حيّاكم اللّه جميعاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق