في النقد الادبي -1-
من المهم ان يعنى الاديب ( شاعرا، قاصا او ناقدا) بدراسات ادبية نقدية بحتة لغرض الالمام وتوسعة الاطلاع وضمان سلامة النقد، ولكي نعتبر ان الطريق الذي يسلكه النقاد على مختلف مصادر ثقافاتهم هو طريق صحيح، ومن هنا ارى اهمية ان يكون الناقد ذا عين ثاقبة وفاحصة، وذا فكر خلاق، متجرد عن صغائر مايسبب له او لنقده التخلخل لاسباب ليس لها ربط او ليست لها ادنى علاقة بما في النص من ايجاب او سلب، وانا هنا اذ امر على هذه المسألة التي قد يتصور البعض انها لاتمت للنقد بصلة، مقتنعا بانها جوهرية وذات بعد يمس نوعما النص ويجرحه، وخصوصا عندما نقف الان متابعين لنصوص قتلت بسبب ماذكرت، قتلت لان الناقد لم يكن بمستوى هذا المنصب الذي يجب ان بترفع معه وبه عن صغائر الامور، وربما اضيف الى ان قتل النص لا يأتي فقط من هذه الملاحظة انما عكسها يمكن ان يكون هو القاتل الاكبر والاجرح للنص وهو ان يهادن الناقد نص المبدع، ويعفيه ويمر على نقاط الخلل مرور الكرام من دون مسؤولية يحملها ويتربع على عرشها، فيظن او ربما يقتنع صاحب النص ان لا نص بعد نصه، لانه قد حصل على اجازة العبور من ناقد فذ، هذه هي الطامة الكبرى، وما يحزنني الان وانا وانتم على صفحات التواصل الاجتماعي واعني بالذات ( فيسبوك) الذي نتابع من خلاله نتاجات بعضنا كل حسب ذائقته، وما اكثرها عبارات التجميل والتنميق التي نراها والتي لاتتعدى اعجاب شخص ما بشخص على اساس معرفته الاجتماعية لا على اساس نصه، وهو لا يعرف من النص مايتضمن، هذه ايضا من السمات التي تقتل النص، وكمدخل الى عالم النقد الادبي الذي انوي بحثه هنا اود ومع خالص عبارات الاحترام والتقدير لكل قلم مخلص يرى فيما ساتناوله نصا بحاجة الى كذا او كيت ان يساهم معنا في اضفاء مسحة اخلاقية على واقع النقد والذي نتمنى ان نكون جزءا منه او على اقل تقدير نعين من لهم الشأن والباع الاطول ممن سبقونا في ريادة هذا الفن على تعدد اشكاله، لان النقد قد تعدى حدود المتعارف عليه سابقا واعني ( النقد الاكاديمي) البحت، حيث تعدى النقد مراحل في رقيه حتى وصل الى ( النقد الادبي الفني) ومابين هذا وذاك جهود يجب ان يتمتع بها الناقد، تلك الجهود التي لايعلم معاناة وصولها ونيلها الا من اوجعته تلك الليالي يسهرها متاملا رواية او ديوان شعر او مجموعة قصصية او مقالة او خاطرة او ربما ادبا مسرحيا او ادب اطفال او ما الى ذلك من فنون الادب وثماره الناضجة التي تعب كثيرا منتجوها ومبدعوها كثيرا لكي يوصلوها الينا لنستمتع ونزداد كيلا سمينا... املي بالله كبير جدا ان يعينني على تجاوز الصعب في هذه المهمة، ورجائي ان احظى بالنقد على ما ساتناوله وهو سلفا لي وليس علي مهما كان نوعه وثقله، لانني بدونه لا امتلك مرآة ارى بها ما اكتب..
(( الاسقاط والانعكاس))
" نحن قوم يحرم النظر في كتبنا . و ذلك أن الصوفية تواطئوا على ألفاظ اصطلحوا عليها ، وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها. فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين اهل العلم الظاهر كفَر وكفَّرهم....) (محيي الدين بن عربي)...
استهل هذا الكلام كمدخل بسيط وميسر للقاريء، وعلى كلا النوعين، الاول الحصيف ذو النظرة الثاقبة والبعد الرؤيوي، والثاني البسيط المطلع الذي يأخذ الامور بحدود التصفح لا غير... وهذا الذي ذهب اليه ابن عربي الذي كان يريد لمتصفحه ان يكون النخبة فقط والا كفر بما كتبوا وكفر بما يؤمنون... بين الرمز والمباشرة، هذا ما اثرى غيرنا من الرائعين الذين لايشق لهم غبار في مناح كثيرة واخص (الادب) على وجه الخصوص ولعلي ساذهب ابعد فاقول (الشعر) على وجه التحديد...
بين (السريالية والتقريرية) او الخيال ان شئت والحقيقة... عاملان مميزان ومهمان هما (الاسقاط والانعكاس)، فالاسقاط هو العامل المؤثر او المحفزفي استقراء الناس للاشياء ... اما الانعكاس فهو الايغال والابحار في كنه الاشياء لسبر اغوارها وفك طلاسمها...
والغرابة هنا ان درجتي التلاحم قد تتوحد لدى الكاتب والقاريء في نفس الواقع والشعور والحس بل وحتى المحرض او المحفز للنتاج العام... وفي النص وما يحيط به من مؤثرات ساعدت وادت الى انتاجه يختلف الامر بين الكاتب والقاريء اي بين الاسقاط والانعكاس.. بين الحقيقة والتأويل.. او قل بين الحس واللمس، وبين المادة والشعور.. وبالنتيجة بين الخيال والحقيقة: وهنا لابد ان اعرج الى واحدة من روائع القصائد في الشعر العربي، وهي دليل على التشريح والاستقراء وعلى القراءة او التامل السطحي غير المعمق في نفس الوقت.. وممن؟ من رهين المحبسين فيلسوف العرب ابي العلاء المعري.. في حمامته :
غير مجــدٍ في ملتي واعتقـــــادي ....... نوح باكٍ ولا ترنم شاد ......
وشبيه صوت النعي اذا قيـ-ــــــــ....... س بصوت البشير في كل ناد ......
أَبَكَتْ تلكم الحمامة ام غَّنَـــــــــــــ ......تْ على فرع غصنها المياد .........
التركيز هنا على ( ابكت ؟ ام غنت؟) وبين الجواب وقبل الاجابة مساحة شاسعة من التأمل والانتباه بالعودة الى خلفية العقلية التي يحملها المجيب فبين كم هائل من التراكم الملحمي والروائي والفلسفي والادبي وبين المسطح بون شاسع لا يعلمه الا من خاض غمار القراءة والتأمل...وهنا يحضر النقد الادبي وهذا مايميز النتاجات المبدعة من غيرها...
النقد الادبي هو اعلى حالة من الرقي في الادب، والمستوى الارفع في مابين مجالات الادب ودروبه كافة... فالناقد الادبي هو انسان تربى وتتلمذ وتعلم وصاحب واستنتج فاصبح بعد القراءة يستشرف المكامن ويرى مالايرى الاخرون، وبعد التلمذة يبوح وبعد التعلم يعلم وبعد المصاحبة يقول بالنقد.. هذه المفردات البسيطة التي اوردها الان تحتاج من الناقد او من يريد ان يدخل في غمار العملية النقدية ان يكون هو الشاعر في تناوله للشعر، بحيث يتقن فنونه والاعيبه في مختلف شؤونه، وان يكون قاصا ناثرا متمكنا من ادواته اذا تعرض او اراد ان يتعرض للرواية او القصة او اي عمل نثري سردي وفي مختلف ميادين القص، او ميادين النثر الاخرى كالمقالة والخطبة والمذكرات او ما الى ذلك من فنون اخرى... النتاج النقدي هو انعكاس لكل ما حمل الناقد طيلة عمره الفني من اوراق وكتب وملاحظات ودراسات وتأملات جمعت فكانت مكتبة وخزانة يعود اليها في ما اسقط عليه سلفا فيما مضى...
وبين النقد والناقد من عدمه هو هذا الفرق بين ما سيتحمله الناقد وما سيحمله للأجيال والقادمين من تاريخ ادبي.. ونتاج ذي فائدة ابداعية قد تكون نصا او تكون درسا... ما يتمتع به الناقد اضافة الى كل ما تقدم وهو الاهم عامل اللغة وبدونه لن يكون الناقد ذا فاعلية او ذا ابداع متميز ولا مستشرف للقادم من الاتي من النتاجات التي لا يعلم احد اين حدها والى اين ستقف ومتى؟
لعل بين الاسقاط والانعكاس ايضا هو ذلك الفرق الذي اوردنا في مستلزمات الناقد عنها عند القاريء فقط...
وهنا يجدربنا القول هل بالضرورة ان يمتلك المحلل او الناقد نفس القوى التي يمتلكها المبدع ام ماذا؟ ربما يتجاوز الناقد في تحليله وتشريحه واستلهامه لنص ما كل قدرات المبدع الشاعر او المبدع الناثر.. وهذا مانبغيه ونعمل على تنمية الطاقات والقابليات الادبية الشابة بالتحديد على هذا الامر لكي نجيز للناقد مالانجيز لغيره ونفوضه الحديث عن النص بكل رحابة وبكل تخويل فهو يرى مالايرى الاخرون ، وعندما نؤكد ونكرر ذلك نعتمد في هذا على مواصفات يجب ان تتوفر في الناقد اكثر من غيره ..
وهذا يقودنا الى ( الغناء ام البكاء) في حمامة المعري؟
ما اعطاه ابن عربي لنفسه من الوهية في النص او اقول قداسة ليس لمن يتصل بها او يؤمن بها ايمانا مطلقا الحق في ان يقلب صفحات تلك النصوص...وبهذا انسجم معه في زاوية واحدة هي ليست كما يفسرها او يفهمها الاخرون على ان الابداع يكتب ويقرا للنخبة فقط...كلا ليس هذا انما للنص حرمة وللابداع ناسه التي تقيمه وترحمه اما ان ابدع وياتي من لايفهم الابداع او لايعرف من شروط او مقومات الابداع شيئا ويبدا بتجريح وتهشيم المبدع قبل ان يتناول النص ذاته.. هذا بالطبع بعيد كل البعد عن ادنى اولويات او مباديء النقد وخصوصا الشعر... على انني لا اريد ان انأى بالشعر واعزله عن باقي النصوص الادبية او بالاحرى عن الفنون الادبية الاخرى على ان استسهال النص غير الشعري وقراءته وفهمه ربما يكون اكثر تناولا لمن يريد استعراضه، اما الشعر فمن الصعب ان يبت احد بمستقبل النصوص الا اذا كان ناقدا او شاعرا...وهذا جزء يتواءم في هذه الحالة مع ما ذهب اليه ابن العربي ..
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق