في النقد الادبي – 7 –
كثيرة هي الاساليب والمناهج النقدية ولم تتحدد بعصر او بناقد او بحاكم انما الاختلاف بين فترات ظهور تلك المناهج ونشأتها في اوروبا عنها في وطننا او ادبنا العربي هو العامل الاساس الذي جعل هذا البون في الرؤى بل وحتى الخبرة المتراكمة والمتنوعة عن الذي شهدته الساحة ولو انه ضارب في اعماق التراث الثر لكنه قياسا الى المدة التاريخية في الجانب الاخر يعتبر متقدما عليه... ومن هذا جاءت اشبه ما يمكن ان يصطلح عليها بمذاهب النقد الادبي والتي اختلفت في كينونتها طبقا لنواحي الاختلاف التي كان الاغريق يتمتعون بها في ادبهم...على ان هناك فنونا ادبية لم نكن لنعرفها لولاهم وهم بهذا يمتلكون قصب السبق كالمسرح مثلا... وعندما شرعنا بكتابة هذه الدراسة لم نكن نرغب في اجترار ما ذكره الاخرون الا لأجل المثال او التشبيه وهو عملية لم واختصار للقاري تسهل عليه امر الوصول الى المراد ببساطة وتمكنه من الاحتواء والاشتمال على كافة جوانب الموضوع ...
والذي دفعنا الى هذا النهج اننا نمتلك متراكما ادبيا كبيرا وثقيلا لا يستهان به ابدا ويحق لكل من نطق العربية وتفهم اصول وفروع الادب فيها ان يعتز به وينطوي ذلك الفهم على الاهتمام بالنصوص وانواع الادب العربي ومنها النقد... الذي قسمه المطلعون الى عدة اقسام :
1- النقد في عصر ما قبل الاسلام
2- النقد في عصر صدر الاسلام
3- النقد في العصر الاموي
4- النقد في العصر العباسي
5- النقد في العصر الحديث
اما منهج النقد او النقد المنهجي عند العرب والذي اجيز لنفسي هنا ان اعتبره بكل حرية وهو الذي ظهر بعد هذه الفترات التاريخية من عمر النقد، وبكل قوة مرحلة لا تقل شأنا عن تاريخ اخواتها من المراحل السالفة، وكما عرفه د. محمد مندور " النقد المنهجي هو النقد الذي يقوم على منهج تدعمه اسس نظرية او تطبيقية عامة ويتناول بالدرس مدارس ادبية، او شعراء او خصومات يفصل فيها القول، ويبسط عناصرها، ويبصر بمواضع الجمال ، والقبح فيها" (1)
"منذ اواخر القرن الثاني للهجرة بدا النقد الادبي العربي يخطو خطوات متميزة ووثيقة نحو العمق والدقة، والتحليل الواضح، والتحليل المفصل، واخذ يحاول في تدرج الوصول الى النقد المنهجي القائم على اسس ثابتة وقواعد موضوعية " (2)
ولقد ترك لنا اعلام من الذين اناروا لنا درب النقد وذلك عن طريق مؤلفاتهم التي كانت تصب في مصلحة الادب وتقويمه واصبحت بعدهم مدارس ونماذج لمناهج متعددة تنسجم مع ما يناسبها بالسبب الذي وضعت على اساسه ولأجله، وكما ذكر الدكتور مصطفى ابراهيم عبد الرحمن:
(وقد اشتهر جماعة من النقاد كان لهم نشاط مؤثر في عالم النقد بما الفوه من كتب ضمنوها آراءهم ونظرياتهم النقدية في الشعر والنثر، واهم هؤلاء ابن سلام صاحب ( طبقات فحول الشعراء ) ، والجاحظ صاحب ( البيان والتبيين) ، وابن قتيبة صاحب ( الشعر والشعراء ) و ( ادب الكاتب ) وابن طباطبا صاحب ( عيار الشعر ) ، وقدامة بن جعفر صاحب ( نقد الشعر) ، والقاضي الجرجاني صاحب ( الوساطة بين المتنبي وخصومه)، والآمدي صاحب ( الموازنة) ، والمرزبانبي صاحب ( الموشح) ، وابو هلال العسكري صاحب ( الصناعتين ) ، والمرزوقي صاحب ( شرح الحماسة ) لابي تمام ، وابن رشيق صاحب ( العمدة )، وعبد القاهر الجرجاني صاحب كتابي ( دلائل الاعجاز ) و ( اسرار البلاغة )، وابن الاثير صاحب ( المثل السائل )، وعلى يد هؤلاء وغيرهم سار النقد الادبي مراحل تطوره، حتى صار علما له قواعده واصوله) (3)
وينبغي لمن يريد المتابعة والاستزادة عليه ان يمر على تلك العناوين التي اعتبرها مكتبة نقدية لا مفر من الاطلاع عليها ان لم اقل دراستها للمعنيين....
ومهما ابتعدنا في التوغل في دراستنا هذه الا اننا لا يمكن ان نتنكر لرواد النقد او مناهجه ومن وضعها في اية امة ما، ولأي من الآداب اجمعها منذ الخليقة لأنه نتاج حضاري لا يحتكر لفئة دون غيرها، وان لهذه التأثيرات والهواجس التي خلفتها عقول اهتمت بهذا الشأن قبلنا او بعدنا عظيم الثناء بل والعرفان بتذكرها على الدوام...
وهذه المناهج كثيرة وهي متطورة لأنها تقادمت بالتعاقب تفاضلا فيما بين المفكرين لرصانة افكارها وما جاء بها من اسس وتعاليم فأصبحت عاملا مشتركا للشعوب في البحث عن اظهار مواطن الخلل لعمل ادبي معين في اية فترة واي زمان...
ومن المعلوم ان البذور الاولى لهذا المنهج في الدراسات الحديثة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قد استعيرت من المستشرقين الاوربيين الذين عنوا بالأدب العربي ضمن ما عنوا به من دراسة الحضارة الاسلامية من اجل اخضاع العالم الإسلامي للسيطرة الاوربية عن طريق فهم هذه الحضارة اولاً ، وعن طريق تشويه معالمها في نفوس اهلها ثانياً .
فعلى منهج " بروكلمان" المستشرق الألماني سار الرواد من الباحثين في الادب العربي ، وحيث قسم هذا الادب إلى العصور التي اوردناها اعلاه ، فعل هؤلاء الباحثون الفعل نفسه وصرت لا ترى فرقاً في دراساتهم من حيث هذا التقسيم الا فرقاً بسيطاً في تقسيم بعض العصور إلى مرحلتين او ادخال بعض التسميات الاخرى على بعض العصور " ومن الآثار السيئة لهذا التقسيم السياسي لتاريخ الادب العربي انه يضفي على الفترات الزمنية للأدب صبغة تتناسب مع الحاكم فقط ومع السلطة التي كانت تدير شؤون المسلمين ،... والشيء الآخر فإن هذا التقسيم يدفع الدارس – دون وعي – إلى تتبع الظواهر الطفيفة التي لا تعدو كونها فروقاً فردية ليجعل منها فروقاً بين دول وعصور فيبني عليها نظرة تطورية معينة ويستخلص منها ما يسمونه بمميزات العصر وسمات الادب ويربطون هذه المميزات والسمات بمسمى العصر.
(1) (النقد المنهجي عند العرب / د. محمد مندور / ص5 )
(2) ( دراسة في النقد الادبي/ د. حسن جاد / ص 56)
(3) ( في النقد الادبي القديم عند العرب د. مصطفى عبد الرحمن ابراهيم / ص 144)
وللحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق