الجمعة، 21 أكتوبر 2016

قراءة نقدية بقلم/ أسامة حيدر لقصيدة ميساء الدرزي (ياسيد قلبي)

تقول الشاعرة ميساء الدرزي :
يا سيّدَ قلبيَ ما الخطبُ ..... الكونُ غريبٌ مُكتئبُ
أدنو منّي فـاُغادرني ..... أمشي لا خَطْوٌ يصطحبُ
نـارٌ والبردُ يحاصرني ........... ضَـجِـرٌ والجوُّ بهِ صَخبُ
النبضُ يزولُ بـأوردتي .......... والقلبُ بصمتٍ ينتحبُ
لا ألمحُ من راحوا وغَدوا ...... تذويني الآهُ ولا لَهـبُ
أصحـو في ليـلٍ أو صُبحٍ ...... فزمـانيَ مهجـورٌ تَـعِبُ
و غَـدٌ مشـدوهٌ في مـاضٍ ..... والـعُمرُ مسيرٌ مُضطـربُ
الحرفُ عصيٌّ في لُـغَتي .......... ومَعـانٍ جـوفــاءٌ تَـثِـبُ
لا فَرْحَ يُمـازجُ أُصـدائي ............. إلا الأوهـامُ فـتـقـتـربُ
أعلو .. أهوي .. ينـأى حُلُمي ..... وأنا من ذاتـيَ أنسحـبُ
أتُعيـرُ شفاهيَ مَبسَـمهـا ...... تُحييْ لي الجمرَ فألـتَـهِـبُ
وتُعيـدُ صيـاغةَ أنفـاسـي ..... في بـحـرِ يقينـكَ أنسـكـبُ
هل باقٍ لي خَـفْـقٌ ظَـمِـئٌ ..... أم ضاقَ بيَ الصدرُ الرَحِبُ
فَـلِمنْ خصلاتيَ قد طـالَتْ........ وعطـور من عُنقي أَهـِبُ
والـثـوبُ لمن سأطـرّزهُ............. والخد بحمرته عنب
لا أُبصـرُ في ناسـي وطنـاً .......... بغيابِ حنينكَ أغـتَـربُ
وأراني فيـكَ لأَعــرِفـنـي ............ أيـاميَ عَـودكَ ترتـقِـبُ
فَلأنتَ الأوحـد في زمني............. لك روح لو تفدي أَهِـبُ
هل أنتَ نسـيـلٌ من حُـبٍّ............. أم أنـتَ لـهُ أُمٌّ وأَبُ
 
ساقت الشاعرة ميساء الدرزي معاني في نصها هذا اتسمت بالجدّة والرقة . فالحبيبُ هو الوطن الذي يُرتجى وهو الحبُ أصلُ الحبِ ( أمّه وأبوه) ومن أجله يضوَعُ المسك . ترى نفسها فيه وتنتظر أن يزورها كي يكون للأيام معنى . هو الروحُ يبطىء نبضُها برحيله . وهي ذاتها ترحل عن ذاتها برحيله . .......
هذه المعاني وغيرها الكثير هي معان ثابتةٌ ، أمَا المتحركة منها فجاءت من التَضاد وهو أحد الفنون البديعية التي تُضفي على النصّ جمالاً فضلا عن براعته في كشف المعنى والتأثير في مشاعر المتلقي وإثارتها وذلك من خلال الاختلاف الدلاليّ الذي يحمله ، ومحاولته النّفاذ إلى ذهن المتلقي . وهو ليس من جماليات الأسلوب فقط بل بواسطته" تبرز الأشياء ، وتتأكّد المعاني ونجد لها إلى الوجدان سبيلا فتثبت ويقرّ قرارها فالضدّ يظهر حسنه الضدّ ، وبضدها
تتميز الأشياء " .
و التضاد عندها تارة اسمي وتارة فعلي ، ( أدنو مني فأغادرني )( نار وبرد ) ( صمت وينتحب ) ( راحوا وغدوا ) ( ليل وصبح ) ( غد وماض ) ( أعلو وأهوي ) .......
وفي رأيي أنّ غزارة التضاد الملاحظ في النص يعكس تضاداً في الداخل الشاعرة وهي حالة من الاضطراب تنعكس تضاداً يعيشها إنساننا اليوم وغدا والبارحة . ولا تخفي شاعرتنا ذلك قالتضاد يبدأ بين الحبيب الذي يعني فيما يعنيه الفرحة والسعادة الغامرة ، وبين كون غريب كئيب تعيش فيه بعيداً عنه ( الكون غريب مكتئب ) . والتضاد عندها يصل حتى الذات بين دنوّها وهروبها وكأنها في حالة رفض للذات بسبب الحال التي آلت إليها بعد فقدان الآخر ( أدنو منّي فأغادرني)
بل القلب يأبى إلاّ أ ن يشارك في تضاده الخاص ( بصمت ينتحب ) .
وثمّة جانب آخر من التضاد أو المقابلة ، كما يحلو للبعض تسميته ، جاء من النص نفسه وأقصد أن النص حمل مرحلتين فالمرحلة الأولى تصوّر حالةً مشبعة بالقلق والاضطراب والثانية مرحلة أكثر هدوءا وسكينة . فهي تبحث لها عن قلب يخفق من أجلها وتسأل :
هل باق لي خفق ظمىءٌ أم ضاق بي الصدر الرّحبُ
وهي تعلم أن الصدر قد ضاق لذلك تبدأ الشكوى ويبرز التضاد مرة أخرى بين ماكنت عليه في الماضي وما كانت تفعله من أجله وما ترجو أن تفعله لو تسنى لها ذلك لكنها لا تقوم به على أيّ حال :
فلمن خصلاتي قد طالت وعطورا من عنقي أهبُ
والثوب لمن سأطرزه والخد بحمرته عنبُ
و للحقيقة أن التّضاد في النص الشعري له أسبابه ودوافعه وتسمياته وأقسامه ولن يسعفنا الوقت ولا المكان لنتحدث عنه وهو ظاهرة جميلة تجلت في أروع صورها في القرآن الكريم .
 
تعقيب غازي أحمد أبو طبيخ
 
آفاق نقديه استاذ اسامه حيدر..لاعدمناك ..خالص الود والتقدير مع تحيه كبيره من خلالك الى الاستاذه الشاعره ميساء الدرزي..لاتبخل علينا بهذه الفيوضات النقديه الرائعه..احسنت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق