الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

في النقد الادبي – 10 – الخاتمة بقلم الناقد / شاكر الخياط

في النقد الادبي – 10 –
الخاتمة
 

 قبل ان نختتم سلسلة الحلقات البحثية في النقد الادبي لابد ان نشير الى كل الآراء القيمة التي وردتنا من قبل المتابعين والتي كانت عونا لنا على مدى الحلقات الماضية...
اننا وبكل بساطة اردنا من خلال هذا البحث ان نثبت للمتابعين واحدة من جملة امور تهم المعنيين بالشأن الادبي والنقد منه بصورة خاصة... وهي مسالة ( الاسقاط و الانعكاس ) لدى الناقد وما لها من اثر بالغ بين من يمتلكها ويستحوذ عليها وبين من يفتقر اليها ومدى ظهور ذلك جليا وواضحا في سياق عملية النقد...وهي لا تتعلق في الوقت نفسه بما يمتلك الناقد من ادوات اخرى تضاف الى سجله الشخصي والمهني والخبراتي الذي سينعكس على العمل النقدي باستلهامه العمل او النص الادبي دون ان يؤذيه او يمس بدن النص بسوء... وهذا المبحث بالتأكيد يعني النقد في العصر الحديث اكثر مما يعني حركة النقد في القديم وذلك لتطور الادوات التي يحتاجها الناقد لنقد النص في الادب الحديث او غيره وهنا نقطة افتراق ان لم يكن فيها النقد متقدما على النص الادبي وهي ان المبدع في الشعر او في النثر قد لا يحتاج بالضرورة لتوفر ما يشتمل عليه الناقد من ادوات، في حين ان ذلك يكون اشبه بالإلزامي للناقد....وهنا سنفتح بابا جديدا يمكن تسميته بـ ( التذوق الجمالي للنص )، وهذا التذوق كسمة من سمات الناقد لا ترتبط بكون وجودها من عدمه عند مبدع النص لأننا الان في صدد الناقد، وعملية التذوق الجمالي ستختلف بين ناقد وآخر وربما اعتبرت ميزة نحو الاعلى بالنسبة لهذا عن ذاك... والتذوق الجمالي ينحصر تعريفه بالوقوف على عناصر الجمال في التعبير الادبي للنص سوآء أكان شعرا ام نثرا، ومن ثم الشعور بالمتعة... ومن هنا جاء معنى ( الاسقاط) وهو كل ما خبره وتمكن منه الناقد من ادوات وبعد رؤى ومبادئ، اساسية كانت ام تَرَفيّة، ومن هذا الاسقاط وما يتجمع لدى الناقد من مستلزمات نجاح وابداع سيكون الانعكاس بحجم الاسقاط اي ان الكم الهائل للإسقاط اي للخبرة المكتسبة بشتى الوسائل للناقد سيقابلها انعكاس يوازيه ان لم يتفوق عليه بالحجم والقوة والرصانة والابداع الظاهر لدى الناقد وهذا سيكون بمثابة منطوق رياضي سيحكم الاخرين فيما سياتي وكما نرى ...وببسيط العبارة نستخلص من هذا مثلما ( زاوية السقوط = زاوية الانعكاس) رياضيا او فيزيائيا ان صح التعبير فان ( متراكم الاسقاط = متراكم الانعكاس) او مقدار التذوق وهو سينعكس بصورة طبيعية وغير معقدة على هالة وقدرة الابداع لدى الناقد.. وهو اختلافه عن غيره بالإبداع في حالة تناوله للنص اي الابهار في عملية تذوقه لجماليات النص وتدعيمه واخراجه وليدا اصلح كل ما فيه من عيب وعوق..فكيف لمن لا تتوفر فيه شروط ومقومات التذوق الجمالي للنص من مضمون و بناء و لغة و صورة و ايقاع؟ (....لان طبيعة العربي مَيّال إلى الكلمة الجميلة، سريع التأثر بها، ولذا وجدنا الأمة العربية أمة بيان، يؤكد ذلك دستورها الخالد القرآن الكريم، وقبل ذلك تاريخها العريق الذي كان ولم يزل يؤكد أن من البيان لسحرا.
على هذا تتوفر مهارة التمييز الجمالي عند كثيرين، غير أن صقل هذه المهارة اختصاص علمي ينمو بالممارسة والقراءة.
وقد ظل تذوق الشعر بخاصة يميل إلى الأحكام الانطباعية طوال قرون ماضية، فكنا نسمع ونقرأ أمثال هذه التوصيفات: أشعر بيت، أجمل بيت، أجود قصيدة، أفضل شاعر، وهذه أحكام انطباعية مرهونة بحالات انفعالية غالبا، وقد جاء النقد القديم والحديث ليرسخ للتعليل، ويقلل من هذه العموميات.) (1)
فالتذوق هو عبارة عن مَلَكَة تقوم على الاستعداد الفطري لتقدير الأدب والحكم عليه تصقلها الخبرة، وطول قراءة الأدب، ومعايشة روائعه والتمرس بنصوصه، وحين تترسخ هذه المَلَكَة تجعل صاحبها متذوقًا للأدب وناقدًا لنصوصه وهي كذلك استجابة المتلقي للنص الأدبي وتفاعله معه بكل جوارحه، والإقبال على إدراك جمالياته، والحكم على فنياته، والانغماس في تجربة المبدع (الشعورية واللفظية)، بحيث يستطيع المتلقي تقدير النص الأدبي والحكم عليه حكمًا موضوعيًا، وتظهر هذه الاستجابة في صورة سلوكية يمكن قياسها، لان معايير الحكم على جودة النص اتفق عليها العلماء ولا تخضع لأهواء ذاتية تختلف من شخص الى آخر..
وكما يذكر الدكتور ابراهيم عوض في ( التذوق الادبي بين الشكل والمضمون) (ولعل من المفيد في هذا السياق أن أورد رأى جيروم ستولنتز فيما يجب على الناقد عمله تجاه العمل الأدبي الذى يدرسه ، إذ " لا بد له ، لكى يبين أن العمل جيد ، من أن يوضح ما الذى يسهم في قيمته من بين عناصره . وهو قد يتحدث في هذا الصدد عن جماله الحسى أو وضوح بنائه الشكلي أو عن عمق الانفعال الذى يثيره أو دقة الحقيقة التي يعبر عنها . ولا بد له أن يتحدث في عناصر العمل فرادى ، وكذلك في علاقتها بعضها ببعض " ) (2)
وما دعانا الى ان نصدر حكمنا هذا هو الكم البالي والمتهرئ لأقلام برزت او ظهرت او قل طفت على الساحة لا تعرف من النقد وأواصره التي تحكم اساسياته ومبادئه شيئا وان عرفت فبالنزر اليسير، وهذا انعكس سلبا على تطور النصوص التي ما فتأت تلك الاقلام المدعية للأدب تتقافز هنا وهناك متوزعة على مواقع الكترونية مستغلة تلك الحرية التي منحت للقلم بان يكتب ما يشاء دون رقيب او حساب...
ومن لا يفرق بين ( اشتعل الراس شيبا واشتعل شيب الرأس) وما لها من بلاغة وفرق تذوقي جمالي على سبيل المثال لا الحصر هل ينبغي له ان يخوض فيما لا يحق ويسرق جهد الآخرين؟
من هنا برزت مسؤولية النقد والناقد المسؤول، في عملية التقييم والمجاملة لأسباب كثيرة على حساب قيمة الابداع الاجمالي للامة... فكيف يتسنى للكاتب ان يتذوق حلاوة ومتعة النص اذا كان الناقد او من تصدى لعملية النقد لا يعرف من عملية التذوق شيئا.. ولا يعني له الجمال في الاستعارة او التشبيه مثلا شيئا...لا يساورني ولا يخالجني شعور بأي نصر عن هذا المبحث، انما حاولت جاهدا الى ان اكتم ما يعتري صدري من الم طال زمنه وتراكم همه، لأنه من واجبي اذا كنت اعتبر نفسي واحدا ممن يعنيهم الشأن الادبي والنقدي لإظهار الجمال في عموم الادب والذي سينعكس بالصورة الرائعة على اللغة العربية التي هي عماد بحثنا وما ننتج من فنون ادبية، الا انني في الوقت نفسه اراني اشتاط غيضا ويجن جنوني لو تناول البحث هذا جاهل او منتفع سيثري على اكتاف البحث هذا دون الاشارة الى جهد الاخرين الذين ساعدونا من مصادر ومراجع، مضافا اليه الآراء التي استأنسنا بها من المهتمين جزاهم الله خير الجزاء.. ولعلي اجد العذر لقلمي ان ذهب بعيدا او شابه بعض الهنة او الخطأ...على ان هذا البحث سيكون مدخلا لبحوث في ذات الشأن راجيا قبول الاعتذار... وكلنا كنا ومازلنا وسنبقى آذانا صاغية للراي السديد صغيرا كان ام كبيرا مورده...
(1) مقدمات في تذوق النص الادبي / فواز عبد العزيز اللعبون / استاذ الادب والنقد في كلية اللغة العربية / باب التذوق الادبي بين المهارة والعلم.
(2) جيروم ستولنتز / النقد الفني/ ترجمة د. فؤاد زكريــــا /
ص570 .
 
تعقيب الناقدة / نائلة طاهر
 
ندى الأدب لابد أستاذي كما قلت من توفر الذوق مع العلم في مواجهة الناقد للنصوص المتناولة بالنقد وكذلك بالبحث الأدبي والا يكون الناقد جافا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق