الاثنين، 10 أكتوبر 2016

 الناقد العراقي شاكر آل هيت يكتب عن النقد الأدبي 

......................................


في النقد الادبي – 2 - 
في هذا الباب نود ان نشير الى الفرق في النقد وعملية التشريح بين النقد للشعر والنقد للنثر واعني هنا بالشعر ( العمود وهو الشعر العربي الفصيح ، الكلاسيكي، القريض، اما الشعر الحر( او شعر التفعيلة) فهو ما ابدعه السياب وما سار عليه اللاحقون الرواد وانتهجه المحبون فقط ) ولا اريد هنا ان اذكر مايعكر صفو هذه الدراسة ... ولمن لديه سؤال او راي خلاف هذين النوعين فليحتفظ به لنفسه لانه لايعنيني، وهو مبدا لا احيد عنه وانا حر في ذلك، لان الشعر الذي اعرفه هو هذين النوعين فقط ، وما يهم الاخرين غيرهما هذا شانهم وهو لايهمني..
على اننا سنتعرض لنقد النثر بعد الشعر قدر الامكان...
الناقد للشعر ان كان شاعرا فهذا فضل على الشاعر الذي يتعرض نصه للنقد.. لان الناقد سيغني النص دون ان يخدش او يجرح من احاسيس الشاعر قيد انملة.. واكيدا سيكون تناوله للنص قيميا عاليا... وبكلمة الناقد الشاعر.. اعني ان الناقد قد توفرت فيه شروط النقد الشعري، أي تتوفر فيه :
ممارسة كتابة الشعر وباي حد كان
معرفة الدوائر العروضية 
معرفة بحور الشعر
التقطيع والتجزئة
التفعيلات
الجرس وماذا يعني
معرفة الشعر الحر وبحوره وايقاعاته وزحافاته وتحولاته ومتغيراته عن الشعر القريض والجوازات والزحافات التي اتى بها السياب ..
بعد كل هذا وتوفره لدى الناقد حصل وبدون ادنى شك على اجازة النقد ومن حقه ان يشرع بالتحليل والتشريع.. ولا خوف على النص ابدا لأنه بيد تعرف كيف ترضع الوليد لبنا صافيا لكي يكون مولودا طاهرا ...وهذا المولود لن يقيم في اذنه الآذان الا من انجب من قبل ورضع وربى... وهنا اتمنى ان يكون الناقد قد مارس كتابة الشعر ولو محاولات...
لم ار يوما ان من يتصف بتلك المواصفات من النقاد قد آذى نصا او قد آذاه نص مهما كان ناظمه او مبدعه، والناقد لا يهمه من الناظم ومن هو المبدع شخصيا ، المهم ان الناقد سيتعرض الى نص شعري حتى وان كان الشيطان قائله....
وهنا سيكون الإسقاط ونعني به ما نهل الناقد وما احتوى عليه من ملكة وادوات وقدرة نتيجة الخبرة الطويلة ، اضافة الى ما رأى وعاصر وشاهد وحضر، سيكون للإسقاط الدور الكبير في تحديد عملية الانعكاس، ونعني هنا بالانعكاس هو النتاج النقدي الذي تبلور في مكامن وروحية الناقد والذي صيره الها ذا قيمومة وذا سلطان لا يحده في حكمه حد ولا توقفه في تحليله قدرة كائن من كان الا من ابرع عنه فيما امتلك مما عددنا..
وقبل الخوض بالتفصيل لهذا الامر( الاسقاط والانعكاس) لابد هنا ان نراعي العاملين الاساسيين المهمين اللذين سيحكمان الناقد ويميزانه عن غيره وفي نفس المواصفات لكن ليس بنفس الصفات وهناك فرق بين الصفات والمواصفات...
هذان العاملان ( السيكولوجي والسوسيولوجي) سيؤثران تأثيرا كبيرا وبالغا في لغة وطريقة استلهام الناقد للنص، وهذا التأثير سيكون بالجزم ايجابيا، لان العاملين آنفي الذكر لهما من التأثير الفعال والعالي اكبر الاثر في ان تتميز لغة الناقد بتلك الروح التي تجعلك كمتلقٍ تسافر مع الناقد اينما رحل واينما استقر وكأنك لا تقرا للناقد انما سيحولك الناقد الى خالق ومكون للنص وكأنك في سوق يتبارى فيه الشعراء والنقاد كعكاظ او المربد، وهذا انتقال سريالي مهيب ، عالي الاحاسيس، تكلله الالتقاطات البناءة التي ستزيد من رصانة النص وتجعل المبدع لا يخوض غمار قصيدة مهما كان موضوعها الا وجعل تلك السيوف سيوف الناقد اللطيفة غير البتارة امام ونصب عينيه وعلى هذا الاساس من يقول ( ونحن منهم) ان النقد هو من يقوّم ويقوي ويوقف النص على قدمين متمركزتين غير قابلتين لهزهزة رياح المتفيهقين ومن لا يعرفون من الشعر الا اسمه ربما..
ولو اخذنا رائعة الجواهري على سبيل المثال:
حييت سفحك ظمآنا الوذ به ............... لوذ الحمائم بين الماء والطين "*"
وبشكل مرور وعرض فقط للمثال وليس كتحليل نقدي كامل انما هو استعراض فقط ( لوذ الحمائم بين الماء والطين) ماذا يعني للقاري السطحي هذا ومن لا يعرف بالشعر ادنى معلومة ؟!
حمامات( طيور) تذهب الى الماء تارة والى الطين تارة اخرى ليس الا !!! ولاغرابة ابدا ارجوها ان تكون او تتولد لدى من يقرأ الان ما اقول !! فلست مبالغا ولا مغاليا ولا مجافيا لحقائق قد عشتها انا شخصيا او قد سمعت قسما منها وهذا حصل وفي ساحات ومواطن ادبية وثقافية..
اذا ماذا ستعني ( لوذ الحمائم بين الماء والطين) للناقد الثاقب؟!
تعني انه سيتناول الجواهري المبدع اولا ووضعه وكونه ليس امام تلك الشواطيء والحمام، كونه كان يسكن ويستقر وقتها في براغ.. وبلا شك سيدرس الناقد كيف انتقل او تسنى للجواهري ان ينتقل بروحه ويخلف جسدا مرميا على بعد الاف الاميال عن دجلة مستقرا في براغ لكي يرى وبذلك ( التلسكوب) الشعوري الاحساسي الراقي ذلك المنظر البديع ( الحمام والماء) ولمَ وكيف اقتنص واختار الجواهري من بين آلاف المشاهد التي تعج بها بغداد ودجلة وشاطئيها تلك الترتيبة السريالية وفي لحظة انتباه ربما دامت اياما عن كيفية لعب الطيور مع مويجات النهر وهي تبعد الطير عن الماء بمقدمها وتجعله يعود ثانية بانزياحها الى ماكانت عليه...ليس سرا اقول ان غير الجواهري ( او العراقي ابن النهر) لايستطيع ان يخلق هذه الانتباهة، واكاد اجزم ان من لايمتلك نهرا يمر بمسقط راسه الذي يسكن لايمكنه السباحة (وان تعلمها في الاحواض)، ومن لم يعش الشواطيء ويرى الحمام والضفاف والنسيمات سيكون ابعد عن النقد لهكذا اطروحات ، على انه (سيكولوجيا) سيكون بعيدا كل البعد عن التاثر بمؤثراتها ووقعها وهي عند غيره ليست كما ستكون عنده وهذا على فرض جدلي بعيد بامكانية امتلاكها، وفي نفس الوقت سوسيولوجيا لم يتسن له ان عاش وتأثر بيئيا بما يقرأ.. فكيف له ان يحلم بما لم ير من قبل؟!
ولو كان غير (جميل) لما وصف (بثينة) بما وصف، ولو كانت غير بثينة لما اجابت بــ ( كان يراني بعينه يامولاي)
ولو كان ذلك الاعرابي يسكن ضفاف النهر او اعالي ناطحات السحاب لما اجاب ابدا بــ ( اليست البعرة تدل على البعير؟!)
"*" (الحمائم) وهي كرائم المال يقال اخذ المصدق حمائم الابل أي كرائمها. والحِمام بالكسر قدر الموت. و(حُمة) العقرب مخففة والهاء عوض وقد ذكر في المعتل. و (الحَمَام) عند العرب ذوات الاطواق نحو الفواخت والقماري وساق حُرّ والقطا والوَرَاشين واشباه ذلك الواحدة( حَمَامَة) يقع على الذكر والانثى والهاء للإفراد لا للتأنيث . وعند العامة انها الدواجن فقط. وجمع الحمامة ( حمام) و( حمامات) و ( حمائم) وربما قالوا ( حمام) للواحد .......... 
مختار الصحاح/ ص124.
للحديث بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق