الخميس، 29 سبتمبر 2016

فخ نائلة طاهر،،،،،والإشكالية الحداثوية في اللغة العربية - بقلم الناقد / جمال قيسي

فخ نائلة طاهر،،،،،والإشكالية الحداثوية في اللغة العربية
 
تطرقت في مقال لي حول تحليل قصيدة كريم عاشور،،لعدة قضايا،،ومنها قضية ( الحداثة وما بعدها ) ،،وهل هناك امكانية ان تجري هذه القضية في الجسم الحيوي للغة العربية ،،،خاصة بعد النتاج الأدبي المتراكم الذي ينحى بهذا الاتجاه،،،وكم تمنيت ان تمر المسألة مرور الكرام،،،ولكن الأديبة نائلة طاهر كانت لي بالمرصاد،،،وسرعان ما ألقت شباكها علي ،،،وقبل الخوض في غمار الموضوع سأوضح بعض الأُطر التي سرت عليها في المقال السابق والتي سوف اعمل عليها في هذا المبحث ،،
١- المبحث الحالي والسابق لا تحكمهما الشروط الأكاديمية ،،وذلك لعدم امكانية ذلك الامر لمثل هذا الأحكام في النشر على مواقع التواصل الاجتماعي،،ولكنه محكم علمياً ومنهجياً،،،والكل يعرف،،،مثلاً اذا انا نشرت صورة وتعليق بسيط متكون من عدة كلمات يلاقي من التفاعل والإعجاب الكثير،،عكس المواضيع الطويلة او العلمية ،،وهذا الامر يتركنا في مأزق حقيقي ،،وسؤال مؤرق،،مافائدة اي موضوع مهما كان ان لم يجد المساحة الكافية او الضرورية لكي تظهر فعاليته،،او ان يؤدي وظيفته،،والوظيفة هنا الاطلاع عليه من قبل أوسع شريحة ممكنة من القرّاء ،،،وهذه الأزمة واضحة على النتاج الأدبي المابعد حداثوي،،،وهو سبب الإقبال والتعاطي مع قصيدة النثر والنانو والومضة ،،او الخاطرة،،،وكلنا نعرف سبب شهرة الكاتبة اللامعة احلام مستغمني ،،هي الخواطر،،قبل اقدامها على السرد الطويل،،،
٢- انا من مزاولي اللغة العربية،،،ولست متخصصاً بها،،وهو الامر الوحيد الذي ندمت عليه في حياتي،،لذلك من يجد في مبحثي بعض الاخطاء او الضعف ،،اتمنى ان يلتمس لي العذر،،،رغم انه ذنب لا يغتفر،،،
٣- ان ماسوف أتناوله في غاية الأهمية والخطورة،،من ناحية النتائج،،،لذلك انا وحدي أتحمل كل التبعات،،،وسلفاً اعترف بالتقصير،،،
في اشكالية اللغة،،،والفكر
طرحت الأديبة طاهرة نائل ،،موضوع في غاية الخطورة،،ورغم تغليفها الذكي للسؤال والذي مفاده هل الفكر يسبق اللغة ام العكس،،والذي ينطوي على السؤال الحقيقي،،،هل الله هو من علم آدم اللغة،،،ام انها نتاج تطور وعي الانسان وحاجياته ،،وهنا لابد من التعريج على مبحث هو عن أصل نشأة اللغات،،،وهو موضوع عويص جداً،،،وسوف لن نتطرق له الا من باب التلميح،،،يذكر الكتاب المقدس في منحى أسطوري ،،وهو إطلاق الاسماء على الحيوانات من قبل آدم بتكليف من الله ( سفر التكوين 11,19-20) ثم مرحلة الطوفان واستقرار سلالة نوح واولاده سام وحام ويافث ( سفر التكوين vIII ) وأخيراً تأتي مرحلة بابل ومنها تنوعت اللغات،،،مع الأخذ بعين الاعتبار ان اليهود قد كتبوا معظم أسفارهم وزادوا عليها بعد السبي البابلي ،،،وهنا الرواية لا تمتلك اي أساس متين ،،،وكذلك وردت ما يشابهها من رواية في القرأن الآية ٣١ من سورة البقرة،،،او هكذا يُظن
،،وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)
ومع ان الروايتين مختلفتين بالتمام والكمال،،،وحتى نستوضح الرواية القرأنية ،،لابد من توطئة تاريخية مبسطة لكي نعود على ما ذهبنا اليه،،،
يعود عصر التأسيس الثقافي الاسلامي الى نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري،،وهو عصر بداية التدوين والانتقال من الثقافة الشفاهية الى المدونة باستثناء القران ،،الذي جرى تدوينه في صدر الاسلام ،،في هذا الأثناء ،كانت الدولة الاسلامية الفتية واسعة الإرجاء ،،وامتزجت بثقافات متعددة وعريقة ،،نتيجة دخول شعوب كثيرة في الدولة الجديدة،،لذلك هناك فترة زمنية تقترب من القرنين ،،اعتُمد فيها الشفاه في نقل الموروث،،ومن الطبيعي جداً،،ان تلعب الثقافات العريقة الوافدة دوراً رئيسياً في التأسيس ،،ومنها وأهمها ،،الروايات الإسرائيلية التي ألقت بظلالها على تفسير القرأن ،،وخاصة القصص القرآني ،،،ولقداسة النص ،،وهو ما تبعه من تقديس على كل شيء متعلق به في التفسير،،،واغلب الروايات التي اعتمدت بما يخص القصص فيها تسلل واضح للاسرائيليات ،،،وكان اول تفسير مدون وواسع هو تفسير ابن جرير الطبري ،،الذي يعود الى القرن الثالث الهجري،،،وهكذا تبعته اغلب التفاسير باعتماد الروايات ،،من جيل الى جيل،،،ومنها روايات لايقبلها عقل ولا منطق،،،ورغم المحاولات التي جرت على اعادة النظر في بعض الروايات ،،الا انها باءت بالفشل لأسباب عدة،،،ومع ذلك هي محاولات بائسة ،،كان الغرض منها الاساءة اكثر من محاولة قراءة حقيقية ،،وآخرها لنصر حامد ابو زيد،،ومحمد عابد الجابري،،،ولقي الاول ما لقي،،واكتفى الجابري بمحاولة خجولة بسبب ارتباطه بالسعودية،،،،
ان ما اريد ان اذهب اليه ان اللغة العربية هي اكثر اللغات اثراءً ،،وذات بنية بلاغية لا حدود لها ،،فان رأيّ ،،في الآية ،،ان الله عرف آدم على اسماء الأنبياء من ذريته ،،،وهم ابطال المسرح الجغرافي ،،،الديني في الشرق الإبراهيمي ،،،وليس الاسماء التي على ضوءها ولدت اللغات،،،ولي أسبابي العلمية في هذا الامر،،،،
هناك قضيتين مهمتين،،سأتناولها،،واتمنىً على القارئ ان يطيق معي صبرا،،،،،
لقد ذكرت في مقالي السابق بان اللغة هي وسيلة هيمنة ،،تُمارس الاستبداد بشكل او بأخر،،،وهو ما ذهب اليه نيتشه الأب الشرعي لما بعد الحداثة،،،وهو الجانب الوظيفي الذي تمارسه اللغة ،،،وحاولت قدر الإمكان تخطي الصرامة العلمية،،،وخاصة منها النتائج المهمة التي توصل اليها دي سوسير ،،،ولكني سأذكر ما يخدمنا في هذا المحفل،،اذ اعتبر اللغة عبارة عن وحدات لها وجودها بذاتها تعتمد في هويتها على اندادها ، فالمحل الذي تمثله وحدة ما سواء كانت صوتية او معنوية في النظام اللغوي هو الذي يحدد قيمتها،،،،اي بمعنى لايكتمل ولايفهم معنى الكلمة الا في السياق،،،وبما ان الكلمة او المفردة في اللغة العربية تحمل أحياناً اكثر من معنى بل يتجاوز العشرة من المعانيفي بعض الأحيان ،،ولا يمكن تحديدها الا في السياق،،،و في نفس السياق يذهب دريدا الى ان اللغة قوى لانستطيع السيطرة عليها حتى عندما نستخدمها استخداماً شديد الوعي ،،وبالتالي إن منظومة لغوية ما ( الشيء الذي يعني ليس فقط مفرداتها بل ايضاً نحوها وتراكيبها ) تؤثر في طريقة رؤية اَهلها للعالم وفي كيفية مفصلتهم له وبالتالي في طريقة تفكيرهم ،
،،
في الآية ٣ من سورة المائدة : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً ﴾ .
وردت كلمة دينكم،،،ومن ثم ديناً،،،،وكل واحدة لها معنى ووظيفة ،،،لان التكرار لا يتلائم مع القدرة البلاغية القرأنية العالية،،،فالاولى ،،بمعنى اليوم اكملت لك سلطتكم التي ستواجهون بها العالم ،،وهي متمثلة بسلطة اللغة واكتمالها ،،،وهي نعمة ،،وبما ان مصدر هذه النعمة هو الله ،،فهي غير قابلة ،،للتغير او التحديث،،لان لا كلام بعد كلام الله،،،اما المعنى الثاني فهو واضح ،،،،
وفي تعريف لامع وذكي للمرحوم عمر فروخ،،عندما عرف معنى عرب،،،قال العرب مدرك لغوي،،،ولا مفهوم للمكون العربي بمعنى الأمة من ناحية الحراك الاجتماعي والتاريخي قبل الاسلام،،،إذن هي أمة تكونت بمعناها الحقيقي مع القرأن،،،ومن هنا نؤشر على قضية التجارب الأدبية الغربية ،،وعدم انسجامها مع الجسم اللغوي العربي ،،وهو ما سوف نتعرض له في القضية اللاحقة،،،،( يمكن الرجوع الى لسان العرب في معنى كلمة دين ) ،،
ان المفارقة المتولدة بين العقل العربي والغربي ،،هي مفارقة عميقة ،،،سببها الجوهري في طريقة عمل الاليات او المسلمات الاولى لانطلاق العملية المفهومية،،،وهنا نحتاج الى بحوث مطولة ولكني سأختصر الامر،،
في بدايات القرن الثالث الهجري،،قام المأمون الخليفة العباسي ،،،بتبني الفكر المعتزلي،،ومحاولة تعميمه على الأمة الاسلامية،،،من خلال المناظرات ومن ثم القوة،،،وانتهت هذه المحاولة بشكل تعسفي،،،في عصر المتوكل،،،رفض فكر المعتزلة جملة وتفصيلاً،،،بل ان شعارهم الأساس كان العدل والتوحيد،،في محاولة منهم لإثبات اسلامهم الذي كان موضع شك،،،والقضية ببساطة انهم اصطدموا في أشكال معرفي ،،لم يستطيعوا الخروج منه،،ولان الفكر المعتزلي قائم على المنطق الأرسطي والفلسفة الإغريقية ،،،وفعاليته الفكرية بين. الدال،،،والمدلول ،،،،قائمة على اعتبار الدال مادي،،،،،،والمدلول ،،ميتافيزيقي ( ليس بالضرورة دينياً ) ،،،وهذه الفعالية هي أساس الفكر الغربي برمته حتى اللحظة،،،ونذهب بالدال هنا فيما يخص الأركان المقومة للعقل ،،او مجموعة الاواليات ( الميكانزيمات ) ،،التي ينطلق منها العقل الجمعي ،،للمجموعة،،وهي بمثابة المرجعية الام ،،،ولنرى بماذا تشاكل المعتزلة،،،مع بقية المسلمين،،،في الاسلام ،،أركان الإيمان ،،هي ( الإيمان بالله،،ورسله ،،وملائكته ،،وكتبه،،وبالقدر خيره وشره،،واليوم الاخر ) وكما ورد في الآية ٣٦ من سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً)،،،
وإذا اخذنا ( الله ) ،،هو مفهوم غيبي،،،ورسله هم اموات وبحكم الغيب،،،وملائكته ،،مفهوم غيبي،،،والقدر خيره وشره غيبي ،،،واليوم الاخر ،،مفهوم غيبي،،،،يبقى فقط كتبه،،،وهو كلام الله ،،وهو نص مثبت ،،بكتابة،،،وهو الدليل المادي الوحيد الذي حاولوا التشبث به،،،خاصة ماعرف عنهم بترجيح العقل على النقل ،،والحس والقبيح بمسألة القدر،،،فكانت دعواهم بان القرأن مخلوق ،،له الجسم المادي ليكون بذلك دال مادي حتى تستقيم ،،رؤيتهم التي تستند الى الفكر الإغريقي ،،وعارضوا فكرة كونه كلام الله المنزل على نبيه،،،،ولا نريد ان ندخل اعمق من هذا في مباحث علم الكلام،،،ولكن الاشاعرة والماتريدية وهم المعارضين للمعتزلة آنذاك ،،،كان تبنيهم الدال والمدلول كالآتي ،،،دقيق الكلام،،،،للشاهد. وهو مايوازي الدال،،،،وجليل الكلام وهو للغائب ويوازي المدلول. طبعاً والاثنان غيبيان،،على اعتبار القرأن ( دقيق الكلام ) ،،ذات بعد ميتافيزيقي وفق رؤيتهم ،،،لذلك فعالية المفهومية عند العقل العربي،،قائمة على الغيبية ( الميتافيزيقيا )
من هنا يجب ان نفهم ان اللغة العربية متكاملة النمو عند مزاوليها،،،غير قابلة للتغير او التطوير،،طالما ارتباطها بالقران ،،،ولا يمكن الفصل بينهما،،،ان. ما نريد ان نذهب اليه ان النتاج الأدبي،،هو نتاج رؤية صاحب الخطاب ،،بمحددات لغته وتصورها،،،وكل محاولة تأخذ منحى التحديث هي عبارة عن تجديف،،،،مصيرها الفشل،،،ممكن ان يحدث تطور في طرق التعبير والتصور،،،لكن ضمّن سياقات المرجع الام ،،وهو القران ،،،،
فقط أردت ان اوضح،،ما تخطيته في مقالي السابق،،،ولكن الأديبة نائلة طاهر،،،كما قلت نصبت لي فخ العودة،،من اجل التوضيح،،ولازلت ،،عند رأيّ،،،بموجب ما ذكرت أعلاه ،،،وغيره مما لم يتسع المقام هنا له،،ان كل محاولات مابعد الحداثة وحتى الثورة المعلوماتية لن تغير ،،،شيء وتبقى هذه المحاولات جسماً غريباً على الثقافة العربية،،،
جمال قيسي / بغداد
 
تعقيب الناقدة / نائلة طاهر
 
 أجمل ما في الأدب أن تتحلى بالأدب والقيسي خير تجسيد لهذه المقولة هو تقبل ما أسماه فخا برحابة صدر عالم و أثبت أن قبول استفزاز أدبي ما سيكون سببا لتدفق معرفي غزير وصراحة هذا ما كنت أهدف إليه .كان فخا ذهبيا براقا أدار الأعناق وحفز الفكر جعل القيسي والأساتذة شاكر وغازي بالبداية يستنفرون فنفوز بجزء من علومهم الشاسعة. ثم تواصل السيل والنتيجة زخم فكري تواجد به بعض الأعضاء و أحد اساتذتي من تونس واتسعت الدائرة بذلك وهذا املي .
يا قيسي ما ورد ببحثك أوفى الموازين وما على القارئ سوى النهل من عذب فراتك المراق بهذه المقالة وانا من منهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق