النقد الادبي – 4 -
التأثير النفسي( Psychology ) ويلفظ (سايكولوجي) و ( التأثير البيئي ( Sociology ) ( ويلفظ ( سوسيولوجي) على الناقد، وتأثيرهما في النص الادبي، ايجابا او سلبا، لان هذين العاملين يجب توفرهما في الناقد على اساس انهما من العوامل التي تكتمل فيها شروط ومواصفات الناقد لما لهما من تأثير بالغ الاهمية في تمهيد الساحة واخلائها بشكل سليم وتهيئة المناخ الجيد المناسب للناقد اضافة الى تلك الشروط والنقاط آنفة الذكر...لان الحياة الفنية للمبدع هي مزاج بين ذوقين ، الذوق العام ...والذوق الخاص، والذوق العام: ما كان شائعا بين ابناء الجيل الواحد في البيئة الواحدة والبلد الواحد حيث يتأثرون بظروف واحدة مشتركة، وربما يمتد هذا التأثر خارج البلد الواحد ليشاركهم فيه اناس من بلد آخر بنفس الواقع واحكامه بمقدار ما بينهما من التشابه والتوافق.
والذوق الخاص : ما كان مظهرا ومرآة صادقة لصاحبه لا تعكس سواه، فهو يتأثر بالشخصية وبالذوق العام. والحياة الفنية مزاج من هذين الذوقين، فيه الوفاق حينا، وفيه الصراع حينا آخر، وانما كانت الحياة الفنية مزاجا منهما لان الذوق العام هو الذي يعطي الحياة الفنية حظا من الموضوعية، على حين يعطيها الذوق الخاص حظا من الذاتية... والذوق الادبي ليس صورة واحدة لا تختلف من ناقد الى ناقد، بل انه يختلف بين الناس لعوامل متعددة بعضها يرجع الى اصل الاستعداد والموهبة، والبعض الاخر يعود الى العوامل المحيطة من بيئة وثقافة، وهذا الاختلاف يجعلنا لا نضيق ذرعا بتعدد الآراء التي تقابلنا في التفسير الادبي... لان تعدد الآراء حالة سليمة وصحية تخدم النص خصوصا اذا تعرض نفس النص لأكثر من ناقد، وهذا سيأخذنا الى ( كل يرى الامور من زاويته ). والزاوية هنا الخبرة والدربة والدراية وتاريخ الناقد، على ان العرب جمعت بين اختلاف مستويات ناقد عن ناقد آخر في مشترك بسيط يتآلف عليه النقاد، فمثلا بالنسبة للشعر قلت يجب ان يكون الناقد عارفا فنون الشعر وهذا ما اكده "ابن سلام" الذي يشترط في الناقد ان يكون ذا بصر بالشعر، خبيرا به، على الرغم انه لا يعتد بالنقد الذوقي التأثري الا اذا استوفى الناقد شرطه من الدربة والممارسة والخبرة الفنية. يقول ابن سلام :
(( وللشعر صناعة وثقافة يعرفها اهل العلم كسائر اصناف العلم والصناعات، منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الاذن، منها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان، ومن ذلك اللؤلؤ والياقوت، لا تعرفه بصفة ولا وزن، دون المعاينة ممن يبصره، ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم، ولا تعرف جودتهما بلون ولا مس ولا طراز ولا وسم ولا صفة، ويعرفه الناقد عند المعاينة، فيعرف بهرجها وزائفها، وستوقها ومفردها.... ))
واما "الآمدي" فيرد على الدربة تلك القوة الغامضة التي يتميز بها الناقد عمن سواه، والمادة الادبية هي مجال هذه الدربة، ودوام النظر في هذه المادة لا خارجها هو المحك الحقيقي في تكوين الناقد ...
يقول الآمدي :
(( ..... ويبقى ما لا يمكن اخراجه الى البيان، ولا اظهاره الى الاحتجاج، وهي علة مالا يعرف الا بالدربة ودائم التجربة وطول الملابسة، وبهذا يفضل اهل الحذاقة بكل علم وصناعة من سواهم ممن نقصت قريحته، وقلت دربته، بعد ان يكون هناك طبع فيه تقبل لتلك الطباع وامتزاجها، والا فلا يتم ذلك )) (1)
ان خصوصية الطاقة النقدية خصوصية كاملة واكتسابها لا يحصل بالتلقين ولا التعلم، انما تكتسب هذه الطاقة متى توافرت شروطها الذاتية، وهي لفرض خصوصيتها تعطي لصاحبها الناقد الحق في نوع من " السلطة النقدية " وهذا ما سنذهب اليه في القادم.
(1) الموازنة للآمدي/ ص372
للحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق