في النقد الادبي – 6 –
لقد عرف مصطلح "الأسلوب" قديما عند العرب كما عرف عند غيرهم وهو في المعجم العربي يعني:
(أُسلوب : ( اسم
الجمع : أساليبُ
الأُسْلُوبُ : الطَّرِيق
طريقة ، مذهب ، نمط
أسلوب حُكم : شكله ونظامه
أسلوب سلبيّ : تصرف سلبيّ ،
أساليب القول : فنونه المتنوِّعة ،
وسيلة ، طريقة الوصول إلى المطلوب
الأساليب الحديثة للتَّربية : المناهج ، والطُّرق العلميَّة
أسلوب العصر : السِّمة الغالبة على العصر وتستخلص من كلّ مقدِّماته في الدِّين والفنّ والفلسفة والعلوم
الأُسْلُوبُ : الفنُّ
الأُسْلُوبُ : الصَّفُّ او السطر الواحد من النخلِ وكل طريق ممتد ونحوه والجمع أَسالِيب (1).
وقد استخدم علماء العربية هذا اللفظ في دلالات اصطلاحية متعددة , فقد ذكر ابن قتيبة مصطلح الأسلوب في قوله : " إنما يعرف فضل القرآن من كثر نظره واتساع علمه وفهم مذاهب العرب وافتنانها في الأساليب ".
كما ذكره الخطابي في معرض حديثه عن إعجاز القرآن " وهنا نوع من الموازنة وهو أن يجري أحد الشاعرين في أسلوب من أساليب الكلام وواد من أوديته. ويقول الباقلاني في حديثه عن الإعجاز أيضا: "وقد بينا في الجملة مباينة أسلوب نظم القرآن جميع الأساليب ومزيته عليها في النظم والترتيب ". (2)
والذي يظهر من سياق كلامهم أنهم لا يستخدمون مصطلح الأسلوب بالمعنى المستخدم الآن وإنما يعنون به الطريقة الخاصة في النظم والسمة المميزة لكلام عن كلام آخر وهذا يفيدنا أن أصل اللفظ وشيء من المعنى كان موجودا عند علمائنا الأوائل قديما .
أما عن الأسلوب عند الأوروبيين قديما فقد كان من عهد أرسطو ومن بعده وكانت تستخدم أصلا للقلم والريشة ثم استخدمت لفن النحت العمارة ثم دخلت في مجال الدراسات الأدبية , حيث صارت تعني أي طريق خاص لاستعمال اللغة بحيث تكون هذه الطريقة صفة مميزة للكاتب أو الخطيب. (3)
لقد تعددت واختلفت مناهج النقد الأدبي في الوصول إلى غاياتها تبعا لاختلاف الزاوية التي انطلق منها كل اتجاه, بالاستناد الى ما خلفه له البعد التاريخي وامتداد جذوره، وهذا الاختلاف لا يعني بطبيعة الحال نسخ اللاحق للسابق من هذه المناهج, فالسابق له أصالته وأهميته التأسيسية لأي فكر لاحق, واللاحق أيضا يكتسب قيمته وأهميته باكتشافه أدوات جديدة ووسائل نقدية تمكنه من الاقتراب أكثر من كنه العمل الأدبي وفك شفرته والإمساك بمكوناته وقوانينه التي تحكمه، وعلى هذا الاساس يكون بالإمكان ان ينتهج كل منهجه وفق المعايير التي اوردناها والتي اعتبرت او اصبحت بمثابة الاسلوب الخاص لكل شاعرية باختلاف ازمنتها وليس بالضرورة باختلاف مصادر ثقافاتها.
فالمناهج النقدية هي نتاج ثقافي ونقدي متراكم قد تتآزر مع بعضها في فهم النص الأدبي ومقاربته , وقد تتوازى بحيث يأخذ كل منهج منحى مختلفا ومتميزا عن غيره من المناهج ليكتسب خصوصيته واستقلاليته .
ومنذ مطلع القرن العشرين ظهرت العديد من المناهج النقدية الحديثة ,ذات الاتجاه اللغوي في تناول النص ؛ كالشكلية والبنيوية والأسلوبية والتفكيكية وغيرها . فهذه المناهج جميعها انطلقت في تناولها للنص الأدبي من بنيته اللغوية , باعتباره أولا وأخيرا نصا لغويا يستغل إمكانات اللغة الواسعة في اكتساب خصوصيته .
ومن بين هذه المناهج الحديثة التي عنيت بالنص الأدبي " الشعرية " التي تضرب بجذورها إلى زمن أرسطو الذي كشف برؤيته الناقدة عن جوهر الصناعة الشعرية من خلال عرضه لمفهوم المحاكاة . ثم أخذت تنمو وتتطور في حركة متصاعدة دون أن تنبت من جذورها الأولى, لكنها لم تنفصل عنه باي حال من الاحوال، حتى برزت كمنهج نقدي حديث على يدي الناقد الأمريكي " رومان جاكبسون " الذي أكد مرارا أن الشعرية لا تعنى بفهم مضامين النص وأبعاده النفسية والاجتماعية والفكرية وغيرها, بقدر ما تعنى بمعرفة القوانين التي تحكم بنيته وتشكله، وهذا سيلامس ما نسعى اليه في اثبات الجوانب التي تحكم القصيدة العربية بنوعيها العمود( القريض) والحر( شعر التفعيلة) وهنا لابد لي ان اقف وبكل قوة بوجه من يريد ان ينحرف بهذه الاسس المتينة الرصينة التي لو كان يمتلكها أي اوروبي لوجدته الان شغوفا بها ويعتبرها هويته.. واكاد اصرح لنفسي واقول لو ان ارسطو اطلع على الشعر العربي برمته او بعصر من عصوره مثلما اطلع الى ذلك الكم من الشعر عند اليونانيين لغيّر كل ما جاء من نظريات وافكار وتعاريف التي تعتبر الان مصادر موثوقة يعود اليها الدارسون .
ومما ينبغي الإشارة إليه أن هناك فرقا بين الشعرية كمكون من مكونات النص الإبداعي , والشعرية كمنهج نقدي لغوي يقوم على دراسة العمل الأدبي ليشمل جميع عناصره وما ينشأ بينها من علاقات تتوازى وتتقاطع بشكل يحدد سماته الفنية . وحري بي هنا ان اتناول الشعرية كمفهوم نقدي وخير من استشهد به وأُخضعه للذكر هو "حازم القرطاجني" باعتباره أبرز النقاد القدماء الذين تعرضوا لمفهوم الشعرية . لأنه لم يتعامل مع مصطلح الشعرية كمنهج نقدي بوجه مباشر , وإنما كمكون شعري وظاهرة فنية وجوهرية لصناعة اللغة الشعرية, إذ إن ما سعى إليه يكاد يوصلنا إلى تحديد منهج نقدي دقيق غير منفصل الصلة عن النص الإبداعي العربي، ولقد كان "حازم القرطاجني" حقا واعيا بقوانين الصناعة الشعرية والوسائل الفنية الداعمة لها , وكانت نظرته للشعرية ( في النثر والشعر ) توازي إلى حد كبير الشعريات المعاصرة , فشعريته تحيط بجوانب العمل الأدبي وتتحرك على مستوى الافاق والأعماق , وقد حصر قوانين الشعرية في ثمانية عناصر تتفاوت فيما بينها فاعلية وتأثيرا وهي :
التخييل، والتصوير الحسي, والنظم والتركيب, والتناص , والتماسك النصي , والإغراب والتعجيب , والوزن والإيقاع , والتذوق النصي ,
فهل تعرف ما تسمى (قصيدة نثر) جزافا والمدّعون بها هذه التعاليم؟ او هل يشتمل بعض من التخاريف التي لا تمت للشعر ولا للنثر باي صلة هذه القواعد التي نراها مترابطة ذلك الترابط الوثيق بين النص الابداعي بشكليه ( الشعر والنثر) وبين النص النقدي الذي لا يقل شأنا في نماذجه التي ستعتمد على ما اوردنا وما يحكم النص النقدي المبدع.
ولعلي اتراصف بكل قوة مع من ذهب من الباحثين والدارسين الى إننا في نقدنا العربي، وأخص منه الحديث بالذات، أمام أزمة منهج، وأزمة ثقة بأنفسنا في الوقت نفسه، ( وهذا ما ادخله وجلبه الينا "المدعون" ظلما بانهم يبنون مدارس جديدة كتلك التي ذكرت وهي براء من المدرسة او المنهج ) ولسنا أمام أزمة فكر، أو تراث، أو أصول، أو قيم. لأن ما يحمله لنا التراث في رحمه من مادة نقدية أو فكرية أو فلسفية.. يكاد يفيض عما نحتاج إليه لتأسيس منهج أو نظرية نقدية ذات ملامح عربية؛ لذلك أرى كما رأى كثير من نقادنا المعاصرين أنه لابد أن نميل بكل اجلال إلى تراثنا الزاهر بمواده، ونحن محملون برؤى جديدة، وفكر ناضج متيقظ، لنصوغ منه ما يتناسب مع طموحاتنا وأدبنا وثقافتنا العربية الاصيلة والمتجذرة كما يفتخر الاخرون بماضيهم وحضارتهم ونتاجهم الادبي واحدا من تلك المفاخر، دون أن نسقط من حسابنا الإفادة ـ ما استطعنا ـ من كل ما يقوي عزيمتنا، ويبلور فكرنا من النقد الغربي الحديث لان هذا التلاقح والتواصل وتبادل الافكار والرؤى من شأنه تقوية العضد وتمتينه لا الانجرار الاعمى خلفه دون النظر الى لبه والاكتفاء بقشره. بل الاخذ بما جاء به الآخرون الذي يصب في مصلحة بناء النص مثل منهج الشعرية، ولا اختلاف في ذلك ابدا طالما ان المذهب الادبي الشعري او النقدي هو واحد في كل الدنيا مع اختلاف في طبيعة الكتابة من امة الى اخرى، وهذا ما يتجلى في منهج الشعرية، كإحدى النظريات النقدية الحديثة، تجمع في حقيقتها بين عمق الماضي، ونضج الحاضر، وهي مصطلح نقدي قديم جديد في آن معاً، تضرب بجذورها إلى زمن أرسطو، الذي كشف بعقل واع، ورؤية نقدية شفافة عن جوهر الصناعة الشعرية، من خلال عرضه لمفهوم المحاكاة، وتقاطع النص الشعري (التراجيديا، والكوميديا) مع غيره من النصوص الفلسفية والفكرية التي تأخذ من المحاكاة والتخييل أسَّـاً لها...
ولا شك في أن الشعرية كمنهج نقدي، ولدت وترعرعت، كغيرها من المناهج النقدية الحديثة، في حضن الدراسات اللسانية، وأفادت من نتائجها ما أفادته غيرها من المناهج، وذلك في نظرتها الموضوعية للنص الأدبي، والانطلاق من أساسه اللغوي، باعتباره أولاً وأخيراً نصاً لغوياً يستغل إمكانات اللغة الواسعة في اكتساب خصوصيته وفرديته وتميزه. لذلك كانت فرضية "جاكبسون" التي أكدها مراراً ثورة في ميدان النقد الحديث وهي "أن هدف علم الأدب ليس هو الأدب في عمومه، وإنما أدبيته، أي تلك العناصر المحددة التي تجعل منه عملاً أدبياً ".
ومن ثم نشأت بين الشعرية والمناهج النقدية اللسانية علاقة مشتركة تتسع أحياناً لتتطابق معاً في أدواتها وغاياتها، وتضيق أحياناً أخرى لتكتسب الشعرية خصوصيتها واستقلاليتها، فهي ليست مجرد توفيق بين المناهج النقدية السائدة حديثاً، وإنما هي " ثورة جذرية في طبيعة الرؤية للنص الأدبي"
ولي عودة ان شاء الله الى ( رومان جاكبسون) صاحب نظرية الاتصال او التواصل، ونظرية التلقي وعناصر التواصل بعد الانتهاء من هذا البحث، والتعرض مستقبلا لنظريته وكيف حول الحالة من الاعلام الى الادب، وهو موضوع سيحظى باهتمام ومتابعة المعنيين لبلاغته واهميته، وهذا مانتوخاه من الابداعات التي تنهل وتصب في رؤيا علمية منطقية مستندة الى اسس مقبولة لدى اهل اللسان من ابناء حرفها وهي كذلك مقبولة بكل سرور من الآخرين المتابعين للشان اللغوي العالمي والذي اشرنا الى توحده في النص والروح واختلافه فقط في لسان الروي ما يفرضه كواقع اختلاف الحرف بين لغات العالم اجمعها...
* * * * * * * * * * * *
1- لسان العرب / ابن منظور/ مادة (سلب) / ص225.
2- اللغة والإبداع مبادئ علم الأسلوب / شكري عياد / ص 13
3- الاسلوب والاسلوبية بين العلمانية والادب الملتزم بالإسلام / د. عدنان النحوي ص 145
للحديث بقية
تعقيب الشاعرة / سارة فؤاد
ساره فؤاد قراءة مستفيضه رائعه قرأتها مرتين استاذي الفاضل
شكرا لك وأطال الله بعمرك وإلى مزيد من التألق
شكرا لك وأطال الله بعمرك وإلى مزيد من التألق
تعقيب الشاعر / غسان الادمي
غسان الآدمي بحث معلوماتي غزير يسقي العقول بكل ما اوتي من مفاهيم
وخصوصا العناصر الثمانية التي تعطي هوية الشعر الحقيقية وصفته المميزة
وافر الامتنان لبحرك الزاخر بالدرر
وخصوصا العناصر الثمانية التي تعطي هوية الشعر الحقيقية وصفته المميزة
وافر الامتنان لبحرك الزاخر بالدرر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق