الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

في النقد الادبي – 3 – بقلم الناقد / شاكر آل هيت

في النقد الادبي – 3 –

استمرارا لما بدانا به فيما سبق نحب ان نورد هنا اننا لسنا ضد الحداثة ولسنا ضد التجديد ، بالعكس نحن مع كل حالة تطورية ترقى بالشعر الى درجات توصل الرؤى للمتلقي باسلوب ممتع ومعبر محافظة في الوقت نفسه على مقومات وحدود الشعر، فالشعر مظهر المرء في اسمى خواطر فكره، واقصى عواطف قلبه ، وابعد مرامي ادراكه، وهو ليس كلاما عابرا او تعبيرا قاصرا، هو رؤية الانسان ( الشاعر) الطبيعية بمرآة طبعه، فهو شعور عام، وحس مستغرق يأخذ المرء بكليته وبجميع خصائصه، حتى يصبح نشوان خمرته واسير رايته ويريه الاشياء اضعافا مضاعفة، ويصورها بالوان ساطعة وحلي مؤثرة تفوق الحقائق، وربما ازرت بها، وصرفت النفس عن النظر اليها، فهو احيانا احسن من الحسن واجمل من الجمال، واشجع من الشجاعة، واعف من العفاف،
وكما يقول الامير " شكيب ارسلان" وهو شاعر مجدد بل يجيد الفرنسية شعرا وكتابة وقراءة، وقد حاول ان يوائم بين القديم والنزعات التجديدية :
(ان الشعر قوة روحية يفيضها الله على من يشاء من عباده فتحلق بالشاعر تحليق الاجنحة بالطير، فيرى الطبيعة في افخم مشاهدها، واشمخ شرفاتها، وابهى مجاليها واشهى اصواتها، واذكى اعرافها) " 1 "
او كما قال " المنفلوطي " وهو الشاعر والناثر في آن واحد :
(ان الظبي في قصيدة غير الظبي في فلاة، بل غير الظبي في ملاءة، وان الاسد في منظومة غير الاسد في مفازة، وذلك حيث كان للشعر كلاما يلقي بلسان الاحساس، ونطقا ينزل عن وحي المخيلة، واوصافا يفضي بها الشوق، وانما كانت المبالغة زيادة على الحقيقة لتمكين السامع المتلقي من الوصول الى مقدار الحق، والحرص على ان لا ينقطع منه قسم على طريق الالقاء، وفي اثناء الانتقال، فكأن هذه الزيادة جعلت لتملأ الفراغ الواقع بين المدرِك والمدرَك حتى لا يصل الى الذهن الا كاملا بكل قوته، ولا يحل في العقل الا بجميع حاشيته) " 2 "
هذا بالنسبة الى الشعر والشاعر وهو بالتأكيد مثال للإفادة والاستزادة، على ان ما ذهبنا اليه ومانحن بصدد الذهاب اليه هو اثبات ان " النقد ابداع " وكما يبدع الشاعر من المفترض ان يبدع الناقد.. ولا يمكن لناقد ان يبرع ويبدع مالم يشتمل على المواصفات التي ذكرناها آنفا.. وليس بالضرورة ان الناقد يجب ان يكون شاعرا، ابدا انما نقول يتوجب عليه فهم مستلزمات وحيثيات الشعر والا كيف لمن لا يجيد السياقة ان يفخر او ان يذم سيارة ما، وكذلك بقية المهن والحرف الاخرى.. ولا ننا نعتبر ان الشعر هي حرفة وغاية ابداعية راقية فلا يمكن لمن تدنى عنها ان يخوض غمار النقد فيها.. وهناك من مفردات المستلزمات التي ينبغي توفرها بالشاعر ستوقف الناقد وتجعله يتراجع وهناك كذلك من الحدود التي يتمتع بها الشاعر او لنقل يجب ان يكون عليها الشاعر ستحد من طفح الناقد وفي بداية استعراضه للنص الشعري ربما.. وهنا يجرؤ من ينتمي لما نقول ان لا يسمح لمن هب ودب او من هو اقل شأنا بالشعر ان يتعرض لنصه.. وهنا كذلك تبرز لدينا اشكالية بسيطة وهي ليست بالمهمة الى الحد الذي ستعتبر معرقلا للنص والناقد بل ستصب في مصلحة المبتدئين او من يريدون الدخول في مضمار النقد وهي ضعف النص الذي تناوله الناقد من قوته.. وما النص المتين والرصين الا بوابة كبوابة جهنم تُفتح على الناقد ضعيف الادوات وربما لن تُغلق تلك البوابة الا بتنحي هذا الدعي...
ويكفي للشاعر تمتعه عن غيره وتميزه في منزلة العاطفة في الشعر لكي يأتي صادقا طبيعيا لا وليد التكلف والصنعة، بان الشاعر في حل اذا بالغ وصور الطبيعة ابهى وأجمل مما هي وذلك لسعة وامتداد الوصف الذي تتمتع به الطبيعة سماءها وماءها وترابها.... وباستيفاء الشاعر لأركان الشعر وشروطه، يكون متفوقا على الدوام ولا يأبه ولا يخشى ولا يحسب حسابا الا لمن اوردنا تمتعه بمواصفات الناقد الحقة... عندها سيكون الناقد مساهما في بناء النص وليس هادما له... على اننا نؤكد ان اوجه الابداع واحدة وكذلك وجه النقد لتلك الابداعات واحد ولكافة الفنون الادبية شريطة ان يتناول الشعر من يعرف به ويتناول النثر من يعرف به ورائع ان تتوفر لدى الناقد كلتا الحالتين او اكثر...
فهل الشعر الا نثارة من الدر ينظمها الناظم ان شاء شعرا وينثرها الناثر ان شاء نثرا او نغمة من نغمات الموسيقى يسمعها السامع مرة من افواه البلابل والحمام، وأخرى من اوتار العيدان والمزامير، او عالم من عوالم الخيال يطير فيه الطائر بقادميتين من عروض وقافية، او خافيتين من فقر واسجاع...
واني لأعلم علم اليقين ان هناك ممن يدعون النقد الادبي الحديث يلحون على الشعراء ان يعدلوا عن المنهج القديم، ويجعلوا شعرهم مناسبا لبيئتهم وزمانهم الجديد، وان يجددوا فيه بما يناسب الحضارة التي ينعمون بها، ويرون آثارها في الافكار والحياة المدنية، وقد قسى قسم منهم على الشعراء علهم ينفرون من طريقتهم الاولى، وان لم يخل بعض نقدهم من اغراض خاصة، وحزازات شخصية وتحامل في احيان اخرى، وليس هذا المنحى وليد اليوم ابدا فمنذ بداية عصر النهضة والانفتاح على اوروبا وخصوصا بعد ازدياد البعثات الى فرنسا التي فتحت ابوابها مستقبلة اعلاما كان لهم التأثير الواضح في الادب العربي الحديث... على ان من اتى بالتجديد منهم يدرك ان هناك فروقا بين ما جاءوا به وما نحن عليه في شعرنا وهذا ليس عيبا... فما يميز العرب في شعرهم هو البلاغة والمبالغة والتشبيه المفرط، في حين ان الغرب وهذا ما يميز شعرهم هو الالتزام من جهة المعنى فهم يلتزمون الحقائق في نظمهم التزاما شديدا، ويبعدون عن الاطراء والمبالغة بعدا شاسعا، فلا تكاد تجد لهم غلوا، ولا اغراقا، ولا تشبيها بعيدا، ولا استعارة خفية، ولا خروجا عن الحد الجائز المقبول من المعاني الشعرية وهم في هذا اشبه ما يكونون بـ (احسن الشعر اصدقه ) فهم لا يفتخرون في شعرهم الا نادرا، هذا بطبيعة الحال عدا عن الصفحات الاخرى التي يشتمل عليها الشعر العربي وهي كثيرة بالقياس الى ذلك..
على اننا لا نريد هنا ان نقيد حرية الشاعر فهو حر فيما شاء ان يقول لكننا لسنا مع خلط الاوراق وبعثرتها بحيث يصعب في مكان على مبعثرها ان يجمعها ثانية.. وما ذهب اليه السياب هو اكبر جواز الى حرية الابداع التي ادت فعلتها منذ ظهورها ولحد الان، وهذا لا يعني ان تبقى الابواب مشرعة لكل طارئ ان يأخذ من بدن وجسم وروح الشعر العربي نصيبا يجيز لنفسه التصرف فيه لان ذلك سيكون خروجا لا مبرر له الا الجهل بالشعر والضعف في مقدرة نظمه، وما يسمى بـ ( الشعر المنثور) جزافا وباطلا ماهو الا تسمية تدل على جهل واضعيها ومن يرضاها لنفسه، فليس يضيق النثر بالمعاني الشعرية، ولا هو قد خلا منها في تاريخ الادب، ولكن سر هذه التسمية ان الشعر العربي صناعة موسيقية دقيقة، يظهر فيها الاخلال لأوهى علة، ولأيسر سبب، ولا يوفق الى سبك المعاني فيها الا من له اسلم ذوق واصلح طبع وانصع بيان، فمن اجل ذلك لا يحتمل شيئا من سخف اللفظ، او فساد العبارة، او ضعف التأليف. غير ان النثر يحتمل كل اسلوب، وما من صورة فيه الا ودونها صورة تنتهي الى العامي المتدني، والسوقي البارد، ومن يتفق عليه فإنما هو كالذي يتفق انْ| لا فرق في صوت المطرب حين يتكلم، لاحين يغني...
وهنا لا بد ان اوضح معتقدي ومبدأي الشخصي فاقول، فمن قال ( الشعر المنثور) او ( قصيدة نثر) فاعلم انه لايعرفها بالتمام، انما وفي قسم كبير من دعاتها قد فرضت عليهم لامر او لاغيره، وكثير لايفقه حتى معناها ان كان صحيحا ام لا، وقسم قد اعجزه ككاتب اراد ان يتجه الى الشعر ما للشعر من اشتراطات اصدعت رأسه، او ربما تفاجأ ان للعربية هذا الذوق الجميل مثلما لها اشتراطات لايتمكن منها من هب ودب هذا من ناحية، وادعاؤه بما لايملك من ناحية اخرى... وحري بالناقد المتابع ان يميل في تحليله للقصيدة الى هذه المعاني والا سوف يكون بمنزلة اولئك المدعين...
"1" في الادب الحديث / عمر الدسوقي ص 216
"2" مختارات المنفلوطي ص 121
للحديث بقية
 
تعقيب الناقد / غازي احمد أبو طبيخ
 
آفاق نقديه لن اقول رايي..هههههه..ان كان هذا ما تريد ..فلن يحدث ابدا..انا معجب كبير بإصرارك..ابتسم ..ولربما اقهقه طربا وسرورا بهذا الوعي الكبير والافق الواسع والثقافة الانسكلوبيدية والتحليل المعمق الجاد والمثابر..لكل منكم..ايها الجهابده..
ولكن هذه المادة ما فتئت ت
حتاج الى تنضيج اكثر في ذهن اخيك غازي..لا أنكر أن عندي من التلمسات ما يغري بالبوح بشكل ضاغط..ولكنني لا ولن اطيع نفسي حتى يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود تمام التبيان ..عندها سوف افصح عن رؤيتي كاملة But not yet
انتم اناس اصلاء..وهذا اخوك ابو سرى يخرج بنتيجة تنبع من ذات المنبع الاصيل بعد ستة أجزاء من البحث..مع أن رحلة بحثه تختلف كما وكيفا..ومن هنا كان حصادنا كبيرا جدا..
والاروع من كل هذا نحن تلاميذكم هنا ..كنا نتابعكم بروية وتركيز بالغ ..أ.ندى الادب..نائله طاهر..أ.دنيا حبيب..والكبيرين Shakir Al hit..و
Jamal Kyse.. ولاريب أن ما كنزناه سيكون عدتنا في المستقبل الذي نرجو ان يكون قريبا..
ولقد انصفتنا الليلة يا ابا عبدالله بهذه الاضافة الراقية الراسخة التي وضعت النقاط على الحروف .وابانت وجهة نظرك على الواضح المكشوف..فكانت منفعتنا كبيرة والحمد لله تعالى..
ولا ندري إن كانت الست دنيا حبيب قد اكتفت بما قلتم وقالت ..لاننا كنا ننتظر جزأها الاخير ..ولكنها توقفت فجأة ..ولربما تلملم صفوف خيالتها..ولربما كفاها انجازكم ..وهي وحدها من يملك الاجابة على هذا السؤال ..والسلام..
 
تعقيب الناقدة / نائلة طاهر
 
 نحن اول من يدرك أهمية هذه المقالات ونعلم أنها عصارة فكر وتجربة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق