إشارات في نصّ ( أين ضاعت يدي) لكريم عاشور .
————————
————————
قرأت النصّ مرّاتٍ وفي كلّ مرة كنت أتعجبّ إذ كيف لنصّ من بضعة أسطر أو تزيد قليلاً أن يختصر أوجاع شعبٍ . ! وثمّة نصوصٌ بالجملة تُكتب لا تلامسُ على الأغلب أيّ شيء من أوجاعنا .
النصّ يحكي زمن التورّم بأمراض خبيثة يعيشها الوطن عموما والعراق الحبيب بشكل خاصّ .؛ ويشير إلى ما آلت إليه حال الإنسان هنا وهناك ( طفلة تائهة ' الوداع للأصدقاء الراحلين وما أكثرهم ' الهروب من البيت بسبب الإقصاء أوغيره ' التسكّع على الأرصفة ' الجيوب الفارغ...ة ....)
وكلّ جملة في النصّ تكاد تكون اختصاراً لواقع مرير يعيشه الإنسان العربيّ اليوم في مجتمع يتصف بالتمزّق والتّشرذم .
النصّ تصويرٌ للقبح الّذي نحياه ؛ قبح الحال والواقع قبح السلطة التي تمارس عهرها على أبنائها ( أو في غرفة التّحقيق أثناء توقيعي على تعهد خطيّ
بألاّ أمارس الهذيان مرّةً أخرى )
وقبح الفقر المتخفّي بألف لبوس ولبوس ( السقف الخشبيّ المنهار - جيب البنطال القديم - جيبي الفارغ )
وقبح الموت المتشظي في كلّ زاوية حتّى المقاهي لم تسلم منه .
لم يترك لنا كريم عاشور أيّ أمل أو تفاؤل في نصّه على ما اعتدنا عليه في نصوص الواقعيّة الاشتراكيّة ( كيف سأنادي على أهلي /كي يفتحوا لي الباب
وأنا لا أدري أين أضعت صوتي
هو الآخر )
إنّ جملة الأسئلة المطروحة والإشارات التي نجدها في النصّ هي فقط للتدليل على أنواع مختلفة من الجرائم التي يعاني منها الوطن وذاك الذي يسكنه أو يسكن فيه الوطن .
ولكن لماذا هذا البحث المضني عن تلك اليد ؟
من معاني اليد : القدرة والقوّة إضاقةً إلى معان أخرى وما أراده مبدع النصّ هو هذا المعنى فليس لديه من قوّة أو قدرة على فعل شيء بعد فقدها وهي يده الوحيدة فهي أداته في التعاطف مع الغير ( أربّتُ على كتف طفلة تائهة ) وهي أداته في التعبير عن الوداع لصديق وأداته في اتّقاء الأشياء وحملها ....
ثمّ فقد صوته ليكتمل مشهد العجز ( للتعبير عن فقدانه التّواصل مع الغير أو التّعبير عمّا يجول في خلده) وهذا ما أراده صانعو الفقر والجريمة في وطننا المُستباح .
ولاندري بعدُ أين اختفت تلك اليدُ وأختُها من قبلُ .؟؟؟
—————————
كانت لي يد وحيدة
لا أدري أين أضعتها
ربّما في السّوق
وأنا أربّت على كتف طفلة تائهة
ربّنا تركتها في كف صديقي
حينما صافحته مودّعا في محطة القطار
أم تُراني نسيتها في المقهى
بينما كنت أتحاشى السقف الخشبيّ المنهار على رأسي
جرّاء انفجار سيارة مفخّخة .؟؟
أو في غرفة التّحقيق أثناء توقيعي على تعهّد خطيّ
بألاّ أمارس الهذيان مرّةً ثانية
هل ظلّت عالقة بمقبض الحقيبة
حين قرّرت الهروب من البيت
قبل أن تستوقفني عند الباب دمعة أمّي ؟
لعلّي نسيتها في جيب بنطالي القديم
فمن عادتي أثناء التسكّع على الأرصفة
أن أدخل يدي في جيبي الفارغة
والآن كيف سأنادي على أهلي
كي يفتحوا لي الباب
وأنا لا أدري أين أضعت صوتي
هو الآخر
تعقيب غازي أحمد أبو طبيخ
آفاق نقديه احسنت كثيرا اخي الناقد الاستاذ أسامة حيدر...فلقد لامست حقائق النص الدفينة ,بما فيها (باك راوند) المشهد, والزميل كريم عاشور نموذج عميق للشاعر الذي كنا فعلا بحاجة الى إزاحة لستارة مشهده السميكة أكثرمن الاسفار النقدية التي تبعدنا احيانا عن روح النص في وقت نحن بأمس الحاجة الى هده الروح..احسنت ..بارك الله يراعك ..
رد أسامة حيدر
أسامة حيدر أخي الأستاذ غازي : أسعدني مرورك أيّما سعادة .
هذا ما كنت قد أشرت إليه دائماً في تعليقاتي ... أن نخرج من دائرة التعتيم والتعميم .
بارك الله فيك .
هذا ما كنت قد أشرت إليه دائماً في تعليقاتي ... أن نخرج من دائرة التعتيم والتعميم .
بارك الله فيك .
تعقيب رنا صالح
رنا صالح نص رائع رغم اﻷلم الكبير الذي اختزله ببضع كلمات.....نص حمل أوجاع الوطن واحتضنها بكلتا يديه وتنفسها في كل شهقة قبل أن يضيع هو اﻵخر مع صوته المبحوح رغما"عنه بعد آخر صرخة له رحلت من دون رجوع صداها.. ...قراءة رائعة وماتعة لما بين سطور النص ونظرة ثاقبة من ناقد متمكن وحاذق.
رد أسامة حيدر
أسامة حيدر رأيك أسعدني أختي رنا صالح
الجرح واحدٌ وإن اختلفت أدواته الصّانعة .
الجرح واحدٌ وإن اختلفت أدواته الصّانعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق