الزهراوي والايقاع الشعري المدهش :
----------------------------------------
في الواقع ..نحن هنا بحاجة ماسة جدا الى هذا اللون من الأداء الشعري الإيقاعي النمودجي ..هذا فضلا عن شرف موضوعته العالية المقام..والتي كان يمكن الشغل عليها لأهميتها هي الأخرى ,ولكننا بحاجة فعلا الى مادة تتعلق ب (موسيقى الشعر)لهذا سيكون تركيزنا عليها اكثر..
من هنا نقول:
انت معلم أصيل أخي أ.محمد الزهراوي أبو نوفل..معلم تملك ناصية البناء الثلاثي المتحد:
1-فكرة النص..
2-موسيقى النص..
3-التعاقب البنيوي المتناسل ...
اذ لم الحظ على الاطلاق فجوة في واحد من عناصر هذه الثلاثية المكينه..
الذي يغلب على الظن ,أن سر هذا الأداء المبدع يكمن في أربعة جوانب بالغة الأهمية لكل شاعر في الوجود:
أ-مستوى الموهبة ..
ب-مستوى الملكة والخبرة..
ج- مستوى رهافة الإذن الموسيقيه..
د-مستوى المصداقية المعبرة عن إيمان الشاعر بما يقول ,وآنحيازه غير المفبرك الى موضوعته ومحور إطروحته..
هنا لايوجد عند الزهراوي اي نوع من انواع التقمص..بل كان هو الحلول الكامل كونه صاحب قضيه..فالقضية قضيته وهو لا يعبر الا عن مشعره الحقيقي الدفين..
ولكن ما افاض بهذا الكم من الشعرية على النص الى جانب المصداقية هو حسن البناء وتوالدات الحدث الشعري المتصاعدة بحرفنة فطينة الى مسك الختام..
كما وأن الذي اضفى بهذه السلاسة والدفق الحيوي هنا هو ما اشرنا اليه من الجدل الموسيقي الذي ظفر النص بظفيرة واحدة من المطلع فالمقطع فالختام..
إنه تحديدا إحسان الخيارت المناسبة للأداة التعبيرية بما يجعلها سلسالا ايقاعيا واحدا..
ولاريب أننا بإزاء عاملين خطيربن زلقين هنا لا يجيد التعاطي معهما الا من اتقن حرفته في جانب ,وتخلص من مخالب صنعتها في جانب آخر..
*وإتقان الحرفة بمعنى الإشتمال على كل تفاصيلها ..
*والخلاص من مخالب صنعتها ,بمعنى الإبتعاد عن التكلف والتعسف والتقعيب والتقعير وأية حاجة لآستحضار مفردات الحرفة بمايجعلها مقصودة ناشزه..
هذا يعني أن الحرفيات جميعا والدفق الموسيقي بتفاصيله جميعا..قد اصبح كما اسلفنا(ملكة)تلقائية الإسهام ,دينامية الحضور..
ان ظاهرة الشعر الايقاعي الدفين او(الموسيقي الدافق) لهي ظاهرة بالغة الندرة صعبة المراس..ومن تصور انها في متناول يد من هب ودب فهو واهم كبير..ذلك لأنها تعتمد -كما كررنا لأكثر من مره -جرس الكلمات..ثم إجادة الربط الجدلي التلقائي بين أجراس جميع مفردات النص في (معزوفة هادئة واحده)..وهذا ما ركزنا عليه في قصيدة نادرة هي الاخرى للأديبة التونسية ندى الادب(نائله طاهر)قبل فترة وجيزه..
وها نحن نشعر بالسرور حقا فكل ما ذكرناه آنفا من مطالبات عالية كانت قد تحققت بإقتدار واضح التجليات في قصيدة (البهلول) بكل جداره..
اخي الشاعر الزهراوي المبدع.هذا اعجابي..وخالص تقديري..والسلام.
-----------------------
----------------------------------------------------
نص قصيدة الشاعر الزهراوي ------------------------
البهلول
كنت آت ..
ومعي طلائع
شمس تولد !
وأطفأ في طريقي
النجوم الليل ..
حرض لصوص الغابة
وقراصنة البحر علي .
لأني مِن أول مَن
خوضوا في المحيط
اقلقوا سكون
الماء الفاسد ورشقوا
الظلام علانية !
يومها صاحت الخفافيش
خرجت عن ..
صمتها المعهود :
(أمسكوا بهم ..
هؤلاء أتبع يوحنا) !
ولم أكن ..
غير بهلول !
غير مواطن في
زمان هرم ..!
أقلقني الضوء وأعماني
ليل الآخرين وأنا
أركب صعاب الأسئلة
أطرق آفاقا مقفلة ..
في صحراء الجليد
أجرجر رجليّ ..
في شوارع أهلي
أحاذر كلاب ..
إلـه المدينة !
أنوء بالقهر وبي
قلق عن مصدر النبع
عن غابة ..
نامت ولم تصح .
عن النهر جفّ
ولم يعد يجري ..
عن طين الشرق
مات ..جفّ فيه
الغناء ويبس العود .
وعذاراه تهن ..
يبحثن عن الأبطال
وبلقيس مهجورة ..
تنتظر الشهامة !
تنتظر الفداء والجود
لمحو العار ..
وأحزان الديار !
تسأل : متى ..
يا فدائي تعود ؟
ومن البعيد ..
البعيد يهتف صوت :
آت يوم قيامتي ..
آت ! ! ومهما
تطاول الليل ..
مهما تأخر الصبح
سوف أسرج ..
فرس الشهامة
فرس قيامتي
وأعود ؟ !
محمد الزهراوي
أبو نوفل
عن أنوال الثقافي
زمان سنوات الرصاص
في المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق