الاثنين، 14 نوفمبر 2016

من قتل،،، الروح القدس،،،الى الصديق الاستاذ اسامة حيدر بقلم / جمال قيسي

من قتل،،، الروح القدس،،،الى الصديق الاستاذ اسامة حيدر
 
( العالم ليس كبيراً بما فيه الكفاية ليسعني انا وبيكاسو )
في ١٣ من ديسمبر عام ١٩٢٢ اقدم الرسام الكبير جون وليام كودوارد،،،على الانتحار،،وترك رسالة يشرح فيها معاناته والاسباب التي بموجبها اقدم على إنهاء فجيعة الحياة،،وكانت هذه الجملة الصادمة،،مؤشر يوازي شاهد قبر،،ضم في داخله ،،جثة عريقة ربما تمتد سنين ولادتها الى عصر اليونان الذهبي،،وحتى زمن بيكاسو،،،كان الرسام كودوارد ( بالمناسبة ترجمتها : نحو الله ) ،،من أساطين المدرسة النيو كلاسيكية التي اعادت للفن هيبته ،،في محاولة انتشاله من الانحدار الاخلاقي،،في تصور الخروج من القيود،،تمثل النيو كلاسيكية ،،الفن الالهي من خلال التفخيم لمظاهر الجمال الالهي،،وردة فعل اخلاقية مرتبطة بمرجعيتها الإلهية ،،في إطار الجو الفكتوري،،على الثورة الفنية التي ابتدأت على يد بول سيزان من خلال كسره للقيود الأكاديمية وفق أطروحته ،،الي مفادها ( كل الأشكال في الطبيعة عبارة عن مخروط وكرة واسطوانة ) ،،وبذلك فتح باب الشيطان ،،واعد العدة للهجوم على الله،،،فتسارعت الأحداث على يد الانطباعيين ،،لتخرج الامور عن السيطرة،،على يد سورات اعتماداً على نظرية الضوء،،والحركية التي اضفاها فان كوخ ،،على سكونية اللوحة،،حتى جاء زمن بيكاسو احد اهم القتلة المشتركين في اغتيال الله،،،
لماذا يعتبر بيكاسو اهم فنان في التاريخ ؟.
ليس لان لوحاته ذات قيمة جمالية،،رغم انها لاتخلو من بعض البعد الجمالي،،،وليس لانها ذات مضمون اخلاقي ،،بل العكس انها تمزيق للقيم الجمالية،،وتفكيك للجسد الفني بصورته الإلهية الجميلة،،مجمل أعماله بمثابة البيان الرسمي للتأبين ،،على القيم الجمالية،،و أعلان تمرد الانسان على الله،،وانفصاله عن خالقه،،انها القطيعة ،،والضياع ،،،،والرجوع الى التيه،،ولكنه تيه عظيم،،
بعد كل هذا نرجع لنبحث في أهمية ،،مشروع بيكاسو ،،ولسعة المشروع وخطورته وغرابته،،،وفعاليته الإجرائية ،،كان من الصعوبة بمكان،،وضع الأُطر ( تأطير الشيء او الفكرة،،وضع سياقات محددة ،،يكون البحث ضمنها ) ،،الا ان عبارة ،،صديقته غوترويت،،وصاحبة الفضل بتعريف الوسط الفني على بيكاسو،،وترويج أعماله ،، عندما قالت بعد ان تم سؤالها ،،عنه ،،،في حينها كانت الطائرة قد دخلت الخدمة في نقل المسافرين الا انها كانت حصراً على الأغنياء والمهمين،،ولم يتسنى للأغلبية. ارتيادها،،،قالت ( عندما تطل بنظرك على الارض من نافذة الطائرة،،تشاهد الارض والمدن بصورة مختلفة،،وتختفي الصور الجمالية المألوفة،،تصبح لديك الأشكال خطوط عشوائية،،تدحض الخيال ،،وتنظر الى العالم بغير الصورة التي رسخت في الذهن وتم الاعتياد عليها على انها من المسلمات،،،،هكذا هو بيكاسو رائي في طيارة شاهد العالم الذي نألفه،،،بصورة مختلفة وجسده في لوحاته،،،) ،،نعم. تكمن عبقرية بيكاسو،،،في كونه فهم العالم وفق التصورات المجردة،،،ليسبق بذلك كل المفكرين ومدارس الحداثة وما بعد الحداثة،،من بنيوية،،وتفكيك،،،لوحاته عبارة عن مجموعة خطب مركزية،،للبنيوية،،،والتفكيك،،،لقد سبق الشكلانين الروس في اللغة،،والسويسري دي سوسير،،،وسارتر في الوجودية،،،ورولان بارت وفوكو،،وشتراوس،،في بحوثه الانثربولوجية ،،البنيوية،،وتقدم على دريدا وتشومسكي ،،،وبول ريكور،،،بل وتقدم على كل نتاجات التاريخ الحديث والمعاصر،،،الأدبية والفكرية،،،هنا تكمن أهمية بيكاسو،،،ليست في المعطيات الجمالية وإنما في معطيات ،،عصر تنامي الرأسمالية وما رافقها من انساق اجتماعية جديدة فرضتها علاقات الانتاج،،التي افضت الى آلهة جديدة ( الرأسمالي ،الآلة ،السلعة ،السوق ) و الذي تمت فيه القطيعة مع الله،و كانت اعمال بيكاسو رسائل،،،على شكل نبؤة ،،لما سيحل في العالم،،وانهيار الانسان فيه،،،في اخطر مقوضات الحياة ،،الا وهو الاغتراب،،،لقد استوعب بيكاسو كل طروحات نيتشه الارتيابية،،وكذلك الجدل الهيجلي،،،وسلط الضوء لعملية تأطير الله ضمن ملكة العقل لعمانؤيل كانت ،،مستنداً على اكتشافات عصر الأنوار ونظرية التطور لداروين ،،،مقترباً ،،من ماركس وأطروحات الانتاج وعلاقاته،،ونبؤته الحتمية بفوضى الانتاج،،وفوضى الأخلاق كإحدى المحصلات لهذه. الفوضى،،،كل هذه الفلسفات ،،والنظريات ،،وما رافقها من تغيرات جوهرية في العلاقات الاجتماعية،،والمفاصل الأدبية المهمة مثل الارض اليباب. ل إليوت وعوليس لجميس جويس ،عبر عنها بيكاسو في أعماله ،،فاللوحة الفنية،،هي عبارة عن خطاب،،يتوفر فيه الاسناد والهوية،،و هما وظيفتي الخطاب،،لذلك يفضي الى معنى،،وكل لوحات بيكاسو،،موضوعاتها تمثل واقعة ،،وبالتالي فائض معنى،،في الحقيقة ،،أعطت كل اعمال بيكاسو معنى،،عن الحداثة وما بعدها،،وامتازت لوحة الجرنيكا،،،بفائض المعنى ،،لتكون اهم لوحة في تاريخ الفن،،اذ عملت كخطاب تأويلي عمل على تحشيد الرأي العام بالضد من النازية والفاشية ودكتاتورية فرانكو،،بالاضافة الى التوثيق التأريخي بطريقة ميثولوجية ،،كما عملت لوحته آنسات أفنيون ،،ولكن ليس بقدر الجرنيكا ،،إذاً من قتل الله،،،و مؤسساته ،،التي انبثقت من الأديان الكبرى،،اليهودية والمسيحية،،الراعية للسلطة السياسية ،،والفنون والأدب والفكر بمجمله،،لقرون طويلة،،،
لقد عمل كلٍ من ديكارت ،،وفق الكوجيتو ( انا أشك إذن انا موجود ) ،،ومارتن لوثر،،بحركته الإصلاحية ،،وهيجل في روح التاريخ ،،ولحقه هوسرل لينتزعا الروح الإلهية من الميتافيزقيا،،وكانت ،،على تقيد الله في العقل المحض،،رغم اعتراض نيتشه،،الذي اعتبر كانت مجرد لاهوتي بلباس فيلسوف،،هؤلاء كلهم ،،عملوا على وضع الله في أُطر محكمة،،ليأتي بعدهم القتلة الحقيقيَّيْن ،،وهم ،،دارون وفرويد وماركس ونيتشه المتطرف بموقفه ضد الاله ،،و بيكاسو،،الناطق الإعلامي ،،لهؤلاء القتلة،،ان انتزاع فكرة الله ،،وهالتها من العقل البشري هي بمثابة ،انتزاع الماهية من الانسانية،،لقد شكلت فكرة الله في العقل الوئام ،،والتصالح للانسان مع نفسه و مع الجماعة ،،و التعايش مع الطبيعة،،وتقبل فكرة الموت المفزعة،،على اعتبار الحياة الاخرى،،لذلك عمل الفنان على تفخيم الجمال،،وإضفاء ،،السحر الخلاب في تجسيد الطبيعة،،تماشياً مع المنظومات القيمية الجمالية،،الا ان هذا التغيير الدراماتيكي ،،تم على يد هؤلاء ،،وانا شخصياً لمست من متابعتي الحثيثة للفن الحديث،،وعلى رأسه بيكاسو،،الفنان الأهم وصاحب الريادة فيه،،تاثيرات نيتشه الارتيابية على كل اعمال بيكاسو،،وكأني ارى رسالة نيتشه موجهة بشكل شخصي الى بيكاسو ( الفن هو المهمة الاسمى والنشاط الميتافيزيقي الحقيقي في هذه الحياة ) ولكن اي فن ؟ ،،انه على قاعدة نيتشه ،،انه نفي للحياة بأسم قيم
يفترض انها تتجاوز الحياة،،انه عمل وهمي وخطر وشاذ،،،
الوقوف بالضد من الله،،،هو اخماد للروح المقدسة،،التي بلورت الضمير الإنساني ،،عبر تأريخه،،،
 
جمال قيسي / بغداد 5/ 7/ 2016
 
تعقيب سهير خالد
 
Suhair Khaled كل ينظر للامور وفق منظاره الخاص
 
تعقيب ليث الدخيل
 
Laith Aldakel ربما صديقي ..تاريخ الله لم يعبث به احد مثلما عبث به الشرق..اطروحة الله المستتر كانت مشروع استثماري لكهنة الشرق..وبيكاسو فعلا الاله الذي نسف الالهة من قبله ..تحياتي ابو سرى..
 
تعقيب غازي احمد أبو طبيخ
 
آفاق نقديه اعانك الله يا أخي على هذا الحمل الثقيل حقا..ولكن الحمل الثقيل لايقوم به الا أهله..
ولكم قرأنا منقولا ولكنه بلا طعم مهما كان غناه..إنما ما نقرأه لك ابا سرى المنيف مكتنز بكل مايبعث على الإعجاب الكبير..
هذا الاعجاب ليس منشأه هذا الحشد الثقافي الهائل ابدا,
فليس ذلك بالغريب عليك.. وإنما منشأه لأمرين بالغي الاهمية :
اولهما أننا نقرأ مقالا من انجازك انت ,لغتك وتعبيرك وفكرك ..وهذا هو عين ما نأمله من الجميع بحسب طاقاتهم ..
ثانيا :شرفتنا ايها النبيل بجلالة دعوتك.. وفرادة اسلوبك في الدفاع عن سر جمال الحياة المقدس ,على الرغم من استنفارك واستحضارك لكل الخصوم العظام بكل فروسية ونبالة وبسالة على خط المواجهة من خلال رؤية جامعة مانعة لما تبلورت اليه حشود التضاد مع الرب في نتاج الفنان الفذ منتج جيرينيكا: الحصان الذي هو بابلو والاناث والفوضى..هذه الفوضى المقصودة هي التي سأله الالمان عنها بعد الاحتلال :هل انت من صنع هذا كله ?!فاجاب بكل عزيمة :بل أنتم من صنع كل هذا..ولقد كان دفعك غاية في الإبهار والإقناع معا ..فشكرا من القلب وعرفانا من الضمير أخي الروائي والباحث الكبير أ.
Jamal Kyse الفاضل..
خالص الود وبالغ التقدير..والسلام..
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق