الاثنين، 21 نوفمبر 2016

الناقد غازي  أحمد أبو طبيخ 
و
قصيدة البهلول
لمحمد الزهراوي أبو نوفل
::::
تجليات الإسلوب الخاص ...
عند الشاعر محمد الزهراوي:
******************
 تشرفت حديثا بالتعرف على شخص الشاعر المغربي  محمد الزهراوي أبو نوفل ,ولكن الذي عرفني به هو (البهلول)!.قصيدته الرصينة الرائعة ,كأول بادرة نفيسة لهذا التعارف ..
نعم ..إن النص الشعري الموسوم بهذا الإسم العميق الدلالات للأستاذ الزهراوي هو مادة حوارنا في هذه المتابعة العاجله..
إن اول خاطر تنظيري حضر الى ذهني  كان بصيغة سؤال :ترى ما الذي دفع بن سلام في طبقاته لترشيح شعراء الطبقة الاولى وعلى اية اسس كان هذا الاختيار ,فهو ونحن معه  في الغالب  لا نبحث عن العثرات وإنما نبحث عن الحسنات لغلبتها المطلقه  ,فمنذ الوهلة الأولى تتكشف للمتلقي المتفرس رفعة اعمالهم الابداعيه..وأول وأهم حسنات بهلول الزهراوي في تصوري هي الخصوصية الواضحة الملامح..
هذا يذكرنا من ناحية أخرى بمقولة الكونت لويس لوكلير( دي بفون)الشهيرة:(الأسلوب هو الإنسان..او كما يشاع ..(هو الرجل)..
غاية القول إن اسلوبية الاستاذ محمد الزهراوي كانت بالغة التجلي الى حدود الفرادة كطريقة في التعبير او طريقة في التفكير..
اليست (اللغة وعاء الذات),كما يقول هيدجر?..
تجليات الاسلوب الخاص عند الشاعر :
************************
1-إن ذات الزهراوي في هذا القصيد الجرئ على كل الأصعدة قد اختارت (قناعا تاريخيا) قوي المغزى مرن الإستجابات كبنية حمل واسعة لمحمول واسع النطاق هو الآخر, لأنها -وأعني ذات الشاعر-كانت في الحقيقة ضميرا جمعيا لهموم وارادات ومطامح شعب كامل..
واللافت للنظر أن ذكاء وخبرة شاعرنا الكبير قد جعلاه يكتفي بوجه واحد من أوجه البهلول العباسي المتعددة وأعني به الوجه الأكثر جدية وعمقا ,حد الإستعداد النفسي المبركن بالروح الفدائية التي تسلك الى اهدافها اسلوبية الإيحاء والتلميح والترميز ايضا..مع أننا تلمسنا في أكثر من موضع أن هذا القناع الرائع يضيق احيانا بطاقة الشاعر الباسلة فيمزقه من هنا او من هناك من أجل أن يرفع لافتات التصريح بدلا عن التلميح ,بقصدية واضحة وباهره..
2-عمل شاعرنا في هذا النص وفق منهجية شديدة الصعوبة تطبيقيا ..ومنشأ الصعوبة يكمن في كونه جمع بين البراءة والنضج ..الوعي  واللاوعي ..الرغبات  والاهداف ..الاحاسيس الخاصة  والمشاعر العامة  ,كلها جميعا في إطار واحد..
فلقد راينا لطبقات الرغبة المختزنة في اللاوعي العميق تجلياتها الواضحه ,هذه الطبقات ذاتها التي تحدث عنها (لاكان) ,انما وفق طريقة استنطاقية ثاقبة وعميقة الخبرات..
فبين ان نعي ونفهم ماذا تعنيه السوريالية فنلجأ  الى ترك الحبل على الغارب بوساطة (التداعي الحر) الذي نظر له أندريه بريتون بما يطلق العنان لمفردات الدخيلة بالإنثيال غير الهادف..وبين أن تختمرلدينا ذات المنهجية بحيث تتحول الى وعي معمق دفين وحركي معا ,بحيث يمكننا استبطان واستنطاق كنوز العقل الباطن الحيوية التي يمكن لنا توظيفها في سياق الإطروحة الناضجة من دون ان تتفلت منا الى ما لا نرغب..هذا المسلك بالتحديد يحتاج الى جانبين مهمين جدا والا فسيخرج من ايدينا بكل تأكيد :
الاول:الثقافة العالية والافق الواسع  والخبرة الراسخه..
الثاني: الشجاعة الادبية والنفسية حد المصداقية الباسله..
 وهذا ما عمل عليه شاعرنا الزهراوي بنجاح كبير..فقد استوعب عميقا مضمون ما تحدث عنه الشاعر والروائي الفرنسي البارع فيكتور هوغو حيث  عبر عن مثل هذه المنهجية واصفا اياها ب(الصعود الشاق لزقاق الالهام الوعر)..
وهو عندنا اصلا كان دعوة اشراقية عرفانية  جذرها (حسن الإصغاء لصوت الذات )..كونها مكمن الرؤى وبوابة المعرفة..ومكمن الرغبات والمخزونات الخبيئة أيضا..
3- الزهراوي والايقاع الشعري المدهش :
----------------------------------------
في الواقع ..نحن هنا بحاجة ماسة جدا الى هذا اللون من الأداء الشعري الإيقاعي النمودجي ..هذا فضلا عن شرف موضوعته العالية المقام..والتي كان يمكن الشغل عليها مطولا لأهميتها هي الأخرى ,ولكننا اكتفينا بما قدمناه آنفا للتركيز محوريا على اسلوبيته وخصوصيته ,كما وأننا بحاجة فعلا الى  التركيز على مادة تتعلق ب (موسيقى الشعر),الموزعة عنده على موسيقى المقاصير,بل حتى موسيقى الانتقال بين العبارات و العلائق الموسيقية بين المفردات ذاتها....
من هنا نقول:
انت معلم أصيل أخي أ.محمد الزهراوي أبو نوفل..معلم تملك ناصية البناء الثلاثي المتحد:
1-فكرة النص..
2-موسيقى النص..
3-التعاقب البنيوي المتناسل ...
اذ لم الحظ على الاطلاق فجوة في واحد من عناصر هذه الثلاثية المكينه..
الذي يغلب على الظن ,أن سر هذا الأداء المبدع يكمن في أربعة جوانب بالغة الأهمية لكل شاعر في الوجود:
أ-مستوى الموهبة ..
ب-مستوى الملكة والخبرة..
ج- مستوى رهافة الإذن الموسيقيه.. 
د-مستوى المصداقية المعبرة عن إيمان الشاعر بما يقول ,وآنحيازه غير المفبرك الى موضوعته ومحور إطروحته..
هنا لايوجد عند الزهراوي اي نوع من انواع التقمص..بل كان  هو الحلول الكامل كونه صاحب قضيه..فالقضية قضيته وهو لا يعبر الا عن مشعره الحقيقي الدفين..
ولكن ما افاض بهذا الكم من الشعرية على النص الى جانب المصداقية هو حسن البناء وتوالدات الحدث الشعري المتصاعدة بحرفنة فطينة الى مسك الختام..
كما وأن الذي اضفى بهذه السلاسة والدفق الحيوي هنا هو ما اشرنا اليه من الجدل الموسيقي الذي ظفر النص بظفيرة واحدة من المطلع فالمقطع فالختام..
إنه تحديدا  إحسان الخيارت المناسبة للأداة التعبيرية بما يجعلها سلسالا ايقاعيا واحدا..
ولاريب أننا بإزاء عاملين خطيربن زلقين هنا لا يجيد التعاطي معهما الا من اتقن حرفته في جانب ,وتخلص من مخالب صنعتها في جانب آخر..
*وإتقان الحرفة بمعنى الإشتمال على كل تفاصيلها ..
*والخلاص من مخالب صنعتها ,بمعنى الإبتعاد عن التكلف والتعسف والتقعيب والتقعير وأية حاجة لآستحضار مفردات الحرفة بمايجعلها مقصودة ناشزه..
هذا يعني أن الحرفيات جميعا والدفق الموسيقي  بتفاصيله جميعا..قد اصبح كما اسلفنا(ملكة)تلقائية الإسهام ,دينامية الحضور..
ان ظاهرة الشعر الايقاعي الدفين او(الموسيقي الدافق) لهي ظاهرة بالغة الندرة صعبة المراس..ومن تصور انها  في متناول  يد من هب ودب فهو واهم كبير..ذلك لأنها تعتمد -كما كررنا لأكثر من مره -جرس الكلمات..ثم إجادة الربط الجدلي التلقائي بين  أجراس جميع مفردات النص في (معزوفة هادئة واحده)..وهذا ما ركزنا عليه في قصيدة نادرة هي الاخرى للأديبة التونسية ندى الادب(نائله طاهر)قبل فترة وجيزه..
وها نحن نشعر بالسرور حقا  فكل ما ذكرناه آنفا من مطالبات عالية كانت قد تحققت بإقتدار واضح التجليات في قصيدة (البهلول) بكل جداره..
اخي الشاعر  الزهراوي المبدع.هذا اعجابي..وخالص تقديري..والسلام.
                     -----------------------
----------------------------------------------------
   نص قصيدة الشاعر الزهراوي                 ------------------------
البهلول 

كنت آت ..
ومعي طلائع
شمس تولد !
وأطفأ في طريقي
النجوم الليل ..
حرض لصوص الغابة
وقراصنة البحر علي .
لأني مِن أول مَن
خوضوا في المحيط
اقلقوا سكون
الماء الفاسد ورشقوا
الظلام علانية !
يومها صاحت الخفافيش
خرجت عن ..
صمتها المعهود :
(أمسكوا بهم ..
هؤلاء أتبع يوحنا) !
ولم أكن ..
غير بهلول !
غير مواطن في
زمان هرم ..!
أقلقني الضوء وأعماني
ليل الآخرين وأنا
أركب صعاب الأسئلة
أطرق آفاقا مقفلة ..
في صحراء الجليد
أجرجر رجليّ ..
في شوارع أهلي
أحاذر كلاب ..
إلـه المدينة !
أنوء بالقهر وبي
قلق عن مصدر النبع
عن غابة ..
نامت ولم تصح .
عن النهر جفّ
ولم يعد يجري ..
عن طين الشرق
مات ..جفّ فيه
الغناء ويبس العود .
وعذاراه تهن ..
يبحثن عن الأبطال
وبلقيس مهجورة ..
تنتظر الشهامة !
تنتظر الفداء والجود
لمحو العار ..
وأحزان الديار !
تسأل : متى ..
يا فدائي تعود ؟
ومن البعيد ..
البعيد يهتف صوت :
آت يوم قيامتي ..
آت ! ! ومهما 
تطاول الليل ..
مهما تأخر الصبح
سوف أسرج ..
فرس الشهامة
فرس قيامتي
وأعود ؟ !

محمد الزهراوي
أبو نوفل



                     ...........................
.............................................................
                    .............................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق