الاثنين، 28 نوفمبر 2016

( بيت القتلى) بقلم / شاكر الخياط

( بيت القتلى)

اجواء البيد تحاصرني .....
وتخوم القلب تهدهده...
وفلول الشر على وجل عبر الخضراء تراقبه..
القت برحاها ايامي مروحة ناءت في حزن والقهر يؤطر نائحه...
اشتاق هواها رائقة، لأداوي جمر لواعجه
ارست اشواقي برقعها ... وزفاف بنات الآهات...
ثكلى، يتماوج صدر مرابعها...
انات القلب موارده ...
وصرير القتل مواضيها..
من نفح اعالي منبعه، يستاف وئيدا سَلسَلُهُ...
ما من في العين مناورة، فأديم الشكو وقاحله، وازيز جناة الاحراش..
تدمي اروقة مصبحة ... في بردة حمى الارضاع ...
اذيال البردة عذراء ...
وامقة قلقلة الضاد ، أريج القارعراق ونقاء ...
فَضّوا في الليل طهارتها، وانقضوا قبل الفجر لفك سوار العصمة عن (بيت الله)1،
تصرخ استار (القلعة)2 ..
والشط ينادي الارواح،
تتقطع اوداج القتلى،
تتباكي الدار بصوت الثكلى ..
مجزرة عند الجسر ، واقدام غزاة اوباش ، داسوا بالقهر ازقتها...
عهرا كان نداء الفجر..
وبعد الفجر، وقبل نواح الارحام انتهزوا طيبة تلك الارض،
من اين ساجمع اوراقي وألملم اشلاء الكتبِ ؟
من اين ساكتب ذاكرتي؟
ويتيم يرصدني بالدمع بأرغفة السغبِ ؟
لن انسى ابدا مأساتي ..
سأقطّع السنة الكذب ..
وسالعن داعية الصفح..
وسأخلع جلباب شعائرهم ...
وسافضح كل مكائدهم ..
وسابصق فوق عمائمهم...
اقسمت بـ (آي الملح)3 و(نهر الله)4...
اقسمت بـ (سور القلعة )5 ...
بالشاطيء في ( قندي)6 ..
بـ ( القار)7 وكل صخور (المقلوبة)8 ...
بالشط ورمل ( العبرة )9 ...
بـ (المقهى الشرقي)10 وبـ (الباب الغربي)11 ...
بالناتيء في (جبل السلمين)12 وبالساكن عند (الكرْيِّ)13..
اقسمت بـ (مأذنة الفاروق)14 وصوت (الراعي بنان)15 ..
اقسمت بـ (وادي العيدي)16 ..
بـ (العين الجربة)17 تشفيني ..
بـ (إمام الجامع )18 في ( الشرقي)19 ...
لن يبقى النخل اسير الغرباء...
الغيت حروف الضجر الماخر في عمق المنبر...
وبصقت بوجه سماسرة العنف ، ودعاة الدين وارباب البغي ، ونرجسة القهوة...
الغيت احاديث الكان وهيا ومحوت الكنا او هلّا، الغيت مراسيم الدفن ونافلة المَلَّا،
فيقينا يأتي من جهة القتلى يعسوب يرعد في وجه العار، ويحمل لون النار..
وسينبذ ذاك العنف ويفتح اسرار الغار..
وسيكبح ارصدة العهر وارصفة الجوع، وسيلغي كل مناورة تأكل من جسد الجرحى، سيُثَبّت ارشيف الاحياء القتلى، ينتصر المظلوم لدى القتلى، ويعيد بهاء الالوان، ويجدد عرس الاحياء، في بيت الله وبين القتلى ...
==================
1- ( بيت الله) اسم هيت القديم في السريانية.
2- ( القلعة) قلعة هيت الشاخصة على الفرات لحد الان.
3- (آي الملح) بحيرات الملح الكثيرة التي كانت تشتهر بها هيت قديما.
4- ( نهر الله) نهر الفرات.
5- ( سور القلعة) سور كبير يحيط بقلعة هيت بشكل دائري.
6- (قندي) نواعير منطقة قندي احدى شواطيء ومراتع الصبا.
7- ( القار) تشتهر به هيت وانا اعني (عين القار) التي اخذ نوح (ع) القار منها لطلاء سفينته.
8- (المقلوبة) منارة المقلوبة ليس بعيدا عن هيت، ولها قصة ترتبط بالتسمية.
9- ( العبرة) كانت وسيلة التواصل بين ضفتي الفرات في هيت قبل انشاء الجسر.
10 - ( المقهى الشرقي) مقهى يعرفها اهالي هيت ( مقهى بيت عبيد) كانت بمثابة منتدى ثقافي.
11 – (الباب الغربي) احد ابواب قلعة هيت الاربعة وهو مسقط راس عائلتي.
12 – (جبل السلمين) والصحيح هو السلامين وكان من يرتقيه فهو آمن وقت الفتح الاسلامي لهيت.
13 – ( الكري) النهر الذي تقول الاساطير انه حفر لـ"سعدى" من هيت الى البصرة اثناء زفافها للامير البصري.
14 – ( ماذنة الفاروق) منارة جامع الفاروق، كانت قبل الفتح الاسلامي لهيت تستخدم كفنار للسفن القادمة عبر الفرات. وهي لاتزال ماثلة الى وقتنا الحاضر.
15 – (الراعي بنان) واحد من مشاهير هيت في ستينات القرن الماضي كنا ننتظر قدومه قبل المغرب ليستلم كل منا ما اودعه من الاغنام ليرعاه.
16 – ( وادي العيدي) احد الاودية التي ترتبط بالفرات في ضفته الثانية.
17 – (العين الجربة) هي ينبوع ماء طبيعي يستخدم للشفاء من الجرب والامراض الجلدية موجودة في هيت الى الان.
18 – (امام الجامع) اقصد هنا الشيخ الجليل المرحوم عبد الرزاق محمود حبيب ياس امام وخطيب (الجامع الشرقي) ثاني جوامع هيت ويقع في قلبها.
 
نص تعليق علياء نصر
 
Alya Alya Nassr مااغرب ما حدث معي
بداية دخلت في براح عظيم من الهيبة والخشوع فرض علي من السطر الاول كاني اقرا سفرا مقدسا لكن تلك الهيبة لم تمنع مشاعري من الاختلاج ولم تقي ذهني من الدهشة وانا اتوغل صاعدة اكمل مسيرة قراءتي لهذا الهرم الشعري
وأؤكد على قولي "صاعدة"لان هذا
ما شعرت به فعلا ..الصعود عاليا..
لم يفتني معلم مكاني تاريخي واحد مما ذكر فأثرت القصيدة ثقافتي أيضا -وانا مهووسة بالتواريخ والاماكن- وكان الامر اشبه بالتهام موسوعة لذيذة -وهو جانب لم استطع اغفاله-
الاحساس العظيم الذي نبعت منه القصيدة وصلني كاملا كانما عرفتك وعاصرت الحدث الذي عنه نزف قلمك مخرجا لنا هذا الكنز العظيم والمذهل وكلما توغلت صعودا كنت اسمع صدى صوتك وانت تشتاق وتلعن وتقسم وتتوعد وتتوجع ..نعم اني اسمعك جيدا
افلا يحق لي بعد كل هذا ان اتمنى من كل قلبي لو كنت من صلب الرافدين غير اني من رحم النيل جئت
أنحني لك اجلالا سيدي أ.شاكر
ولك عظيم امتناني وعرفاني سيدي أ.غازي لمشاركتك لرائعة الروائع هذه
 
رد غازي احمد أبو طبيخ
 
آفاق نقديه أستاذه Alya Alya Nassr..نحن ايضا نحتاج كثيرا الى أن نسمع او نقرأ وجهات نظركم نثرا ..لأنها في الواقع تعطينا فكرة ثانية عن مستوى وعي المبدع ,وكيف يمكن لنا -اسلوبا-التعامل معه..او التفاعل معه..
ولقد ابنت حضرتك منذ الوهلة الاولى عن وجه ابداعي واعد ومبشر ..
وها نحن الان نتلمس اعتبارك الثقافي بكل اعتزاز ..أملنا كبير أن يطلع اخي الأستاذ Shakir Alkhaiatt على هذه المداخلة الرائعة ,من جهة أم الدنيا ورائدة العروبة ثقافيا وفكريا ... وهذه تحيتي وعميق احترامي ,سيدتي..
 
رد علياء نصر
 
Alya Alya Nassr اخبرني اول مدرس للغة العربية تتلمذت على يديه أن الشعر عراقي
ومنذ ذلك الحين وأنا اتاكد من ذلك كل يوم ؛واليوم عرفت ان الشعور ايضا عراقي........
لك مودتي وفائق احترامي وكل تقديري ايها الطيب اصلا وقولا....أستاذي الكريم"غازي"
 
آفاق نقديه هل يعقل أنني اعثر على هدا النص العجيب بمحض الصدفه?!!!..
عجبا من امرك يا اخي....
***********************

الاستاذ Shakir AL Khaiattشاركت هذا النص الكبير حرصا مني على وصول ثلاثة احوال اجدها بالغة الأهميه:
الحال الاول:
********
مما يؤسف له حقا أننا نكاد نفقد اهتمامنا بعد أن فقدنا مزاولتنا لكتابة هذا الطراز السيابي الفذ الذي يحتاج بكل تأكيد الى أذن بالغة الرهافة ,فشعر التفعيلة الجميل الحميم طراز شعري فذ يتوجب علينا الحفاظ على كشوفه الموسيقية الكبيرة التي كانت باب الفتح الاول لكي يأخذ الشاعر حقه من الحرية التي تطلق عنان مشاعره مع الحرص على العروض الشعري ..هذا اللون من الشعر الحرحقق اكبر الانجازات الابداعية على يد رواده العظام امثال بدر شاكر السياب ونازك الملائكه وعبد الوهاب البياتي ولميعه عاس عماره وبلند الحيدري ومحمود البريكان من الجيل الاول..وسعدي يوسف وحسب الشيخ جعغر وادونيس وأمل دنقل ويوسف الصايغ وحميدمجيد ومحمود درويش وسميح القاسم واحمد دحبور ونزار قباني وغيرهم من الجيل الثاني والثالث..ولايختلف اثنان على ما قدمته هذه الاسماء من الإنجازات التي مازال صداها مدويا وما فتأت ذاكرتنا مفعمة بالكثير الكثير مما كتبوا..
هذه الدعوة تصعب بكل تأكيد على من لايملك حسا موسيقا دقيقا في جهة ودافقا مرنا في جهة أخرى, وكلنا يعلم أن ما تعرفنا عليه الآن عبر قصيدة الشاعر الكبير أ. Shakir Al Khaiatt ليدل دلالة واضحة على أن شرط المرونة والدفق الموسيقي لايمكن ان يتحقق الا بعد تحقق مثل هذه الخبرة المقتدرة التي يمتلكها شاعرنا موضوع الحديث ,فوحدها هذه الخبرة ما يمكنه على ان ينهمر شعوريا بحيث يناقش ويحاور بكل ما يتطلبه الشعر الحيوي من المرونة التي اشرنا اليها آنفا..هذا فضلا عن حسن اختياره لبحر الخبب المتسارع الذي يتناسب وطبيعة الحدث الهادر..

الحال الثاني:
********
كلما كان إحساس الشاعر صادقا فإن هذا الإحساس سينعكس طرديا على ما ذكرناه اعلاه ,واعني مرونة الانهمار الشعري وحيويته في ذات الوقت..ومن الواضح ان شاعرنا الخياط الكبير لم يكن صادقا وحسب ,بل إنه قد استحال الى بركان من الحزن وثورة عارمة متراكمة حد الرغبة بالتمظهر ,ولا شئ أقرب الآن من ترحيل هذه الاحاسيس الى قصيد حر متخم بأنفاس هذه الثورة..

الحال الثالث:
********
الاستاذ الخياط لم يكتب هذه المرة رواية عن غيره,فلم يكن مجرد شاهد على حدث ,وإنما كان محور بل بطل هذا الحدث الشعري الخطير ,وأظننا سنجيب هنا على تساؤل الست دنيا حبيب,بالقول أنه حين تحدث عن شعوره الشخصي فقد كان يتحدث عن مشاعر كل فرد في مدينته بل عن مشاعركل فرد في بلده ,وهو كذلك في الجزء الثاني ..وجميل منك ياسيدتي ان تؤشري هذين المحورين ..ولكنهما في الحقيقة وجهان لمرآة عراقية واحده..
كنت بارعا اباعبدالله..خيارا شعريا وخيارا موضوعيا واسلوبا زاخرا بالمصداقية والجمال ..احسنت..غاية الاحسان..تحياتي
 
 
 نص تعليق الاعلامي الكبير
الاستاذ ماهر حميد..
--------------------------------------

اعيدها مرارا وتكرارا , اني لا أجيد كتابة بيت واحد من الشعر , لكن الله الهمني التمييز بين غثه والسمين , مهلهله والرصين , السعيد في ابياته والحزين , وأخيرا صادقه الخالي من الزيف , واكذبه الخالي من الصدق ... وانا اقرأ ابيات كتبت , رافقتني سمفونية حزينة وغاضبة, فخرجت برفقة نغماتك من دارك التي لم يهنأ بها عيالك سوى عامين , ربما أقل , فوضعت يدي على باب خلعه الوغد وسقف وشباك خلا إلا من "رازونة" احتبست بها أنفاس بريئة , مسميات ذكرتها ,تداعت ساقاي يحث بعضها بعضا باحثة عنها , لملمت مناديلا من طرقاتها ملطخة بدماء عذرية مدينة مدت أذرعا تحتضن العائدين , لكنها تصرخ من اخمص قدميها مرددة بصدى مجلجل " لالالالالا ....لاتوبة للضالين , و لاعودة لابناء اقترفوا خطيئة بمحارم أئتمنوا عليها ".... أبناء عمومتها وابناءها تعاونوا على هتكها , واغمض النواطير عيونا وفتحوا أخرى لا لكي يحرسوا بها , بل لكي يروا من خلالها أن كان هناك من يراهم وهو يغضون الطرف عن السراق والقتلة , غضوا يوما طرفا ومارسوا دور القوادين , ولبسوا لبوس المدافعين وصبغوا وجوها بمكياج المهرجين .... فصدقهم في طرقات المدينة كل لاه , وغر صبي مداهن , إلا لعنة الله على الظالمين .... لكنني حبا بما كتبت , ولتلك التي كتبت , لا اجد إلا أمير الشعراء يرد على ابياتك مواسيا ...............
قسما بثنايا لؤلُئِها قسم الياقوت منضده
ورضابٍ يوعدُ كوثرهُ مَقتولُ العِشقِ ومُشْهَدُه
وبخالٍ كاد يحجُّ له لو كان يقبَّل أسوده
وقَوامٍ يَرْوي الغُصْنُ له نَسَباً، والرُّمْحُ يُفَنِّدُه
وبخصرٍ أوهَنَ مِنْ جَلَدِي وعَوَادِي الهجر تُبدِّدُه
ما خنت هواك ، ولا خطرتْ سلوى بالقلب تبرده ...........
أخيرا أئتني ياصاحب القريض البالغ من الرقي مبلغا , أئتني بعروس ازدانت بسندس , وتوجت هامة بطوق ياسمين معطر , كالمدينة التي وصفت ,,,, لكن قلبي يعتصر أن خرج من صلبها ," انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح ".
 
 
   نص تعليق أ.دنيا حبيب..
---------------------------------------

يعني، وأنا أقرأ النص، ساءلت نفسي.. هل أراد الشاعر -أستاذنا- أن يوثق حدثا تاريخيا؟ ومن أجل هذا ذكر أشهر معالم المكان الذي صارت به الحادثة؟؟.. في المقابل، وأنا أعلم جيدا أن هذه الحادثة تخص الشاعر وتمسه بشكل شخصي، تساءلت، هل كُتبت القصيدة من أجل أن توثق حدثا "ذاتيا" عندي الشاعر؟؟ .. المهم أن إجابة السؤال الأول كانت في الثاني، والثاني في الأول... والخلاصة أن إحساس الشاعر الذاتي، لم يطغ على إحساسه ورغبته في تأريخ ما حدث كرسالة ومواساة للناس جميعا ولأهل المدينة. وكذلك العكس صحيح.
لهذا، من يقرأ القصيدة، سيجدها عبارة عن نصفين يؤازر كل منهما الآخر، ففي النصف الأول، ورد ما يخص ذات الشاعر، من أحاسيس شخصية، مندلعة متألمة، ولا أجد لها وصفا، إلا أنني أذكر في أول مرة قرأت فيها القصيد، بت أشعر بأني "أجز" على أسناني.. وكأن الألم قد انتقل "حرفيا" إلينا، وأصبح محسوسا ملموسا في داخلنا. والنصف الآخر، لم تنقص فيه مشاعر الألم، لكنه كان نتيجة مترتبة على نصفه الأول، فبعد سرد أحاسيسه الذاتية، بدأ في التحول للرسالة عامة ((لقسم)) يعلن التحدي، ليخبر العالم، ويقف في وجه الظلم قائلا، أن بعد الظلام فجر، وكلما كان اشتد الظلام، هذا يعني أن النور أوشك على القدوم.
القصيدة هي في ميزان الإنسانية والتاريخ معا.. كل السلام أستاذنا العزيز
 
 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق