الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

عرض تحليلي نقدي لقصة " عندما يسكت زوربا" للقاص علي الحديثي بقلم / علي البدر


 عرض تحليلي نقدي لقصة " عندما يسكت زوربا" للقاص علي الحديثي بقلم / علي البدر

1) القصة:
حتى لو لم أكن أعرف أن أرقص إلاّ أني سأفتح موسيقى زوربا مع الفيديو الذي يرقص فيه الناس في الشارع، فأرقص معهم، كنت أضحك مع نفسي على نفسي وأنا أحاول أن أقلد حركاتهم..
وحيداً في غرفتي، لا أحد يراني سواها، كل شيء هنا، حتى أعضاء جسدي، تحول إلى نظرات خاضعة لعيونها، برغم الابتسامة التي افترشت صمتها إلاّ أنها لم تستطع أن تلجم صرخات الصمت التي تماوجت فوق قسمات وجهها..
امتدت أيديهم وتعانقت إلى الجانبين كأنهم طيور تستعد للتحليق، سحبتها بهدوء لتقف إلى جانبي، مددنا أيدينا مثلهم، كل شيء كان بيننا منتظما.. ضحكنا.. نبضنا.. إلاّ رقصنا العشوائي الذي خطّ عبثية حب أسكرت أولي النهى..
هطلت أنغام زوربا كالودق المعتق بعطر السماء على جسدينا.. لا..لا..على جسدنا الذي تحول إلى أغنية ترددها خطوات ثكلى بفقد الطريق، استللت يدي من يدها، وراقصاً توجهت بجسدي المنغمس بلذة الحركات صوب المكتبة، فتحت رواية زوربا، أخذت اقرأ بصوت مرتفع تقطعه دخان سيكارتي:
(عندما مات صغيري... وقفت هكذا ورقصت، وأسرع الأقارب والأصدقاء الذين كانوا يتطلعون إلي وأنا ارقص أمام الجثة، ليوقفوني، وأخذوا يصرخون، "لقد جُنّ زوربا ، جُن زوربا"، لكنني أنا في تلك اللحظة لو لم أرقص لجننت من الألم)..
ومن دون أن انتبه رأيتني أقف أمامه، وهو يقلد عبثية جسدي، حدقت فيه بسخرية، الهدوء يسود الغرفة بعدما تناثرت حروفه بين أوتار تشعبت بداياتها، ولا نعرف نهاياتها.. التفتُّ إليها وهي ترمقني بصوت أم كلثوم بعدما سكت زروبا، عدت إليه ملوحاً بإصبع التهديد..
- لا ينبغي أن يراني أحد الآن إلا هي.. سأقتلك..
أسرعت إلى سريري، لأغطي المرآة بالبطانية، وأواصل لغتي الجسدية بعدما "دارت الأيام" دورتها في ذاكرتي..
(اهرب من قلبي أروح على فين.....)
كنت أحاول بصوتي المرقع.. المرتفع جداً أن أصفع دموعي ..
- أغبياء.. كلنا أغبياء.. قلم وورقة وأم كلثوم... وليذهب العالم إلى الجحيم..
هرعت إلى مكتبي لأدون هذه الكلمات في لحظات شعرت باني لست أنا قبل قليل، كنت إنسان الحركات، والآن إنسان الكلمات، ولا فرق بين الجنونين إلاّ بالإطار الوهمي، ألقيت بالقلم فوق الأوراق، قفزت كسباح ماهر إلى نهر الحركات التي تبحث عن خيوط تربطها مع بعضها أو مع ..
(وهلّ الفجر بعد الهجر بلونه الوردي بيصبح..)
أحيانا تراودني فكرة أن أقفز من النافذة.. ههههه .. أعلم أنكم تظنون أني أفكر بالانتحار، أعرف أن الانتحار هو الحل الأنجع لمشاكل الحياة، ولكن المشكلة أن وراءنا مشاكل أدهى وأمر، فنحن عندما نختار الحياة هذا يعني أننا اخترنا أخف الضررين..
عندما كنت أذهب للنوم وأنا صغير كنت أسخر من الكلاب التي تنبح، فأقول لها ساخراً "لن تصلي إلي"، لكن للأسف لم تكن سخريتي مكتملة، فالجدران الحجرية تمنعني من رؤيتها مهزومة أمامي، كم وددت حينها أن تكون الجدران زجاجية لأنتشي بانتصاراتي السرابية على الكلاب، ربما هذا هو السبب الذي منعني من القفز من النافذة، أن أحتفظ بالجدران التي تحول بيني وبين الآخرين كلاباً كانوا أم بشراً.. أنا أقول ربما.. فانا مازلت أشكّ بأن دخان سيكارتي يستطيع أن يحتفظ بحروفي في الخواء ليصل بها إلى السماء..
وبلحظات غضب لا أعرف سرها تسربت إليّ من شقوق الروح المتصدعة ..حدقت فيها..
- ليتها كانت معي..
بادلتني التحديق باستغراب وقد غرقت شفتاها الذابلتان بحرفين..
- من ؟
- نـ....
تعثرت حروف اسمها في شفتي، لففت يدي حول جسدي كأني أحاول أن امنع روحي من الهرب.. لو.. لو.. هههه.. فإذا بي أضحك.. أضحك.. أضحك.. وأنا استلقي على سريري... وأغمض عيني...
======================================================
2) العرض التحليلي النقدي:
لم يره أحد.. الا هي، تلك الأنسانة التي احتاجها في وحدته فها هي تمزق حجب الصمت لتعلو صرخاتها متموجة فوق قسمات وجهها..أجل أن يكون الجو ساكنا والهواء نسيما.. يذوب الموج ليبقى الصراخ في أعماق متيم هده الشوق لانسانة في أمس الحاجة اليها. أجل الهدوء يفجر موجا انفعاليا وجده الكاتب متناغما مع رقصات زوربا الذي رقص على مأساته وأبى ألا أن يتحدث مع المحيطين حوله بلغة الجسد gestures فهو كائن اجتماعي بحاجة لعطف الاخرين Moral passionوهذا ما حصل عليه ومنحه اطمئنانا وهاهم يصرخون محاولين ايقافه: "لقد جن زوربا، جن زوربا..." انها صرخات تعاطف وألم أشعرت الراقص بالأرتياح وخلصته من "جنون الألم." ويفيق محاولا كبت دموعه التي تجذرت في واقعه " يشعر بمرارتها بعد كل غيبوبة أو حلم أو خيال حيث يتحول جسداهما الى جسد واحد.. وهكذا يهرب من قلبه مجبرا ولكن الي أين؟ حتى " الأغنيات التي اعتاد سماعها لم تسعفه وتخلصه من حرارة الشوق وألم الفراق فيصفع دموعا انهمرت رغما عنه وبالتأكيد الصفعة تعني الغضب والألم والحرمان" ولم يعتد مسحها برفق لأنها دموع بديلة لحضور حبيب غاب وتركه مع عزلته.
ولم يكتف بذم نفسه ووصفها بالغباء وانما "كلنا" أغبياء .. قلم وورقة وأم كلثوم" ومن ضمنهم هؤلاء الذين يقرؤون كلماته. ولكن ومن أجل أن لا نجعل القاريء متشنجا لاتهامه بالغباء كما يعتقد، ما علينا سوي أملاء الفراغ الذي تركه لنا لأيقاعنا في الفخ الذي رسمه لنا: "كلنا أغبياء ان ابتعدنا عن الكتابة لتحويل انفعالاتنا الى تفريغ وجداني على الورق ،يخلصنا من هم الفراق
ويعطينا لحظات حلوة ، كما الرقص، لحظات ممزوجة مع ألحان عذبة تغذي الروح والجسد.. لتعطي نهرا من الأنفعالات التي تتحول الى كلام نغور فيه بأمان كما يغور السباح الماهر في نهر يوصله تياره الى شاطيء الأمان. وقد وجدت أن هذا السباح الماهر، بالتأكيد سباح في بحر عميق من الورق ممتد بامتداد سحر الأغنيات التي يبحر وسطها. وفي النهاية لابد أن يفيق هذا الأنسان ويعيش مع وحدته لكنه فكر بالانتحار لأنه الحل الأنجع، سرعان ما تخلى عنه وفضل الحياة لأنها أخف الضررين.. والمنتحر عاجز عن الأنتقام أو أخذ حقه من غيره سواء أكان فردا أو طموحا أو رغبة يعجز عن كبتها وجعلها سلوكا سويا تعويضيا، فيلجأ لأيذاء نفسه وتوجيه عدوانه اليها. وأحيانا تعرقل الظروف هذا الأحساس بالتحدي وتعطيه فسحة من الأمان كما الجدار الفاصل عن الخطر الخارجي الذي مثله الكاتب بنباح كالكلاب . هذا الأمان يحول أيضا بينه وبين الأنتحار الذي هو "أهون الضررين" كما أسلفنا..ومن هنا يتمنى الكاتب جدرانا تحميه وياليتها زجاجية لكي يراها نابحة عليه لينتشي من تحديه اليها بكونه لا يخاف من نباحها.. انها شجاعة طفولية ربما لازمته وتعمقت في ذاته وغدت لاتمثل كلابا فقط وانما اخرين يبدو أنه عاجز عن مجابهتم ولكن الى متى؟ تساؤل يشك الكاتب في حل معادلته وقد يكون الحل وهما كوهم حمل دخان سيكارته لحروفه نحو السماء.. ويرجع ليقول: "ياليتها كانت معي" حيث تلف ذراعه جسده محاولة منع روحه عن الهرب.. "فأذا بي أضحك.. أضحك.. أضحك.. وأنا أستلقي على سريري.. وأغمض عيني" وبالأمكان تكملة الأسطر هكذا: "واذا بي أضحك.. أضحك.. أضحك .. وأنا أستلقي على سريري وأغمض عيني وحيدا في غرفتي، لا أحد يراني سواها..." والأغماضة هنا ليست بالحقيقة نهاية القصة بل بداية جديدة للقصة، أو ربما لقصة جديدة يسبر الكاتب أعماقها وبأبداع أيضا. وعليه أن لايتصور أن أحدا لم يره عندما رقص معها على أنغام موسيقى زوربا. أو عندما غطاها وهي في فراشه، فقد أبحرنا معا ولكن لا ندري الى أين. وأراني أغمض عيني لأري وجهة سفري أو أفتش بين صفحات زوربا أو أجمع دخان سيجارة متطاير أو أسمع لحنا عذبا كما سمعناه معا أول مرة...
وأشارة ربما غير ضرورية، بخصوص كلمة عيونها والأفضل عينيها: " وهي خطأ طباعي بالتأكيد.
القاص علي الحديثي. لقد قضينا وقتا ممتعا مع قصتك . تحياتي
علي البدر
 
تعقيب نائلة طاهر
 
ندى الأدب كلنا نهرب ..نحتمي بعالم ورقي لا يقدر أن يحتوي كل أحزاننا رغم أننا نظهر العكس فإن كتبنا انعكست كتاباتنا على ملامحنا الداخلية وان عجزنا عشنا اكتئاب المشاعر ...كرقصة زوربا التي لا تنتهي والتي تشبه دوران الساعة هو الشاعر أو الكاتب تأخذه نشوى النصر حين ينهي ما كتبه وسرعان ما يهوي إلى ظلمات لا تدركها إلا روحه. .ليذهب العالم إلى الجحيم اذا نجحنا في الهروب واكتفينا بورقة وقلم لتنبح الكلاب أو تعوي الذئاب إذا أفلحنا في صم آذاننا عن واقع مكشوف لمرآة قبيحة. ...

رد علي البدر

Ali Albadir وهكذا الحياة.. مواصلة وتحد من أجل اشراقة أمل وابتسامة مرسومة على وجوه الناس لتكتمل السعادة. وأعجبني كلماتك عندما يحس الكاتب بنشوة النصر .. وهذا لعمري احساس قد يحسد الأديب عليه.. أحيانا اعيد قراءة ما أكتب واحس بدموع حارة تنهمر على وجنتي..فيتملكني احساس بنشوة نقية وفرح لا يوصف..والحديث يطول.. تحياتي تحياتي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق