الخميس، 29 ديسمبر 2016

* سقوط النجوم ،،من لوحة فان كوخ -2-( الحلقة الثانية ) بقلم / جمال قيسي

* سقوط النجوم ،،من لوحة فان كوخ ( الحلقة الثانية )
جميعنا نعيش في هذه الفوضى،،المتضاربة ،،لكننا نتكيف وفق دوافعنا الاولية،،نبحث عن التوازن والعقلانية،،لتبرير فداحة الامر،،نعم الحياة مخاطرة،،كبرى،،ان تعمقنا في النظر،،نحن في كل لحظة نكافح للبقاء،،وكأننا نسير على سلك رفيع ،،سقوطنا منه تحصيل حاصل ،،لكن محيطنا اليومي ،،وتكيفنا معه ،،هو اشبه باللوحة المتوازنة،، غير ان التفاصيل الصغيرة،،عندما تخرج من إطار هذه اللوحة،،تشعرك بالاحباط،،حتى عندما لاتشخص ،،هذه القيمة الخارجة،،،
الكثير ممن هم في حياتنا اليومية،،سواء نحبهم او نكرههم،،جزء أساس ،،من هذه اللوحة ،،ولا نقدر أهميتهم ،،الا بعد زوالهم ،،من لوحة الحياة اليومية،،
هناك أناس ،،نحسبهم ثانويين ،،لانهم ببساطة في قضية الأخذ والعطاء اليومي،،ليسوا أطرافا مباشرين،،معنا،،ولاتعرف كم انت مغفل،،الا بعد،،،ان يذهبوا،،بعيداً،،لتكتشف حجم غرورك وضعفك،،بدونهم،، ومقدار خسارتك الانسانية،،انا أتصور العالم تحكمه شبكة من الموجات المتعامدة،، اشبه بتعامد المجال الكهرومغناطيسي ،،مع التيار الكهربائي ،، فتيار الحياة النابض،،يتعامد معه مجال هرموني وانساني،،، كلنا مترابطين بآواصر غير مادية سواء شئنا ام ابينا،،،
في نقطة شروع،،مَن زمن ما ،،لا اعرف متى،،من زماني الشخصي،،وفي الاطار الكوني الأصغر ،،لوحتي اليومية،،عندما تخطفتني،،دوامة الترزق،،لأفترش الارض لبيع الكتب،،بعد خيبات متوالية،،تشجعت وقبلت الامر،،بنوع من الاعتداد بالنفس،،ليس لان العمل معيباً،،ولكن بيع الكتب يشعرني بالألم ،،اذ اني مهوس بها،،اعتبرها كائنات ذات حضور وجودي،،وعملية بيعها نوع من الخيانة ،،لكل اعتبار اخلاقي ،،بالنسبة لِي نوع من ممارسة المحرمات،،لكن المعيشة تضطرنا،،لان نسلك دروباً،،تدوس فوق الامنيات والعواطف ،،
في هذا الحيّز الزماني الذي لايعني شيئاً من تاريخ هذا الكون الفسيح،،كثير من الأشخاص ممن نصنفهم بالثانويين ،،اتعامل معهم ،،بحكم تواجدهم ،،مثلما ان تكون في زنزانة ،،عليك ان تتعايش مع من فيها،،حتى السجان ،،وهؤلاء ،،الثانويين في حياتي منهم ،،( خالد ) و( اكرام ) و( عصفور) ،،،عفواً - يجب ان اذكرهم حسب زوالهم من اللوحة- فاللتاريخ حرمته - عليه يجب ان يكون تسلسلهم،،عصفور،،خالد،،اكرام،،،لانه ببساطة ،،أظنهم تروس او نوابض لماكنة كونية،،تتفوق على قدراتنا الذهنية،،ولايجوز العبث بموضوع تسلسلهم،،،ايً كان الدافع،،،،
عصفور،،،واسمه الحقيقي عبد الامير،،طبعاً عرفت هذا بعد حين،،،لايتجاوز طوله المتر الا ببعض السنتمترات ،،ويقلل هذا الطول تحدّب ظهره ،، أشبه بالقوس ،،ربما هو قوس ( أرتميس ) قذفته بعيداً عن أعين( هيرا ) ووزنه ربما أربعين كلغم،،زائد نصف كيلو او ربع نوع من زيادة البركة،،ولا أستغرب ذلك ،،لانه حتماً من اتباع ( ليتو ) ،،بعد ان حولها ( زيوس) الى طائر سمان ،، لذلك أحسب ان له من المكانة والرفعة الكونية لأسباب موجبة ،،أسباب لاعلاقة لها بمفاهيمنا،،،لأننا عندما نعجز عن تنسيب الأشياء ،،نوعز ذلك الى اللامعقول ،،واللامنطق،،دون ان يأخذنا الحياء،،ونعترف بأن عقولنا قاصرة وجل معارفنا نسبية،،حتى نحكم على الأشياء التي تتفوق علينا ،،بارتباطات مبعثها الجنون،،او الماورائية،،
كنا،،مجموعة من باعة الكتب الأوائل الذين دشنوا ،،شارع المتنبي لبيع الكتب أرضاً،،لايتجاوز عددنا العشرة،،انا وصديقي الكاتب عبد الناصر والشاعر زيارة والمترجم عباس الكعبي والمؤرخ قيس الشيخلي ،،وآخرين،،ستمر علينا قصصهم لاحقاً،،
عندما ينتهي عملنا نخزن بضاعتنا في احدى غرف البناية التي نفترش تحتها،،وهنا يأتي ،،دور عصفور ،،لانه الحمال الوحيد المتوفر ،،او بالأحرى ،،يقف قربنا قبل الموعد بنصف ساعة،،هذا عدا مروره علينا في النهار عدة مرات لتأكيد ،،صفقته،،عندها لا مفر من الامر،،كان يرزم كتبنا بشوال كبير،،وعندما يرفعه،،لاتكاد ترى عصفور،،وحالما يتسلق السلم الضيق،،وشواله يضرب الجدار،،يميناً ويساراً،،كأنها أرجحة بندول عملاق ،،نسارع خلفه مباشرة،،لكي نخفف عنه الحمل،،او خشية ،،من تدحرجه ،،والتي ان حصلت ،،ربما لايتبقى منه،،الا الربع كلغم،،،وكان عندما يلقي حمولته أرضاً يذهب مع سقوطها بعيداً،،بحكم قوة الطرد المركزي ،،بين وزن الحمولة،،وخفة جسمه،،كانت هذه المعاناة يومية بالنسبة لنا،،الا انها لم تشكل شيئاً مهماً،،له حتى اقترحنا عليه،،ان نعطيه اجرته،،دون قيامه بهذا المهمة ،،الا انه أبى،،لان النقود لم تكن تعني له شيئاً،، مجرد إنجاز عمل،او ربما هواية،،ويالها من هواية،،،وعرفت لاحقاً من صديقي المرحوم المؤرخ قيس الشيخلي،،بأنه الوريث الوحيد لعقارات عديدة،،وان تواجده في شارع المتنبي ،،هي مهمته الأساس ،،لعل تواجده في هذه الرقعة،،يعود لزمن سحيق،،،
أشعر ان تنقلاته في هذا الرواق الكوني،،تسبق اي تواجد،،ربما ألتقى بابو حيّان التوحيدي،،عندما كان ينسخ الكتب في سوق الوراقين ( سوق السراي حالياً) ،،او سلفه الجاحظ في نفس السوق،،ربما عرج على مجلس ابو الحارث المحاسبي،،في ايام المِحنة ،،،
عندما تنظر اليه ،،عيناه أشبه بالزجاج ولا ترف،،وعندما يتكلم معك،،لا تشعر بأنك ضمن رؤيتها،،، مسمرة بأتجاه أفق ،،يتخطاك ،،يرتدي الملابس العسكرية،،تبعث على الشك في انتماءها،،ربما هي عثمانية،،او بريطانية،،المهم انها قيافة ،،احدى الجيوش المحتلة،،وربما الان يرتدي زي المارينز،،ان عاد الى رواقه المقدس،،،وأجمل ما في قيافته،،انه كان يرتدي جوارب ،،بلونين في كل رجل لون،،وتصل جواربه لحد الركبة،،ولا اعرف من اين يحصل عليها،،من المؤكد انها من احد الازمنة التي يتفقدها،،،وكان يحمل معه دائماً ( مكوار) ،،يدسه في حزامه من الخلف،،تشعر بأنه محارب ،،منضبط،،ويقظ ،،بأنتظار خصومه،،او المنازلة المكلف بها،،،
للحكاية بقية،،،،
----------------------------------
في الميثولوجيا الإغريقية ،،ان كبير الالهه زيوس تزوج من ليتو دون علم زوجته الاولى هيرا،،وقد حاول اخفاء الامر بان حول ليتو الى طائر سمان،،وقد ولدت ليتو تؤم هما ارتميس وابولو،،وارتميس هي إلهه الصيد،،كانت دائماً تحمل القوس والنبال،،،،
المكوار/ عصا خشبية يوضع في احدى نهايتها ( قير) على شكل كرة،،وهي تماثل النبوت المصري،،كانت عشائر الجنوب تعتمدها كسلاح،،
جمال قيسي / بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق