((في البدء ,
وردني سؤال جميل عن سبب ابتعاد اللافتة الشعرية عن الاساليب البلاغية المعهودة..?!))
وجوابا على ذلك اقول:
**************
وردني سؤال جميل عن سبب ابتعاد اللافتة الشعرية عن الاساليب البلاغية المعهودة..?!))
وجوابا على ذلك اقول:
**************
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
في بحبوحة الابداع الحق ايها الاستاذ الفاضل والصديق العزيز ،لا يوجد ما يمنع الانسان من التعبير عما في دخيلته. بالطريقة التي يشاء وبالاسلوب الذي يختار ،دون ان نفرض عليه مطلقا اي خيار مدرسي او مذهب ادبي او اسلوب تعبيري ،فكل الخيارات مفتوحة امامه وهو وحده الذي يختار مايناسب نصه او ربما يناسب مزاجه ..
ونحن نعلم ان بعض المبدعين يختار منهجا ابداعيا معينا بذاته كمنطلق اعتقادي لا بديل عنه.. يبدأ به وينتهي به ..وليس لنا ان نقسر المعطيات فنطالبه بما لا يوفر له القناعة المنسجمة مع تطلعاته وتصوراته..
لكن علينا ان نتعرف على منهجه في جانب ،.فنحاكمه على اساس منهجه الذي اختاره لنفسه.. هذه المحاكمة النقدية لا تعني قناعتنا بمنهجه ااذي يشتغل على أساسه..كأن يكون (السريالية التي نظر لها بريتون ) او (الواقعية الاشتراكيةالتي نظر لها المجري لوكاتش) مثلا،وانما من منطلق وعينا وفهمنا لهذه المدرسه..
هذا الفهم يدركه كل شاعر عميق وراسخ.. وسأعطيك نص تعقيب احد الشعراء الكبار على سبيل المثال فضلا عن الاستفادة من رايه ..واعني به ،الشاعر الكبير عادل سعيد كمثال على ما نحن بصدده ..هذا التعقيب الذي يبين فهمنا المشترك ليس الان وانما منذ عام 1974-1975الذي سجل لقاءنا الاول كطلبة في جامعة البصره..وهاهو يقول واصفا زميلا له مانصه:(‘ أما صديقي الحبيب و العتيد الاستاذ ( فلان) فله في القلب و الوجدان ، ما يغني عن الكلمات و التعابير التقريضية المعتادة. و المهم هنا ( هو الروح الديموقراطية الحقيقية ) التي يتمتع بها فطرياً. مذ عرفته في مقاعد الدرس، وهو يحاور و يناقش بأدب جم و صدر يستوعب، و ( معدة تهضم) وطيلة رفقتنا في سنوات الدراسة الجامعية، لم إستمع منه في إية مرة يحاور بعصبية و تشنج، حتى في أمور قد تمس ماهو مقدس عنده، بل يستمع و يناقش بروية و صبر. و حتى هذا النص، الذي شاركه، فأنا أعرف أنه نص شائك ( و فيه ما فيه)، غير أن أكاديميته العالية، وروح الباحث فيه و ديموقراطيته، لا تمنعه من عرض أفكار فيها نقد لبعض ما يؤمن به. و هذه صفة أعرفها عند هذا الزميل و الصديق الحبيب ..)..
+++ هذا الوعي العميق الذي يحمله شاعرنا يوضح لجنابك الطيب أننا يجب أن نتمكن من التعامل مع كل نص ابداعي من منطلق استيعاب منهجه المدرسي الذي كتب عليه..
اما ان نحاول تطبيق ما تعارفنا عليه من رؤية ذات نفس تراثي محض في باب البلاغة وباب العروض ،فهذا في الحقيقة اسلوب يوقعنا ..معاذ الله.. في التعسف المذموم اكاديميا ومعرفيا عاما..
الشاعر عادل سعيد الذي اخذناه مثالا مناسبا لما اقول ،يدرك عميقا هذا الكلام ،كما ويدرك عميقا جواهر البلاغة العربية والعالميه.. لقد كتب العمود الشعري،والحر والايقاع وقصيد النثر.. ونجح فيها جميعا حد التميز.. ولكنه تموضع محوريا في اطار اللافتة الشعرية ،ذات النفس المباشر ،وانتقل فيها من النص الموزون الى النص المنثور..
ومعلوم لديكم ان اللافتة الشعرية تعنى اساسا بأيصال فكرة ما تستجد في ذهن الشاعر ،يسلك اليها احيانا الاسلوب الساخر ..او اسلوب الادانة والاحتجاج
او عموم الاساليب التحريضية التي تكشف المخبآت وتفضح المستور في كل منطقة معتمة انطلاقا من مخليته ووصولا الى عالميته بقصد قدح شرارة الوعي في الواقع المحيط.. ومن جديده انه.. واعني عادل سعيد.. قد اضاف الينا وجها آخر اسميته شخصيا باللافتة الرؤيويه.. واذا دخلت حضرتك الى صفحتي الشخصيه ستعثر على مطالعة سريعة مبسطة بهذا الخصوص تحت عنوان( اللافتة الرؤيوية عند الشاعر عادل سعيد)..والحديث حول هذا الخيار ومهاراته المطلوبة واعماقه الدفينه.. يحتاج الى وقت اكثر تخصيصا وطولا.. اعدك ..وعسى ان يكون قريبا.. ولكنني اوجز القول ان شعر اللافتة بانواعه يحمل في صلبه موقف الشاعر من الحياة وبخاصة من الظلم والظالمين.. اللافتة ياصديقي لا تهتم كثيرا بالبلاغيات المعروفه ،من انواع المجاز او التشبيه او الاستعارة ..ولكنها تعنى كثيرا وتهتم خصوصا بالتورية الايحائية او الرموز الايمائية ،بما يخدم غرضه المباشر جدا.. والا كيف يتمكن ان يستوعب في أداته التعبيرية البالغة الخصوصية بعدي الظاهر والباطن في بودقة شديدة الاكتناز.. من هنا نحن لا نقرأ الاستاذ عادل او الاستاذ اسعد الجبوري او الاستاذ ادونيس او امل دنقل او شعراء تونس المحدثين الكبار مثلا ،هكذا قراءة عابرة ،والا فسنتوهم كثيرا ،ولسوف نكتفي بما هو تحصيل حاصل بالنسبة لكاتب النص،فظاهر القول مهم ولكن الاكتفاء به تسطيح لا يغني من جوع ولا يشعل فتيلا..
ان شاعر اللافتة يتعرض الى كثير من الضواغط ذاتيا وموضوعيا،محليا ،وعالميا.. فقد يكون الغرض احساس شخصي ضاغط او جمعي ضاغط،وعلى قدر اشتماله كموقف ايديولوجي او فكري او اجتماعي او سياسي عام او وطني او كوني ،وكل بحسب سعة آفاقه ودوائر اهتمامه.. ولا تحسبن الامر سهلا ابدا..
هذا الكلام الذي تفضلتم به والذي يعطي الاولوية للجانب البلاغي ،في الواقع يعتبر مبحثا ابتدائيا بالنسبة لكبار الشعراء يا صديقي الطيب..
ومن الجدير بالاشارة ونحن قد اخترنا الاستاذ عادل سعيد مثالا انه شخصيا مختص ،وهو لغوي معتق،تخرجنا معا من قسم اللغة العربية في عام 1974..وما تفضلتم بالسؤال عنه من فنون البلاغة امر ابتدائي بالنسبة اليه،اعني انه يعرفه بعمق ووضوح كبيرين ..وكان حين يكتب الاجناس الاخر ى يرينا من ذلك الشئ الكثير الكثير.. ولكنه الان يكتب لافتة واقعية مباشرة وقد يستعير روح اللافتة في افق الرؤيا.. اذن.. نخلص من كل ما ذهبنا اليه الى ما يلي.. على اي قارئ حصيف او ناقد جهبذ حقا،اذا اراد ان يدرس نصا شعريا بشكل منصف ونزيه ان يأخذ بعين الاعتبار طبيعة المنهج او المذهب او المدرسة التي كتب على اساسها هذا النص ..بحيث لا يفترض احكاما مسبقة ناتجة عن انحيازه المدرسي الخاص او عقيدته الفنية الخاصة لأنه بذلك سيفقد انصافه وعدالته.. بل على الناقد الحصيف الاصيل العادل ،ان يحاكم النص ..اي نص.. عل اساس منهجه الخاص.. واعني منهح النص ذاته.. كما قدمنا آنفا.. وقد يستلزم ان ينظر من نفس الزاوية التي نظر منها كاتب النص لكي تكون رؤيته جلية واضحة وحكمه دقيقا راسخا..
اخي الاستاذ الفاضل..
لقد اعتدنا على قراءة شتى فنون وانواع واجناس الفن والادب،كما وتفرسنا طويلا بكافة طرازات الشعر العربي من ناحية والعالمي من ناحية اخرى ،فوجدنا ان اهم مسلتزمات الابداع ،هو تحقيق الخصوصية وان استنساخ تجارب الناس موبقة لاتمت الى الادب والثقافة بصلة ابدا..فصار لزاما علينا البحث عن خصوصيتنا الخاصة جدا.. وكلما كانت هده الخصوصية متميزة وظاهرة للعيان ،كلما باتت التجربة الشعرية اقرب الى حقيقة الابداع الذي نبحث عنه في كل مكان من هذا العالم المترامي..
اشكر لك هذا الاستفهام الفطين الجميل ،مع خالص تقديري..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق