الأحد، 25 ديسمبر 2016

هل يحتمل العالم مجنوناً اخر،،؟ /٢

مقدمة منهجية ،،في منازع التجريب السردي،،في رواية ( ثعابين الارشيف ) ،،لأسعد الجبوري ،،

ربما يضطرنا اسعد الجبوري في رحلته الحلزونية،،في عوالم ثعابين الارشيف ،،الى القفزات المنهجية الغير منتظمة،،لسبر أغوار عالمه الكثيف،،والموغل في الرمزية أحياناً ،،والبوح البسيط،،،وجملة توظيفاته،،للانساق السردية،،المتعبة أحياناً ،،والتي تمتص من المتعة الشيقة من النص،،بقدر ما تغني في المتعة للناقد 

تبدأ الاشكالية الاولى،،من عنوان العمل،،صحيح ان العنوان جذاب وفيه من الموسيقى،،من ناحية الملفوظ،،الا انه كمين كبير،،يكاد يختفي عن عين الناظر،،أشبه برقعة لعبة السلم والثعبان ذات الألوان المتقاربة والتي بالكاد ،،تستطيع ان تميز،،تفاصيلها،،والعنوان هنا خطاب بحد ذاته ،،بمحمولات أشكالية،،،وسنرى طريقة التوظيف ،،وعمق الشبكة المفهومية،،التي تعامل معها الروائي ،،كأسانيد،،وسنفكك العنوان الذي يتألف من مقطعين مفهوميّن ،،على ان نعود الى تلازمهما ،،من الناحية الدلالية
في المقطع الاول ( ثعابين ) ،،الذي يستوحيه اسعد الجبوري،،من التوظيف الابستمي ( المعرفي ) لمدرسة لاكان  السايكلوجية والتي تشكل البنيوية الارضيّة التي تنطلق منها،، لإعادة تشكيل الفرويدية ،،في التأويل  المطور لعقدة أوديب ،،وهي احدى القضايا  الجوهرية لنظرية التحليل النفسي الفرويدي 
كان اعادة قراءة فرويد وفق الخلفية البنيوية،،على يد لاكان ،، وفق منظومة بتصنيف ثلاثي سميت ( العقدة البورومورية ) ،،وهي التي تجسد التشابك ما بين ثلاث حلقات بحيث اما توجد معاً او تنفك معاً ،،[ وفق النموذج التوضيحي الملحق بذيل المقال ] ،،،هذه المنظومة هي التي سلطت الضوء على اعمال فرويد ،لانه اذا لم نعمل على ضوء هذه المنظومة الثلاثية فسيكون من المتعذر علينا فهم شيء من تقنية وتجربة فرويد / حسب ماذهب اليه لاكان 
وهو الذي طبق الطوبولوجيا ( علم الفراغ،،او المكان ،،وهو من العلوم الرياضية والهندسية،،)  والتي وظفها لاكان  لأظهار استقلال النظام البنيوي  ضمن نطاق العلاقة التي يقيمها داخل العقدة،،،( نعتذر عن العسرة في هذا الكلام وسنبسطه لاحقاً) ،،
تتكون منظومة لاكان ( العقدة البورومورية ) من ثلاث أنظمة ،،هي
١- النظام الرمزي ،،،٢- النظام الخيالي،،٣- النظام الواقعي

ان مفاهيم القانون والبنية لايمكن تعقلهما ،،من دون اللغة،،والقانون هنا هو الناظم للرغبة في عقدة اوديب ،،ومن ناحية البنية،،ان أعراض النظام لها فعل رمزي ،،بصبغة أنثربولوجية ( أنسنة ) ،،واللغة هنا هي رموز الدوال 

والنظام الرمزي وفق لاكان ،،هو أيضاً ( دافع الموت القادم من مابعد اللذة بواسطة التكرار،،،وبمعنى اخر ان ( دافع الموت ما هو الا  قناع للنظام الرمزي ) ،،حيث غاية الرمز ،،هو نزعة الانسان للتعبير عن مخاوفه جراء عقدة الموت،،،

والخيالي / هو الوهم والافتتان والغواية،،ويتصل تحديداً بالعلاقة  المزدوجة بين الأنا والصورة المنعكسة،،
ولكي نفهم مقاصده نؤشر ،،ان الخيالي متكون من قطبين هما ،،الأنا،،يقابلها الصورة المنعكسة ،،ويسميها لاكان بالنظير،،،،
يتخذ الخيال في مواجهة الواقعي والرمزي ،،في عملية هي تشكل الأنا لطور المرآة ،،لتكوين قاعدة النظام الخيالي،،اي بمعنى عملية تماهي الأنا،،مع النظير او الصورة المنعكسة،،لذلك فإن التماهي يمثل جانباً هاماً من النظام الخيالي فالأنا والنظير يمثلان النسق لعلاقة التبادل الثنائية،،ومن سمات النظام الخيالي النرجسية يرافقها قسطاً من العدوانية،،،من هنا يكون  الخيالي هو دائرة الصورة والمخيلة والاحبولة والافتتان،،،إن قوى الخيال التي تأسر الذات تستند الى التأثير الآخاذ للصورة المنعكسة،،،خلاصة القول،،ان جذور الخيال تضرب عميقاً في علاقة الذات مع جسدها،،،،

اما في الشق الثاني من العنوان،،( الأرشيف ) يأخذنا اسعد الجبوري الى رحلة وعرة،،وكأننا  خرجنا معافين ،،من الاولى،،،فهنا ينهج  أسلوب ميشيل فوكو،،الأركيولوجي ،،( بمعنى حفريات المعرفة ) ،،والذي يغوص الى اعماق الشبكة المفهومية للحفر عن الأصول ،،مع مزاولة نحته للمفاهيم  خلال انهماكه في هذا الإجراء ،،والأرشيف عند فوكو (  هو مستوى من الممارسة تنبثق  عنها عديد الملفوظات بأعتبارها حوادث منتظمة ،،قابلة للمعالجة  من خلال التعامل معها او تناولها ) ،،وهنا يعني الخطاب يتكون من  حاملين ماديين  هما الأرشيف واللغة ،،وكل النصوص لمجتمع او كاتب تكون نظامها الخاص بها اي أرشيف ،،وهو كل معلومات  تخضع للتحليل والاقتطاع والتي بالإمكان للمؤرخ الرجوع اليها،،اي تشكيل الخطاب،،،،

مما سبق ربما تعرف القارئ الصبور على مشقة التجربة ( الجبورية ) ،،والآن نعود لنوضح العنوان كمتلازمة مفهومية، ( ثعابين  الارشيف ) وأسباب تطرقنا ،،الى هذه الإكراهات المعرفية،،،،
يذهب اسعد الجبوري هنا في ثعابين الى معنى ( قضيب الرجل ) ،،والأرشيف ( رحم الام ) ،،في رحلة تناقلية تبدأ ،،تأريخياً من عقدة اوديب ،،الفرويدية،،بالعداء الفطري بين الابن والأب ،،في النسق الجنسي،،فيما يكون رحم الام هو الكون الذي تدور فيه المعرفة الاولى لبطل القصة ،،والحياة التي استمد كل معارفه منها،،مع انتهاك الذكر ،،لهذه المرأة ،،وهي هنا الحياة،،بتعسف،،فيما ينأى هو بنفسه عن هذه الجريمة ،،ويتخذ دور الشاهد،،والناقد والرافض،،لهذه العملية،،اي بمعنى رفضه للحياة المعيشة ومهازلها،،،يدمج أنظمة لاكان  السالفة الذكر،،ليحفر منظومة مفاهيميا جديدة،،وهذا ما سوف نتعايش معه في رحلة قرائتنا للرواية،،،
وهنا اسعد الجبوري ينحى الى خلق اُسلوب روائي جديد،،وخاص وممتع في الظاهر،،ومر في باطنه،،يحاول تكثيف ثقافته الماركسية البنيوية ،،بالتماهي مع مأساته،،،بعيداً عن الأساليب الاخرى،،وهو ما سيتضح لنا بعد نهاية القراءة الكاملة ان أسعفنا الوقت،،،،

لا أقول شيئاً،،الا انني كنت مصيباً ،،بنعته بالمجنون،،على طريقة فوكو،،،،

يتبع،،،،،،،

جمال قيسي / بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق