عندما يموت العدل يسير الضّعفاء على غير هدى باحثين لهم عن لقمة عيش تسدّ الرّمق وتمسك الحياة . وستلتصق بهم عشرات الصفات من ذلّ وجوع ومسكنة وتشرّد.....( سأل الفأر / قابض على جمر / خانع جائع / يبحث عن حلمه الضّائع .... متى يأتي المنتظر ؟؟
والمُنتظر هنا ليس إلاّ العدل الجديد أو ربّما شيء آخر لا مجال للحديث عنه الآن لكنّه من ينفّس الكرب دون فائدة على أيّة حال في زمن ولّى فيه الخير إلى غير رجعة ورحل معه مشتقّاته من عدل أو غيره . وهنا يأتي دور رجال الدين دور التّبرير والتعليل ؛ رجال باعوا ما باعوه بأثمان بخسة لغرض في نفس يعقوب ( مأمأ تيس ملتحٍ / الصبر الصبر / ثمّ الصبر ) ثمّ يأتي دور الهررة في هذا المشهد الكوميدي التراجيدي وهم يمثلون من يعيش على فتات الغير . ثمّ الأرنب الضعيف الجبان الخائف الضعيف والمُستضعف والذي يسأل بدوره عن المنقذ وقد ناله من العذاب ما ناله فيأتيه الثعلب ( رمز للخداع والمكر) ولا يجدي الأرنب نفعاً كثرةُ مفردات الاعتذار .
وبعدها يحاول الشّاعر أن يعطي الفكرة بشكلها الواضح لمن لم يدرك بعد ما أراد : هي حكاية الإنسان المسلوب للحريّة والكرامة يجمع ما يجمعه ( حصاد النحل ) ليقدّمه بعد ذلك للكواسر من أبناء البشر : ( في عزاء العدل / ينتهي على موائد الكواسر / حصاد النّحل ).
والحقيقة المرّة التي يأتي عليها منهل حسن بعد ذلك هي بناء الأحلام على الأحلام . لكلّ منّا حلمه ؛ وأحلام الفقراء تختلف بضرورة المكان والزّمان والحالة عن أحلام الأغنياء . والبعض يحلم بالمستحيل وآخرون يحلمون أحلاماً عظيمة. وعلى كلّ حال تغدو الأحلام هنا ( في مجتمعنا) واقعاً : ( حلُم /وحلم / وحلم / بالإنجاب بغل / استبشرت بقرة / بوضع الحمل / استبشر آخر بحليب ولحم العجل )
وفي نهاية المطاف يأتي دور أبي جهل وهو من اسمه قد نال نصيبا ليشرح لنا القضيّة الشائكة ( المصير جهنّم ) ولكن إنّ مع العسر يسرا . للإشارة إلى أشخاص بأنفسهم يتلوّنون حيث شاؤوا ومتى أرادوا لينالوا مبتغاهم .
ويسأل الشّاعر في نهاية نصّه : هل يأكل العقل وهو آلة التفكير عند الإنسان من فراغ أم خلاص الإنسان يأتي بإرادة الإنسان وبسعيه فعلاً إليه . ؟؟
وأردت أخيراً أن أشير إلى ثجموعة من النّقاط في النصّ :
1_ شكل النص ( الحوار الرشيق والأسطر القصيرة ) يدلّ على انعدام الحوار الجادّ المبني على التحليل والمنطق والعقل بين المتحا ورين الذين رأيناهم داخل النصّ وهنا جاء الحوار لخدمة النصّ وكشف مضمونه .
2_ استخدام أسلوب التّكرار في اللّفظ للتّعبير عن حالة يريدها ( حلُم وحلم وحلم بالإنجاب بغلٌ )والتكرار هنا للتعبير عن حالة الزّمن الشبيه بحلم البغل في الانجاب واستحالتها .
3_استخدام الموسيقا المتنوّعة والتّي جاءت تارة من تكرار الحروف كالسين مثلاً أو المفردات أو الجمل أحياناً إضافة للموسيقا القادمة من القافية المتنوّعة .
4_استخدام الفراغ للتعبير عن حالة نفسيّة وهي سمةٌ قليلاً ما يحترما الشعراء فيما يبدعون ( أهون ... ألف ... مرّة .... من القتل )
5_ استخدام مفردات ترسم حالةً شكليّةً أو صوتيّة ً مصدرها الحالة النفسيّة :
- تشدّق : لوى فمه أثناء الكلام .....
- ارتعد : اهتزّ ؛ ارتجف ؛ اضطرب ....
- ضبح : الفعل من الضبح وهو صوت الثعلب والبوم والأرنب .......
- تجشّأ : أخرج من فمه صوتاً مع ريح عند الشبع .
- مأمأ : التّيسُ صوّت .
وكلّها أفعال تشير إلى السخرية والاستهزاء وعدم الرّضى من قبل الشّاعر .
شاعرنا منهل حسن : نعم لن ننتظر المُنتظر لأنّنا عند ذاك كمن يريد أن يجرّب المُجرّب .
بالفعل والإرادة ( إرادة الحياة التي تحدّث عنها الشّابيّ يوماً )نحقّق الهدف .
___________________
يقول الشاعر منهل حسن :
أصدقائي:بين القانون الوضعي والقانون الشرعي
بين حمورابي واسرافيل
بين تخمة الجعجعة وجوع الطحين
وُلِدت نثريتي بعنوان
؟؟؟ هل ؟؟؟
.........................
في تأبينِ العَدلْ
ومواساةِ طبل
سأل فأر
قابضٌ على جمر
خانعٌ جائعْ
يبحث بين أكياس القمامة
عن حلمه الضائعْ
متى يأتي المنتظر؟؟
مأمأَ تيسٌ ملتحي
الصبر الصبر
ثم الصبر
حتى تجشَّأت
حاوية القمل
بهرٍ نذل
قال أرنبٌ تورم خداه
الجوع أضناه والصفع أبكاه
هل ؟؟
هل سيأتي المنتظر؟؟
نبحَ الثعلب وضبح
لعن الله من كفر
ارتعد الأرنب في خطر
الصفح الصفح
ياسيدي
الصفع
أهون ألف مرة
أهون .. ألف.. مرة .. من القتلْ
في عزاء العدل
ينتهي على موائد الكواسر
حصاد النحل
حَلُمَ
وحَلُمَ
وحَلُمَ
بالإنجاب بغلْ
استبشرت بقرة
بوضع الحمل
استبشر أخر
بحليب ولحم العجل
استفسر من حزنه
طائرٌ حائر
فقصت بيوضه في فم
ثعبان غادر
هل هناك منتظر ؟؟؟؟
تشّدق أبو جهل
مصيرك سقر
وما أدراك ما سقر
إن بعد العسر يسر
واليسر ..كهل
مثّقلٌ بالجراح والذل
يمشي في
مستنقعاتٍ من وحل
هل
هل يأكل العقل
من جوف طبل
أم يأتي الخلاص
بصولجان الفعل
؟؟ هل؟؟