الأربعاء، 11 أبريل 2018

محاورات فلسفية في المفكرة البشرية .. انثروبيلوجيا المبحث الادبي .. تنظيم أ. إبراهيم النجار



ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏سماء‏ و‏طبيعة‏‏‏


تمهيد ...
اشر المبحث القرآني المقدس موضوعة التطور في اكثر من اية , مفصحا عن حقيقة جوهرية اصبحت فيما بعد قاعدة اساسية لدراسته .. اي التطور .. في مختلف المدارس الفكرية والفلسفية حيث قال جلّ اسمه ( وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ) وحاصل الفكرة ,, ان الايمان فرع المعرفة , اذ لا ايمان بدون معرفة , وان هذه المعرفة تتطور رويدا من حالة الشرك .. الشرك المعنوي هنا وليس الفقهي طبعا , الى مستوى التوحيد المطلق والذي يمثل الهدف الاعلى الذي تستهدفه الارادة الالهية من الخلق ,, وان ما يسمى شركا هنا , هو ما سنصطلح عليه مستقبلا بوهم الاستقلال الذاتي ,, وهو اشد الامراض الفكرية فتكا بالمنتج البشري على ما سوف نسمع .وان لكل مرتبة من الايمان شرك يناسبها فيما يتناسب طرديا مع حالة الايمان السابقة عليه ,, فلا يمكن ان يكون الشرك بوجود اله يدير الكون لمن يؤمن بقاعدة السببية ايمانا مطلقا ( اي ان يكون هناك شعور او اعتقاد بعدم وجود قوة تدير الكون فيتم استبدالها بالقانون الطبيعي كما هو المذهب الماركسي ) الا انه يمكن ان يؤمن بوجود الهين يديران الكون , ان حالة التطور هذه .. تطور الوعي من رتبة اللا ادرية الى الايمان بالسببية المطلقة هي ما نسميه بالتناقل المعرفي للتجربة البشرية على ما سوف نسمع , اذا ان البشرية وبالرغم من عدم مرورها بحالة اللا أدرية نتيجة لوجود النبوّات منذ فجر الخليقة الا انها كانت تعيش الشعور بهذه الحالة نتيجة لعدم تقدم الوعي عندها على مستوى منطقة الفهم , منطقة الفهم تعني اثبات مرجعيات معينة لمعرفة ما هو منطقي مما ليس كذلك مما فهمته البشرية بالتجربة او بالحدس , والذي تطور فيما بعد ليشكل مبحثا ضخما نسميه اليوم ( الثابت والمتحول ) والذي يحتل كل مفصل من مفاصل المعرفة البشرية .
وقد ركز منظرو الفكر الاسلامي على هذه الحقيقة في المبحث الانثروبيلوجي للمدرسة , واطلقوا عليها هناك اسم ( اطروحة تعاقب الاجيال ) وحاصلها ان البشرية تسير باتجاه هدف ما , وان كل انواع العلوم والفنون انما تعمل على انجاز ذلك الهدف من حيث تشعر او لا تشعر , غاية ما في الامر ان هناك حركة مشتتة بحسب الظاهر الا انها متحدة بحقيقتها , وان كل جيل من الاجيال ينقل خبرته الى الجيل الذي يليه , حتى يصل الوعي البشري الى مستوى القدرة على استيعاب الاهداف الكونية العليا من خلق الكون ومحتوياته , وهذه الحركة هي ما نطلق عليه ( التكامل ) وقد ثبت تاريخيا , استحالة التغاير او الاستبدال بين الحقب التاريخية وان لكل سياق تاريخي وضعه الخاص الذي لا يمكن ان يكون بحال افضل منه , وهذا ما تدعمه الاطروحة العرفانية القائلة ( ليس في الامكان خير مما كان ) وحاصل الفكرة , ان الانسان بوضعه الحالي والبشرية عموما لا يمكن ان تكون بوضع احسن منه بدلالة المناسبة والتناسب بين الوعي والكمال النفسي وبين المحيط الكوني بمستوى انفعال الانسان بذلك المحيط ,على اعتبار ان الانسان جزء من هذا المحيط يؤثر ويتأثر فيه .
وقد عرف هيربرت سبنسر التطور بأنه تكامل المادة وما يصاحبها من تشتت الحركة , تشتتا وتكاملا , تنتقل المادة اثناءهما من حالة التجانس المفكك اللا محدود الى حالة التجانس المتماسك المحدود , ومن الواضح انه ليس ببعيد كثيرا عن اصول الفكرة الا انه يتناولها من زاوية مادية ضيقة وصلتها البشرية اليوم تقريبا , اذ لا يمكن ان نتوقع المزيد من الاضافات على المادة المطروحة , بعد ان بدأ الفكر الصناعي التفكير في تقليص انماط التطور كي لا تتجاوز حدودها الى استلاب الشعور الانساني لدى البشرية من خلال مكنكة الحياة اليومية وايصالها الى المستوى الروبوتي،
وحاصل فكرته ان التكامل النوعي للمادة يبدأ مشتتا على مستوى اقطار العقل البشري وعلى اختلاف بيئاته ومستويات وعيه للمادة , ثم تبدأ البشرية مشاركة هذه الخبرات لتنتج انماط متحدة وفهما متحدا للمادة , فالجرار الذي بدأ بفكرة المعول الصغير فالمحراث اليدوي فالمحراث الذي تجره الحيوانات , لم يصل الى هذه النقطة من التطور لولا ان الالماني قد ابتكر المحرك , والانكليزي استطاع ان يفك الكربون من جزئية الحديد لينتج لنا الفولاذ , ولولا ان يكون اليابنيون قد فكوا لغز المطاط لما حصلنا على الاطارات , ولولا الفرنسيون لما حصلنا على مولد الطاقة الداخلي , وهلم جرا , فكل حقبة بشرية انجزت جزء من الجرار ليصل الينا بشكله الحالي والذي سوف نقوم بتطويره ربما وندفعه الى الجيل الذي يلي الى ان يصل الى الوحدة المتجانسة المحدودة بشكل واحد للمادة , فإذا مشينا في باطن هذا الكلام خطوة واحدة لعرفنا ما الذي يعني التوحيد بمستوى من مستوياته على الصعيد المعرفي الروحي الذي تستهدفه الرسالات السماوية .
هذا ملخص للفكرة الرئيسية التي تستند عليها كل اطاريح المبحث الانثروبيلوجي البشري يستثنى منها المذهب الوجودي الذي لا يمكن اعتباره فلسفة كونية بل اقرب الى المذهب الادبي منه الى الفلسفة تحقيقا .
ومن هذا المنطلق بالتحديد يمكن الوقوف على قيمة الوعي البشري الحالي وتقدير مستوى امكانياته وتطويره بما يتناسب وسرعة الحركة تجاه الوصول الى النتيجة , وبالرغم من انني اشرت الى ان البشرية تسير نحو هذا الهدف بإرادتها او بدونها , الا ان هذا لا يعني اغفال حقيقة التكليف الانساني والشرعي ( لمن يعترف به ) على ان تكون هذه الحقيقة هي الهدف الذي يستهدفه في كل حركة وسكنة من حياته , بعد ان يكون صورة كاملة عنه ويعترف بمسؤوليته وضرورة مشاركته في هذا المشروع الكوني العظيم .
هذه هي النقطة الرئيسية التي تناولتها المباحث الانثروبيلوجية بشقيها الديني واللا ديني , فالمبحث الديني يقول ان النتيجة النهائية لهذه الحركة هي ان يصل المجتمع البشري الى التوحيد المطلق وهو اجتياز مرحلة الشرك بالله في كل شيء , وهذا من خلال مرور البشرية بتجربة كل ما يتاح لها في هذا الدورة الكونية لمعرفة نقاط القوة والحركة المعبرة عن الوجود الالهي في الخلق , وان كل خطوة تتقدم فيها في مجال العلوم والفنون تكشف لنفسها عن عمق الوجود الالهي في هذا الخلق الى ان تصل الى نقطة لا ترى غير الله على مستوى الاثر والتأثير وعلى المستوى العقلي والروحي , اي على مستوى الخبرة العقلية والشعور المعنوي الراسخ بوجوده وهذا يخص المتدينين طبعا , اما الاتجاه المادي المتمثل بالمدرسة الشيوعية وحيث انها الوحيدة التي طرقت هذه البوابة من بين كل الفلسفات , فتعني وصول المجتمعات الى الطور الشيوعي الثالث كما هو مثبت في محله لمن ارادة المراجعه .
ان هذه الاطلالة السريعة تحيلنا الى الموقف الشخصي من هذا التفكير , وهل ان الفرد قادر على هضم هذه المطالب وتبنيها ام لازال هناك فاصل كبير بين وعيه وبين التفكير بهذا المستوى ؟ هذا ما تقرره قابليته النفسية وسعة وعيه على تصديق وبحث هذه الموضوعة او اهمالها واعتبارها رأي فلسفي بأحسن الحالات , وحتى من لا يؤمن بهذه الاطروحة ينبغي ان يفكر بسبب ما من وجوده وان يجند كل ما يعرف وكل ما يفهم في سبيل ان يكون جزءا من تحقيق هذا الهدف وإلا فلا توجد منطقة وسطى ..
والسلام على أهل السلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق