الأربعاء، 11 أبريل 2018

ومضة قصصية.. بقلم الناقد/ غازي الموسوي




لا يتوفر نص بديل تلقائي.


( راقبها .. مات غيرةً)!!..
***
في البدء لابد من التجنيس لبيان النوع،ليس للتأكيد على ان النص الذي امامنا من نوع الومضة وحسب وانما لكشف جنسها الابداعي تحديداً..هكذا نفهم،وهكذا يكون شغلنا النقدي موضوعياً ،والا ستصعب المحاكمة النقدية بل والتحليل العلمي الدقيق..
اذن نحن بإزاء كثافة نوعية..
ولكننا في مفترق طريقين بالاحالة..
طريق الشعر..
طريق القص..
انا ارجح القص لوجود الحدث ولا ارتاب قط لشدة وضوح النص جنساً وموضوعة وحدثاً وطريقة تصعيدية للتناول..وقد يستغرب البعض ..وربما يقول في داخله : عن اي تصعيد او حدث تحكي?!..
ولا أظن احداٍ يمكنه أن يعترض على وضوح واهمية وتمظهرات موضوعة النص كونها جلية قوية الحضور سيكولوجياً وسيسيولوجياً في نفس الوقت..فهي في وحدة دينامية كاملة وفعالة .
أما طبيعة الحدث فذات صلة اكيدة بمخيال المتلقي .وعلينا ان نشترك جميعا كمتلقين مع الكاتب..ة، في استكمال وتصور الحركة بحيث تكون مشهودة ومحسوسة امام الاذهان ،مع ان كل ما يحدث في نطاق المخيلة ومستويات الافق الواسع..
فكاتبتنا حين تقول:
(راقبها)،هذا يعني وجود ثلاثة شخصيات قصصية معاً:
الراوية..
المرأة ..او من في موضعها من الكينونات..وقد لاتكون أنثى أنسية..وقد لاتكون بشرية ..وربما ليست كائناً حياً اصلاً..ذلك لأن مبدعتنا قد أطلقت المفردة كملفوظ يتحمل التفسير الواسع النطاق..
من هنا فإن جنس الومضة فعل ابداعي مهم فعلاً ،ولكن لايتمكن من صياغته الا صاحب موهبة عميقة ،وذهنية متفتقة وربما يحتاج مبدعها الى ثقافة واسعة ايضاً،فهي اذن (جنس يصعب تأليفه كما يقول هارفي ستابرو)،ولهذا فإن كثيرا ممن يظنون انهم يكتبون الومضة القصصية لمجرد الاختزال واهمون،فالامر لايتعلق بعدد المفردات ،وانما يتعلق بوعي الكاتب..ة بطبيعة السرد القصصي الواسع لكي يدرك كيفيات التكثيف..
وعليه فإن هناك الكثير ممن يحتسب عليها وهو في الحقيقة بعيد عنها كما يؤكد ذلك د.فايز الداية..
طبعا هناك صلة من نوع ما مع الومضة الشعرية يتعلق بجانبي الكثافة وعمق الفحوى ،وليس هنا ميقات بحثه..
*
وعوداً على ذي بدء نقول: 
هناك راوية يقوم بدور القص ،هو الكاتبة ايمان ابو الهيجا ..
وهناك عاشق او شخص متابِع ( بكسر الباء)،ولكننا رجّحنا العاشق لوجود المرأة كعنصر قوي الحضور الى الذهن في مثل هذه الحال..
اما الغيرة فمحتملة في كل مناحي الحياة ايضاً،فقد يغار المرء من ادق تفاصيل الحياة اللافتة ،كما يغار فارس من مالك فرس او تاجر من صاحب تجارة ..الخ..
ولكننا نرجح غيرة العاشق آيضاً( زوجاً كان او حبيباً)ولنفس السبب،واعني حضور المرأة القوي الى الذاكرة..
ثم نتقدم في التصعيد القصصي خيالا ومشهداً مُتَصَوّراً،وهذا سر جميل من اسرار الكثافات الابداعية النوعية في الشعر والقص معا،ونعني به ان المتلقي سيقوم بدوره بشكل عفوي او تلقائي في التفاعل والتكامل بل وحتى في ردم ما يمكن ان نتخيله فجوات احياناً..وهنا تكمن حيوية وروعة هذا الجنس الادبي الحداثوي العصري،المسبوق على صعيد الشعر والنثر في موروثنا العربي الحي،واتذكر ان اخي الناقد الاستاذ كريم القاسم،قد تحدث طويلا،عن التأسيسات الاولى للومضة الشعرية او السردية في التراث العربي والاسلامي،كما وعرج اخي الناقد الاستاذ جمال قيسي في عدة مقالات على السرد النثري بما يفسر لنا الكثير مما نحن بصدده..
*
اما حين نصل مع ومضة كاتبتنا الى هذا المركب المألوف اصلاً ونعني:
( مات غيرة).. فذلك يعني أننا بإزاء فعل او حدث خطير جداً..انما لابد من استرجاع خلفية هذا الحدث لكي نفهم الحال ترى : 
*ماهي اسباب الوفاة?!
*ماذا كانت تفعل بطلة القصة لكي تثير غيرته?!
* ماهي مديات اصرارها على مزاولة حريتها كإنسانة?! ان كانت البطلة المقصودة من جنس البشر?!
* ما نوع هذه المزاولات اللافتة?!
*كم يبلغ زمن الحدث الذي اوصل البطل الى مرحلة الموت..
*كيف مات?!
-هل كان ذلك حتف انفه?!
-هل كان لمجرد الانهصار الشعوري تحت وطأة الغيرة ?!
-هل هو الجلطة مثلا،
قلباً او دماغاً..?!
-هل اعترك مع منافس ما،فقتله الاخر في مبارزة تشبه مبارزة دوستويفسي النحيف الذابل جسداً مع خصمه المفتول العضل?!
-مانوع السلاح الذي قُتِل به?!........
ولا أظننا سننتهي بيسر وسهولة ،فمادام الحدث وموضوعته واطروحته التي لم نتحدث عنها ساري المفعول..وفوق كل ذلك واجبنا كمتلقين يتجسد في ان كاتبتنا وكل كاتب ومضة قصصية او شعرية قد القوا بنا في اتون مسؤولية كبيرة حقاً ستؤول الى صياغة الاطار والافق المتكامل لهذا المشروع الابداعي الرائع الجميل لمن يجيد التعاطي معه بشكله ومضمونه السليم..
ومما تجدر الإشارة اليه،هو ان افاق هذا التاطير وبوابات هذا التفاعل كماً وكيفاً بالغة التنوع بعدد المتابعين والمتلقين ،خاصة اذا ما علمنا ان كل البشر طبيعةً وافقاً مختلفون حتى اذا تقاربوا..
*
ولكي نتواصل مع القاصة ايمان ابي الهيجا، لانجد مندوحة من الاستفسارات الملحقة المهمة التالية:
*ترى ماهي غائيات هذه الومضة الغائرة في تخوم الواقع?!..
نعني:إلامَ كانت ترمي كاتبتنا ?!..
هل نجحت في مرامها الابداعي او التوعوي الاجتماعي،
او القيمي الاخلاقي،
او التحليلي السيكولوجي?..
الخلاصة اننا حيال ومضة قصصية بالغة الكثافة ،عميقة المداليل،ناجحة الاداء،واننا لنظنها - مع بساطة عبارتها التي تبدو سهلة المنال-ولكنها كما نتصور ممتنعة بحكم محتواها الواسع النطاق،ودقتها السردية الميسرة المنتجة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق