السبت، 20 يوليو 2019

الشعر والجنون: بقلم الاديب الناقد جمال قيسي

الشعر والجنون:
::::::::::::::::::::::

الناقد جمال قيسي
""""""""""""""""""""""""""""""""""
تلقيت دعوة كريمة من الشاعر ( محمد نصر ) بالانضمام الى مجموعة ( نحن المجانين ) ، 
مع اني شديد التحفظ على سمة المجانين التي ،،التزمتها المجموعة،،لكنني اعتبرها نوع من التهويل الشاعري ،لذلك سأغض الطرف عن السمة والاكراهات التي تسببها ، لأَنِّي اعتبر الأدب وعمليته الإجرائية ،،هو منتهى تطرف الوعي بالحكمة ، مع انها حكمة مقيدة بالإفلاس. المادي،،النص الأدبي. هو حمولة من الخيبات التي تتراكم جراء الفشل الموضوعي التي تواجهه الانا ، تجوال في ارجاء اللاشعور للبحث عن المقموع والمحبط والمسكوت عنه قسرًا ،،وهي منطقة مطلقة الأبعاد ،،ومن يستطيع أن يغرف من هذه المنطقة ،،ويشكل الصور المعبرة،،بالتأكيد هو ليس مجنون ،،ربما محتال وموارب،،وهذه صفة العقلاء ،،الاحتيال والمواربة مرادفة. للذكاء ،،لنأخذ الموضوع من زاوية اخرى،،الجنون ،،على الاقل نشخصه باتجاهين ،،الأول ، مرض عضوي يصيب الجهاز العصبي ،،وخلايا الجهاز العصبي ليس لها قابلية التجديد ،،وهذا الأمر يخرج الإنسان الواعي. من سمة العقلاء،،والاتجاه الثاني هو الذهان ،،أي بمعنى فقدان الهوية،،يعني فشل الانا ،،واحباطها إزاء الآخر والواقع الخارجي،،وكلا الأمرين لا ينطبق على الأديب ،،لذلك أشدد على سمة الجنون باستخدامها الشاعري ( البوطيقي ) الشاعر او الفنان بشكل عام هو مايعول عليه في الموضوع الهوياتي للجماعة، هو من يمتلك الرؤية لتثبيت شرعية الوجود للجماعة في صراعها إزاء الجماعات الاخرى ، وان كان احيانًا يتخذ مسرب التهكم على جملة مظاهر الحراك الاجتماعي ،،مثلما فعلت ( رزيقة بوسليم ) عندما اتخذت مؤخرة النملة من اجل تدوين الوقائع ،،او ( سعاد الخطيب ) التي ارادت ان نمضي معها الصيف في سروال داخلي،،او ( رماح بابو ) والحاوي الذي يرتدي (تي شيرت وقبعة ) ،،سأتكلم هنا قبل ا شرع في غاياتي النهائية ،،وهي طبيعة الإحالات السيمولوجية ،،لبعض الأعمال الأدبية. ومنها الاعمال التي ذكرت ،،او التي سأكتفي بالتطرق الى عناوينها،،لكن قبل هذا،،سأحاول قدر المستطاع التعريف للشعر،،ليس اصطلاحيًا ،،وإنما اجرائيًا ،اي بمعنى الوظائف التي يمارسها خطاب الشعر،،هذه الوظائف التي تتم داخل النص بنوع من خلق عالم ميتافيزيقي ، نستطيع ان نقول انها نوع من الرؤية، والاستشراف ، وهنا يكمن الإبداع. كلما كانت الرؤية تشكل منطقة مشتركة للانسانية ،فالشعر بالرغم من انه نوع من التجريد باستخدام الإمكانات القصوى في اللغة ،بل احيانًا هو تشكيل لغة اخرى مغايرة الى اللغة الاستعمالية التواصلية ، مع ملاحظة أن بعض النصوص تتخذ العكس من خلال توظيف اللغة الاستعمالية بشكل مفرط ، ولا يقيم وزن الى اللغة المعيارية ( تجربة دارين نور مثلا ) ،،
لكن يبقى ان نقول ان الشعر حامل لقضية الإنسان وهمومه ولاينفصل عن صراعه الوجودي وأحلامه وقلقه ، هو خطاب منصص بتشوفات ميتافيزيقية يحمل كل مايعتمل داخل الانا من تساؤل وقلق واحلام وأحزان ورغبات واحباطات ، أشواق وانكسارات ،،اذًا هو سيرة الروح الانسانية في مشوارها الطويل. عبر التاريخ ،،هو تورخة المشاعر إزاء واقع مرير وقمع الآخر ،،والزاوية الأخطر في خطاب الشعر،،هما ظرفي المكان والزمان ،،المكان من حيث هو شخوص مادي، لا وجود له دون الوعي ، على سبيل المثال، هناك شجرة سقطت في الغابة، لا معنى لهذا الحدث دون وجود وعي يشاهد ويشخص ، ومن ثم يحدد أهمية هذا الحدث من عدمه ، اذًا هناك ترهين بين المكان - الوعي ، أما الزمان فهو تزامن الايقاع مع البنية اللاشعورية للانسان ،،وهنا اصبح لدينا تزمين او تحيين ،،اعرف ان الموضوع معقد ،،لكني ساحاول ان ابسط،،البنية اللاشعورية للإنسان هي اللغة ،،من خلالها تتكون لدى الإنسان الإمكانية التصورية للعالم ،،وهذه البنية اللاشعورية تتكون لدينا على شكل إيقاعات يتكيف معها وعينا لاشعوريًا ، نحن نتوقع اللحظة القادمة من خلالها ،،سواء تحققت ام لا ،لذلك اي إيقاع شاذ عن توقعنا اللاشعوري سيصيبنا بالنفرة،،لذلك نحن نتفاعل مع قصيدة التفعيلة لأنها تحقق التزمين ،،وننفر من القصيدة المترجمة،،ونشعر بثقل تقبلها،،وكذلك قصيدة النثر التي تفتقد الى التنبير والتزمين،،نحن لا نتقبل الهايكو لأنها لا تتوافق مع بنيتنا اللاشعورية،،أنها لا تتطابق مع زمننا ( تك- توك ) الذي يشتغل به جهازنا الداخلي ، لكل لغة في العالم لها تزمينها الخاص، هذا الكلام يخص الادب ولا يشمل الموسيقى او الفن المرئي ، ساقرب الصورة ؛ بعد جهد حثيث لسنوات حصلت على نسخة من رواية عوليس لجميس جويس، ومنذ اقتنائها ولحد اللحظة وهي فترة تخطت العشرين سنة،،لم استطع تقبلها او فهمها ، حتى أصابني. الاحباط. والشك،بقدراتي ، عللت الامر بسبب الترجمة، لكني قارنت الامر في قراءة للأرض اليباب ل ( ت س إليوت ) ترجمة عبد الواحد لؤلؤة ،التي لم استسيغها على الإطلاق فيما عشقتها وفهمتها بترجمة يوسف اليوسف،،لكن عوليس حتى بترجمة اخرى لم أتقبلها ،،ثم قرأت السيدة دالاوي لفرجينيا وولف،،وحدث معي نفس الأمر ،،فعكفت على دراسة اُسلوب تيار الوعي ،،وخلاصة الأمر،،أن جيمس جويس استخدم البلاغة أقصى ما يمكن ،،بلغته الانكليزية ،، حتى الجناسات ،،وتنبيرات الحروف ، تمكن من توظيفها ، سلاحه الشعري (البوطيقي ) ، اللغة ،،والأدق. توظيف التزمين ، لكن هذا ليس نهاية الامر، فهناك أعمال بأسلوب تيار الوعي، تعتمد على التأويل ، وتفاعل القارئ ،،مثل ثلاثية صموئيل بيكيت ،التي تأخذك كل جملة فيها ، اذًا المشكلة الأساس تكمن بقضية اللغة وكونها بنية لاشعورية،،ما أردت الذهاب اليه ان مفردات اللغة تمتلك موسقة وتنبير ،،تتناسل عندما توظف في سياقات اوسع مثل الجملة او النص ،،هذه المفردات والسياقات،،تعمل وفق نظام يترسخ فينا منذ بواكير وعينا ، لذلك احدى اهم خصيصات الشعر،،هو موائمة موسيقاه مع النوتة المحفورة في بطانة وعينا ،،بشكل بنية لاشعورية ، والا هو خطاب لا يحقق أي إجراء يعود بفائدة عملية ،،فقط تحفيز المشاعر وتلطيفها،،أي فائدة روحية وجدانية ،،تنعكس لاحقًا بتشكل وتوجيه المزاج العام ، منطقته روح الجماعة ،،وبيان لحياة الروح ، لذلك الكثير يستهجن قصيدة النثر او الهايكو او النانو ، طيب،،ننظر من زاوية اخرى ، هناك في أي خطاب و الشعر منه ،،محمولات وتشفيرات ، لغرض تسويقها كقضية ، يتبناها الشاعر، ويبثها ، حتى لوكانت وجدانية فردانية بحت ،،فإنها بالضرورة ستوشي بهموم الجماعة وقلقهم وأفراحهم ،،وقضية وجودهم في هذا العالم،،نحن هنا نتكلم عن فائض المعنى وفق توصيف بول ريكور ،،هذا الفائض سيتسلمه القارئ ويتفاعل معه،،وربما يتبناه ويطوره ،،اذًا هناك عملية خلق جديدة،،نوع من التركة المورثة الني تنمو ،،في عالم اليوم بعد دخول عامل التواصلية ،،اصبح العالم بلا حدود جراء الانفتاح الغير مقيد، وجراء انهمار هذا السيل الجارف من المعلومات التي نتلقاها مجبرين ،،بحكم التقانة والفضاء الاتصالي،،تغير إيقاع. الحياة،،بات متسارعًا لدرجة مخيفة ،في هذا التسارع فقط والتغير الحاد تكمن شرعية المحاولات الحداثوية في الأدب والفن. عمومًا ،،انه التلاعب بالزمن ،،وعملية التزمين بحاجة الى إعادة تنظيم نفسها لتستوعب المجريات ،
الموضوع واسع. وعميق ويحتاج الى جهود نقدية كبيرة تتفوق على قدرة فرد او باحث ،،يبقى هناك ثلاث قضايا عالقة ،،سأتطرق. لها على عجالة ،،أولها قضية التغريب ،،وهي لُب الفكر الماركسي وربما أهم تشخيص لجوهر الحضارة،،أقول إن إنساننا العربي والشاعر او الفنان يعاني من التغريب المركب،،تغريب عن العمل والهوية ، وهو ما تفصح عنه نصوص (نحن المجانين ) ،وكذلك قضية النزعة التدميرية جراء شعور الانا بالمحاصرة والتطويق من الآخر الغربي ،،فتنزع النصوص الشعرية الى نوع من جلد الذات،،والقضية الأخيرة هي سيمولوجيا العنوان،،كلنا نعرف ان العنوان هو نص مستقل نوعا ما ،،لكن هذا النص. هو احالة الى محمولات النص الام ،،لكن هناك جانب مهم على الشاعر أن يفهمه أن عتبة النص. هو نوع من الاتفاق المبدئي التي يتم بين كاتب النص والقارئ،،من خلاله سيتم تقبله من عدمه بالنسبة للمتلقي ،،وكما يقول المثل الشعبي المصري ( الملافظ سعد ) ،،على الشاعر ان لايشتط بعيدًا في الايغال بتسفيه الوقائع ،،لأنه بذلك يفقد زمام المبادرة كونه صانع رؤية ،،اتمنى ان يكون كلامي لايغضب الاصدقاء،،
جمال قيسي / بغداد



نص شعري ** أقول لكم** بقلم الشاعر محمد حمدان

مع الشاعر محمد حمدان
والمرحلة ااموسيقية في " ماذا أقول":
""""""""""""""""""""""""""''''''''''''''''''"""""""""""""""""...
متابعة القراءة
محمد حمدان
** أقول لكم**
***********
أمس ِ حادثته ُ
أمس ِ حادثني
وبكينا معاً جرحنا
كيف حالك ؟
حالي كحال الوطن ْ
*****
فاتني أن أو ِّدعه ُ
فاته ُ أن يودِّعني
لم نكن نقرأ الغيب َ
لكنه --اليومَ-- يقرأ من دفتر الغيب ِ
أشعارنا
ثم يهتف لي بوحه ُ
--والصَّبا جاء يحضنني--
كيف حالك ياصاحبي ؟
كيف حال الوطن ْ ؟
*****
آخرون َ ،
على شاطئ البرتقال قضَوا نحبهم
لم أسلِّم على الطرقات التي
سلكوا وعرَها
غير أني رأيت ُ جناح البراق يلوِّح
لي
وقرأت رسائلهم في رموش السديم الذي
طاف حول غزالاته ِ وهو يسألني :
كيف حالك يا صاحبي؟
كيف حال الوطن ْ ؟
*****
عاشقون َ ،
انتهى شوطُهم ،
عاشقين َ مضَوا
خلَّفوا فوق خدِّ المرايا الخجولة ِ
تفاحَهمْ
نقشوا بيدراً من حروف أحبَّتهم
في جبين الصخور ،
على صفحات الصنوبر والسرو ِ ،
بين أفاريز تلك القناطر ِ ،
غابوا بعيدا ً
....بعيداً
ولكن َّ شمسهم ُ
ماتزال البريدَ الذي يودِعُوهُ أشعَّتهمْ
في الصباح ِ
وينتظرون الغروب َ
على جمر لوعتهم
يسألون قطار النوى :
كيف حال " الحبايب" من بعدنا ؟
كيف حال الوطن ؟
*****
هل أقول لهم ؟ :
مات فينا ربيع الفصول ِ
ولم يبق َ إلا الخريف ُ الذي
عاد يحمل أوراقه ُ حطباً
وبقايا كفن ْ
هل أقول لهم ؟ :
بؤسنا
-- منذ دهر ٍ من التيه ِ--
باق ٍ على حاله ِ
كلما غيَّب الفجر من دربنا
وثناً
عجن الليل من طينه ِ
ألف َ تاج ٍ لألف ِ وثن ْ
*****
أيها الأصدقاء ُ !
أقول لكم :
طيلسان ُ السواد ِ يلف ُّ المدينة َ
لكنَّ عين َ"اليمامة"ِ تبصر ُ خلف َ
جدار ِ الظلام ِ قباباً من الكُحل ِ
كانت رياح ُ الجنوب ِ تقطِّرها
راية ً...رايةً
نجمةً...نجمةً
ليمر َّ على روح أطفالنا برقُها
فيراقص ُ ضحكتهم ْ
ويسامر ُ ألعابهم ْ
ويشد ُّ العزائم َ
حتى إذا كبروا
وكبرنا جميعاً بهم
حان موعدنا مع "طبولِ الخليلةِ"
في الموسم المرتجى
هاااا...رياح ُ الجنوب ِ اللواقح ُ
هبَّت سراعاً على رونق ِ
الأرض ِ
تُحيي خصوبة َ أرحامنا
ثم تبعثكم من زمرُّ دِها
ثم تحملكم مطراً
وعنابرَ قمح ٍ
يجدِّد أفراح َ هذا الوطن ْ
*****
لن أقول َ لكم أيها الأصدقاء ُ :
وداعاً ،
ولكنني سأقول لكم ْ :
تصبحون على وردة ٍ
زرعتها الطفولة فينا ، وفيكم
سياجاً
لعيد ِ
الوطن ْ
******************************
(* )
طبول الخليلة :
معتقد شعبي فحواه أن السماء تزف ُّ الشهداء والقديسين
بموكب من نور يرافقه قرع الطبول والمزاهر .
******************************
محمد حمدان
*************

الكتابة ،،والهلع / قراءة في نص جاسم السلمان بقلم الاديب الناقد جمال قيسي

الكتابة ،،والهلع / قراءة في نص جاسم السلمان
مشاكس منذ ان قرأت له السطر الاول،،ولا اذكر هل كان شعرًا ،،ام نقداً،،لكنه ليس من النوع الذي ،،تعجبك مشاكسته،،اذ القضية تتعدى عنده المزح،،او الإثارة،،يحمل مطرقة ثقيلة ،،يضرب بها راسك،،وحين تصحو يضرب. نفسه،،تحنق عليه،،لانه يوغزك ،،في اعماق وعيك،،ومن ثم تستدرك،،انه محق،،عندما تقرأ نصًّا ،،مثل هذا،،تشعر انك. وسط قاعة مطالعة مغلقة،،وتتساقط عليك رفوف الكتب من كل صوب ،،تؤلمك المجلدات الثقيلة،،وحتما سوف تقضي ،،نحبك،،شعورياً،،يعصرك جاسم السلمان في كلماته حد الوجع،،آه ،،يالها من عيشة ضنكا ،،في هذا النص رأيته يعتلي فرسًا،،ويتسارع وكأنه في غزوة ،،او مناجزة،،وشعرت بانه يمسك معصمي،،ويسحلني خلفه،،لم أعد اشعر بالالم ،،من هوله،،والرؤية بالكاد ،،تتوضح،،فالأماكن كثيرة التي يتنقل بها،،والغبار الذي يثيره،،يجعل الامر مشوب بالريبة،،،
واي ريبة ،،وانت منقاد رغم عنك ،،لفوضى جاسم السلمان،،لاوقت لديه،،لان ساعته بلا عقارب،،ليس مهما،،هو يخلق زمنه ،،وردهات من المأسي،،
منذ زمن ليس بالقصير،،ادركت ان الثقافة الحقيقية ،،هي ثقافة الالم،،اما مايقال في الصالونات ،،او الغزل الهرموني،،فهراء في هراء،،،نحن نكتب ونعلق ونعلي،،ليس من اجل صناعة الادب،،وإنما ،،من اجل ارضاء رغباتنا المسفوحة،،ليس اكثر من محاولة تمثل الانا النرسسية،،نوع من الانانية المفرطة،،كما تقول عمتنا الجليلة ( جوليا كرستيفا ) قدس الله اسرارها العظيمة ،،
من مسه الالم والفقر وهو صغيراً،،،هيهات ان ينسى ،،من هم عشيرته الأقربين ،،مهما رحل او تنكر ،،لأوضاعهم. المزرية،،يبقى النسب حاضرًا ،،
لا اعرف عندما قرأت هذا النص الموجع ،،تذكرت. أمرًا حدث لي قبل أسابيع. قليلة ،،وانا في جولة فصامية في شارع المتنبي،،انقب عن الكتب والعناوين الجديدة،،وهي عادة مضحكة في هذا الزمن ،،فأنت تبحث عن كتاب،،اما من باب التسرية والوجاهة،، بصريح العبارة نوع من الاستمناء ،،او حاجة بحثية،،أو تفتش عن جرح لم تألفه لذهاني اخر ،،وكأن جراحك لاتكفي،، كنت امر بسرعة ونظرة خاطفة على. الكتب المفروشة في الارض،،وحرارة الجو لاتسمح بالتمعن طويلاً،،مررت ،،مسرعاً، اجر خيباتي ،،وخيبات الآخرين من مؤلفي بعض الكتب،،هذه رسائل فان كوخ ،،تخطى سعرها الخمسين دولار،،آه لو. يعرف صاحب المكتبة اي الآلام. عاشها فينسنت ،،لما قبل ان يأخذ فلسًا ،،مقابل رسائله،،لكن ماذا أقول،،انا بعواطف هشة،،ولايجب ان آخذ الامر وفق مقاسي ،،واستوقفني عنوان ،،قصص حب ،،من تأليف جوليا كرستيفا،،فقط تاكدت من اسم المؤلف
،،اشتريته رغم ثمنه الباهض ،،دون تردد،،ولم استطع ان اقلب المحتويات لأَنِّ نظاراتي لم تكن بحوزتي،،لكنها جوليا كرستيفا،،معلمتي،،ومثلي الأعلى ،،وداخلني شعور غريب،،هل وصل الحال بهذه القامة السامقة،،ان تكتب قصص حب تافهة،،ربما الحياة الباريسية ،،انستها،،جذورها،،وعند رجوعي للبيت وانا على احر من الجمر،،لألتقط. نظاراتي وأقلب الكتاب،،ونسيت نفسي والطعام وكل شيء،،فإذا بي امام نص خطير،،لاعلاقة له بالحب وقصصه لا من قريب او بعيد،اشبه بالمحاكمة لتعرية مجمل الخطاب ،،من الكتب المقدسة الى الميثولوجيا ،،الى مجمل النتاج الفكري الانساني،،والغريب انها وضعت معها مستشارين ،،فرويد ولاكان ،،وأحياناً يونغ ،،
انتابني نفس الشعور عندما قرأت عنوان ،،المقال الذي كتبه جاسم السلمان ( رسالة الى سيدة دمشقية )،،حسبت انه نوع من التغزل بالدمشقيات،،ونحن الرجال العراقيين منتهى حلمنا أمرأة سورية،،عندما هربنا من الطائفية،،وفتحت سوريا ابوابها لنا،،صعقنا جمال المرأة السورية وأناقتها،،ولطافتها،،ونحن بحوزتنا نساء مصمتات ،،العواطف،،نعم المرأة العراقية،،بنية تاريخية ولدت وتربت لان تكون أم ،،رائعة،،اما زوجة وحبيبة،،فهذا امر فيه وجهة نظر،،لا اعرف سيدي جاسم السلمان ،،اعتقد انك تتذكر رائحة العجين بملابس أمك مثلما اتذكر انا،،المرأة العراقية لاو قت لديها للحب،،الا لأولادها ،،لانها ام مفجوعة حتماً،،تفقد اولادها او بعضهم بسلسلة الحروب،،ودوامة الاستبداد والطائفية ،،او القهر الاجتماعي،،مثلما كتب اليوم ،،( سعد ناجي علوان ) عن ذكريات مؤلمة ،،عن والده،،وأمه،،،
أقول اني حكمت هكذا قبل قرائتي للمقال،،ولكن جاسم السلمان أذهلني ،،مثلما فعلت جوليا كرستيفا،،
لا أقول شيء،،الا انه الهلع،،،من هذا الحطام،،،وانه الادب المطلوب،،،
جمال قيسي / بغداد
رسالة
(الى سيدة دمشقية).
وجهك المخدوع بحلم الهجرة غادر خيمة البداوة وسرير السعفات ظل زمنا منقوعا في غابات الزيتون وقلبا عاطلا يتاجر بالعشق الرخيص ودما متخثرا نتيجة الأدمان على الكافور وبردا يدثر عظام بني شيبان على شطآن المتوسط اللذين ظل سعيهم مشكورا وماتوا على العهد داخل مترو الأنفاق البعيد، بانتظار أن تبقى ملامحهم شامية وترابهم مباخر حضروية تتوزع بين بغداد وأرصدة المواعيد، كانت نواياكِ تسترد ملامحها وتبتدئين منها إليّ أقاسمك التمرد عند فم الأنهار لنشييد السنوات وأسرارها ونأخذ زينتنا العربية ونصلي عند أصنامنا التي صنعناها من تمر وخمر ودقيق وحين نجوع نأكلها ونهدي ثواب الفاتحة الى أرواح شهداءنا والى عالمِ نتمرد عليه ونجهد من أجل الغاءه لنتحصل على عالمِ بديل خصب الموروث يكون قابلا للرفض ومنه نقرر الموقف ونأخذ الوضوح من خلال التي واللُتييا، انت والنسوة اللاتي مثلك لحمٍ غير رخيص وغيمٍ يمطر كبريتا أحمرا وسيقانا مابرحت حضورا مضيئا يستفيق على مضضٍ كأنه الحلم الذي يلتقيني فرحا وسط وحشتي وسحالي الوهم ومابين تشرين الأرواح ووطن البلسم شواطئٍ شتتها البحر وأهملها الصيادون، ،بعينيك وحشة خوف غبي هي لعنة الشام المطمئنة في روحك، تسألين عن دمعتي انها ثرثرة تنهض من بين الأنقاض ولافتةُ احتجاج ضد حضرة الله والخرائط والقتل بالقتل والخيل والبغال والصهيل والصبح حين يتنفس، دمعتي سيدتي الدمشقية سبّه تحول المستحيل الى الممكن السهل لايقلقني البقاء فغدا لانهي ولاأمر وغدا فقط خمر،ورغبة للأحتراق والثلج لايطاق ودجلة الخير موحشة غيرت مجراها وضيعت الماء فاستصحرت ضفافها وانتهت سجينة ثم شنقها السلاطين ودفنوها في البحر الميت فارتدينا من بعدها ثوبا ديمقراطيا شفافا حتى بانت عورتنا وبالت علينا الثعالبُ،،
اذن ليس من الضروري ان تحبلي وتلدي ذكرا فالتيس ذكرا والعصفور حين يجامع عصفورته خمسين مرة في لحظات ذكرا وأبن ملجم المرادي ذكرا وبروتس ذكرا ومجباس الغجري وابو رغال والشمر ووو، وأنا ورئتي والهواء الملوث وجدُ تناهى مداه في زنزانة جسد موجوع فالخيول تحاصر خيمتي والضجيج يغمر الدنيا القاً،كنت ومازلت ابحث عن عينين تصلحان للنعاس حتى تمتد بنا الدروب الى لانهاية لاتوقدي لي تعبي بعد الآن وخذي بيدي فانا بخير ياأم مرزوق في صلب الليل سأدخل الى غابتك وسأسقيك آخر حبات المطر وأُباغتك لأني مسحور في الليل تحرسني الظلمة الوفيرة وقمر مهمل مابرحت أراه منيرا يرصد تجاعيد قصائدي وجرحا ظل سئ الضماد يعانق حقول بكاه، وتمتد الدروب ثانية حين تبدأ طاحونة الموت كحلم قرمزي اللون عديم الرائحة ماسخ الذوق يأخذك الى بيته الخشبي كرهينة داعشية ويختار لك عشيقا يعوضك عن مشقة المشوار ولاعليك من اللوم والأسى فهناك الظلمة حضارة مستديمة ومعشر الناس اللذين فيها لايحترمون صنعة الفوانيس لانها صنعة صينية رديئة، كوني مسترخية وتجاوزي مبدأ الكياسة والكبرياء وكلي واشربي من نهر النبيذ المصفى واستحمي عارية في نهر اللبن لربما يشاهدك احد الصحابة الميامين ويتخذك خليلة من بعدي، واما أذا احتجت الى اي استفسار وتسآل فهناك نيلسون مانديلا وهند رستم والفتية أصحاب الكهف والرقيم وكلبهم الوفي وليلى العطار وكاظم راهي العجيل وهوشيمنه وكلوديا كاردنيالي وعمر بن عبدالعزيز وعوض دوخي ولطيفة الدليمي وديستوفسكي والحلاج وناقة صالح ورجل من أقصى المدينة يسعى وفدوى طوقان وحجي مريدي وباتريس لومومبا وزهور حسين وزوربا وماري انطوانيت التي أرادت أن تطعم شعبها الكيك اللذيذ المحلى فأبوا الا ان يشنقوها ويأكلوا خبز الشعير والدقيق وتأكلهم ثورتهم،ثم أن هناك أمي ستعرفينها من بين الجموع من عينيها البصيرتين اللتين لن تحبان الضوء أبدا وتكره طقوس الشموع لأنها تحرق نفسها في عملية(نيكروفيليا)صادمة، ستحكي لك منذ البدء كيف جاءها المخاض في زريبة المواشي وقذفتني ضيغما وحنيفا من المسلمين بين حوافر البقر اللذي تشابه علينا ثم عمدتني بالتبن وطين الروث وكبرت في أذنيي وقالت ستكون ان شاء اللة من الصالحين وكنت كذلك مادامت بجانبي حتى اذاما ماتت كنت أنا أول المشركين وآخر الزنادقة الملحدين ..اتمنى أن تحجزي لي في الجهة الشرقية الجنوبية او الشمالية الغربية تحت شجرة آدم ومن الله التوفيق...!!!

أغنية بصرية /قراءة في نص ( أغنية خارجة عن الاتفاق ) للشاعر غازي الموسوي ..بقلم الروائي الناقد جمال قيسي

أغنية بصرية /قراءة في نص ( أغنية خارجة عن الاتفاق ) للشاعر غازي الموسوي ..
بقلم الناقد Jamal Kyse
في واحدة من لحظات الإبداع. البشري، قفز. سيغموند فرويد بنظرية التحليل النفسي ، بمستوى الوعي الى مرحلة في غاية الجدة ، لتنسحب فيما بعد على مجمل المعارف ، بالإمكان ان نقول انها نقلة ابستيمية فارقة ، ثمة شيء استباح ساحة الادب ، لا،،بل ابعد ، انه اجتياح لكل الموروث المتصلد، الإعلان عن التفكيك للمنظومات القيمية ، و اعادة التشكيل،،في لحظات نادرة من الملكة النقدية الثمينة ، في التاريخ ،ما يعنينا هنا كلمة ( لا) ،،حيث يقول فرويد ان النطق ب (لا ) ،بما معناه انه الاعتراف ب المكبوت والمقموع ، ومع أن فرويد ذهب إلى الشخصية الفردية وليست الكلية،،لكن تلاميذه طوروا مبدأ اللذة ،من صراع فردي داخل النفس البشرية بين الأنا العليا و الأنا السفلى ،،اي بين منطقة الشعور المقيدة بتعاليم القطيع ومحرماته وبين منطقة اللاشعور المتمثّلة بالرغبات المقموعة والحية بذات الوقت،،والتي ستجد مسربًا ما بعيدًا عن الرقيب ،لتقفز الى العلن ،،استطاع إريك فروم و هربرت ماركيوز وبقية أعضاء مدرسة فرانكفورت ،،بربط كشوفات فرويد على مستويات واسعة من خلال الدمج بين الماركسية والفرويدية ،، والخروج بتيار اليسار الفرويدي،،استطاع هذا التيار أن يجد المستوى الاجتماعي للفرويدية على يد فروم،،والحضاري على يد ماركيوز،،والتعمق البنيوي النفسي على يد لاكان ،،
الغرض من هذه المقدمة ،،هو استخراج كلمة ( لا ) في نص الموسوي الغارق في الترميز،،نوع من البوح عن مكنونات اللاشعور لدى الموسوي،،والذي اجتهد بإخفاء ما تتوق لها. نفسه،،فكلمة ( لا ) ربما لم ترد صريحة،،وردت على شكل عبارات ،،وهذه هي احد الأساليب اللعينة للأدب. ( لعينة هنا للمواربة ، وليس للسوء ) لنرى ما نحن بصدده،،
"كُلَّمَا جَفَلَتْ لُغَةُ البَحْرِ،
ألْقى على كتِفِ الريحِ امراسَهُ
وغنّى أُغنيةً حالمة
ما انفكَّ مثلَما كانَ:
بعيداً عن اوهامِ السابلة،
كانَ رغمَ المفازاتِ
يشهدُ تطابقَ الفصيلةِ
كما ويشهدُ الجهةَ القاحلة"
كيف تجفل لغة البحر؟ ،،واي بحر؟ ،،هنا تبدأ المواربة،،بين البحر الشعري والبحر المائي ،،ولزيادة التعمية يلحقها ب أمراسه أي شدة بأسه واصراره لكن هذا البأس سينفذه إلى الريح ،،وغنى،،ليدخلنا في متاهة جديدة ،،الى عالم الريح ،،بحلم يرتجى، هناك رغبات متضخمة بل متورمة،،لاتفصح عنها منطقته الشعورية،،فالشعر غواية لعينة للإفصاح ،،أشبه بعميل الاستخبارات المتخفي ،،هو وسط القطيع في مهمة لاتعنيه السابلة ،، كل تقولاتهم ومعتقداتهم،،حتى وإن اظهر إيمانه بها فهي بالظاهر،،لكن جوهره يقول ( لا) ،،هويته الفردية ،، الرافضة للهوية الاجتماعية ، هوية القطيع،،لكن لائه ،،تجلت شاعريًا ،،اعتقد فهمنا مقصده بتطابق الفصيلة،،وكونه شاهد الجهة القاحلة ،،
في المقطع الثاني،،سنرى كيف تجلت ( لا ) ،،هنا يسلك الموسوي،،رفضه بتقمص دور الحلاج ،،الخائب في تمثل رغباته الرافض الموارب،،ومع أن كل مواربة لم تبعد السيف عن رقبته ،،في لحظات تيقنه أن العقاب نافذ لا محالة ،،وكلمة ( لا ) التي جاهد بإخفائها قد كشفت،،ازداد إصراره على موقفه،،وما أجمل الصورة التي جسدها الموسوي ،،( مجلجلاً بتوتره الفروسي القديم ) ، نوع من العزة والثبات ،،لأنه لم يعد يملك غيرها،،حتى وان لم يرغب،،والا،،لم التوتر،،انه اعلان عن احتجاج من منطقة اللاشعور ،،على الأنا العليا،،طالما الواقع قد سفح الداخل،،في ذات التشابه بين الحلاج ويوحنا المعمدان (يحيى ) ،،وغازي الموسوي ،،لقد أزاح. الموسوي هنا فواصل الزمان والمكان،،ودخل بالمطلق،،هنا يصرخ الموسوي ب ( لا ) ،،للتعبير عن كل ما تم قمعه في اللاشعور ،،
" ما زالَ مجلجلاً
بتوتّرهِ الفروسيِّ القديمِ
صارخاً بصوتِ المعمدانِ.
في رئةِ المدينه:
- ايّها الراقصونَ على انغامِ المذبحةِ
ذروني ودمي منفرداْ!!
لا واسطةَ بينَ العينِ ومدامعِها
اتركوني ومنْ احبُّ
انهُ يراني واراهُ
والعالمُ يتحدُ
خارجَ الزمانِ.
وخارجَ المكانْ........................."
.........
أخيرًا ،،يعطينا درسًا. جميلًا في عملية الأدب ،باعتباره تورخة حقيقية للمشاعر والصراع بين الأنا العليا والأنا السفلى،،هذا النص أن تم تجريده من هويته الشرقية،،هو إعلان إضافي. لمدرسة فرانكفورت،،انه يساري فرويدي بامتياز،،لولا،،ال (لا) الشرقية ..
جمال قيسي /بغداد
نص الشاعر:
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أُغنيةٌ خارجةٌ عن الاتفاق...(مجلة المعلم..تموز..1999..البصره)
*******************
كُلَّمَا جَفَلَتْ لُغَةُ البَحْرِ،
ألْقى على كتِفِ الريحِ امراسَهُ
وغنّى أُغنيةً حالمة
ما انفكَّ مثلَما كانَ:
بعيداً عن اوهامِ السابلة،
كانَ رغمَ المفازاتِ
يشهدُ تطابقَ الفصيلةِ
كما ويشهدُ الجهةَ القاحلة
ما زالَ مجلجلاً
بتوتّرهِ الفروسيِّ القديمِ
صارخاً بصوتِ المعمدانِ.
في رئةِ المدينه:
- ايّها الراقصونَ على انغامِ المذبحةِ
ذروني ودمي منفرداْ!!
لا واسطةَ بينَ العينِ ومدامعِها
اتركوني ومنْ احبُّ
انهُ يراني واراهُ
والعالمُ يتحدُ
خارجَ الزمانِ.
وخارجَ المكانْ.........................
غازي الموسوي


وسائل الصورة الشعرية في النص الشعري المعاصر الانزياح - نظرية جون كوهن - "مرحى غيلان" للسياب أنموذجا.بقلم الأديبة أ. حياة مسعودي

وسائل الصورة الشعرية في النص الشعري المعاصر
الانزياح - نظرية جون كوهن -
"مرحى غيلان" للسياب أنموذجا.
بقلم الأديبة أ. حياة مسعودي
*
إن الحديث عن الصورة الشعرية في النص الشعري المعاصر يقودنا بداهة إلى الحديث عن خصوصية هذا الشعر الذي يشكل قطيعة مع الشعر القديم مضمونا وشكلا،
ومن المعلوم أن الصورة في هذا الأخير كانت وسيلة الشاعر الأساسية في التعبير عن أغراضه ومعانيه، ويعد الجرجاني أول من قدم لها تعريفات منها (سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة. ) ، واعتبر ها الجاحظ عماد الشعر (الشعر فن تصويري يقوم جانب كبير من جماله على الصورة الشعرية)، إلى غير ذلك من تعريفات الدارسين المجمعة على اعتبارها شكلا تعبيريا يمزج بين الخيال واللغة والموسيقى والعاطفة،
وقد حصرتها البلاغة القديمة في أربعة أشكال : التشبيه، والاستعارة، والمجاز، والكناية .
ولَمّا كان الشعر المعاصر ثورة عميقة وحاسمة على الشعر القديم مرجعُها التحولات الجذرية العميقة التي استجدت على الوطن العربي منذ احتلال فلسطين، فقد كان من البديهي أن يسعى الشاعر المعاصر إلى إيجاد وسائل تتناسب وحداثة هذه التجربة بحيث تسنح له بقدر أوفر من الحرية في التعبير عن مواقفه وآرائه إزاء هذا الواقع بكل مستجداته بعدما ضاقت الصورة بمفهومها البلاغي القديم - بمفردها - عن ذلك، وسرعان ما قاده اطلاعه الواسع وثقافته العميقة ذات المشارب المتنوعة إلى العثور عنها في وسائل أخرى كالرمز، والأسطورة، والانزياح من دون الاستغناء عن الأشكال البلاغية التقليدية.
لقد وجد في هذه الوسائل الحديثة الشكل التعبيري المثالي الذي يُضَمِّنُهُ مواقفَه من الواقع والوجود، والذي يتيح له حرية أكبر في الجهر بها رغم هالة الغموض الناجمة عنها، واتخذها قناعا يمرّر عبره قناعاتِه ومواقفَه حتى غدت المرآة العاكسة لعالمه الشعري الخاص ولرؤياه بكل عناصرها الفكرية والوجدانية والجمالية، مطمئنا إلى إمكانيات القارئ الثقافية ومداركه اللغوية في استجلاء ذاك غموض، والاهتداء إلى مراميه.
سَأَخُصُّ بحديثي الانزياحَ اعتمادا على نظرية"جون كوهن" ببيان إطارها ومفاهيمها، مع تطبيقها على قصيدة "مرحى غيلان" للسياب، في خطوة نحو الانفتاح على الدراسات الشعرية الحديثة، وتجريبها في تحليل هذا العنصر الحيوي في المتن الشعري المعاصر .
ينطلق جون كوهن في تأسيس نظريته الشعرية والتي ضمّنها كتابَه (بنية اللغة الشعرية) من تصور بنيوي يستقي أسسه من منبعين نظريين أساسين : الشكلانية الروسية عند (جاكبسون) في مجال الشعر خاصة واللسانيات عند (دي سوسور)، ويرتكز بالأساس على اعتبار النص بنية مغلقة يلزم البحث في مكونانها الداخلية والقوانين المتحكمة فيها، ولهذا ينظر إلى مفهوم الصورة نظرة عامة تشمل جميع مستويات النص الشعري عبر مفهوم الانزياح. والذي يقع بالنسبة لمعيار ، وهكذا يعرف الشعر تعريفا نوعيا (فالشعر ليس نثرا يضاف إليه شيء وإنما هو نقيض النثر ) (1) وانزياح الشعر عن المعيار يجعل منه واقعة أسلوبية، والأسلوب عنده هو ما ليس شائعا ولا مألوفا، فهو انزياح بالنسبة لمعيار، اي خطأ ولكنه مقصود كما يسميه (برونو،) ويعتبر اللغة الشعرية واقعة أسلوبية في معناها العام ،والشعرية علم الأسلوب الشعري مؤكدا ان الفرق بين الشعر والنثر كمي، وبذلك يمكن قياس درجة الانزياح.
مستويات الانزياح
- المستوى التركيبي:
يفترض هذا المحور خاصية اللغة الزمنية إذ يتم النطق بالكلمات في تسلسلها وتتابعها في تآلف معتمد على الامتداد ، وهي تكتسب قيمتها من تفاعلها بما قبلها وما بعدها ، يسمي هذا التآلف "العلاقات السياقية" وهو تركيب يتألف عادة من عنصرين فأكثر.
من ناحية أخرى تثير الكلمة الواحدة من هذه كلمات أخرى بالتداعي تشترك معها في علاقة ما، فمثلا كلمة "ربيع " تستدعي كلمات : عشب - خضرة ...وهي توافقات لا تعتمد على الامتداد الخطي كالسابقة وانما على ما سماه (سوسور) ب"العلاقات الإيحائية" أو كما سماها علماء اللغة المحدثين : العلاقات الاستبدالية.
- المستوى الدلالي:
يدرس كوهن عدة صور انطلاقا من الوظائف النحوية للكلمات معتبرا أن كل كلمة وحدة معجمية تضطلع بوظيفة نحوية محددة داخل الجملة، ويقوم باستخراج القاعدة العامة التي تستلزم منها القدرة الدلالية على الاضطلاع بهذه المهمة.
1 - مستوى الاسناد:
يتجسد في صورتين :
الصورة الإسمية ( المسند إليه - الرابطة/ الصفة)
والصورة الفعلية(المسند إليه -الفعل)، ولكي يؤدي المسند وظيفته يجب أن ينتمي إلى نفس المجال الخطابي وإلا حدثت منافرة دلالية.
مثال الصورة الإسنادية الفعلية : "بكت السماء"وجب إسناد ( فعل البكاء)الى الكائن الحي لكنه أسند إلى شيء جامد ، هنا حدثت المنافرة / الانزياح، تقوم الاستعارة بنفيه عبر استبدال المدلول 1 (البكاء) بالمدلول 2 ( الإمطار).
- مثال الصورة الإسنادية الاسمية: " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" هنا تنافر بين المسند والمسند إليه.
ذئب : المدلول 1 (حيوان) بالمعنى الحرفي، و (شرير)بالمعنى الإيحائي .
إذن يتكون ميكانيزم ما هو شعري من شيئين :
حالة الانزياح تمثلها المنافرة الدلالية، وحالة نفي الانزياح وتقوم به الاستعارة إذ تستبدل المدلول 1 بالمدلول 2 .
يعطي جون كوهن مفهوما واسعا للاستعارة يشمل جنس صور تغيير المعنى، وهذا التغيير ينتج أنواعا مختلفة من المجازات، فإذا كانت العلاقة المشابهة نكون بصدد الاستعارة، وإذا كانت المجاورة نكون بصدد الكتاية، وإذا كانت العلاقة الجزئية والكلية نكون بصدد المجاز المرسل.
الاستعارة خرق لقانون اللغة تتحقق في المستوى الاستبدالي الذي يضطلع به المتلقي.
2 - مستوى التحديد:
التحديد إجراء لغوي يتم من خلاله تحديد الأشياء بإضافة كلمة أو أكثر لتحديد "نوع" او "جزء" او "فرد" تسمى محددات.
يؤدي النعت وظيفة التحديد حين يميز النوع داخل الجنس، وليتحقق هذا الدور ينبغي أن لا يشمل إلا جزءا من مساحة الاسم وإلا أصبح عاجزا عن أداء وظيفته التحديدية ، يُسَمّي "كوهن" هذا النوع من النعت ب (الحشو)، وهنا تعمل اللغة على خرق مبدإ "الاقتصاد" الذي يقوم عليه النثر والذي يقتضي الاستعناء عن الكلمات غير الضرورية.
مثال(إن الفيلة الحرشاء تتجه إلى موطنها الأصلي)
ف الحرشاء : نعتٌ "حشو" لا يحدد نوعا ولا يضيف شيئا، وهو لم يؤد وظيفته التحديدية، وبالتالي هو انزياح لغوي خالص.
3- مستوى الوصل.
من معانيه "الجمع"، وهو ما يسمح بتوجيه نظرنا إلى تعاقب الجمل (المتتاليات) في الخطاب، وما تشترطه من الانتماء إلى نفس المجال الخطابي ومن الانسجام الصرفي والوظيفي، وإن حصل غير ذلك نكون بصدد ما سماه (الانقطاع)، وهو مقصور على الشعر دون النثر الذي يتميز باللغة العقلية لأنها تروم الإبلاغ بينما لغة الشعر انفعالية تروم التأثير، وتتوقف على المتلقي لأنه هو من يقوم بعملية نفي الانزياح/الانقطاع.
يقدم كوهن مثالا له (كانت "روث" تفكر و "بوز" يحلم ، العشب كان أسودا)
متتاليات تعكس مزيجا مما هو معنوي وما هو مادي، حصل الانقطاع بتدخل مباغت (العشب.... )
يتضح بعد هذا العرض المختصر تجاوز "جون كوهن" للمنظور التصنيفي الذي وقفت عنده البلاغة التقليدية، إذ عمد إلى إيجاد بنية مشتركة تجمع بين الصور البلاغية غير أنه يلتقي بها في تفضيل الاستعارة ممثلة في الانزياح الاستبدالي على الكناية ممثلة في الانزياح التركيبي لكونها قائمة على المجاورة وهو على حد تعبير حميد الحميداني" (موقف ينسجم ومنطلقه المبدئي في تفضيل اللغةالشعرية التي تغلب فبها الاستعارة على كل لغة في النثر.) (2)
- تطبيق على نص "مرحى غيلان" للسياب.
مرحى غيلان
بابا .. بابــــــا
ينسابُ صوتك في الظلامِ إليّ كالمطر الغضيرِ
ينسابُ من خلل النعاسِ وأنت ترقد في السريرِ
من أي رؤيا جاء؟ أي سماوةٍ؟ أي انطلاقِ؟
وأظلّ أسبحُ في رشاشٍ منه أسبحُ في عبيرِ..
فكأن أودية العراق
فتحت نوافذ من رؤاكَ على سهادي: كل وادِ
وهبتهُ عشتار الأزاهر والثمار. كأن روحي
في تربةِ الظلماءَ حبّة حنطةٍ وصداكَ ماءُ
أعلنتِ بعثي يا سماءُ
هذا خلودي في الحياة تكنُّ معناهُ الدماءُ
"بابا" ..كأنّ يد المسيحِِ
فيها، كأنّ جماجمُ الموتى تبرعمُ في الضريحِ
تموز عاد بكل سنبلةٍ تُعابثُ كلّ ريحِ
"بابا... بابــــــا"
أنا في قرارِ بويبَ أرقد.. في فراشٍ من رمالِه
من طينهِ المعطور, والدمُ من عروقي في زلالِه
ينثال كي يهب الحياة لكلّ أعراقِ النخيل
أنا بَعْلُ: أخــطر في الجليل
على المياهِ، أنثّ في الورقاتِ روحي والثمار
والماء يهمس بالخرير.. يصلّ حولي بالمحارِ
وأنا بويبُ أذوب في فرحي وأرقد في قراري
"بابا.. بابــــا"
يا سلّم الأنغام, أيّةُ رغبةٍ في قرارِك؟
"سيزيف" يرفعها فتسقط للحضيض مع انهيارك
يا سُلّمَ الدم والزمان: من المياه إلى السماءِ
غيلان يصعد فيه نحوي من تراب أبي وجــدّي
ويداه تلتمسان, ثَّم, يَدي وتحتضنان خـــدّي
فأرى ابتدائي في انتهائي
"بابا .. بابــــا"
جيكور من شفتيكَ تولّدَ،من دمــائك، في دمائــي
فتحيل أعمدة المدينة
أشجار توتٍ في الربيع, ومن شوارعها الحزينة
تتفجّر الأنهار، أسمع من شوارعها الحزينة
ورَقَ البراعم وهو يكبر أو يمصُّ مع الصباح
والنّسـغَ في الشجراتِ يهمـس، والسنابل في الرياحِ
تَعِدُ الرحى بطعامهنّ .
كأن أوردة السمــــــاء
تتنفس الدم في عروقي والكواكــب في دمائي
يا ظــلّي الممتدّ حين أموت، يا ميلاد عمري من جديدِ
الأرضُ( يا قفصاً من الــــدم والأضافر والحديــدِ
حيث المسيحُ يظلُّ ليسَ يموت أو يحيا... كظــلٍّ
كَيــدٍ بلا عصبٍ ، كهيكــل ميّتٍ ، كضحى الجليدِ
النور والظلماءُ فيهِ متاهتانِ بلا حدودِ )
عشتارُ فيها دون بعلٍ
والموتُ يركض في شوارعها ويهتف : يا نيــامُ
هبّوا ، فقد وُلِــــدَ الظلامُ
وأنا المسيحُ أنا السلامُ
والنارُ تصرخُ يا ورودُ تفتّحي, وُلِــــدَ الربيعُ
وأنا الفراتُ،ويا شموعُ
رشّي ضريح البعلِ بالدم والهُباب وبالشحوبِ
والشمسُ تُعــــوِّلُ في الدروبِ
بردانةٌ أنا والسماءُ تنوءُ بالسحب الجليدِ
" بابا.. بابـــــا"
من أي شمسٍ جــاء دفــــؤكَ أيّ نجمٍ في السماءِ؟
ينســلُّ للقفصِ الحديدِ ،فيورقُ الغدُ في دمائي؟
من الصور الاسنادية:
- ينساب صوتك
صورة إسنادية فعلية أسند فيها الشاعر فعل الانسياب إلى الصوت .
التعبير الحرفي 1 : ينساب : حالة الماء من الرقة حين الجريان،
التعبير الإيحائي 2: ينطلق صوت ابنه "غيلان" وهو يلفظ "بابا" عذبا رقيقا .
تحقق الانزياح في المستوى السياقي، وتم نفيه في المستوى الاستبدالي ..فهي استعارة.
- ينساب صوتك في الظلام كالمطر الغضير
صورة إسنادية فعلية، المنافرة بين المدلول1 السابق والمدلول الإيحائي: صوت الوليد يصل أسماع الشاعر عذبا رقيقا رقة المطر الغضير وبهذا تم نفي الانزياح.
- ينساب من خلل النعاس: نفس الصورة لكن في حالة خلل النعاس اي مابين اليقظة والنوم.
- من اي رؤيا جاء
إسناد المجيء إلى الصوت. وصدوره من عالم الرؤيا ،هنا المنافرة/الانزياح ، لأن الرؤيا مرتبطة بعالم غير مشهود والصوت تحقق في الواقع المشهود،
نفي الانزياح بالمدلول الإيحائي أن جمال صوت "غيلان" لايمكن تصوره، فهو يفوق أي جمال مشهود
- أظل أسبح في رشاش منه.
تحقق الانزياح بإسناد سمة الماء للصوت بأن جعل له رشاشا، والمعنى الإيحائي: استمتاعه برقة وموسيقى صوت الصغير "بابا" كما يستمتع وينتعش برشاش الماء.
- كل واد بعثته عشتار الأزاهر والثمار.
أسند فعل العطاء لكائن أسطوري عشتار رمز البعث والخصب وتجدد الحياة، والمعنى الإيحائي: الفرح لمقدم هذا المولود الذي يتحقق به بقاؤه بعد موته .
- أعلنت بعثي يا سماء
أسند إعلان بعثه إلى السماء، ، المنافرة تحققت بإسناد سمة خاصة بالأحياء للسماء، المدلول الإيحائي : أعلنتَ يا الله ، اي ان المراد خالق السماء لا السماء فالعلاقة جزئية.
- جيكور من شفتيك تولد.
صورة إسنادية فعلية، إسناد الولادة إلى "جيكور" قرية الشاعر، وهنا انزياح يتم نفيه بالمعنى الإيحائي/ الاستبدال : جيكور هي انتماء الشاعر الذي يتقوى ويتعمق بتحسسه لكلمة "بابا "من فم ابنه لأنها تعزز الإحساس بأبوته وتعزز "أبوة" جيكور له ، فغيلان ابنه وهو ابن جيكور.
- أنا في قرار بويب
أرقد في فراش من رماله
صورة مركبة:هنا تنافر بين "الأنا" والكينونة في نهر "بويب" لكونه قرارا للماء لا للنوم، والمدلول الإيحائي: إحساسه بالطمأنينة من أعماقه/ أو تعمق انتمائه إلى جيكور(بويب نهر يمر خلالها)/أو تصور موته بقرار هذا النهر الذي هو أصله، والذي سيمكنه من البعث لكونه واهب الحياة لأعراق النخيل.
- أذوب في فرحي: إسناد الذوبان إلى الذات، والمنافرة نشأت من كون الذوبان خاصية فيزيائية لمادة من طبيعة معينة، وهي ليست كذلك للذات الإنسانية، والمدلول الإيحائي: التعبير عن أوج فرحه.
صور التحديد:
- ومن شوارعها الحزينة.
الحزينة: نعت محدد، أضفى صفة الحزن الإنسانية على الشوارع، وهنا تعارض بين المنطوق والمفترض أي الناس، والعلاقة الكلية، والمدلول الإيحائي: كلمة" بابا" حملته على الفرح إلى الحد الذي جعله يضفيه على من حوله من الناس الحزينين في الشوارع.
- يا ظلي الممتد حين أموت.
ف: الممتد نعت للظل ، وهو لا يضيف صفة لأن الامتداد خاصية بديهية للظل، فهو نعت حشو، يتم نفيه بالاستبدال : "غيلان" امتداد لحياته.
- صور الوصل:
- أخطر في الجليل وأنثر قي الورقات روحي والثمار.
عدم انسجام بين بين المتتاليتين أي انقطاع، إذ مزج بين المادي والروحي.
المدلول 2: بلوغ التضحية بنفسه بأن ينثر روحه في الورقات والثمار هبة لأهل العراق.
يتضح جليا خضوع النص لشعرية الرمز والمشابهة عبر الانزياح في مستوييه التركيبي والدلالي أساسا ويكشف عن ثنائية طاغية (الحياة - الموت). فصور الحياة ممثلة في الطبيعة ورموز الخصب والبعث في : بعل، (تموز /عشتار)-أودية العراق، نهر بويب ، تشاركه جميعها الفرح والاحتفال ب"تحقق النطق عند صغيره "غيلان" فيرى فيه امتداده، ويعمق لديه انتماءه لجيكور /العر اق، لكن سرعان ما يخبو هذا الفرح وتختفي معالم الحياة ، ويتضح هذا في صور عدة(حزن الشوارع - ركض الموت - ولادة الظلام - عويل الشمس...) وهذا يفضي بنا إلى القول بعلاقة التقابل بين صور الحياة /الفرح وصور الموت /التشاؤم، وينتهي النص بانتصار "الموت" الكاشف عن رؤية سوداوية قاتمة تطغى على مجموع النص يكشف من خلالها عن حقيقة الصراع بين الحياة والموت وتجلياتهما المتناقضة على أرض الواقع ،فلئن كان "غيلان" امتداده بعد موته وبه يتحقق بعثه، فإنه - في حقيقة الأمر- بخلاف ذلك لجيكور /العراق ، ومن المستحيل أو البعيد أن تتبدد قتامة الواقع لمجرد فرحه بمولوده، لقد تصور أن الأودية والشوارع وكلَّ "جيكور" تشاركه الفرح لمقدمه بأن جردها من مظاهر القتامة تلك، وغمرها بالحياة والأزاهر والورود، نعم كان هذا كله مجرد تصوّر تراءى له في لحظة فرح، والواقع ظل على ما هو عليه ولذلك ظل متأرجحا بينهما .
إن الهدف الأساسي من تطبيق هذه النظرية على نص السياب هو افتراض مواءمتها لحداثة الشعر المعاصر، فمن غير المنطقي إخضاع الصورة داخله لمقتضيات البلاغة القديمة بطابعها التصنيفي ، وبطبيعة نظرتها الضيقة إلى الصورة عبر تجزيئها واقتلاعها من القصيدة دون النظر فيما تثيره من تفاعلات داخلها ، وهذا على النقيض من الطابع العام لنظرية "ج.كوهن" والذي يشمل كل مستويات الصورة وعلاقاتها والقوانين التي تحكمها، علاوة على قدرتها على ملامسة الجانبين الدلالي والنفسي بما يؤشر على العالم الشعري الخاص للشاعر بمعالمه الفكرية والانفعالية والجمالية.
ألاستاذة حياة مسعودي
______________________________________________
المصدر: ديوان بدر شاكر السياب - المجلد الأول- دار العودة بيروت 1989.
المراجع:
(1) - جان كوهن - بنية اللغة الشعرية، ترجمة محمد الولي والعمري محمد - ص (49) الطبعة 1\1986
(2) حميد الحميداني- أسلوبية الرواية ص(64)- ط1/ مطبعة النجاح الجديدة 1989.

الجمعة، 19 يوليو 2019

التناص الموسيقي في مقامة الشاعر محفوظ فرج المحدثه.. قلم الاديب الناقد غازي احمد الموسوي

التناص الموسيقي في مقامة الشاعر محفوظ فرج المحدثه..
.....................................
اذا كان على ناقد ما أن يختار عنوانا مناسبا لدراسة هذا النص الشمولي الكبير من الناحية الموسيقية و الشكلية على وجه الخصوص فأظنه لا يتجاوز العنونة التي اخترناها في اعلاه واعني..
*( التناص الموسيقي في مقامة الشاعر محفوظ فرج المحدثه..)..
**********
وفي هذه الحالة لابد من الإجابة على سؤال من يسأل : ياترى ، لماذا اسميت هذا الشغل الإبداعي بالمقامة؟
، أقول :
بل اسميته بالمقامة المحدثه..
ذلك لأن جسد النص الإجمالي بروحه بمضايفاته بنكهته ذات المنحى السردي الحكائي ، وبما حمل من انفاس الإدانة والتأشير ثم الشمول الإبداعي المتداخل كل ذلك دعانا إلى تنسم روح المقامة العربية التي تتصل كما يعلم الجميع بأساتيذها الكبار الحريري والهمداني وأخيرا وليس آخرا الآلوسي..مضففا باستحضار شخصية ألف ليلة وليله النسوية البطولية كاستعارة مثلى لبغداد الحب والجمال والروح الوطني التاريخي والوجداني الحي،
أما الانجاز الاهم بحسب تصوري فيكمن في القدرة المدهشة على تحديث المقامة بحيث جعلها ترتدي ثياب قصيد النثر المموسق بشكل ضمني دفين مسترسل بالاعتماد على أجراس المفردات الداخلية خالقا بذلك سلسالا موسيقيا متحدا مع الضربات العروضية المتصاعدة والموقعه ..
*
التناص الموسيقي:
......................
كولادات طبيعية تلقائية من بين اهداب الخطاب النثري تخرج إلى الوجود ضربات موسيقية تصعيدية تشبه إلى حد كبير لافتات المظاهرة او الاهزوجات والاراجيز وحتى الاناشيد التي تعقب الخطابات التاريخية اوالاندفاعات الجماهيرية المحتشده..
والنص بهذه الحالة نزع قشرته الاجتماعية التقريرية المباشرة وتقدم بالضمائر والمشاعر والاحاسيس الجمعيه..
ولننظر معا الى هذا التناص الموسيقي الجميل مع الموشحات الأندلسية واجواء الشعرية العباسية بل وربما نسمات مستوحاة من اناشيد عصرية ايضا كما هي حال قصيدة ايليا ابو ماضي ..سقف بيتي حديد..حشدا منه لمجمل الفعالية الحضارية للأمة ترقيقا وتعميقا في أن واحد..
فلننظر معا إلى هذه الاهزوجة:
اصهلي ياحروف
واستمع ياشجن
..
لم يعد للوقوف
مأمن او سكن
.....الخ
وكأنه يضمن بهذا المدمج بين المتدارك او قد يمتد الى الرمل روح العزاء العراقي المعروف.. من دون أن ينسى معنى التأشير والتلميح والتعبير عن الوجع الدفين..
بينما يستعير من المولدات اوالرجز ماشاء شرط الضابط الايقاعي ممهدا لهما بضربتي خبب رائعتين في حرفنة عالية في المقطوعة التصعيدية الثانية..
...
رفقا..فعلن
رفقا..فعلن
بشهرزاد..متفعلن ..اومتفعلان..من دون فجوة أبدا..
مليحة ال..متفعلن
حسن وال..فاعلن
تثني..فعولن..
وغايتنا من كل هذا العرض هي القول اننا بإزاء تجربة ابداعية تحاول ان تجمع موسيقيا وهاجسيا روح الحضارة البغدادية العباسية العراقية العربية الإسلامية في محفل يحتاج منا إلى كثير من الوقفات التفصيلية التي أتركها لمن يود السفر مع هذا الشاعر الكبير..خالص تقديري..
...............
نص الشاعر:
........*
هطول شهرزاد
-----------------
هطولكِ في مفازةِ الروحِ مرهونٌ بالتقاطكِ نبتةً أعشبتْ في سهولي المنقرضة
أيتها الغزالةُ النافرةُ أوهمكِ الخوفُ أنَّ كلَّ أنسيٍّ صيادٌ ، لا ليس كذلك . المسكُ الذي تغرقين فيه هو ليس لي والبصرةُ وحلبٌ يغرقان في الغياب
دورانُكِ دوارانَ الراقصةِ هو دورانُ الصياد المارقِ عن جنتنا التي منحناها ماء العين . أنتِ تبدينَ حزينةً تلَوِّحُكِ رمضاءُ الجزيرة هائمةً بالأصفرِ الفاقعِ الماثلِ في العينِ وغباركِ خيولٌ مسوَّمةٌ ينثرُ شظايا الحصى في أجسادِ الرعاةِ الفقراء
يمّمِيً نحو شهرزاد يممي نحوها تجدي أحمرَ الشفاهِ يهفو لمبسمها ويتوسلُ بها اتركيني مرةً واحدةً ألامسُ نعومتك وبعدها أطلقي رصاصةً تشبهني في النارِ والاحمرار
يسمونها هم ؛ رصاصةُ الرحمة
تجدي عطوراً شهرزاديةً يخامرني الانتشاء بها معتقةً أشربُها رائحة الغرين وشال ازرق تهمله وقت الزينة
صرفاً تدبُّ في عظامي النَخِرَةِ لترتقَ ما أفسدَ الدهرُ
العطارُ قمصانك المخملية
وعيناك العسليتانِ أنفذ من خلالهما إلى رمضاء الجزيرة
ألوّح للحادي هذا محرابٌ تتعبدُ فيه الوعولُ وتهربُ الذئابُ
محرابٌ أغفله الملك الضليلُ لكنَّ الاحوصَ مات شوقا إليهِ
ألوح للحادي أضعتُ في الفلاةِ شهرزادي
هل صادفتْكَ إبِلُ الهذليين
أبحثُ عن ناقةٍ تدقُّ عنقي لأنني قاتلٌ وليدَها وهي تبحثُ عني
يَقُولُ : مَرَّتْ قوافلُ لا أدري بالتي نذرتْ دماءها لتطلىَ بها أظافر شهرزاد
اصهلي يا حروفْ
واستمعْ يا شجنْ
لم يعد للوقوف
مأمنٌ أو سكنْ
شهرزادُ توسطتْ
حصنك المرتهن
ملكتني بدلِّها
هيَ شعري هيَ الوطنْ
وأراها كأنها
قدري فيه امتحنْ
سذاجةٌ شهرزاديةٌ هي فطنة الحانات والأديرة الممتدة
على ساحلِ أحزاني المبعثرة
قواقع تتلذذ في الرملِ رملك الذي أدوِّنُ سكرتي به عشقاً ويمحى بالموج
من تراه يصيخُ للصدى القلمُ أم الورقةُ
هذه المسكينةُ المعذبةُ بنار حبري تتحملني و كأنها قلبُ سمكة تسّاقط دموعها رأفةً بي
لحمها الحي ندوبٌ تجهلها المراهقة الثلاثينية فتصبّ الزيت على النار
فارعةٌ تحتطبُ في البرية تسمي الجلنار شوكاً
والكاردينيا التي اعشقها حسكا على متنها سفرٌ وراء
المحيطات هي تسميهِ الأسود الكئيب وأنا اسميه أوتار قيثارتي المحطمة
جارتي المنفضةُ تشكو رمادي
خذني معك في المطر
إلى ( السوبر ماركت ) أتَحمَّمُ بأنامل غيرك
أتوارى وراء فستان أو حقيبة مثل أيِّ جسد وقع في غرام جسد
غريبٌ يتقن فن المجاملة لكن ما أتقنَهُ فقد بريقه مثل قلادةٍ صدئة على صدرِ سمراء
كيف لي وهي مراكب
تحط رحالها على عتبات غرفتي
تارةً ملقى يخرجُ جيبها ماساً أو توابل هندية أو حنيناً يشقُّ أوراقي نصفين أو ذئبةً جائعةً لا البياتي ، ولا درويش ، ولا ادونيس ، ولا غادة ، يسدّونَ رمقَها أسمعُ عواءها يصكُّ مسامعَ الجدران الكونكريتية التي قطَّعَتْ ارباً إرباً بغداد نهضَ قبلهم ابن هاني وقال رفقاً رفقاً بشهرزاد
مليحةُ الحسنِ والتثني
دعها على رسلها تغني
تبوحُ بالذي أفاقتْ
له مراراتُ كل حزني
تملي ووحدي أذوبُ فيها
من وهجها قد بنيتُ سجني
وان أفاقتْ على بكائي
أضمُّها في سوادِ عيني
أضمّ من تحبُّ من ضحاياها المرفوضين بسبب إفراطهم بعشقها جسداً
وهي غاطسةٌ في تخوم المرايا
الملتهبة برمضائها
هل دققت في معنى العراء البساط الذي افترش القسوة والوحشية والبكاء
دققي ثم استمعي لصبوة النهر واحتضانه
أرأيت النخل كيف يقرب إعجابه ويباغت الرمل بامتداد الخضرة من أبي الخصيب إلى الحجاز
أنت هنا تعتلين الوادي الفسيح
تنتقين الأداء
شعرك المسترسل كوتهُ الفيافي
شالك حكايةُ جداتنا وفساتينك سهرات لا مروية بهذا الأصفر الفاقع أجدد تقوقعي في مفازاتك اليانعة
محفوظ فرج
من مجموعتي الشعرية
شهرزاد


الصفات الحيوية....لسانُ حالِ المُركّب النصي قراءة لنص (مرثية لبطل شهيد). للشاعرة مي عساف بقلم الاديب الناقد حميد العنبر الخويلدي .

رثية لبطل شهيد).......................مي عساف
أيها الصقر الذي تحدت نظراته سيوف الردة....
شامخا كراية علي.....
نقيا كآلام المسيح....
كريما ك....إناأعطيناك الكوثر
واقفة لا أزال على
عتبات الخشوع....
أبكي تارة بقلب أم ......
وتارة بقلب حبيبة...
وتارة أخرى أبكي بدموع
راهبة تدعو الله ان يتقبل
قربان المجد والعلياء.....
أيقونة الفداء ستبقى.....
تنعيك ضفاف دجلة
وتبكيك أمواج الفرات....
وتزهو بك قمم قاسيون ....
وحدائق الشام من عبق
دماءك تتعطر.....
كل حواري الجنة تنتظرك
ياسيد الشهداء....
وكل أبناء الوطن يرددون....
ألا..... تبت يدا ابي لهب وتب.....
لترقد روحك الطاهرة بكل العز والكبرياء.....
ولكل شذاذ الآفاق وآكلة لحم الإنسان .....
لأحفاد ابي جهل ......
هناك ....في مزبلة التاريخ
دفن اباؤكم وأجدادكم
أيها السفلة....وهناك ...
ستدفنون.....
أقسم ......لحذاؤك أطهر
من تيجان ملوك الخزي والعار.......
نم قريرا يا حبيب
الشمس...
نم واثقا.....
للباطل جولة .....
وللحق جولات....... Mai Assaf............................................
.......................................................
،......................
...........................نص نقدي مقابل....الخويلدي
.الصفات الحيوية 
هناك وضوح في هذا الخطاب النصي
من اول التلامس بين الحاسة العين في التلقي وهي تتفرس مسحا تتابعيا ..وبين البنى التعبيرية كل بمركبها الحيوي ..وما الت له الصفات
الجمالية المبتكرة ..وهذا
البيّنُ حتما هو صفة باهرة صدرتها
قوى الفعل المستبطن في المخلوق..
فالذهب تعرفه من صفته ذهبا ..شهدت عليه خاصيته الغاءصة في جسده..فلعل البدنية قوة اعطت متناولها في العرض..
الغزالة اختلفت في الصورة عن البعير.. مَنْ اوحى بذلك للناظر..نعم قوى الجسد الكلي والذي هو اصلا مُحَدّدُ الصورة في تمام خلقتها منذ بداية التكوين في الصيرورة..كبر ام صغر المخلوق..
النص ايما نص ماثل..تجده صورةً في القريب العياني امامك ماثلةٌ في حَيّزها الوجودي..
تشكل مع غيرها ترابطية حيوية من الفعل والجمال المبصورين..
فلعل الذي استدعى هذا التاشير الفكري.اولا وخصوصا هو قوة المركب الفني..واحصره تركيزا في
جسد البنية..
فالجسد كل جسد حامل خصايص جنسه ونوعه وفصيلته.. مستبطنا قواه كل في مؤدى وظيفته..وقالوا
انَّ الوظيفةَ تعني العضو..
اليد عضو نعم لها وظيفة بطبيعة لمسيه..والعين والاذن وكامل الحواس..وهذي مغارزٌ في جسد البنية.. وروابط وجودية تنبيك عن المعلوم والعدمي..
ولرب سؤال ...
لماذا التركيز على الجسد،...؟
نقول الجسد يعني الكتلة في الطبيعة..وتعني عرض صفات المركب الفني القاءم....
فالخطاب النصي الذي ابدعته ..مي عساف..بحكم وجوده هو كتلة جمالية من جنس السرد الشعري مقتضاه حروف تلبّست صفات رموزها المحدثة في حاصل حركتها
الكلية..
وبين الحس والادراك وهي كذلك محفّزاتُ جسدٍ مقابلٍ يمسح باداة نقده بنيةَ هذا المركب الشعري..
وحصرا للرؤيا الفلسفية في النقد وضمن خط الشيفرة في الموضوع
نقول ان المبدع...
وبموهبته الباهرة جذب الكون واحدث نشورا خاصا حينما اعلن
ان بطلا بصفته المعلومة هذا انظروه
عيانا....كان مسجىً.. كان يقاتل.. كان حجرةً منحوتةً او بطلا من لون وتصاليغ فرشاة ذكية..
هنا استوفز فيك.. ومن خلال الاعلان..واعزا استدراكيا هو ارادات العقل الاقتراني..وحين قلت العقل
نعم ذكرت المعنى والمحدد والقياس
استنباطا لكثافات البديع في النتاح..
ايها الصقر....
هذي المفردة الجمالية....هي الوحيدة القادرة ان تحمل صفة الرمز المحدث والمقصود البطل في ذات الموضوع ..
وبنداءية المتجلي في الكامن التاريخي غوصا في خزانات المستتر
من المعاني التي حفرت مكنونها في رقميات الوقت وسجلاته..
صقر كتلة تحمل صفة سامية لجسد استمكن القوة وحديد النظر والسطوة والنزال ووثبة الميدان..و.و.الخ من جماليات هذا الكاين الشخصاني..
اُلْبِست عقلا وادراكا للبطل..كي يركب ماَلات الفضيلة..
جسد وعقل ...هنا نعين قصديتنا الفكرية لعلنا اخذنا بحثنا على شاكلة المُركّب الحيوي..انتهاجا ونظرة..وعسانا نفلح..
يتبع الفنان الشاعر مفهومه بمعنى عميق مرصوص عفويا من قبله...
ايها الصقر...
الذي تحدت نظراته..
سيوف الردة..
لازال يُنَسّبُ الدلالات كل خانته ويستشهد بالحقب البارزة..والتي تصبح مثلا يستعبر به ويعتبر اضافة..
وهذا رغم انه من مشاش الضمير باعتبار ان هناك رِدّة وخلي في بالك ما ادراك ماالردة..وماتعني في تاريخ
لوح الدعوة ايام صدر الاسلام..
وهذي التذكرات اذ تاخذك نحو الناصع مختزلة الرديء...
وهل الا الضمير يلقي بدلو الحقيقة
لتترع منه بيّنات التصحيح والرجوع
الى ما كنا فيه من العدل والمساوات...
شامخا كراية علي
نقيا كالام المسيح
كريما...
ك..انّا اعطيناك الكوثر..
هذا السفر المرهف بالخيارات وبناعم
وابيض التواصيف..هذا رفع صفاته وذاته ..في المعنى وفي المبنى..وان ماينبيك عن الشيء الا صفاته..
الحي بات حيّاً لصفات الحياة فيه..
والميت عكسه ...
وخذ على عاتقك هذي التنقلية في فعل التصعيد والخلق..
وهذا التراص الصوري المعلوم..
راية علي..وبمجرد ان قلت هذا انفتحت قدرة اخرى استبطانية من الوعي المنطقي والجمالي وتحركت امكنة وازمنةوقد يكون السمع منتشيا بضرب وقرع صفات الحرب
في القديم..وذاك رصيد بحث مذخور في الزمن..لكن اداة خلق الشعر تستثير مزاجا ادهاشيا خاصا...
وكحال رمزية الام المسيح وتفطين
الذاكرة الموسوعية.وانثيال المضامين..العامرة..
وهل غير ان نلحق ..انا اعطيناك الكوثر...منصة لفعل جمالي عقلي طرّز به الشاعر اجتهاده الفذ عن البطل..وذا دليل روحي عرفاني. قدسي..يلحم به مجريات الارض بمجريات السماء..
واقفة لا ازال على عتبات الخشوع
ابكي...
تارة بقلب ام...
واخرى بقلب حبيبة...وبدموع راهبة
تدعو الله.....
هذا التبجيل والربط بين الحبيبة وبين الام..هذا محور نفسي باهر يستدعي كل شهوانيات الحال والماَل والموقف الغريزي ومايمت للبداعة والجاه..
هنا اعطت شاعرتنا مسحة لتغليب الهاجس المنفعل تغليب الامتاعي والتلذذي. الذي يضيف على الشيء
انبهارا محسوبا يحرك الخلفيات ويحرك نشاط الباطن..
تبكيك وتنعيك..صفاف دجلة وامواج الفرات..وتزهو بك قمم قاسيون..
وحدايق الشام
وكمثل ما يتسع المفهوم الجمالي في النص، اراد مبدعُهُ ان يؤسس الى قدسية ارفعَ وابلغَ وان يعرض من موروث التوثيق الجمعي مايخدم..
قال...
كل حواري الجنة تنتظرك
ياسيد الشهداء...نعم انه الاستذكار الاعتباري..بسيد الشهداء الامام الحسين ع وذي قولة نبي لافضل لاحد فيها على التاريخ والمصير...
ومانست شاعرتنا الا ان ترجع لارضيتها وترابيتها والى العادي
السايد..حيث انتهجت مبدا الشتيمة والسباب.. وانهالت بشكل بديع ومن محطات السلبي والشجبي ...
تبت يدا ابي لهب وتب
وليظل التتابع في الصفات والقدرة المضمونية يلحق معاني مركّب النص الحيوي والفني لغاية ماتستوفي الشروحات غايتها...
وروايتها...
............................................
............................................
حرفية نقد اعتباري
ا.حميد العنبر الخويلدي
صيف 2019

،تقاسيم على الهامش، ((استنطاق المكان لتحريك ذاتيته )) بقلم الشاعر الاديب عبد السادة البصري

عمودي الاسبوعي،،،تقاسيم على الهامش،،،في جريدة الدستور،،الاثنين 15 تموز 2019،،،محبتي لكم
((استنطاق المكان لتحريك ذاتيته ))
أن تستنطق المكان ، وتنفخ فيه الروح لتؤنسنه ،، هو اشتغال على تحريك ذاتيته وإعادة صياغته من جديد ، أو عملية نبش ما فيه من قوة كامنة بين صخوره لتخرج الكائنات الحيّة المتغلغلة ما بين ذرّات ترابه مهما تقادم عليه الزمن ، وغيّرته تقلبات الطقس ، ونزعات العابثين فيه من بني البشر و حفرياتهم عبر مرور السنين !!
في قصيدته التي تحمل ثريا نصها ( إلى مدينة الحلّة ) المنشورة ضمن مجموعته الشعرية ( ورقة الحلّة )، صنع الشاعر ( جبار الكواز ) من المدينة القديمة القابعة في أعالي ذاكرة أبنائها البابليين ، سفينةً ليؤكد صعوده فيها ومعه ما علق في مخيال ذاكرته من حكاياتٍ وصور ، ابتداءً من سني الطفولة وحكايات الأهل عن الآثار والأسلاف حتى الكهولة واختمار تلك الحكايات لتطلع في سماوات المدينة حكايات أخرى :ــ
( صغاراً
إلى الجنائن المعلّقة
صعوداً
إلى عين شمسنا )
من هنا تبتدئ حكايته مع المكان حيث يؤشر تاريخيا للمدينة منذ أن بناها نبو خذ نصّر ، ليأخذ بحجارتها وحدائقها ذرة ذرة وغصنا غصنا صانعاً سفينة حلمه :ــ
( لم تكن أصوات أسلافنا
سوى أنين حجارات قبورهم
الدارسة
ولم تكن أشجارها
أيامى
ولا نارنجها
كأس خمر
ولا سواقيها
عيون نساء )
من هذا العالم الغارق في لجة التاريخ ، وعند بناء سفينته الحلمية أخذ يعدد ما يراه بين هذه الحجارة من أرواح تتحرك هنا وهناك ،لتمنحه مفاتيح بواباتها السبع ، كي يدخل حاملاً فانوس ديوجين يضيء أمامه كل مغاليق المدينة الدارسة .
من أسوار المدينة وحرّاسها الوثنيين ، وطيورها الراقصة فوق البحيرات إلى الغاطسين في طينها اللازب ماسكين بسرّتها كي يصنعوا منها عالماً آخر تصدح في جنباته الفواخت ، وتتخاطف
طيور السنونو بين أغصانه ، ليعود وقد ندهه أذان الأفق العابر كل مساحات السمع حاملاً ألم الضياع والدمار :ــ
( نحن لم نتقن الخوف
ولم ندع أسوارها حطباً في
مواقد حرّاسها الوثنيين
وغرانيقها
الغاطسون في جبّ الطين
مسكوا سرّتها
بغناء الفواخت
وهجرة السنونو
وأذان افقها المجنون
بالألم )
بعد ذلك يبدأ صعوده شيئا فشيئا إلى سفينة الأحلام التي ابتكرها من جنائن مدينته المتهدمة، حيث قيدومها المكسور وأشرعتها التي مزقتها الريح ونسائها الجميلات المترملات وصولاً إلى الرقم الطينية التي تركها الأسلاف لتتداخل صور الذاكرة الحيّة بين الماضي والحاضر مازجاً أرواح الأولين المكتضّة بالألم والرؤيا عند ذرة تراب في إحدى طابوق جنائنها مع أرواحنا اللائبة التي تعيش جحيم الحاضر المشتعل بكل ما يمزّق الروح من وجع ونجوى :ــ
( صعوداً
الى قيدومها المكسور
الى أشرعتها الممزقة
الى عشتارها
وهي تلاعب الريح
بأرامل الرمل
الى مسمارها الضارب رقيمه
في أعناق أسراها
ووديان غاداتها
وعباءات نسوتها في تنور آب
صعوداً
الى أرواحنا المطفأة )
هنا تبدأ القصيدة بالسمو تدريجيا أو بالتداخل مع حاضر الشاعر ، حيث التراكيب المتمازجة بين ما كانت عليه المدينة من زهو وناسها الأولين حاملي مشعل الحضارة والعمران عبر ذاكرة التاريخ التي وصلت إلينا ، وبين ما نحياه من ألم ولذة وضياع!!
الشاعر هنا يصعد سلّم قصيدته عاليا حيث البوح الذاتي والاعتراف أمام مذبح الحكايات المقدسة راسماً صورة أخرى لمدينته التي سكنته منذ الصرخة الأولى :ــ
( الى أفئدتنا
وهي تغامر في كلمة غادرت
شفاهنا
نكاية بـ ( دار ،، داران ،، دور )
صعوداً
اليها
الى مصائد لذّاتها
الى اصطبلات ذكرياتها
الى أوراقها
في دفاتر النسيان
اليها
اليها
صعوداً )
وعندما يتربع على عرش حكايته ــ سفينة حلمه ــ التي هي المدينة الأثرية القابعة في زاوية الذاكرة يعود ليتساءل معها ــ هل أنت بابل التي أعرفها وسمعت بها ؟؟! أم أنت مجرد حكايات رسمتها ريشة الزمن على جلد ذاكرتنا ذات يوم ؟؟!! ، أم أحداث حفرت أيامها وصور ناسها بأزميل التاريخ في طين مخيلتنا الفتيّة ذات مساء ؟؟!!
( فلم تفكّر يوماً
أن صغارها اللاهين بأدراجها
كبروا
وهم يحدقون فيها
تلّ قمامة
فأشجارها عاقول
وثمارها أيتام
أضاعتهم الحروب
فضعنا معهم
وهي تستمع الى وقع خطانا
صعوداً
اليها
حيث لن تكون هناك
ولن نكون!!)
هنا يصل الى نقطة الانطلاق الأولى ، حيث خط النهاية لسباقٍ أراد أن يكون فلم يجرِ، فالمقبرة النائية خارج المدينة التي كان يلهو وأقرانه عليها أيام طفولته وصباه ، والتي صنعت الحكايات منها عوالم مخيفة ومسليّة ، وصنع منها سفينة أحلامه أيضا ،، بعد أن يفيق لم يجدها سوى بضعة كلمات تشير الى تلٍ سورته شجيرات العاقول خطوة بخطوة ، ليصرخ في وجه مدينته المعمّدة بالضحايا والقرابين :ــ ها قد صرت تراباً وبضعة حكايات في الكتب والذاكرة!!
ثم تعود سفينته لترسو في مؤخرة الخيال الإنساني للعالم أجمع وتبدأ حكايات أخرى وأخرى !!
الشاعر جبار الكوّاز صنع من حلمه ــ سفينته ــ هذه عالماً من الحكايات بعد أن نفخ في حجارتها الروح ليدخلنا مدينة كانت عامرة وزاهية لكنها الآن خرائب ينعق فيها البوم، انه رسم للمدينة القديمة الحديثة لوحة معمارية كسفينة نوح تعبر بحار مخيلتنا كل يوم !!!!

الذات وحاصل الجذب في اللحظة قراءة نقدية لنص الشاعر احسان الموسوي البصري بقلم الاديب الناقد ا.حميد العنبر الخويلدي

.نص شعري...
.......................................احسان الموسوي البصري
فوّاحةٌ
تمشي بروضٍ ضاحكٍ
بالحسنِ خصَّ إهابَها باريها
...
لما أَراها
أكْتوي بِجمالِها
وأَودُّ في لبِّ الحشا أخفيها
...
وأَخافُ مِنْ
عَينِ الحسودِ إذا مَشتْ
واللهُ مِنْ عَينِ الورى حاميها
.............................
...................
.............
...............................نص نقدي مقابل
..............................................الخويلدي....
الذات وحاصل الجذب في اللحظة
................
...
الدكتور احسان اعطى وصفات ثلاث تلَبّسها جسدُ النص واصبحت ميزاته التي يُنْظَر من خلالها في منصة التلقي..هنا استغنت الحواس..واستغنت الرموز..
ولكن بفعل مَنْ هذا الاستغناء...؟
اكيد لابد من سبب دافع اجتذب الجمال وجعل من ذاته هي الاقوى
وبحاصل فعل الابداع ان ذات المبدع اقوى حتما..من كل عناصر الجمال المُشترِكة بالبنية..
حين تنهدم كتلة الجسد في لحظة الابداع.تكون اجمل مما هي عليه بحيث تبهر من قاربها وجاورها واشترك معها بالموقف..هذا حال دينامي حركي..تنساق به العناصر
والودايع اولا تنبهر ببعضها فجاءة
ذاتُ المحب والذي هو المبدع الخلاق..مع جوهر الحسن في المحبوب وكل المُرَمّزات المتضايفة
على النص حصرا وتحديدا..
في الموقف عموما كان الضياء نزل حلت ارواح المشتركين فشع المكان واستنار وجاء الوقت بتصاعد الصورة والتماعها..
فالكل ولهت بالكل..وكان اول المواقف هو المؤانسة..
وهذا سبب مهم بصياغات احسان
لنصه..فلعل افراد البنية وقع عليهم اختيار خاص..وبحساسيات الشاعر واجراءات فعله...
كانت الصور ثلات على عدد ابيات النص..
فواحة تمشي بروض ضاحك
بالحسن خصَّ اِهابَها باريها
هذا التكثيف والرص والتكديس ما جاء الا بخصوص مستوى بلوغ تجربة استمكنت احداثيات دعوة الجمال..الى الرصد..فكانت ادوات المبدع مدربة واعية تمشي بدلالة الاستجماعي والامتاعي..
لما اراها اكتوي بجمالها
شهادة على الحس والادراك شهادة صريحة بلسان حال العفوية. ولكن كم لذيذة تلك الحسرات والتشكيات..
ورغم ذاك يقترح..
واود في لب الحشى اخفيها..
ويثني بتعاطفه مع محبوبه التوصيفي وقلقه عليه..
واخاف من عين الحسود اذا مشت..
والباقي على الله... انتزعه انتزاعا
من ثقافة العادات والفلوكلوريات
...الله يحميك....وكان وفر قناعة لنفسه واستقر...
نص صافي شفاف غضير غصن ناعم مورق..يستحق كل الوصف..رغم انه مقتضب ولكنه واسع في رؤيته...
دمت
.........................
.........................ا.حميد العنبر الخويلدي
..........................حرفية نقد اعتباري.........



قليلا من الضوء على نص الأديبة سامقة الحرف نبيلة الوزاني( لغةُ الأزل ) بقلم الاديب الاديب القيس هشام

قليلا من الضوء على نص الأديبة
سامقة الحرف نبيلة الوزاني
( لغةُ الأزل )
الاديب القيس هشام
(عن ملتقى حديث الياسمين)
......…………………………………..
لغةُ الأزل
------------
للهزيمة وجهان
بنفس الملامح
كلّما أمعنتَ بلاهةً
ألبستْ قناعَها شماتة...
تذكّرْ
بعد الانكسار دائما
هناك فصلٌ من زكامٍ
ضبابيِّ العُطاسِ
تماماً
كما خُفوت صهيل الحبّ
في قناديل القلب
حينَما تصْدَأُ مفاتيحه
~~~~
تماهيتَ ونقيقَ الفزع
الغدُ رُكامُ الحاضر
من فُتاتِ اليوم
أمْسُكَ
يُبعثُ من سبات الثواني
يتأجّج كرماد فرّ من نعاسه
يرسم المزيدَ
من علامات الاستفهام
ويتركك لوحةً هزيلةً
تبكيها اللمسات
~~~~
من كثر ما قهرك المِلح
كرهتَ لونَ السّكّر
ما بالُ وجهك
يرتدي لباسَ الليل
إذا قرعَ الفجرُ
أبوابَ عينيك ؟
ستخسرُ
ما تبقّى منك
بعد انفضاضِ شغبِ غبائك
التحليقُ في جوّ العناد
طريقٌ إلى هبوطٍ اضطراريّ
سحيقِ السقوط
~~~~
يا نصفيَ الشارد عنّي
في تجاويف كُلّي
على أطراف مدينة عمرك
أتيتك بعبق من عيون السماء
وقافلةً مخمليّةَ المسير
من تراتيل الأزل
حمولتُها حوارٌ أخضر
هدية من خدر الشمس
امنحْها شيفرة خوفِكَ
لتفكّ تمائمَها
ويكون الحديثُ
كضحكات الأقحوان
ليرأسَ الحبُّ
لغةَ العارفين.
،،،
نبيلة الوزاني
05 / 07 / 2019
.............
لغةُ الأزل
-----------
العنوان حادٍ للتأويل الذي تحدوه دهشة حضوره
فلغة الأزل قد تُثير علامات استفهام كثيفة المثول ولكنها عبر هذا النص نراها واضحة جلية على الأقل من وجهة نظري وما وقر في ذهني من خلال مطالعتي للغة هذا الوتين العاشق بأن تلك اللغة هي لغة الحب التي فُطرت عليها النفس البشرية وهذا التماس الملازم منذ بدء الخليقة ما بين آدم وحواء ..،
هذا عن العنوان المدهش ولكن في عودة إلى أجواء النص نجد أنه ...
نص رومانسي متخفّ ٍ في عباءة الحكمة وبعض من لمحات تسبغ على حضور ذهن المتلقي صيغة النص الإنساني العام وإن كان السواد الأعظم لهيئة النص هو مخاطبة خاصة وجدا مع شخص مقرب مس شغاف الوجدان ..،
ولكن كما تلاقيت وأديبتنا المبدعة في حوارٍ ها هنا في معية مداخلاتي في هذا النص فإن تلك النظرة العامة هنا أتت من خلال النظرة الخاصة بطريقة ضمنية نلمحها بين خافق الحرف وذاك كما قلت سالفا ديدن النفس البشرية كما درسنا في علم النفس تضع المصلحة العامة وترنو إليها من خلال المصلحة الخاصة - وتلك حقيقة علمية مؤكدة في علم النفس - من هنا كان الولوج من الخاص للعام - الإنساني - في لمحة ضمنية للمشاهد ككل ..،
هنا في هذا النص مخاطبة خاصة بين الحبيبة وهذا الصب الغارق في غياهب ما كان ..
وحضوره المتردد بصدي الماضي في ردهات حناجر الحاضر مما يجعله في معية عروج مضبب في تلك الدروب التي قد تحمله للغد ...،
المخاطبة ما بين جذب وشد من طرف واحد - الحبيبة - وإنصات وصمت نرى من خلاله تفكيرا لا نعي وجهته من هذا الصب ولكن في عدم تجاذبه أطراف الحوار ما يوحي لنا بأنه - من خلال عدم المجادلة أو ما يوحي له من خلال حديث الحبيبة - يعي أنها على حق وأنه هناك خلل في منهجه الحياتي عبر ركونه الكثير في دهاليز الماضي ...،
النص من العيار الثقيل يبدو من الوهلة الأولى للمتلقي أنه بحالة لسبر خاص لمعرفة حالتين مزاجيتين في رحم لقاء وتشبث كل منهما بالآخر برغم نقطة الخلاف تلك أي أنها محاولة لرأب صدع هو صداع في رأس النبض حبوبه المسكنة هو صرف الهوى الشاهق الذي يجمع بينهما ....،
..............
للهزيمة وجهان
بنفس الملامح
كلّما أمعنتَ بلاهةً
ألبستْ قناعَها شماتة...
تذكّرْ
بعد الانكسار دائما
هناك فصلٌ من زكامٍ
ضبابيِّ العُطاسِ
تماماً
كما خُفوت صهيل الحبّ
في قناديل القلب
حينَما تصدَأُ مفاتيحُه
في هذا المقطع نرى الطرح المسبب للتمهيد والتعريف به قبل الخوض في ماهية الأمر ككل ..،
فالمقطع يعد تمهيد لمشاهد النص وتلك المخاطبة الموجهة بدقة وهي تحمل نوعا من الحزم بنكهة الخوف الذي يحوي الحنان
"للهزيمة"
نقطة البداية أو ارتقاء القطف الشعري وجدت بصيغة التنبيه عبر وضع النتيجة أمام عين هذا الحبيب واضحة جلية قبل الخوض في المسبب لإسباغ محفز يتيح له متابعة الخطاب بتفكر أكثر مع تحوير المعنوي للمجسد الجمادي وتشبيه تلك النتيجة الحتمية بوجهيّ العملة ولإسباغ حتمية حدوثها جعلت الوجهين توأمين في كل الخصال بهذا الترميز بتشابه الوجهان في تعبير كلي رائع ..،
حيث أن هذه المخاطبة كتحفيز للمتلقي لها في البداية يجب أن تلعب على جزئية هامة - فهو في تلك اللحظة يحتاج للصور المحسوسة - وهي الإدراك اللحظي الواضح لماهية الفكرة المطروحة دون الحاجة للتأمل الذي قد يكون عائقا في بداية المخاطبة على انخراطه في مجاراتها وهذا أمر متعارف عليه ففي لحظات النصح يكون الذهن والوجدان في حالة غير مستقرة عنوانها محاولة العقل الباطن الدفاع عن كل ما يعتقده ..،
لهذا كانت المخاطبة بالصورة الحسية الواضحة - وجهان - التي لا تتطلب جهدا منه ليعيها وهو في حالة الرفض الداخلية - صفة بشرية - تلك ..،
" أمعنت .. بلاهة .. شماتة"
بعد هذا التمهيد لجذب الانتباه يأتي ما نسميه بالهجوم المباغت الممنهج في محاولة لدكّ حصون تمنعه عن فهم تلك المخاطبة ..،
ثم نري تصعيدا محسوبا بعد هذا الهجوم لتبرير ماهيته بوضع نتيجة حتمية لما جنته يده في لفظ " شماتة" هنا كانت الضربة التي فتحت بعض الأبواب المغلقة أمام لغة الخطاب تلك عبر وضع تصوير لنتيجة ردة فعل المخاطب - بلاهة - التي تعنى عدم الفهم والوعي للموقف - الهزيمة - واتخاذه لقرارات بها نزق وحماقة فتكون المحصلة ضياع أيام العمر وشماتة الشامتين وتجرعه وحده كأس الفشل ..،
هنا تشعر أديبتنا بنوع من التململ في استقباله للخطاب فتسرع بذكاء الأنثى وتهبط بمنحنى المخاطبة إلى معية اللين الذي يحمل في باطنه تنبيها غير واضح ولكنه سيصل من خلال مجمل نبض المخاطبة فيأتي لفظ اعتراضي عقب هذا الهجوم وهو " تذكَّر" وهو تعبير يجعل هناك نوعا من الهدوء وأيضا العودة السريعة عبر التحفيز إلى أجواء من اجترار ما كان - فلاش باك - ليرى بعقله الواعي ما يحجبه عقله الباطن في معية هروبه من واقع الأحداث ..،
هنا وقبل أن تضيع برهة الإنصات من صوان أذنه تبادره بصيغة التأكيد المتأخر بلفظ " دائما" بعد وضع النتيجة - الانكسار - أمامه وجها لوجه ..،
ثم وضع تفصيل للأمر عبر تعبير " فصل من زكام" وتعبير " ضبابي العطاس" لتوضيح تلك المرحلة العليلة التي عاشها - عدم سبر حقيقة الأمر - عبر وضع صفة مرضية فيها إسقاط بارع جدا فالزكام دائما ما يجعلنا لا نستطيع تنسم الهواء فلا يصل الأكسجين بالكيفية المطلوبة مما يجعلنا في حالة حرجة بها تعثر في التنفس وأيضا عدم قدرة على التفكير الجيد نتيجة نقص الأكسجين الذي يصل للمخ ومراكز الإدراك ...كما أنّ الزكام إن كان في حالاته القوية الشديدة يحُول دون التّمييز بين الروائح لنميز الكريهة من الطيّبة...،
هنا كان التعبير الرمزي غاية في الإبداع في وضع تصوير مشهدي لحالة من التأرجح البياني في اختيار الوجهة السليمة في التصرف والتخبط عن طريق وضع صورة لظاهرة تعقب الزكام وهي محاولة الرئة لإخراج أدرانها عبر العطس - حقيقة علمية مؤكدة - وهنا يأتي هذا الترميز ليشي بعدم القدرة على الخروج من تلك المكابدة فكلما حاول انزلق من جديد في ديجور هذه الأحداث لهذا كان للفظ " ضبابي" حضور مائز ومتوافق مع حالة العطس التي تحوي هواء به رذاذ ولكنه هنا كثيف في هذا المشهد المصور - حد حجب الصورة الواضحة للحدث - للتدليل على تلك الحالة شديدة التخبط والحيرة ..،
هنا تشعر مرة جديدة بهذا التململ من قبله - تململ منقوص - والذي يحتاج لبرهان أخير ليلقي بأسلحة هروبه من المخاطبة...،
فيأتي لفظ " تماما"
وهو هنا يفيد التوكيد الدلالي بأمر تستشهد به لتأكيد ما سبق - مثال - فتختار بيانا به شيء قريب من وجدان هذا المخاطب وله أهمية كبيرة عنده ولا يستطيع التفريط فيه تحت أي ظرف - الحب - فتسقط عليه ببراعة عازف حاذق يستطيع اختيار الوتر الذي يعبر عن موازير نوتته الحوارية ..،
في تصوير شاهق جعلت من القلب - تلك الكتلة العضلية - غرفة مسارج وتلك المسارح يخفت - الحب - ضوؤها عندما تصدأ مفاتيح الغرف ...،
الله الله
كيف يكون التصوير متوافقا بتلك الدقة مع الصور السابقة عبر لفظ " الزكام" والصور الحالية عبر لفظ " تصدأ " هنا نتوقف لنوضح الفكرة حتى يتبين للمتلقي ما المقصود من هذا الكلام ..،
فالزكام يصنع مانعا عبر انسداد مداخل الأنف فلا يصل الهواء للرئة بصورة سليمة منضبطة مما يعيق التنفس ...،
وتلك المفاتيح التي أصابها الصدأ والتي أوجدت صورة تشي بوجود أبواب لهذا القلب الذي يحوي قناديل الحب التي تخفت جذوتها ...،
هنا تلك الأبواب تظل مغلقة ولكنه غلق للبعض وليس الكل فالغلق التام لا يعني الخفوت ولكن الانطفاء التام وهذا ما لا تريد الحبيبة التعبير عنه لأنه سيقطع خطوط المخاطبة بانتهاء الحب وهذا غير صحيح فالحب قائم راسخ البنيان لهذا تكبدت عناء تلك المخاطبة للتغيير ..،
لنعود للتصوير الرائع في هذه القطفة الشعرية والذي توافق مع لفظ " الزكام" فغلق بعض الأبواب وعدم فتحها أمام الهواء الذي يزكي اشتعال القناديل يجعل ضوءَها يخفت ما بين صعود وهبوط فيصنع تلك الحالة التي تجعل جذوة المشاعر تصارع وتكابد لهذا كان استعمال لفظ " الصهيل" لأمرين ..،
الأول : للتأكيد على وجود نوع من المحاولة وإن كانت مهيضة لعدم خفوت وضياع وصل المشاعر فيما بينهم فالصهيل يخفت قليلا ولكنه موجود يحاول الخروج من المأزق ... ،
والثاني : الصهيل هو صوت الفرس وهو اختيار لتأكيد طهر ونقاء هذه المشاعر عبر الإسقاط على نبل الجواد وأصالته وإخلاصه وهي صفة متعارف عليها في الجياد ومن هنا كان للمثال الأخير حضوره في نفس المخاطب - الحبيب - من حيث توصيل الفكرة وأيضا دق ناقوس الخطر أمامه لإيجاد تحذير غير ملموس ولكنه محسوس ضمنيا بضياع شيء هو كل ما يملك في الحياة .. ،
الفقرة تمهيدية المثول للولوج إلى حياض النص وما به من مخاطبة تعرج ما بين اللين والتعزير بمنهجية ماتعة ..،
................
ماهيتَ ونقيقَ الفزع
الغدُ رُكامُ الحاضر
من فُتاتِ اليوم
أمْسُكَ
يُبعثُ من سبات الثواني
يتأجّج كرماد فرّ من نعاسه
يرسم المزيدَ
من علامات الاستفهام
ويتركك لوحةً هزيلةً
تبكيها اللمسات
في ضربة شعرية تحمل إشعارا بإذن مثول في حاضر اللحظة - المخاطب - معنون بزمن ولّى ومضى يأتي لفظ " تماهيتَ" ليفيد وقوع الحدث وانقضاء الأمر ..،
هنا كان الاختيار الرائع لنوع الصوت المسقط به ثم وضع صفة تعبر عنه شاهقة الحضور في تعبير " نقيق الفزع" ..،
هنا حمل التعبير كل ما يعتري ذهن المتلقي عندما يخوض لجة ما يعرف بالماضي الملبد المشجن في مثل تلك النصوص فيتبادر للذهن مسرح المشهد الحزين الذي تمت به المعاناة والمكابدة كمشهد مسائي حالك الظلمة ..،
هذا ما يأتي في الذهن في هذه الحالة ..،
هنا كان لاستحضار صوت النقيق كموسيقى تصويرية للحدث مائز فذكر الضفدع لا يعلو صوته سوى في المساءات ولا يكون هذا الصوت بتلك القوة سوى في موسم التزاوج والتكاثر وفي هذا الأمر وجهان للمعنى يؤكدانه ..،
الأول : دجى المساء وما يسقطه على تلك الحالة من سوداوية فكرية تشي بدقة
عن تلك المعاناة الوجدانية الفكرية لهذا الحبيب القابع في جب الماضي الجريح ..،
والثانية : هذا النقيق الذي لا يتأتى بهذه القوة سوى في وقت فحولة التكاثر فطلقه ذكر الضفدع يعني أن تلك الأشجان والصور المضببة - التي تينع بها أجواء المكابدة والمعاناة - متنامية ومتزايدة فهي رؤى ولود ..،
وهذا تدليل واضح وقوي على هذا التماهي حد التوحد وعلى توسونامي الأفكار النزقة الحمقاء المعونة بالسجن والسوداوية التي تعتمر فكره ..،
تزكيها صفة الفزع فهو كما في معية هذه الأوهام والأفكار السوداء كذلك هو بمعية الجزع والخوف من الحاضر والغد على خلفية ما يجتره من ضربات وجراح الماضي الموجعة ...،
يؤكد هذا المعنى المصور لفظ :-
" ركام"
مع حضور لفظ " الحاضر"
هنا تكتمل الصورة المشهدية المنبثقة من المعاني التي نستنطقها من فكرة النص
فهذا الركام هو ما خلفته تلك الانهيارات التي حدثت في أحلام دفاتر حضور الماضي التي تمّ ردم الحاضر بها ...،
وقد يتم تأويل القطفة الشعرية على المعنى الخاص بركام فهو أيضا من التراكم وهنا أيضا التأويل مائزا فكل هذا يؤكد الرؤية الخاصة في ذلك المخاطب من تراكم تلك المشاعر المتناحرة السوداوية في نفس هذا الحبيب ..،
" يبعث .. يتأجج .. يتركك .. يرسم .. تبكيها"
أفعال في الزمن المضارع تؤكد معنى الاستمرار فهذا الحبيب مازال حتى لحظة المخاطبَة في معية تلك الرؤى لم ينفصم منها بعد ..،
لكن هنا تم استخدام لفظ اليوم في تعبير " فتات اليوم" وقبلها كان لفظ الحاضر في التعبير السابق " ركام الحاضر " هنا يتبادر في الذهن سؤال لماذا هنا كان الحاضر وهنا لفظ اليوم ..؟!
الحاضر تعبير عام على الزمن الذي نعيش فيه - المضارع - ككل ولكن لفظ اليوم هو تحديد لجزء خاص منه وبه نوع من التجزئة من الكل فالحاضر جمع كل شيء ووضعه في نتيجة - الركام - ولكن هذا الركام تم تكوينه من أحداث تراكمت حتى أصبحت على ما هي عليه وتم الترميز لتلك الأحداث التي مثلت أيضا نتيجة يبشر بها كل يوم من أيام الحاضر بلفظ " الفتات" وهو تعبير عن هذا المخاض المهيض للآمال والأحلام - حد التلاشي - في واقع يوم الحبيب والتحقيق من نفعها ..،
ثم تأتي صورة تفيد استقراء بعين اليقين لماهية اجتراره للماضي في إبّان تلك اللحظات اليومية في لفظ " سبات" ثم لفظ " نعاسه" على ما بهما من اختلاف في التصوير والمعنى الدلالي وإن اتفقا في المعنى العام للفكرة بالمخاطبة ..،
فالبعث يأتي عقب الموت وانسلال الروح ..،
هنا كان للتعبير " سبات الثواني" المدهش حضورك الذي يقلب المعاني وأيضا يؤكدها في صفتها المطلوبة بدقة ..،
السبات هو النوم ...، والنوم كما هو متعارف عليه هو الموت الأصغر الذي تمسك فيه الأرواح ساعة النوم وليد الله قدرها فقد تعود للجسد بأمره جلّ وعلا وقد يمسكها فلا تعود ويكون الموت الأكبر - لهذا نحن قبل النوم نتشهد - من هنا كان للفظ سبات الذي أعقب البعث حضور دقيق في القطف الشعري الذي يؤكد أن الأمر ككل مازال ما بين الماضي والحاضر في واقع الحياة ..،
ثم تأتي صورة شاهقة الحضور في تعبير مميز شاعري
" كرماد فر من نعاسه"
هنا كان تشبيه الماضي بالرماد الذي أعقب الاحتراق وهو بالفعل تصوير متوافق مع هذا الماضي المشجن في أبهى صورة يمكن حضورها عبر حضور لفظ
" فر" ثم لفظ " نعاسه" ...،
سنذهب للفظ نعاسه في البداية فقد كان من الممكن وضع لفظ غفوته أو سباته مثلا ولكن هنا كان حضور اللفظين بهذه الكيفية مع الفكرة المصورة سيكون ركيكا في ذهن المتلقي فالنوم هو الخفوت والسكينة ولكن النعاس يعني بداية الاستعداد لسكينة النوم أي أنه يحمل نوعا من عدم التركيز ولكن هناك إدراك لواقع حال اللحظة الزمكانية ...،
وهذا إن أسقطنا به على الرماد الذي يعقب الاشتعال فإنه عين الصواب والدقة ..،
فهذا الرماد مازال مشتعلا ولكن كالجمر النصف خامد يحتاج لمحفز - الهواء - ليعود للاشتعال من جديد وهذا المحفز كانت هذه الأحلام والآمال المنكسرة التي تم التعبير عنها بالفتات ...،
وهذا يتوافق مع معنى النعاس فهو المحطة التي تفصل ما بين الإدراك الكامل في حالة اليقظة وبين عدم الإدراك في حالة السبات ...،
وهذا بالضبط حال الرماد الذي يعتلي الجمر في حالة السكون الذي ينتظر المحفز ليعاود الإشتعال ..،
" لوحة هزيلة"
تصوير رائع به تحويل من المجسد البشري للمجسد الجمادي مع ميلاد تصوير جديد ضمني من الصورة الأولى وهو تشبيه دفاتر حضور هذا الآدمي باللوحة ..،
فالإنسان الأول سجل أيام حياته وتاريخه قبل معرفة الأبجديات بالرسم كما هو الحال فيما ورد إلينا من لوحات إنسان الكهف - حقيقة تاريخية مؤكدة - ومن هنا كانت الصور متلاحقة ولود ومؤكدة للمعنى بدقة بالغة مع رهافة شاعرية بها إبداع محلق ..،
..............
من كثر ما قهرك المِلح
كرهتَ لونَ السّكّر
ما بالُ وجهك
يرتدي لباسَ الليل
إذا قرعَ الفجرُ
أبوابَ عينيك ؟
ستخسرُ
ما تبقّى منك
بعد انفضاضِ شغبِ غبائك
التحليقُ في جوّ العناد
طريقٌ إلى هبوطٍ اضطراريّ
سحيقِ السقوط
في مقارنة رائعة ما بين حالتين متنافرتين تم تحفيز ذهن المخاطاب وتحضيره لتلك المقارنة الومضية السريعة - كلسعة نحلة في حضورها - عبر إستحضار لونيّ يجمع الرمزين المراد التوضيح بهما الصورة الحياتية وهو اللون الأبيض دون التصريح به ولكنه في كيان الترميز ..،
فالملح لونه أبيض والسكر كذلك ...،
وهنا يظهر جليا هذا المعنى الذي يشي بالتخبط في الرؤى واختلاط الأمر على الحبيب فحياته لونها واحد في حلوها ومرها عبر اختياره لسبل التفكير الممنهج في حياض اليأس المشجن ..،
فكان هذا الترميز الشاهق بالملح - عوائد الحياة والمعاناة - الذي يعبر بدقة عن واقع حال أيام هذا الحبيب المخاطب ضربة شعرية بديعة الحضور بما تحمله في خوافقها من تمازج لوني خدم تلك المقارنة بشدة والتي هي بين حالتين - كمعنى - وبين عنصرين كصفة من صفاتها الظاهرية - الملح والسكر - اللونية فكانت تلك المفارقة الرائعة التي جمعت ما بين النقيضين وأوضحت المعنى المراد بدقة مائزة فاختلاف الأضضاد لم يمنع توافقهما من حيث المظهر ..،
هنا المعنى واضح وصريح في إسقاط على كونه أصبح لا يرى من كثرة السودائية التي يعيش فيها أيّا من نواحي السعادة فهو ينظر دائما لنصف الكوب الفارغ ..،
يؤكد هذا المعنى تصوير رائع في لفظ " وجهك" ثم تعبير " يرتدي لباس الليل"
في تشبيه رائع مع إسباغ صفة تجسيدية كاملة للوجه فيصبح كالجسد الذي يرتدي ملابس الحداد السوداء ..،
مع حضور صورة مكملة رائعة البيان لغويا واستبيانا للمعنى ..،
"إذا قرع الفجر"
هنا تجسيد قاطع مانع لأي صورة تشبيهية آخرى للفجر بوضعه في معية إنسان يطرق الباب مع وضع صورة منبثقة يحملها على عاتقه تعبير " أبواب عينيك" وهي مائزة الدلالة فالجفون تمثل أبواب العين ..،
هنا كان لحضور الصورة قوة ودقة وتماثل والمعنى العام للجفون التي تعد بوابة تحمي العين وكأن - وهذا هو المعنى المراد - تلك العين مغلقة أمام أي بشائر للنور قابعة في ظلمات الشجن يؤكد هذا " إذا" التي تعنى عدم التأكد من حدوث الأمر ولكنه قد يحدث وبرغم هذا الاحتمال في الحدوث فأن تلك الأبواب لن تستجيب لهذا الطارق - الفجر - كتوكيد على تلك الحالة المشجنة داكنة الضباب ..،
هنا تعبير متكامل في لتلك الصورة السودانية التي أصبحت عنوان نظرته للحياة
مع إحاطة الصورة ككل بمعنى الاستهجان الاستنكار " ما بالُ" مما يتيح جوّا ملائما للمخاطبة للوصول للعرض منها ..،
" ستخسر"
استحضار للمستقبل عبر حرف " السين" في معية التأكيد الذي يحوي اليقين في حدوث الحدث ..،
مع حضور هذا الضمير في حرف " التاء" الذي يعني أنتَ - المخاطب - مما يجعل الإسقاط بالحدث عائدا عليه كأداة تنبيه شديدة اللهجة تشي بالخسارة ..،
خاتمة المقطع في مجملها صور متلاحقة تفي بالمعنى ككل في :-
" انفضاض .. جو .. هبوط .. سحيق"
كلها صور تشي بالخسارة عبر تشبيهات قوية الحضور تحوي مثاال وبيانا كاملين لماهية ما سيحدث من جراء هذا التشبث بتلك الرؤى السوداوية ..،
في تجسيد رائع للمعنوي في صفة إنسانية وكأن تلك الرؤى الحمقاء جمع أو رفقة محبطة من الندماء تدفعه لهذا النزق ثم تتركه يجتر وحده كأس الألم ويعاني من مغبة ما جنته يداه من هذا الفكر السوداوي ...،
ثم إيجاد صورة جديدة تحول هذا العقل المتردي لطائرةوهو تجسيد مع التحرير من الصفة البشرية لتجسيد في صفة الجماد وتشبيه العناد بكل ما به من منحنيات مردية بجو يحوي عاصفة شديدة مؤثرة على مجريات التحليق لتينع الصورة عبر صورة آخرى جديدة تؤكدها عبر نجاح تلك المؤثرات في جنوح طائرة الحياة حد عدم استطاعة ربانها التحكم فيها فلا يملك في هبوطه الأضرار سوى السقوط في هاوية النهاية ...،
المقطع يحوي صورا مكثّفة مع عمق تأملي لمنبع المشكلة وتوضيح بصورة مائزة عير ضرب الكثير من الأمثال علها تكون طوق نجاة بما فيها من تجميع لكل ما سيكون ووضعه على شاشة أمام عين المخاطب ...
............
يا نصفيَ الشارد عنّي
في تجاويف كُلّي
على أطراف مدينة عمرك
أتيتك بعبق من عيون السماء
وقافلةً مخمليّةَ المسير
من تراتيل الأزل
حمولتُها حوارٌ أخضر
هدية من خدر الشمس
امنحْها شيفرة خوفِكَ
لتفكّ تمائمَها
ويكون الحديثُ
كضحكات الأقحوان
ليرأسَ الحبُّ
لغةَ العارفين.
بعد نعت هذا الفكر في ختام المقطع الأول ب " الغباء"
وفي ضربة يغلب عليها الذكاء الأنثوي تعود الحبيبة بمخاطبة لينة تحوي تذكير بمكانة هذا المخاطب في قلبها ..،
" يا نصفي الشارد"
هنا كان التذكير الواضح الذي يحوي العاطفة وأيضا ذكاء اختيار صفة القرب فنصفنا الآخر هو الحبيب ورفيق العمر فكيف ينفصم نصف عمرنا وجسدنا ومشاعرنا عن حياتنا ..،
" في تجاويف كلي"
الله الله على هذا التصوير الرائع وكأن كل الجسد - كل خلجة به وكل ذرة من مكوناته مجوفة وهو يسكن بها ويستكين ..،
ما أجمله من تعبير يجعل الوحش الكاسر حملا وديعا والحجر الصلد يلين ..،
الله الله ....
هذا التعبير هدّأ من عاصفة المخاطبة وحوّل المخاطب من التحفيز للرد للإنصات من جديد مع تقبل كل شيء بصدر رحب قد يكون طريقا للتغيير ...،
"على أطراف"
أي قطف هذا وأي إبداع في وضع الفكرة بكل الدقة
هنا تريد أن تظهر بعد مظهر القوة الممنهجة في تلك الحوارية بمظهر الضعيفة التي تمشي على استحياء وتتحسس أثر خطاها كمن يخشى الولوج في مناطق نفوذ الغير
.......، هنا قد يتبادر للذهن فكرة أنها بهذا تعتبر نفسها بعيدة وهذا قد يتماشى ولفظ " مدائنكَ" ولكن هنا لا يعني البعد بقدر ما تريد إسباغه من مشاعر الشفقة والرحمة بحالها عند الحبيب فهي بسبب كل ما هو فيه من شجن وسوداوية أصبحت طريدة المكان الوحيد الذي تشعر به بالسكن والسكينة وهي تتسلل خفية لتلج مراتع مدائنه الحبيبة القريبة من نفسها ...،
هذا هو عين يقين القطفة الشعرية التي تصنع جسرا وتجعله - الحبيب - يقاتل حتى يفرش لها بساط نبضه لتمر عليه وهذا ذكاء حواء العاشقة المحبة ..،
" أتيتك"
الله
هي في تسللها الممنهج هذا لا تنسى أن تهمس له وتلوح بهديتها له - تهادوا تحابوا - وهي هدية ليست كأي هدية فهي ضوع النسيم القادم من الجنان مع حضور لفظ بديع رصين ولكنه وضع بتجديد " قافلة" والقافلة هي كلغة عند العرب تعني العير الذاهبة في التجارة أو السفر لأي غرض وسميت بالقافلة كبشارة بالعودة السالمة للديار ...
هنا القافلة كانت ترميز المخاطِبة التي دربت فيها وإياه دروب الماضي المشجن والحاضر الذي يحمل تداعياته والغد المحاط بالأشواك التي ستجرح الحياة بطهانها النجلاء إذا أصر على نهج ومنهج حياته الملونة بالسوداوية ...،
هنا كان للفظ قافلة استبشار يبشر الحبيب بأنه بعد العسر يسر وأن العود أحمد من تلك المخاطبة إلى طريق النجاة ..،
لهذا كان لفظ " مخملية" مبهرا فهو عروج على معارج فرشت بقماش المخمل في العودة الميمونة المباركة التي دثرتها الأشواك وهذا كناية على الأمل في العودة به للحياة السعيدة المرجوة من كل تلك المخاطبة من الحبيبة للحبيب لأنها لا تحمل سوى لغة الحب - الأزل - التي عجنت بها نفس تلك الحبيبة ومنحها له بكل ما تحويه من طهر ونقاء ....،
مع تأكيد تام على أنها لا تملك عصا سحرية ولكنها تحتاج معاونة من هذا الحبيب وفي هذا تحفيز لمنطق رجولي ذكوري بأنها مازالت بحاجه له وهي الأنثى التي تحتاج لكنف رجلها - هنا ذكاء حواء - برغم أنها من ترتدي دثار النصح في تلك المخاطبة ولكنها برغم كل هذا تحتاج عونه حتى وإن كان في غرض هو في صميم مصلحته ولكنها لا تقوى عليه وحدها دون مساندته ..،
هنا تأتي الضربة القاسمة بذكاء تلك الحواء الأريبة بعد هذا التحضير ..،
فتطلب منه وهي تلوح بهداياها التي تحوي الخلاص من هذا العناء
.....، فتهمس بدهاء أمنحها مفاتيح الولوج "شيفرة خوفك" أي أمنحها بداية الخيط لأسباب تلك الهواجس لتفك نسيجه وتنسج من جديد دثار حياة هي حلمها يسودها الحب ولكن الحب القوي الراسخ الذي لا تطغى عليه العوائد الحب المائز لأنه حب العارف باليقين أين يضع قدمه وكيف يدافع عنه ...،
فحب العارف هو حب اليقين الذي لا يشوبه شائبة
النص قوي دقيق الألفاظ عميق التأمل تحيطه الصور الجميلات من كل فج التي تمنحنا في كل موضع صورا جديدة .
...............
النص في مجمله مع توفر ووجود تعبير " لغة الأزل" كعنوان وكمضمون في فكةر النص وهي تعني عموم المحبة والحب منذ بدء الخليقة ونمو هذه المشاعر الفطرية لدى البشر وهذا يعني شمولية الفكرة التي استطاعت أديبتنا أن تحملها صهوة الحروف عن طريق مخاطبة هذا الحبيب لتصبح مخاطبة عامة للبشر لتخطي تلك المراحل السوداوية التي تحيط بواقع الأيام وهنا يصبح النص شموليا عاما وهذا يصنع تأثيرا واقعيا عميقا على حضور النص في خوافق ذهن البشر على العموم.
كم كنت سعيدا وأنا في معية فيض حروفك يا ريم الحرف ...،
الاستاذ هشام صيام ..