الأربعاء، 28 مارس 2018

ورقة دفاع.. بقلم الناقد/ جمال القيسي

مقدمة للسيدة نور السعيدي والأستاذة نائلة طاهر والأستاذ جاسم السلمان ،،مع تحيات
النص كيان قائم بذاته،،محفل تحقق الخطاب،،حينما تتوفر وظيفتي الأسانيد والهوية،،في نصي النقدي مع تحفظي الشديد على صفة النقد،،ببساطة انا قارئ نصوص،،اكثر من كوني ناقد،،ومن شدة ولعي بالقراءة ،،استوجب الامر مني الخوض في المدارس النقدية المتعددة،،لكي تتحقق عندي متعة القراءة،،الامر الذي اعتمده في قرائتي كان لابد ان تكون مرجعيته ،،المدارس النقدية،،والنقد علم ذي منهج ،،حسب المدرسة التي تعتمد ايديولوجية معينة،،وخلاصة القول ،،ان النقد يمر بمرحلتين،،هما الفهم ومن ثم التحليل ،،وبعدها تأتي العملية التأويلية ،،اي ما يتمخض من معنى وتفسير ينعكس في وعي المتلقي،،والاختلاف الحاصل ،،هو مانسميه بالتداولية ،،وهذا المعنى والتفسير،،هو فائض المعنى،،
في الإشكاليات التي اثارتها الناقدة نور السعيدي ،،وكانت هي اسيرة التأويل ،،وهو الامر الذي اعتبرته مأخذًا على النص الموازي لنص الشاعرة سعاد محمد،،ومجمل هذه الإشكاليات
ذات بعد ،، مثار تساؤلات كثيرة ،،على سبيل المثال،،لفتت الانتباه هذه الناقدة اللامعة الى قضية التفكيك ،،مفسرة الامر بتوجيه. ضربات داخل النص لكي تتم عملية التداعي ،،ربما ينجح الامر مع قصيدة النثر على اعتبار ان كل جملة مكتملة بذاتها ،،تنطوي على بعد ايديولوجي ( اي تحمل فكرة ) ،،وكذلك من اهم صفات قصيدة النثر،،هو فقدان وحدة الموضوع،،هذا الكلام من المؤسف ان النقاد العرب لم ينتبهوا. اليه،،ربما هذا ينطبق على قصيدة النثر الغربية ولكن على قصيدة النثر العربية ،،فالامر مختلف تمامًا ،،فجسم القصيدة العربية ،،نظام ايديولوجي متكامل ،،الا في تجارب معينة ،،وهي محاكاة بالكامل للنموذج الغربي مثل قصائد. اسعد الجبوري ،،او زكية المرموق ،،في حين نلمس التضخيم البلاغي لدى نور السعيدي مثلًا ،،او التضخيم البلاغي والرمزي لدى سعاد محمد،،ما اريد ان اذهب اليه ،،ان التفكيك كمنهج ،،هو تقويض البنى داخل النص من اجل اعادة تراتبيتها ،،من خلال التأويل ،،والتقويض هنا ليس نفي او إقصاء ،،وانا هنا عملت في قرائتي لنص سعاد محمد وفق أسلوبين ،،الاول معتمدًا على لوسيان غولدمان ،،في نهج البنيوية التوليدية،،وعلى نورثرب فراي ،،من خلال مرجعيته على منهج كارل يونغ ،،في تحليل النصوص الأدبية ،،وهذا ما سأعود عليه لرفع الاتهام عني ،،بقضية تداول الأنا ،،والموجه لي من قبل نور السعيدي،،
تمتاز نصوص سعاد محمد ،،بعمق مطلق ،،وتشتغل ببلاغة عالية ،،ومنتظمة في السياقات. النفسية كرموز أسطورية ،،وتاريخانية ،،تمازج بين بيئتها ،،باتجاهين الى. العمق. التاريخي والى الخارج بمطلق كوني ،،لتقفز الى العمق الانساني الشامل ،،وبالمناسبة ،،هو اُسلوب. قصائد نور السعيدي نفسها ،،مع صرامتها ،،في توجيه القارئ،،اذ هي تكبل القارئ ،،ولا تترك له حرية التأويل الواسع،،،فمساحة الحرية عند قارئ نص نور السعيدي،،تكاد تكون معدومة ،،رغم السبغة الصوفية،،فنور السعيدي شاعرة مستبدة ،،باتجاه القارئ ،،وطبعًا هذه ميزة وليست مثلبة ،،هي من النوع الذي لايترك الامور على عواهنها ،،فالكون لديها نظام صارم ،،لايجب ان يحيد عنه احد،،وريثة شرعية لفلسفة شوبنهاور ،،في حين ان سعاد محمد تأخذك الى عالمها ،،في غموض ساحر،،وما ان تطأ رجلك ،،عالمها السحيق،،حتى تشعر بالتيه في هذا الفضاء المترامي الأطراف ،،لتدخل في دوامة الأحاجي ،،وهو ما أشارت اليه نور السعيدي ،،بالفوضى ،،مع ان الامر عكس ذلك تمامًا ،،انك في عالم اللاشعور ،،ببعده السوريالي ،،واهم ميزاته هو فقدان النظام،،وهذا ،،ليس فوضى،،وإنما اعادة خلق وتشكيل ،،وفق رغبات وتمنيات،،وتخطي الكوابح ،،وهو أيضًا ما تمارسه نور السعيدي في نصوصها،،لكن بصورة تشاؤمية ،،
في اتهام اخر ،،ذكرت المتألقة نور السعيدي ،،عن كوني تخطيت قضية الوصف والأمكنة ،،في قرائتي للنص،،وقبل الدفاع عن هذا الامر،،هناك امر في غاية الأهمية ،،يتخطى اُسلوب النقد المعياري ( وهو النقد التقليدي الذي يعنى بالنحو والصرف،،وعندنا يتخذ من التفعيلة والبحور الشعرية أساسًا اي انه يتخذ من المبنى هدفًا لموضوع بحثه ) أقول ان قصيدة النثر ،،هي خروج سافر على النقد المعياري،،لكنها ،،تمتلك ميزة عن القصيدة ذات التفعيلة ،،وهي الجملة السردية ،،لذلك يستوجب الابحار معها ،،اعتماد على معطيات النقد السردي،،وقد اعتمدت نور السعيدي بعض هذه المعطيات ،،مثل المبدأ الحواري لباختين وهنا لدينا ملاحظة مهمة،،وهو الترجمة الغير دقيقة عن هذا المفكر الماركسي المعاصر،،اذ يجب ان يترجم المبدأ الحواري لباختين بمصطلح التناص (وهو امر أساسي يدل ان لاوجود لملفوظ ممكن دون علاقة بملفوظات اخرى وبمعنى مبسط كل ملفوظ. يحيل على اللاتجانس المُكوِّن للخطاب : الأسلوب ،هوالانسان : لكن نستطيع ان نقول : الأسلوب هو على الاقل انسانان وللدقة اكثر ،الانسان ومجموعته الإجتماعية ، الذي يجسده. مُمَثِلّه الذي يتمتع بمصداقية ، المستمع ، المساهم بفعالية في الكلام الداخلي والخارجي للأول ) ان اللاتجانس في الجمل السردية هو مايدعى بالتناص اي المبدأ الحواري ،،وهذا ليس فوضى ،،هذا في جانب،،اما الاخر فيذهب يوري لوتمان ،،الى ان الامكنة وطريقة وصفها في السرد،،تكتسب الحياة من خلال إشاعة الشاعرية عليها من قبل الاديب،،وقد تجنبت هذا الموضوع،،لان المجال لايتسع لها،،بالاضافة الى ان المصطلحات العلمية تجلب القرف لدى القارئ،،
يبقى قولي للكبيرة نور السعيدي ،،ان عزل الخطاب عن السياق التاريخي هو ظلم كبير لنا كقراء ،،وللنص وصاحبه،،،نعم أرثر رامبو شاعر عظيم ،،لكن لو ان رامبو اليوم كتب المركب السكران،،في معطيات عصرنا الحالي،،لا اعرف ماذا ستكون أهميته ،،او كافكا ،،يعيش الان بين ظهرانينا ،،لا اعرف ما أهمية. صرصاره ،،او دانتي وجحيمه ،،نعم ،،هذه الاعمال هي عيون الادب الانساني لانها امتلكت الريادة في زمنها،،وسبقت رؤية مبدعيها أزمنتهم ،،سيدتي الزمان ذلك المحارب الذي لايرحم،،جندي يؤدي مهمته بلا توانٍ ،،يخلف قتلاه ،،دون الالتفات اليهم ،،نحن ننظر الى الماضي بتقديس وهي ميزة ثقافتنا ،،قيمنا المعيارية كلها تسكن القبور،،في حين ثقافة الاخر تنظر الى الامام وتصنع القيم باستمرار اي قيم حية،،لانها تدرك فعل الزمن ،،لذلك تبقى بموقع القيادة بالنسبة لنا ،،لانها الحياة كما ينبغي ان تعاش ،،
وفي قضية اخرى أختلف مع الناقدة نور السعيدي،،في موضوع الأنا،،ومع ان سيغموند فرويد ،،قامة سامقة ،،الا. ان تأطيره للنشاط الانساني ،،ومنه الادب بحدود مبدأ اللذة ،،والدافع الجنسي،،انحرف بالاتجاه ،،الى مسار بعيد جدًا،،حيث يذكر في تناوله التحليلنفسي للأدب في خطوة أولى عندما تناول ثيمات مثل أوديب - نرسيس - ساد- مازوخ في عملية تحليل ذاتي ،، ففي أطروحته المشهورة ( هذيان وأحلام في غراديفا يانسن - 1817 ) ،،يقول " يُعتبر الشعراء والروائيون أقوى حلفائنا ، وينبغي وضع شهاداتهم في مكان مرموق لأنهم يعملون أمور تقع بين السماء والارض تعجز معرفتنا المدرسية عن الحلم بها حتى ، إنهم يُعَدُّون في مجال معرفة النفوس بمثابة مُعلّمينا ،نحن العامَّة ، لانهم ينهلون من منابع لم يعرف العلم بعدُ إليها سَبِيلًا " مالذي نفهمه من هذه الاطروحة ؟ ،،مع انه يتكلم بالصيغة التهكمية المبطنة ،،الا انه يؤسس لموضوع خطير ،،تناوله في مقال من ضمن " المبدع الأدبي والخيال الجامح "
والتي يقول فيها :" إن المبدع الأدبي يخفف من حدة طابع الأحلام النهارية الأنانية بواسطة إحداث تغييرات وحُجُب ، وهو يُغرينا بالحصول على لذة شكلية محضة ، بمعنى جمالية ، والتي يمنحنا إيانا من خلال عرض خياله الجامح ، إن الحصول على مثل هذه اللذة ، التي تقدم لنا حتى يكون من خلالها ممكنا تحرير لذة أعظم بواسطة منابع نفسية أعظم ، هي ما نسميه مكافأة إغراء أو لذة أولية "
خلاصة ماذهب اليه فرويد ،،ان الأدباء مجموعة من المرضى الذين يمتلكون خاصية ممارسة مبدأ اللذة ،،من خلال كتاباتهم،،اذًا القضية جنسية محض،،استمناء ،،على شكل شعر او سرد او عمل فني،، مع الفارق الشديد في موضوع الأحلام ،،واللاشعور ،،بينه وبين كارل يونغ ،،وهي القضية التي اختلفا عليها وأدت الى القطيعة بينهما،، يذهب يونغ الى مفهوم النماذج العليا Archetypes ، ويعني بها يونغ أن هناك لا شعورًا جماعيًا تكمن فيه الصور الكبرى. والرموز التي تمثل قاعدة هامة في الفنون وكلما تداخلت في كيان الفن زادت الاستجابة له. والتأثر به ،،ويرى يونغ أن هذه. النماذج العليا موجودة في كل حلقات سلسلة النقل - أو التعبير - كتصورات في اللاوعي عند الشاعر ، وكموضوعات مترددة او سلاسل من الصور في الشعر - وكتصورات. في اللاوعي عند القارئ او عند الجمهور ،، وهذا مبني على فكرته عن ( اللاوعي الجمعي ) ،، يعتبر يونغ الأحلام وجود متكامل ،،وسجل من الشفرات التي تنطوي على كل الرموز الانسانية،،يتوارثها العقل البشري ،،بشكل عام ويعتبر يونغ اللاشعور الجمعي،،موازن موضوعي ،،ومنطقة دفاعية حالها حال الجهاز المناعي في الدم ،،والشاعر والفنان ،،هو من يمتلك القابلية على التسلل ،الى منطقة اللاشعور ،،وإخراج ،،الإبداع ،،وفي أيامه الاخيرة اعترف فرويد،،بغريزتين جديدتين. هما غريزة الحياة وغريزة الموت،،بالاضافة الى غريزة البقاء وغريزة حفظ النوع،، وهذا الموضوع مع انه شيق. وممتع الا انه صعب وعسير ،،،ربما سأتطرق له بمقال مستقل لاحقًا ،،ان أسعفني العمر،،
وأخيرًا ،،للأستاذة نائلة طاهر ،،العقلانية هي نتاج جهود هيجيل وكانت،،والتي تمخضت عنها الحركات الأدبية كنتاج ثقافي محايث،،تم تقويضها بالحداثة وما بعدها،،كرد فعل قوي عليها،،وانا اعرف شخصيًا ان الاستاذة ،،تدرك ذلك بقوة،،لكنها تستمر بزرع الفخاخ لي،،لتسحبني الى منطقة قتل،،
سعاد محمد ونور السعيدي ونائلة طاهر وعادل سعيد والعراقي الموسوي هم أهم شعراء عصرنا ،،في الاطار العربي ،،لايتسعهم زماننا النقدي الحالي،،وسيأتي زمن لاحق،،ليأخذوا استحقاقهم ،،
وفي الختام أتمسك بعبارة رولان بارت " كل نقد هو نقد للعمل الأدبي ونقد للذات "
فأنا عندما اكتب قراءة ولا اسميها نقد،،إنما هي قراءة لنفسي اولا ،،ولكن اتطفل وأحاول ان أشارك الآخرين معي،،لذلك اتمنى ان يغفر لي القارئ ،،ان اخطأت ،،او بالغت،،

في سياق الحوار النقدي.. بقلم الأديبة/ نائلة طاهر





ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏زهرة‏، و‏نبات‏‏ و‏طبيعة‏‏‏




أستاذي وناقدنا الذي أطلقت عليه من سنتين لقب الساحر ،(ونائلة طاهر لديها موهبة في توصيف الناس احمد الله عليها ،واحمده انه جمعني مع اساتذة كبار لي امثال الاستاذ الناقد الاكاديمي شاكر الخياط ،والاستاذ الناقد التفكيكي الكبير كريم القاسم )اما عنك ايها القيسي كما قلتها قبل فلقب الساحر شرعُها ذاك الطلسم الجلي الذي يأتي كتورِية لبواطن وكنوز تحفّ بهوامش القصائد التي تقع تحت مجهرك النقدي .والمشهد النقدي العربي يحتاج هكذا "تنقيب" ،وقد قصدت اللفظ ،فبعض النقاد الآن صارو أذكى من الركون الى دكة المشاهدة السلبية سواء في مرحلة تناولهم للنص بالتحليل او في عملية البناء للمشهد النقدي عامة فالقيسي الذي يدعي انه يقدم قراءة لنص احب خطوطه الداخلية والخارجية يعلم انه أسس لمنهج نقد جديد ،منهج يستعين بالنظريات النقدية السابقة كأطرٍ مستخدمة في التحليل ،وبنفس الوقت يضمن صيرورة البحث في النظريات نفسها ،مع القيسي اكتشفنا أن النظرية الواحدة لا تكفي نصا حداثيا معاصرا ،ومع القيسي الناقد المختص بالقصيدة والنصوص النثرية، سيعرف عالمنا النقدي تغيرات يشهد بها من بعده ،الرجل مثله مثل كل الباحثين الكبار، لا يدركون لحظة بحثهم أن ما سيقدمونه من نتائج سيُعتمد لاحقا كمقياس أو كأدوات اختبار..لا يدرك القيسي لانه مأخوذ، بكم المعلومات التي استطاع توظيفها مجتمعة ،،بكم المعارف التي تنسكب وتأخذ شكل النص وجوهره .لكن تلك المرحله ليست هينة في أن يبلغها وعي كل ناقد ،فما اكثر النقاد بهذا الفضاء وما اكثر العارفين بالنظريات وحتى الأكاديمين ،المسألة هي تلك اللوثة التي عند القيسي وعند المبدعين عامة ،"أوَ ليس الوعي معيقا للإبداع " اللوثة التي تجعل التجميع عندهم يتجاوز قاعدة واحد زائد واحد تساوي إثنين .لذلك يطال مشرط القيسي الفضاء الكلي للقصيدة دون أن يشعرك انك كقارئ او كإنسان عامة أنك خارج ذالك الفضاء بل وأحيانا انت نفسك في مداه . 
هذا الناقد وبعد متابعتي الكثيفة له عرفت انه مايسترو نفسه وقد قالت اديبتنا المبدعة نور انه لم ينتبه لضياع الايقاع في اجزاء من قصيدة سعاد محمد ،وبرأيي الأستاذة نور السعيدي على صواب فبعض أجزاء ومفردات القصيدة لا يتناغم جرس إيقاعها فتسقط في السرد لكن هذا لا يهمنا خاصة وليس من خلاف على قيمة نص الشاعرة سعاد محمد ولا على مجمل قصائدها ،لكن احتجت فكرة الأديبة نور هنا لأقول أن جمال القيسي يرقص على ايقاعه الخاص ،تلك العصا التي يستخدمها قائد الاوركسترا تشبه كثيرا في وظيفتها الرمزية مشرط الجراح وقلم وفكر الناقد .الموسيقى التي لابد للشاعر أن يحافظ عليها في قصيدة النثر قيمة ،وتلك القيمة تسري بأبي سرى مسرى الدم ،لذلك يرفع من مستويات النص في مقاطع ما رفعاً مقنعاً مستنداً الى تحليله فيبدو كل شيء حول النص متناسقاً متضامناً مع القيم والقواعد التي يضعها العقل والتذوق ..لذلك تكلمت عن السحر واللوثة والايقاع الخاص ،،،هذا ناقد ،له سلم معرفي وموسيقي خاص بالمبدعين ما عليه فقط في كل مراحل بحوثه سوى البرهنة عليه .
...
الناقدة الأديبة نور السعيدي:
............
الاستاذة نور شأن آخر لا أرى لها مشرطا ولا عصا الاستاذ او المايسترو ،،الاستاذة نور هي موسيقى الفعالية النقدية نفسها ،تطل معارفها وقدراتها على التحليل والبرهنة والتوظيف في شكل روح لا تتخلى أبدا عن عباءة الأدب .
حين تكتب الاستاذة نور عن نص ما تبدو كنافورة مياه ترتوي بها كل الجوانب ،رغم انها عادة تعمد الى تقويض كل النص وإعادة هندسته وفق معايير علمية بحتة ،لكن الغريب وهي تحكي عن دانتي ،كافكا ،ورامبو وغيرهم بمقالاتها الاخرى ،لا أرى الا روح الشرق التي تأسرنا لأسباب نعرفها ولا نعرفها ،الاستاذة نور كناقدة هي نفسها كشاعرة فما تستخدمه من قناعات في كتاباتها الشعرية يكون نفسه وفاء لجملة معارفها ،لذلك نصوصها الأدبية لها خانة خاصة لا بد أن توضع فيها عند البحث ولذلك الاستاذ جمال القيسي جعلها كعنوان كبير مع كريم عاشور الذي نعرف كلنا مدى إيمان جمال القيسي كناقد به ..
...
الأستاذ جاسم السلمان 
.....
توليفة عجيبة تجمع كل ما ذكرت عن الاخوة جمال والاخت نور ،يضيف عليها جنونه الخاص ،ذاك الجنون الذي يفوق الوعي حين يتحول الى نصوص ادبية او تحليلية ،لذلك عصاه التحليلية جد مختلفة ،عصا من قصب السكر ،مسكرة محرضة على نشوة الفكر والروح .
هذه ليست مقالة وانما جملة ملاحظات اوردتها مجتمعة وافردتها بالنشر للتاريخ فقط .
الأهم من هذا أن الاساتذة جمال جاسم ونور ،هم من أهل البيت ونقاشاتنا عادة جميلة نخرج فيها كل مرة بجديد يضيف للبحث وللقارئ ،الاهم من يتابع من الأوفياء الذين احيانا يتابعون اكثر من صاحب النص نفسه ،الإخوة حسين ديوان ،الاخت بسمة ،الاخ احمد البدري ،الأخت ام رامي ،الاخت وسام ،والاخت جنان ،الاخ جلال سعد، الاخ د.كمال عباس،
والبعض فقط غيرهم ممن نسيت ،لهؤلاء اقول أن لا احد منا يطمح لمنفعة شخصية واننا نكتب من أجل اثراء الأدب نفسه ،وان وفاءكم لهذه الآفاق هو ما يجعلنا نواصل .وشكرا لا تكفي..

الثلاثاء، 27 مارس 2018

تعقيبان وقصيدة... الاستاذ شاكر الخياط .. الاستاذ محمد البابلي.. لنص الشاعرة/ سارة فؤاد



*تعقيب الاستاذ شاكر الخياط:
..............................
هذه القصيدة الجميلة للشاعرة سارة فؤاد، من القصائد التي تستحق الوقوف عندها وهي فخمة العروض واضحة الرؤى خالية من الاخطاء اللغوية والعروضية، وليس من السهل ان يكون هذا السياق الشعري بمتناول من كان بعمرها، انما هذا مؤشر ايجابي يحسب لها وهي بهذا تتراصف مع شعراء كثيرين فاقوها عمرا وخبرة، لعل انتماءها الادبي لبيت شعر مثقف يحتوي على تاريخ من الشعر والمتابعة الثقافية كان له بالغ الاثر في انضاج هذه الطاقة الشعرية وتمتين هذا الخزين الثر، ومع تقارب الاختصاص بين الشاعرة سارة والاكاديمية سارة، يكون الفهم اسهل لمن يريد التعرف على هذا القلم الذي استشعر انه سابق لعمر صاحبته..
وكم اتمنى ان ارى في قادم الايام تجارب متعددة لمواضيع اخرى، وليس هذا على شاعرتنا المثابرة ببعيد المنال فلقد خبرناها سابقا في قصائد واعمال شعرية متنوعة حازت من خلالها على كثير من الاحتفاء والاعجاب...
بالتوفيق سارة العزيزة...
............................
*تعقيب الاستاذ محمد البابلي:
...........................
الشعر عند العرب هو الكلام الموزون المقفى المؤثر بالنفوس وعلى هذه الاسس تقاس مدى قوة القصيده الشعريه وشاعرتنا اليوم توكد لنا من خلال هذه الاسس مدى صحة تعريف العرب للشعر من خلال اعتمادها عمود الشعر بل ذهبت الى ابعد من ذلك من خلال ابحارها في موضوع وغرض لم يكتب فيه الا القليل ابرزهم ابو العتاهيه وهو موضوع الزهد ولم تتوقف بهذا الحد بل مزجت الزهد بالحكمه مستخدمة الموعظه للبشر من مغبة تماديهم في الابتعاد عن تعاليم الدين الاسلامي والجري وراء ملذات الحياة متناسين العاقبة والموت ومابعد الموت من حساب محتذيه اسلوب القران الكريمه بمفهوم(التناصيه الشعريه) ومن امثلتها في قصيدتها /شحيح تحب الحرص (لاتجعل يدك مغلولة الى عنقك) /أمكرٌ ام الشيطان قطعا نهاكا(ويمكرون ويمكر الله) / كفاكا فهذا اليوم تحكي يداكا/(يوم تشهد عليهم ايدهم وارجلهم) ومن خلال تمعنك بالقصيده تجدها متناصه مع القران فكل بيت سيذكرك باية قرانية كريمه اما اسلوب شاعرتنا فيعجز الوصف فيه لانها مقتدرة فيه اعلى درجات الاقتدار والتمكن فسلاستها كانها ارتجلت القصيده اوالهمت بها والمعروف عند العرب ان بحر الطويل ابو البحور الشعريه ومن بعده البسيط وهذا يدل على تمكنها وقدرتها من ترويض هذا البحر اللذي اعجز الكثيرين من النظم فيه لانه بحر لايقبل الكتابه فيه الا من كان شاعرا مجيدا في مصاف كبار شعراء العرب تمنياتي لشاعرتنا بالتوفيق ومزيدا من الرقي والابداع
................ 
نص الشاعرة:
................
(يا ابن آدم):
................
ألا أيّـــها الإنســـانُ مـــــاذا دهاكا
أمكـــــرٌ أم الشيـــطانُ قطعاً نهاكا
يؤوسٌ إذا أضحى النعيـــــمُ مغيّباً
كفـــــورٌ إذا الرزقُ الوفيـــرُ أتاكا
تتابـــــعُ آثـــــارَ المعيـباتِ راغـباً
وتلهــو معَ الدُنــــيا بظــــلِّ هواكا
تريــدُ مقامــــــاتٍ بنفـــــسٍ دنيئةٍ
وتسحــقُ بطـشاً في سبيلِ رضاكا
شحيحٌ تحبُّ الحرصَ للخيـرِ مانعٌ
ويقتنصُ الجـــــوعُ المـريرُ أخاكا
تسيـرُ بزهــــوٍ لا تريـــدُ تواضعاً
تخـــــالُ عِلـوّاً لا يصيــبُ سواكا
فمن ذا الذي يحميكَ ما بينَ حفرةٍ
إذا صـرتَ يومـــاً رمّـةً في ثراكا
وينهشُ دودُ الأرضِ لحمك جائعاً
وأنـــــــــتَ بـهِ لا تستطيعُ حِراكا
وكيفَ يكونُ الحـــــالُ يـومَ قيامةٍ
إذا السيّدُ الجبــــــــارُ فيــها لقـاكا
أتنكرُ أعمــــــــالاً وأنـتَ مجـادلٌ
كفاكَ فهـذا اليــــــوم تحكي يـداكا
وكيفَ يكونُ الحـالُ ما بيـنَ نارهِ
إذا ملبسُ القطـــرانِ فيـها كساكا
فمالي أراكَ اليــومَ بالعيشِ غافلاً
وتلهو معَ الدُنـــيا وتنسى الهلاكا

الجزء الثاني اليوت..السياب.. بقلم الناقد/ شاكر الخياط

وقفة مقارنة تأملية بين (ارض اليباب ) للشاعر الانكليزي (توماس ستيرنز إليوت Thomas Stearns Eliot) وبين (انشودة المطر) للشاعر العراقي بدر شاكر السياب. ( ج 2 )
......................................
في قصيدة اليوت كان جل التصويرمنصبا على شخصيات ليست بالعادية، فهي اما معطوبة، او مأزومة، او تشعر بالعجز الجنسي والنفسي وربما الذهني، وهذا اشارة واضحة الى ماكان يعتمر داخل اليوت من نتائج وشواهد مريبة لمخلفات الحرب التي بدت اثارها واضحة واوجه الدمار وحالات الخراب لسنوات رغم ان الدمار لم يكن ليشمل بالحالة التماثلية كل ارجاء اوروبا انذاك، تلك الشخصيات ربما كانت اضافة الى تواجدها كمعالم نهاية حرب ونتائج مخيبة لواقع مجتمع خرج من حرب اودت بالناس ماديا واجتماعيا وتعدت الى الصحة النفسية والجسدية لاغلب الناس، على الصعيد المدني البعيد عن الة الحرب ، واما على الصعيد الثاني فكانت الاثار المباشرة على الذين شاركوا في المعركة هو الدافع الذي انتقل منه اليوت تاركا كل علامات التشويه والعوق الى التاثير النفسي والمجتمعي على الشخوص الذين نراهم متعاقبين في سياق الابيات التي تمر عليهم استعراضا، كشرح وتمثيل لما يريد اليوت ان يقول، تلك الشخصيات كانت تسكن عالماً بائسا فارغا يفتك بها، ويعتريها قفرٌ عاطفي رهيب. وهو ردة فعل كانت بمثابة النتيجة الثانية السلبية للحرب، ولأنه طوّر شعوراً قوياً تجاه الماضي قبل الحرب مستمدا منه ذلك الشعور الدافق نحو تناول الموضوع والاستمرار في تداوله، أو ما يسمّيه الحسّ التاريخي او الموروث المشرق للماضي، تمرّد إليوت على المدرسة الرّومنطيقية، واتّجه إلى الشعر الميتافيزيقي المتمثل بـ (جون دون 1572 م-1631 م) الشاعر إلانجليزي الشهير. والذي كان واحداً من أبرز الشعراء في القرن السابع عشر ، وكاتباً لامعاً ما تزال قصائده الغزلية وتأملاته الظريفة الساخرة والمريرة حتى يومنا تثير الاهتمام . وكان إلى ذلك كاهناً، وُصفت مواعظه بأنها كانت أفضل مواعظ القرن ، وكذلك الشاعر ريتشارد كراشو (1612-1649)) ، الشاعر إلانجليزي الذي يعد عادة من الشعراء الميتافيزيقيين ، والذي ألف بعض القصائد باللاتينية ولكن شهرته تستند إلى قصائده الدينية . تجمع قصائده بين الحسية والصوفية بصورة لا مثيل لها في الإنجليزية . بحيث تقارن بمثيلاتها في الأدبين الإيطالي والأسباني ، ومنها قصائده عن "القديسة تيريزا" ، وكذلك الشاعر (مارفيل) الذي كان كمصدرٍ للإلهام اكثر من سابقَيْه...
( لكنّ الثيمة المركزية التي أضاءت وعي إليوت بالخراب، أتته من كتابين يعترف بفضلهما عليه هما كتاب جيسي ويستون"من الشّعائر إلى الرّومانس"، 1920، وكتاب جيمس فريزر"الغصن الذهبي"، 1915، حيث يحلّل المؤلفان أساطير البعث القديمة، ورحلة البحث عن الكأس المقدّسة، وفك لغز الخراب في تلك الأرض التي أُصيب ملكها بجرح أفقده القدرة على الإنجاب، فمات الشجر في مملكته، وجفّت الينابيع، وتحجّر كلّ شيء...
أما العمل الذي صقل وعي إليوت الجمالي والأسلوبي فهو كتاب آرثر سيمون"الحركة الرّمزية في الأدب(1899)، وقد قرأه إليوت في ريعان شبابه، ما جعله يتأثر بالرّمزيين الفرنسيين، ويكتب بعض القصائد بالفرنسية، خلال عام أمضاه في السوربون، 1910-1911، ليحضر بودلير بقوّة في"الأرض الخراب"، صوتاً داكناً يهجو قيم المدنية الحديثة.
ويمكن، باختصار، تلمّس المراحل الثلاث في تطور إليوت الشعري،
الأولى بدأت مع ديوانه"بروفروك وملاحظات أخرى"، 1917، وهنا يبرز جلياً تأثّره بالمدرسة الرمزية، وحتىّ الصورية imagism))، ويركز على مأزق الوعي الفردي في عالم يضيق باستمرار، بحيث يشعر بطله دائماً بأنه يقبع خارج العالم، منبوذاً، لامنتمياً ، لكنه، وعلى رغم هشاشته، تجده يشعر بتفوق أخلاقي وجمالي على قيم مجتمعه، ما يجعله يخترق الحجب الاجتماعية...
الثانية : تبرز قصيدة"الأرض الخراب"، 1922، بأجزائها الخمسة، مشكّلة نقلة نوعية في رؤيا إليوت الموشورية، القائمة على تعدّدية الأصوات وتبعثرها، حيث الوعي هنا مشروط بظروف الحضارة الحديثة، ما يجعل الشّاعر يهرب إلى الأسطورة، ليدمج رموزاً مشرقية وغربية، ويصهرها في بوتقة واحدة، ويتجاور بوذا مع القدّيس أوغسطين، للتدليل على كونية التجربة الرّوحية التي يسبر أغوارها. ..
الثالثة: تبرز قصيدتان مفصليتان هما"أربعاء الرماد"، 1930، وپ"الرّباعيات"، 1944، واللّتان تطغى عليهما النزعة التأمّلية، الفلسفية، حيث نجد الفرد الإليوتي معزولاً، وحيداً، لكنه يحلم بالاتحاد بالمطلق. ويبحث إليوت عن صمت صوفي، وفصاحة تقترب من رهافة الموسيقى، تتيح له الذوبان في عالم روحي أسمى، وقد اتجه إلى الدراما الشّعرية، ذات الطابع الكنسي، لمسرحة تلك العلاقة الرّوحية كما في مسرحيته"جريمة في الكاتدرائية"، 1935.)
ولابد هنا من الاشارة الى ماقاله واجمع عليه النقاد في اوروبا والعالم انقله حرفيا لكي نرى مدى التاثير الفعال على اليوت والذي سيفترق به من الناحية النظرية والعملية وحتى التأملية عما كان ينتاب السياب من شجن مركز متجذر في واقع امة وحاضرها ومايعانيه البلد الوطن الحبيب وناسه الذين هم اهل السياب، ،
" نظرة سريعة على بنية القصيدة تظهر التعقيد الكبير الذي اعتمده إليوت في نسج شرنقة استعاراته، حيث يقوم بإحالات إلى نصوص مفصلية تبدأ من هوميروس، وسوفوكليس، وفيرجيل، وأوفيد والقدّيس أوغسطين، ودانتي، وشكسبير، وتنتهي عند نيرفال، وكونراد، وميلتون، وبودلير، وهيسه، ووويتمان، كما أنه يتكئ على الكتابات التوراتية والإنجيلية، وعلى النصوص الهندية القديمة. ومن أجل أن يمنح نكهة كونية لصرخته يضمّن القصيدةَ جملاً بالفرنسية والألمانية والسنسكريتية، واليونانية، والإيطالية. وتتألّف القصيدة من أجزاء خمسة، يحيل كل منها رمزياً إلى عنصر من العناصر الكلاسيكية الإغريقية للوجود، وهي التراب والهواء والنار والماء والأثير."
هنا وفي نظرة تاملية لهذا المجمل الملخص لاراء النقاد وعلى مدى سنين من التدقيق المسؤول والاطلاع ومواكبة اعمال اليوت يلخص لنا ماهية هذا الكائن الانجليزي الذي جمع في شخصية واحدة بين اكثر من اهتمام تعدى الادبيات الى مجالات الدين والروحانيات والتصوف والنظر الى ماوراء الطبيعة بل اضيف له في جانب اخر التوجه الى التاملات والبحوث النفسية التي تمس المصابين بالخلل العقلي، هذه صفة تضاف الى اليوت وتمنحه الكعب المعلا لكي يكون البارز والملهم للملايين في كل كتاباته وليس في الارض الخراب، لكننا بصريح العبارة ومما تقدم نشير بوجه منصف الى ان هذه القصيدة هي لؤلؤة التاج للادب والنتاج الثقافي الاليوتي، ولا اريد ان انفرد لوحدي فاقول انها حالة متقدمة للادب الانكليزي عموما، على اعتبار ان هناك من العمالقة والرائعين الذين عرفناهم سيقفون شواخص ومثابات لايمكن تجاهلهم اونسيانهم او عدم ذكرهم في مثل هذا الموضوع، بل تعدى ذلك الى الاتاثير في الادب الاوروبي والعالمي ، لان أثر"الأرض الخراب"على الشعر العالمي بات حقيقة لا تقبل الجدال، وهذا مايؤكده اغلب النقاد، ( إذ لم ينج شاعر حديث من لعنتها، على رغم ان التأثر بها، وبخاصة في شعرنا العربي ظل محصوراً بالرؤيا التي تطرحها، وليس بتقنيتها الجديدة في توظيف الأسطورة، وبنيتها المجازية التي تقوم على انزياح الدلالات، وتعدد الأصوات الشعرية، وزئبقية أدوارها)...
(وعلى نقيض ما يراه جبرا ابراهيم جبرا، الذي ربط بين التأثر بها ونكبة فلسطين، فإن حضور القصيدة في قصيدة (الحداثة العربية) ظل محصوراً بمقولة "اليباب" ذاتها كفكرة جاهزة، وليس كرؤيا أو فلسفة متكاملة. ويمكن القول انه قلما نجد نصاً واحداً استشرف قوتها المجازية، وحاكى بينتها الأسلوبية، واستثمر قراءتها التضادية للموروث الشعري.) (حتى السياب في قصيدته الشهيرة "أنشودة المطر"، اكتفى برموز إليوتية برّانية، سطحية، محافظاً على أنا رومانسية غائرة، لطالما نبذها إليوت، داعياً الى ضرورة الهروب من الذات، والبحث عن معادل موضوعي objective) (correlative تكون فيه القصيدة مسرحاً تتقاطع في محرقة ثقافات وأزمنة مختلفة، تماماً مثل رواية "عوليس" لجيمس جويس، التي اعتبرها إليوت نفسه أنموذجاً للنص الحداثي الجديد، الذي يحاول ان يمنح "شكلاً ودلالة للبانوراما الهائلة من العقم والفوضى التي تشكل ماهية التاريخ المعاصر").
هذا ما اردنا التوصل اليه في ماذُكر في اعلاه، وهذه الشهادة النقدية الثاقبة تؤيد ما اردنا قوله من طرح شفاف في مسعانا هذا، انتصارا للحقيقة رغم انني شخصيا انتصر للسياب لانه مصدر الهامي، وهو موروثي الادبي الشعري الحي الذي اتشرف عراقيا ان يكون ابن بلدي اول من امتدت يده للنهل من رؤى عالمية استطاع ببراعته توظيفها في الموروث العربي والعراقي على وجه التحديد، لكنه لم يتكيء قط على اي ممن يحاول البعض ذكرهم - ليس تيمنا وعرفانا بحقيقة ماثلة ومعروفة، انما ينسحب ذلك من وجهة نظري الشخصية على النكاية وطمس حق الاخرين – وهذا وفق معلوماتي الشخصية التي اعتمد بها على ما مكنني الله عليه من تاريخ طويل من الاطلاع والاستكشاف لكي اصل الى هنا الى ان اقول معلومة صادقة صحيحة .............

وقفة مقارنة تأملية بين (ارض اليباب ) للشاعر الانكليزي (توماس ستيرنز إليوت Thomas Stearns Eliot) وبين (انشودة المطر) للشاعر العراقي بدر شاكر السياب (ج1).. بقلم الناقد/ شاكر الخياط

توماس ستيرنز إليوت Thomas Stearns Eliot شاعر وناقد ومسرحي وفيلسوف إنكليزي من أصل أمريكي، ولد بمدينة سانت لويس في ولاية ميسوري الامريكية. واكمل الدراسة الجامعية ، وقد ترسخ اليوت باطلاعه ودراسته المسرح الإنكليزي في العصر المتقدم نسبيا بشكل مكثف، وخاصة شكسبير، وافرز من وقته الكثير للفصل او المقارنة بين كيفية الجمع بين التسلية في الشعر وبين نفائس الشعر في القصيدة الواحدة او العمل الواحد، وبين الشعر النفيس في المسرحية الناضجة. وقد أدى به ذلك إلى توسيع مداركه بل وانفتاحه على عوالم كانت اشبه بالبعيدة عنه لحين دراستها والانتهاء منها، وربما يكون ما انتجه اليوت متمثلا برائعته ( الارض الخراب، الارض اليباب، الارض الضائعة) وهي ترجمات متعددة لنفس القصيدة، والتي تعتبر من وجهة نظر النقاد في بداية القرن العشرين وبعد ان ذاع صيتها وبدأت بالانتشار على مساحات عالمية واسعة، وبعد ان تم تناولها بالترجمة من قبل المترجمين الافذاذ ولاكثر من لغة واسعة الانتشار، انها القصيدة او العمل الشعري المتكامل الذي توج هذا الشاعر وصنفه الارقى على مستوى بريطانيا وتعدى ذلك على مستوى اوروبا، لاسباب منها تعددية مراحل العمل وتوزعه على مساحات واسعة شاملا بذلك كل من لسعته نار الحرب وخرابها، والتي لم تنحسر في بلد او في حالة شهدتها الحرب دون سواها من اخريات حدثن في بلدان اخرى، والسبب الاخر ان اوروبا كل اوروبا كانت تدعي ان هذا النص الشعري انما يخاطب الاوروبيين ويجسد ماساتهم بعد الحرب العالمية الاولى وليس مختصا ببلد او حالة في بلد دون الاخر، في عموم اوروبا، حتى تعدى الامر هذه الحدود وتجاوزها في لغة النقاد والمبدعين من خارج دائرة الضوء الاوروبي او الانكليزي، واذكر هنا ما انسحب على قضايانا العربية بعد الحرب العالمية الاولى وما كان يتناقله المثقفون والادباء والنقاد على ساحة الوطن العربي، واقرب تمثيل لهذا جبرا ابراهيم جبرا الذي عد هذه القصيدة محاكاة وتجسيدا للواقع الماساوي لقضية فلسطين المغتصبة وشعبها المظلوم ، وهناك ادونيس الذي تاثر باليوت بشكل جلي وواضح، وقد يكون من أكثر الشعراء العرب تمثّلاً لدرس إليوت الجمالي، لتأثره العالي به وبخاصة في قصيدته الهجائية "قبر من أجل نيويورك"1971، حيث حاول الولوج في عوالم ورؤى اليوت وسبر فلسفة اليباب في الزمن الحديث، واعني سحب الحالة في زمكانها المقترح الى زمكان يرى ادونيس انه مفصل لها وهو الارحب لما للقضايا العربية التي عمت الشرق الاوسط من مطابقة ورحم افضل من كل الارحام لولادتها، وكان ادونيس يريد القول مجازا ان اليوت كتب قصيدته في الشان الاوربي ارضا وحدثا، لكن الرؤيا كانت ابعد مما يتصورون وقبل ان يرى الناس الحدث ويشهدوا عليه، لا بل قبل حدوثه، وقد لامس أدونيس لحظات مفصلية في شاعرية إليوت، على رغم معرفتنا بوفاء ادونيس لبلاغة اليوت الرؤيوية، وهو الذي وظف أكثر من رمز إليوتي، وبخاصة العرّاف (تيريزياس)، الذي يصفه إليوت بالصوت المحوري الذي يمثّل وعي القصيدة لذاتها وللعالم. (تيريزياس) لدى أدونيس في ديوانه "تنبأ أيها الأعمى" الصادر سنة 2005 ، في مقطع يقول:
"وكانت نبوءات تيريزياس في ما بعد ملأت عيني هوميروس بظلمة تنحدر". 
حيث تيريزياس الأعمى، لدى إليوت وأدونيس، يرى ما لا يراه المبصرون، ويلجأ إليه الشاعران ليكون عيناً لهما في ظلمة مطبقة :
"عين بلورية تقرأ لمن يريد ان يصغي". وتيريزياس في"الأرض الخراب"، يظهر في القسم الثالث، كما رأينا، جالساً عند جدران معبد طيبة، يناجي نفسه :
"انا من مشى بين أكثر الأموات انخفاضاً"، 
ومهما كان من فرق بين الرائي في اليوت والرائي في ادونيس الا ان الهدف التقى في النهاية رغم اختلاف صيرورة الرائيين. مع العلم ان الاسماء التي وافقت على راي ادونيس، وتوافقت مع تطلعاته بمساحة الوطن العربي كثيرة لا يمكن احصاؤها انذاك، وهذا يوضح ان الامتداد الفعلي بالتاثير الرؤيوي لامتداد الفعل الابداعي الذي وجد فيه المثقفون وخصوصا الشعراء الملاذ لهم انذاك من قيود تصوروا خطأ انها محددات للابداع في التجديد المنشود الذي طالما تمنوه وسعوا اليه، ولربما كانت الاقلام التي نادت بمشروع الشعر الحر او شبيهاته من دعاة الانفلات عن البيت الشعري العربي والقافية والوزن الى ما الى ذلك من تجليات ظهرت في منتصف القرن العشرين كمدرسة القت بظلالها على الاجواء الادبية ليست في العراق فحسب انما امتدت الى باقي ارجاء الوطن العربي حتى ولادة الشعر الحر على يد مجموعة من الادباء والمفكرين المبدعين يتقدم ركبهم المرحوم السياب الذي كان رائدا لايجارى في هذا المضمار وهو اشهر من خطط ونظَّر لهذا الفعل واكاد اجزم انه هو الذي تحمل وزر هذا الابداع، فكان بحق هو زعيمه..
الأرض الخراب لاليوت تعتبرالنواة التي تنطلق منها رؤياه للعالم، والعالم برمته والقائمة على انزياح مجازي، يتمثّل في تقويض العلاقة التقليدية بين الدالّ والمدلول في مابين مفردات العمل، فلو لاحظنا الربيع في رؤيا القصيدة نجده يدلّ على موات بطيء، وقسوة تفتك بالطبيعة. في حين اننا نرى ونعرف ان الربيع يرمزُ للخصب والانبعاث، كما ورد في انشودة المطر، ولولا الموضوعة الرئيسة لكلا القصيدتين، وهدفهما لما كان هناك من ارتباط بين انشودة المطر وارض اليباب الا في شكل القصيد، ودوافع العمل التي حكمت السياب واليوت في خراب ماثل جسده اليوت بعد الخرب، او خراب متوقع منتظر كان السياب يوحي الى حدوثه في كثير من سطور القصيدة، وما يؤشر بالفعل وايمانا منا لاظهار الحقيقة الراقية لنقطة التقاء اليوت بالسياب هي ميزة الاسلوب المتفرد الذي جمع بينهما دون ان يستند السياب الى اليوت على اعتبار ان السياب متاخر في الزمان في صدور القصيدة عن اليوت الذي تقدم عليه بفترة طويلة حتى اتمام الاصدار واعلانها وليدا جديدا على بلده واوربا، مثلما اعلن السياب ذلك على بلده والعالم العربي، وما انفراد الاثنين بتقنية الانزياح هذه والتي تكاد تنسحب على المعمار الكلّي للقصيدة وبنائيتها المتناثرة الابعاد والاوشاج لديهما، إذ يكاد لا يخلو سطر من سطور القصيدةعند اليوت من رجّة تنقلُ المعنى إلى سياقٍ آخر، منزاحاً عن مركزه، في قراءة تضادّية قوية للموروث الشعري برمّته، يعزّزها افتتانُ إليوت بدمج أساليب أدبية وشعرية ودرامية متناقضة، تتأرجح بين الموغل في سمّوه البلاغي والمسرف في تقشّفه اللّفظي. لكن الذي ابهر النقاد في شعر السياب ليس ما ابهر النقاد في شعر اليوت، لان القفزة التي قدمها اليوت الى بلاده واوربا مختلفة عن تلك القفزة الرائعة التي قدمها السياب الى بلده ومن ثم العرب لاحقا، هذا الانسجام المتواتر المتراصف شكلا مع الوزن الموسيقي الجميل الذي تناوله السياب مع الانسجام الانموذجي في شكل البنائية لقصيدة صورت لنا الشاعر وكأنه لم يبتعد عن خط الوزن ولا عن موسيقى العرب في شعرهم، وما هذه المحافظة على اللون الجديد دون ان يؤشر اي خلل من قبل النقاد، بل هناك من ايد وفي ذلك الوقت بما ابدع السياب وزملاؤه من فن جديد كتب له فيما بعد ان يكون واقفا قويا رصينا على قدمين متجذرتين في ارض صلبة وبقامة شامخة ممتدة الى عنان الفضاء، 
ويُجمع النقّاد:
" أن هذه الرؤيا الجديدة للّغة الشعرية ساهمت، إلى حد بعيد، في بلورة حساسية شعرية جديدة غيّرت جذرياً مفهومَنا لماهية الكتابة الشعرية".
وهنا يجدر بنا ومن وجهة نظر تحليلية بحتة النظر الى بواطن الامور لا الى شكلياتها، منطلقين من هذا الاجماع النقدي المختلف المناشيء المتحد الفكرة والنص والهدف، هل كانت غاية النقاد ان تعزو كل محاولة تحديث او تجديد منذ بدايات القرن العشرين شعرا، الى التاثر بروح اليوت ؟ ليس في قصيدته هذه كقصيدة حسب انما الانتقالة العصرية الخطيرة التي لم يكن قد ألفها الاوربيون من قبل في تداعيات تناوله الاسطورة وتمثيلها تجسيدا على الواقع الحي الذي كانت تواجهه اوروبا وكأنها حصيلة تلك العصور من المواجهات، والصراعات التي استمرت عقودا من الزمن..
إنّ لغة اليوت في تمجيده لقيم التضادّ والتقابل والمقارنة في قصيدته، واعتباره الشعر هروباً من الأنا الرومانطيقية، وليس تكريساً لها، شكّل نقطة تحول كبرى في تاريخ الشّعرية الحديثة. على الصعيد الاوروبي ، محاولا تجسيد ذلك ونشره على مساحات اوسع شاملا به على سبيل المثال الشرق الاوسط ومناطق في افريقيا وجنوب شرق اسيا لا اوروبا فقط، وإذا علمنا أنّ إليوت كتب قصيدته، متأثّراً بمناخات الحرب العالمية الأولى، التي لا تغيب صورها المرعبة عن أجزاء القصيدة الخمسة، والتي كانت تصل الى حد التكرار في البنى لولا براعة اليوت في التنقل من حالة الى اخرى وطرح المختلف في القادم من الاسطر، ليكون عاملا جامعا لكل الحالات التي كان يتشوفها في فلسفته الشعرية ذاتها والتي هي الأكثر حسماً في تقديم نصّ مدهش في بنيته ، وإحالاته المنفلتة من كل سياق، والتي تقوم على اجزاء من أحاديث غير مكتملة، ومشاهد مسرحية مقطوعة ، وتأملات فلسفية لا تخلو من التهكم والسخرية، وتهليلات غنائية صوفية، ترثي موت الخالق في الزّمن الحديث. وعلى رغم أنّ إليوت يصف نفسه بالمحافظ أو الملكي في السياسة، والأنغلوكاثوليكي في الدّين، والكلاسيكي في الأدب، إلا أنه باجماع النقاد واهل الشأن أبدع واحدة من أكثر القصائد جنوناً في القرن العشرين. وربما كانت الاولى على هذا الصعيد، إذ تكاد لا تخلو استعارة من إحالة إلى نص سابق، أو نسق رمزي أو أسطوري أعلى، أو استحضار لحكاية رمزية، أو أدبية أو دينية أو شعبية.
( ... وتجدر الإشارة الى انه، وعلى رغم الجهود الجبّارة التي بذلها نقّاد كبار من أمثال لويس عوض، وإحسان عباس، وعبدالواحد لؤلؤة، ويوسف سامي اليوسف، في ترجمة قصيدة "الأرض الخراب" الى العربية، وشرح رموزها، وسبر دلالاتها، كل على طريقته، إلا انها ظلت قصيدة شبه مقفلة امام الشعراء العرب، الذين اكتفوا كما نوّهنا، باستعارة روحها المتشائمة، ونبرتها الهجائية، وموقفها النقدي، من دون تمثل درسها الجمالي الفذ. ويجب الاعتراف بأن القصيدة صعبة المنال، وتجيد إخفاء أسرارها، والنأي بنفسها عن إغواء الشرح والتأويل، وما الهوامش الاثنين والخمسين التي ضمّنها إليوت في القصيدة، والتي باتت أكثر شهرة من القصيدة نفسها، سوى دليل على إمكانية تعدد القراءات وتنوعها، واختلاف الاجتهادات وتناقضها، وبخاصة ان النقد الحديث بات يعتبر هذا النص الحداثي من كلاسيكيات القرن العشرين، ولا يقلّ تأثيره في وعينا الجمالي والنقدي والشعري عن تأثير شكسبير في المسرح، وبيتهوفن في الموسيقى، وبيكاسو في الرسم، ونيتشه في الفلسفة.)
مايهمنا بعد هذا الاستعراض هو حالة المقارنة بين اليوت والسياب كشاعرين في زمكانين مختلفين، في قصيدتين متقاربتين روحا ورؤى وموضوعا ان جاز لنا التعبير، مع تحفظنا على ان انشودة المطر نهلت من ذات الموضوع ،واحتفاظنا بحق الانتصار للسياب في جزء بعيد عما تناوله اليوت لاختلاف ماهية المجتمعين العراقي العربي والانكليزي الاوروبي .. وسياتي شرح ذلك فيما يلي من سطور..
الاسئلة التي تم تداولها من هنا وهناك سنكون واضحين في الاجابة عنها وقد استطعنا جمع اغلبها مع تشابه الاخريات في الطرح
"الارض اليباب" لاليوت و"انشودة المطر" للسياب، هل كان السياب قد تاثر باليوت؟
هل كانت روح "انشودة المطر" تحاكي " الارض اليباب "؟
اين التقارب والتلاقي والتراصف فيما بين العملين؟ 
اين الاختلاف فيما بينهما؟ 
ما تاثير اليوت على الواقع الشعري الانكليزي الاوروبي؟ وما تاثير السياب على واقعه الادبي والشعري العراقي والعربي ؟
هذه الاسئلة واخرى غيرها سنتناولها في قادم الحلقات

......

خلاصات السبعين.. بقلم الشاعر/ كاظم الحجّاج

التقيته في بغداد ونحن نرتشف فنجان قهوة وكوب شاي، كان الحجاج كشط البصرة في العشار، يعشق كل غريب يعشق كل الزوار، عتب عندي قلت، تأخذني لغة الحب أصافح للتاريخ وجه الحجاج، وانا اعرف اني اُبكيه إذ قلت له في حب وعتاب، ياللحجاج من الفرات، وياللحجاج من عروسته التي تنتظر زيارته هناك على ساحل الفرات حيث النخيل وقلعتها والأحباب، هناك، ينتظروك بلهفة، وأنا يا شاعر أنقل عنك السلام لهم بكل الحب، وكل الأحزان، أطرق برهة، قال على هيت مني السلام، وسااتيها سيدي زحفا على راسي لا كما انتم تاتونها على الأقدام، هدأ الجو، وتباعدنا، وخيم على صبح العراق الظلام، فلا انا التقيته، ولا هو قد جاء، وظلت كل نواعير الشط بالانتظار، ،،،
الشاعر كاظم الحجاج آخر العراقيين الشعراء، تحية والف سلام لك من خلال آفاق نقدية صفحتكم الميمونة، وتحية إجلال لهذا السلسبيل الرقراق، وكأني أرى مااقرا قبل ان التقيه، اقرأ وأنا وعيوني نتنقل، من جيكور إلى شناشيل المحكمة القديمة، أمر من خلاله على كل اليخوت، وأمر على كل الشوارع، والحارات، كاظم الحجاج النخلة البصرية التي مافتات تمطرنا بالرطب البرحي الطازج على الدوام، لا يمكن ان يكون الحجاج إلا هذا ولو عاش بعد حين، من هنا ومن خلالكم الف قبلة وامنيات بالتوفيق لهذا الطائر الجنوبي الغريد، تحياتي (الناقد/ شاكر الخياط)

-

• فخورٌ لأني نحيل ..
لأني خفيف
على أرض هذا العراق .
لا أدوسُ التراب ..
كما داسه الآخرون !
• لكلّ البلاد الغريبة عيبٌ وحيد :
عيبها أنها – أينما وجدت –
... فالعراق بعيد !
• هذا الوطنُ المحسود
- الوطنُ التفاحة –
يحميهِ اللهُ من الدود !
• من ( أخناتون ) ..
الى الأمريكيين .. الى الأحزاب ..
- الدينُ لله . والوطن .. للأقوياء !
• ونحنُ في الإبتدائية
كانتْ خريطةُ العراق
أسمنَ ممّا هي اليوم !
• نحنُ البصريين ؛
نطفئ الشعر حين ننام ..
ونؤرّقُ مصباحنا للضيوف !
• جدّي أبو عثمان الجاحظ
كان عفيفاً جداً مع النساء ..
شكله لا يؤهله للزواج ولا للزنى!
• لم تسعنا غرفةُ التوقيف
- كنّا أربعين –
منعوا أرجلنا أنْ تنثني
فجلسنا .. واقفين !
• مثل خبز الأرياف ..
- نحنُ أهل الجنوب –
نخرجُ من تنانير أمهاتنا
... ساخنين
لأجل أنْ نليق بفم الحياة !
• إننا – في الجنوب –
نأكل الخبزَ حتى يعيش بنا
لا نعيش به ...
ونحرّم ذبح دجاج البيوت ..
هل يهون علينا : نربّي ونذبح ؟
كيفَ يهون ؟
• وكلاب الجنوب .
وحدها تتقن الاعتذار ؛
تنبحُ الضيف وسط الظلام .
وتمسحُ أذياله في النهار !
• ولذا . نحنُ أهل الجنوب
- حين نغتربُ –
تتجمع أوطاننا ، مثل قبضة كفّ
وتنبضُ تحتَ الضلوع !
• نحنُ الكسالى
لم نزرعْ تفاحاً ..
ولهذا .
أجّلنا أكل التفاح .. الى الجنّة !
• في الغربة . نبكي ..
والدمعةُ ماءٌ مسجون ..
ينتظر الحرّية
مِن حزنٍ .. قادم !
• تغربتُ في مدنٍ ، لا تردّ السلام ..
وأنا لا أبالغُ واللهِ
حتى المرايا هناك .
تزيّف وجهك أنت:
ففي الصبح تحلقُ لحية غيركَ
وتمشّطُ شعر سواك !
• وأنا – حتى في الغربة –
لا أبحثُ عمّن أعرفهُ
بل . عمّن يعرفني !
• تتذكرنا أيام ( الحزب ) الأولى
في محلتنا ( الفيصلية ) ..
حيث الأبوابْ
- نصف المفتوحة
في نصف الليل - ..
.. لأجل المنشورات !
• وحين نزور الحسين :
نفكّ صرّة الحزنِ
بوجه الضريح ...
نبكي - يقولُ والدي –
... لنستريح .
فالشرقُ دمعتان :
للحسين – يا بنيَّ –
... والمسيح !
• أخبرني ( طه باقر )
- الأسماء تؤنث ، في سومر ، :
( أنخيدونا). وتُذّكـــر ( أنخيدو )
- أو ( أنكيدو ) –
يا صاحبة الحانة. أنكيدو ... مات .
فلنرفع ، في صحته ,
..... نخبَ الغائب !
• وأخبرني جنديّ .
- مثلي في السبعين –
ولم يُقتل بعد :
حتى بين رصاصات الجنود
رصاصات محظوظة :
تلك التي تُخطىء أهدافها
ورصاصات تعيسة :
تلك التي ترتكب أمجاد الحروب !
• وأنا لم أذهب يوماً للحرب .
ولكني أعرفُ :
ما يدعى نصراً – في كلّ حروب التاريخ –
لا يعدلُ نصر الأمّ
.. تحدقُ في المولود .. الخارج تـوّاً!
-• وأنا أتذّكر للآن :
" في الشناشيلِ . في قلب (نضران)
أم تعلّقُ قمصان أبنائها ..
تعمّدتُ الاّ أراها تعلّقُ ذاك القميصَ .
وهيأت عينيّ للحزنِ :
كان القميص به ثغرتان كعينينِ
- في أسفل القلب - ...
يا أمنا ، في الأعالي ،
أحقاً تظنين أن الشهيد
- إذا عاد من موته –
... لن يغيّر قمصانه ؟! "
*
( مشهد للختام )
وأنا حَلمانُ
كمثل رفيف الموت ، الآتي من ميلادي
أتمنى آخر صوتٍ أسمعه
صوتَ ( رقيةَ ) – صغرى أحفادي - :
إش . لا تبكوا
خلّوا ( جدو )
.. نايم !
28 / 2 / 2017

امير شعراء روسيا بوشكين ( مسلم بالروح والقيم والإستلهام).. بقلم الناقد/ شاكر الخياط



ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏لقطة قريبة‏‏‏


تعريف بالشاعر:
هو ( ألكسندر بوشكين (
ويكتب بالروسية ( Алекса́ндр Серге́евич Пу́шкин) أمير شعراء روسيا وكاتب روائي ومسرحي، ولد في موسكو في 6 يونيو عام 1799 م. نشأ في أسرة من النبلاء كانت تعيش حياة الترف. كان والده شاعرًا بارزًا فساهم ذلك على إنماء موهبته الشعرية. ترجع جذوره إلى أصول حبشية والدته ( ناديشد أوسيبافنا ) كانت حفيدة (إبراهيم جانيبال او هانيبال)، أفريقي ومن الضباط المقربين لدى القيصر بطرس الأكبر، ورث بعض الملامح الإفريقية، حيث امتلك شعرا أجعد، وشفتين غليظتين.
اظن ان غرابة العنوان تسترعي منا ان نثبت ماذهبنا اليه، ولعل المتتبع لهذا الشاعر العظيم والمهتم بالشأن الشعري لادباء روسيا سيعلم بعد ان يراجع التاريخ الفني والابداعي لهذا الشاعر ان كلامنا صحيح ولا يجانب الحقيقة باي شكل من الاشكال. وللاطلاع اكثر على ماهية هذا الانسان الذي يختلف اختلافا جذريا عن غيره في بنائه وتأملاته وافكاره وطريقة ايمانه وتناوله لمواضيع اعماله الادبية المتعددة...
يعد "بوشكين" من أعظم الشعراء الروس في القرن التاسع عشر، ولقب بأمير الشعراء. ودراسة هذا الشاعر تدفعنا إلى دراسة الادب الروسي جملة، ومعرفة مراحل القيصرية الروسية منذ "بطرس الأول" حتى "نيقولا الأول"، وكذلك معرفة الحوادث التاريخية التي وقعت في النصف الأول من القرن التاسع عشر.
وبالرغم من أن بوشكين لم يعش أكثر من 36 عامًا، فإنه قد ترك الكثير من الآثار الأدبية؛ لدرجة أن قراءه يشعرون أنه قد عمَّر كثيرًا..
يعتبر عصر بوشكين هو العصر الذهبي للشعر الروسي، وهو عصر التقارب بين الأدب الروسي من جهة والآداب العربية والشرقية من جهة أخرى.
وعُرف العهد الذي عاش فيه بوشكين بالاستبداد الاجتماعي؛ فكانت السلطات مركزة بين القيصر والنبلاء، وكان بوشكين الذي انحدر من أسرة نبيلة يعبر عن انحلال وسطه، ويطالب بحرية الشعب، بوصفه المرجع الأول والأخير للسلطة، وكان أول من دعا إلى الحد من سيادة النبلاء في روسيا، وكان ناقما على مجتمعه مطالبًا بتقييد الحكم القيصري وإعلاء شأن النظام الديمقراطي بين الناس.. ولكن ما يؤخذ عليه أنه حصر بعض آماله في الحصول على بعض الحريات السياسية والثقافية.
تأثر في بدء طلعته بالأدب الفرنسي، ولكنه ما إن نضج واحتك بالمجتمع حتى اتجه صوب الأدب الإنجليزي، وتأثر باتجاه بيرون وشكسبير الذي نحا نحوه في مسرحياته مع احتفاظه بالطابع الروسي.
ومن الجدير بالذكر أنه قد زار القرم والقوقاز وتأثر بالمحيط الإسلامي، وكتب بعض القصائد التي تشير إلى هذا التأثير: "الأسير القوقازي" و"القوقاز"، و"الليالي المصرية" التي لم يكمل كتابتها، وفي أثناء هذه الزيارة اهتم بتعلم اللغة العربية.
ونتيجة لتأثره بتاريخ جده إبراهيم جانيبال، فقد خصص رواية كاملة بعنوان "عبد بطرس العظيم" يحكي فيها قصة هذا الجد الذي تم إهداؤه إلى القيصر بطرس الأول، وأصبح من المقربين إليه، وتعد هذه الرواية من أعظم الروايات التاريخية الواقعية في تاريخ الأدب الروسي.
تلقى بوشكين تعليمه في معهد النبلاء للتعليم الثانوي والعالي معا، ومدة الدراسة به ست سنوات، وقد أنشأ هذا المعهد "ألكسندر الأول" لتجهيز شباب الأسر الروسية العريقة لتولي المناصب الهامة في دائرة الحكومة القيصرية مستقبلا .
من المعروف أن بوشكين في حياته الدراسية التفت حوله حلقة من عشاق الأدب والمفكرين والشعراء، وقد لاحظ الكثير من أساتذته موهبته العالية في نظم الشعر، وتميزت أحاسيسه بالقوة، وكان محبا وعطوفا على عامة الشعب، وحدثت بعض الوقائع التاريخية في أثناء دراسة بوشكين بالمعهد، وهى: مساهمة روسيا في السياسية الأوربية، وغزو نابليون لروسيا، وحرق موسكو، وزحف الجيوش الروسية على أوربا، وسقوط باريس، والقبض على نابليون ونفيه.. كل ذلك دفع بوشكين إلى المطالبة بالحرية في روسيا.
أثرت سنوات دراسة بوشكين في تعزيز نزعته الأدبية والسياسية، كما كتب العديد من القصائد الشعرية في أثناء دراسته بالمعهد، مثل: "أمنية " و"العلم" و"رسالة إلى بودين". وبعد أن تخرج من المعهد أُسندت إليه وظيفة في وزارة الخارجية الروسية، وما تكاد ساعات العمل تنتهي حتى يفر إلى مجتمعات "بطرسيبورج" فيرتاد أنديتها الأدبية والعلمية
عرف عن بوشكين حبه للتجديد في شعره الذي كان يهدف من خلاله إلى إلغاء القيصرية، والقضاء على حق استرقاق الفلاحين.
كتب بوشكين الكثير من المؤلفات التي عبّرت عن الحياة الثقافية والاجتماعية لروسيا في ذلك الوقت، مثل: "المصباح الأخضر"، و"إرزاماس"..
انعكس حبه للحرية والعدالة في كتاباته، مثل:
"إلى تشاداييف"، و"حكايات"، و"القرية"،
كما كتب العديد من القصائد الشعرية، مثل: "الأسير القوقازي"، و"الأخوة الأشرار"، و"النور"،
كان بوشكين متحمسًا للاتجاه العاطفي الرومانتيكي؛ لأنه كان يعتبره منافيًا لسائر الأساليب التي يقوم عليها الأدب الكلاسيكي المزيف، وكذلك فإنه يعطي للكاتب حق التصرف بالفكرة الموضوعة، ولكنه ما لبث بعد فترة أن غير اتجاهه إلى الواقعية، وألَّف بعض الأعمال التي عبّرت عنها فجاءت من صميم الحياة. وقدم بوشكين للقارئ من خلال أعماله صورًا من حياة أشراف روسيا، ونمط معيشتهم، وما اتسمت به الطبيعة الروسية.
أراد بوشكين إحداث تغيير جوهري في المسرحيات الروسية وانقلابًا في المسرح الروسي كله؛ فاتجه إلى شكسبير، ووجد في مسرحياته الانطلاق، والإخلاص، والحقائق، والأهداف السامية، ورأى أن المسرح الروسي يتلاءم ومسرحيات شكسبير الشعبية في ذلك الوقت
في نوفمبر عام 1852 توفي "ألكسندر الأول" فجأة، وتولى "قسطنطين" الحكم، الذي تخلى عنه لأخيه نيقولا ، لم يكد "نيقولا" يعتلي العرش حتى هبت ثورة "الديسمبرين" في 14 ديسمبر عام 1825، والتي تعد أول حركة ديمقراطية منظمة في روسيا، وكان بوشكين منحازا للديسمبرين، ونتج عن هذه الثورة قتل بعض زعمائها ونفي آخرين إلى مجاهل سيبريا
لم يستطع القيصر نيقولا أن يجد في مؤلفات بوشكين ما يشير إليه أو إلى سياسته فنقله من قرية "ميخايلوفسك" إلى موسكو، مستخدمًا معه أسلوب اللين والمراوغة .
أراد القيصر أن يجعل بوشكين شاعر البلاط، ويتغنى بالسلطات الرسمية خالعًا عليها كل آيات الثناء والتمجيد، وقد استطاع بوشكين بذكاء وحيلة التقرب من القيصر بالرغم من انتقاده له ولسياسته، ونتيجة لهذه العلاقة وجهت لبوشكين تهمة الخيانة.
وفي عام 1831 تزوج بوشكين من أجمل فتيات روسيا "نتاليا نيقولا لايفنا جونتشاروفا"، وأنجب منها 4 أبناء، وقبل وفاة بوشكين كان مضطهدا من القيصر الذي كان يضايقه دائما؛ إما بنقله من مدينة لأخرى، أو إعطائه بعض الوظائف التي لا تليق بمكانته.
توفي بوشكين مقتولا في مبارزة له مع أحد النبلاء الفرنسيين، والذي كان يدعى "دانتس"؛ دفاعا عن شرفه في وجه الشائعات التي أشيعت حول علاقة زوجته "نتاليا" بهذا الشاب الفرنسي، وكانت زوجته بريئة منها.. حدث له هذا عام 1837 عن عمر يناهز 36 عاما.
اهتم بوشكين بتراخي الشعب الروسي وقضاياه؛ سواء كانت اجتماعية سياسية أو تاريخية، وظهر ذلك بوضوح في مسرحيته التاريخية التراجيدية "بوديس جودونوف" التي توخى فيها الدقة التاريخية والتحقق من صحة الأحداث، وكان موضوعها الشعب والسلطة..
أراد بوشكين أن يقول من خلالها إن السلطة لن تكون مهيبة إن لم تعتمد على الرأي العام
كما كتب روايته الشعرية الشهيرة "الغجر"، والتي ظل عاكفا عليها لمدة سنتين، وكتب قصة "الأمية القائدة"، والرواية الشعرية "الفارس النحاسي" التي استوحاها من تمثال بطرس الأكبر، القائد بساحة مجلس الشيوخ في "بطرسبورغ" .
وكان بوشكين من أشد المعجبين بهذا القيصر، وكتب الكثير من المؤلفات عنه،
وتعد رواية "دوبرفسكي"، التي تحكي عن شاب هارب من إحدى طبقات النبلاء، أعظم ما كتب في تاريخ الأدب الروسي؛ فمن خلالها رسم بوشكين صورة للحياة الروسية في بداية القرن التاسع عشر، وما كان سائدا من استبداد النبلاء واسترقاق الفلاحين في ذلك الوقت
تحدث عن الطبيعة، والحب، والصداقة، ووطنية الشعب الروسي في كثير من أشعاره، مثل: "إلى البحر"، و"أحبك"، و" الخريف في بولدينة" ، أما رواية "أوجين" أو "نيجين" فتعتبر أول رواية شعرية واقعية في تاريخ الأدب الروسي، وقد حصلت على لقب "موسوعة الحياة الروسية"؛ حيث يظهر فيها أمام القارئ جميع طبقات المجتمع الروسي في ذلك الوقت .
يرى بوشكين أن هناك رابطة بين الشعر والمجتمع وبين الفن والتعليم، كذلك يرى أن الفن يجب أن يكشف عن حقيقة الحياة، وأن يمتلك علاقة عميقة بإبداع الشعب، بل وأن يكون له طابع وطني . تميزت كتاباته بالواقعية؛ فكان أول من دعا إلى (المذهب الواقعي) في الأدب الروسي الذي يقوم على وقائع الحياة البشرية، وصور جميع المجتمع الروسي من فلاحين، وأشراف، وصناع، وحرفيين، وأعيان نبلاء نتيجة لاطلاعه على الحقائق الروسية التاريخية، وتعرفه على مختلف نواحي الحياة في بلاده ومعرفته لتاريخها، وتتبعه للعلاقات بين طبقات الشعب..
يقول الاستاذ عنتر عبدالطيف :
« قرأ تفسيرا للقرآن الكريم باللغة الفرنسية ليبدع رائعته» ليلة القدر «متأثرًا بالتراث الإسلامي»..أنه الشاعر الروسى الشهير«ألكسندر بوشكين» والذي يعد من أعظم الشعراء الروسي، كما أن مؤلفاته ترجمت إلى كل اللغات العالمية
«بوشكين» هو أول من دعا إلى المذهب الواقعي وله الفضل في صياغة اللغة الروسية ففي زمنه كانت اللغة الفرنسية هي لغة القصور والأدب وتوفي «بوشكين» عن 36 عاما، وسميت فترة إنتاجه في القرن التاسع عشر بالعصر الذهبي للشعر الروسي.
***
قيل عن بوشكين أنه القلم الحر الذي دافع عن المظلومين، فبالرغم من انتماءه إلى طبقة ارستقراطية إلا أنه جسد بأعماله الشعرية والنثرية الشخصية النموذجية، أعمالاً تنتمي إلى مختلف طبقات المجتمع الروسي من فلاحين وأميين.
حذرته إحدى العرافات من أنه سيلقى مصرعه على يد امرأة تدعى ناتاليا جاتشروفا، ورغم ذلك تزوجها وأنجب منها 4 أبناء.
عقب ترويج شائعات عن ارتباط زوجته بالنبيل الفرنسي جورج دانتس، طلب بوشكين مبارزة هذا النبيل ليتلقى طعنة مات على إثرها متأثرًا بإصابته بعد ثلاث أيام لتتحقق نبؤة العرافة".
كل هذا أتى بثماره في تبلور نزعته الواقعية في الأدب والشعر ، وقد استوقفتني اعماله بشكل مذهل ينم عن شيء مخفي لا يزال سرا، يكمن في بناء روحية وايمان هذا الانسان العبقري العظيم في شأنه، ومن يتمعن هنا في هذه القصيدة على سبيل المثال لا الحصر سيواجه صحة كلامي ودقة تنبؤي، يقول بوشكين هنا في واحدة من قصائده الكثيرة في هذا المجال:
من سلسلة " محاكاة القرآن "
أقسم بالشفع و بالوتر ،
أقسم بالسيف و بمعركة الحق ،
أقسم بنجمة الصبح ،
أقسم بصلاة العصر .
كلا ، أنا ما هجرتك .
فمَن إذن شملتُ برعايتي ،
و أنزلت السكينة عليه ،
و حميته من المطاردة القاسية .
ألستُ أنا الذي سقيتك
من ماء الصحراء في يوم العطش ؟
ألست أنا الذي وهبت لسانك
سلطاناً عظيماً على العقول ؟
كُنْ شجاعاً إذن ، احتقر الخداع ،
اتبع درب الحق بهمة عالية ،
أحبب اليتامى ، و بشر بقرآني
للمخلوقات الضعيفة .
2
يا نساء النبي الطاهرات ،
يا مَن تتميزن عن كل النساء :
بالنسبة لكنَّ مرعب شبح الخطيئة .
في ظلِّ الطمأنينة الرغيد
عِشْن بتواضع : وجب عليكن
حجاب الفتاة العازبة .
و لتحفظنَ قلوبكن وفيةً
لأجل التنعّم شرعاً و حشمة ،
و لكي لا ترى عيون الكفار
الماكرة وجوهكن !
و أنتم ، يا ضيوف محمد ،
حين تتوافدون للسهر عنده ،
احرصوا على ألا تعكروا
النبي بشؤون دنياكم .
عند تحليق أفكاره بالصلوات
هو لا يحب المتحذلقين
و الكلام الفراغ غير المحتشم :
اكرموا مائدته بوداعة
و بانحناء عفيف
لزوجاته الشابات .
ان المتتبع بشكل دقيق لشعر بوشكين يرى عمق التاثر بالاسلام وبالنتاج الحضاري والارث التاريخي الاسطوري لعصر ماقبل نشوء اللغة العربية الى عصر الرسول العربي الاكرم صلى الله عليه وسلم ، وقد بدا ذلك واضحا بعد ان قضى فترة من النفي عاش فيها بالقرب من سماع القران الكريم والاطلاع على بعض من احاديث الرسول (ص) لقرب منفاه من القوقاز والقوقازيين الذين كانوا يؤدون الطقوس العبادية الاسلامية، خصوصا وانه كان ينشد الاطلاع والتعرف على ماهية الدين الاسلامي لعوامل عديدة كان رفضه لبعض من نواميس الكنيسة واعتراضه عليها واحدا من الاسباب التي دعته لا يقتصر فقط على الاطلاع والتعرف المكثف فحسب انما ظهر ذلك علانية امام الناس وفي روسيا من خلال كتاباته ذائعة الصيت والشهرة لدى الناس وحتى داخل اروقة القصر الامبراطوري القيصري...
(( كانت سنوات النفي فرصة رائعة ليطلع بوشكين على ثقافة المسلمين وحضارتهم في القوقاز. شاهد الشاعر المسلمين وعاش بين جنباتهم وجالسهم ورآهم كيف يصلون وقرأ القرآن الكريم وأصغى إليه مرتلاً، وتعرف على سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وقد أثّر كل ذلك عليه فكتب قصائد (أسير القوقاز) (رسلان ولودميلا) (قبسات من القرآن) (الرسول) (ليلى العربية) (محاكاة العربي). كانت كل هذه المؤلفات تشير إلى إعجاب الشاعر بالإسلام ونبي الإسلام، وتدل على احترامه الكبير للثقافة الإسلامية. اعتبر الشاعر بوشكين العرب والمسلمين أمة ذات تراث عريق وأخلاق نبيلة. ...
يتناول الشاعر في قصيدة الرسول قصة نزول الوحي على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد أرفقها بمجموعة من القصائد المشفرة دلالة على تحديه للكنيسة الأرثوذكسية المتشددة.
يقول في هذه القصيدة عن ترجمة للدكتور شهاب غانم :
" مهموماً بالظمأ الروحي
كنت أجر خطاي في برية غير ذات زرع
عندما ظهر لي في مفترق الطريق
ملاك ذو أجنحة ستة وبأصابع من نور،
في مثل الحلم،
لمس حدقتي عيني،
فاتسعت الحدقتان النبويتان،
كما لو كانتا لنسر مذعور
ويصور بوشكين النهوض بعبء الرسالة التي بُعث من أجلها الرسول والتي سيسري نورها عبر البحار والأراضي ليخترق لهيبها قلوب الناس:
وناداني صوت الله انهض،
يا رسول وأبصر..
لبّ إرادتي وجب البحار والأراضي
وألهب بدعوتك قلوب الناس..))
ولو تمعنا دقيقا ومليَّا فيما بين سطورها وبالدقة الرؤيوية لهذا السيل المتتابع من الالتزام المتبصر لكل مفردة لراينا انه ليس من السهل على غير المسلم ان يتناول وفي مثل ظروف بوشكين مثل هذه القصائد او الطروحات لانها قد تودي بحياته الى نهاية لاتحمد عقباها، وربما كانت بالفعل هي السر غير المباشر الذي يقف وراء عملية اغتياله عن طريق المبارزة المفتعلة والمدبرة من ذي قبل...
وكما يقول الاستاذ (حسين علاوي):
"مثلما كان القرآن الكريم ملهماً لشعراء وأدباء كثيرين تأثروا بقيم الإسلام وتعاليمه الروحية في الشرق والغرب.. كان للقرآن الكريم دور كبير في التطور الروحي والإبداعي لشاعر روسيا الكبير ألكسندر بوشكين، بل وفي التكوين الروحي والفكري لرواد الحركة الوطنية الروسية.. إضافة الى السيرة النبوية.. التي صارت للكثير من صفوة المثقفين الروس ورواد الحركة الوطنية أنموذجاً للقدوة الحسنة الصابرة على الرسالة والمكافحة في سبيلها..
ورغم التباعد الذي تفرضه على بوشكين ثقافته وتربيته وديانته المسيحية الى إن الكثير من آرائه تتفق والفكر الإسلامي.. وإعجابه واحترامه الكبير لشخصية النبي.
فتناول المرحلة المبكرة من النبوة من خلال قصيدة الرسول التي كتبها عام 1924.. وقبسات القرآن عام 1926.. وهذه القصائد ليست محاولة لتقليد القرآن الكريم، أو كتابة شيء مشابه له، كما يدعي البعض، بل إن بوشكين قام بنقل بعض المواضيع الإنسانية
*****
العظيمة التي يزخر بها القرآن الكريم ليطرحها شعراً على أبناء قومه بلغتهم الأصلية وبأسلوب أدبي شيق وسهل.. فحاول أن يقدم تصوراً موضوعياً عن القرآن وعن النبي.
يستهل بوشكين قصيدة (الرسول) بمقطعين يلقيان الضوء على ظروف الرسول قبل تلقي الوحي مباشرة.. حيث التأمل في الكون.. والبحث عن حقيقة الوجود.. والعزلة في الصحراء للبحث عن إجابات شافية لأرق الفكر..
الرسول.
يضنينا عطش الروح،
وفي الصحراء الموحشة كنا نتمدد..
ثم يرسم بوشكين صورة شعرية لظهور جبريل على الرسول:
فظهر لنا في مفترق الطريق،
سارافيم ذو الأجنحة الستة،
وبأصابع خفية مثلما في حلم
لمس قرة عيني..
فانفرجتا مقلتاي النبويتان،
كأنهما عينا نسر مذعور..
وهنا يتخيل بوشكين صورة جبريل بستة أجنحة، أي ثلاثة من كل جانب ولعل بوشكين قد تسلم صورة جبريل من سورة فاطر (الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء أن الله على كل شيء قدير).
وفي رواية لابن مسعود، ان رسول الله رأى جبريل في صورته وله ستمائة جناح منها ما قد سد الأفق.. فهل كان بوشكين على بينه من قول ابن مسعود..؟ ربما فقد كان مصدر بوشكين في التعرف على السيرة النبوية والقرآن الكريم.. الى الترجمة للقرآن وللسيرة النبوية عام 1796 وكتابات المستشرق الروسي بولديريف وكتابه (رحلة محمد الى السماء) وكتاب (حياة محمد) لايرفرينج.
وصورة ظهور جبريل على الرسول وإصابته بالهلع الذي يرسمه الخيال الشعري لبوشكين في صورة (النسر المذعور) اشتقاها من كتب السيرة التي تروي أن رسول الله لما جاءه جبريل وهو في غار حراء، في أول ظهور للوحي، رجع الى زوجته خديجة يرجف فؤاده.. فقال زملوني زملوني أي دثروني..
ثم يصور بوشكين التغيير الذي يحدث مع الرسول بعد أن أوتي النبوة، إذ تكشف أمامه أسرار العالم وما وراء الطبيعة الذي لا يدركه العاديون من البشر وظهور جبريل للرسول يحدثه..
فأصغيت الى رعدة السماء،
وتحليق الملائكة في الأعالي،
وسريان حركة أغوار البحار،
ونمو الكرمة النائية،
ويصور بوشكين النهوض بعبء الرسالة التي بعث من أجلها الرسول والتي سيسرى نورها عبر البحار والأراضي ليخترق لهيبها قلوب الناس..
وناداني صوت الله
انهض، يارسول وابصر..
لب إرادتي
وجب البحار والأراضي
والهب بدعوتك قلوب الناس..
وهذا المقطع مستلهم من معاني الآيات.. (1-3) من سورة المدثر (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ).
وقد اختلف النقاد الروس في تحديد شخصية الرسول المقصود في قصيدة بوشكين الرسول.. فبينما ذهب البعض الى ربط الصورة الشعرية للرسول عند بوشكين بسيرة المسيح عيسى نجد البعض الآخر يؤكد أن النبي المقصود هو الرسول محمد وربما يكون مرجع هذا الاختلاف ظهور إسم أسارافيم محل جبرائيل، وهو الإسم المكلف بأن ينفخ في الصور يوم القيامة..
وفي المسيحية إسم لملائكة التسبيح.. إلا أن بوشكين تأثر بمشهد القيامة التي يصفها القرآن.. وفي ليلة القدر التي ظهر الملاك جبريل للرسول محمد في الصحراء حسب بعض الروايات.
أما القصائد التسع التي يجمعها العنوان (قبسات من القرآن) فتظهر تأثر بوشكين الكبير بالقرآن وبالتراث الروحي للمسلمين.. وعلى قدرة القرآن على عبور آفاق الزمان والمكان والتغلغل في نفوس البشر من غير المسلمين.
فكان القرآن الكريم وحسب المصادر الروسية أول كتاب ديني يدهش خيال الشاعر بوشكين ويقوده الى الدين إلا أن بوشكين وخوفه من القيصر كان يخفي عن أصدقائه ذلك التأثر والانتقال من العلاقة غير الجادة بموضوعات الدين الى العلاقة الجادة به، وما كان يحدث في داخل روحه..
وهناك آراء ووجهات نظر كثيرة من الباحثين والنقاد الروس باهتمام بوشكين بالقرآن الكريم وما أثارته قبسات من القرآن ومحاكاة القرآن من ضجة واسعة في الأوساط الأدبية آنذاك..
ويستهل بوشكين قصيدته (قبسات من القرآن) باقتباس من سورة الضحى..
أقسم بالشفع وبالوتر،
وأقسم بالسيف وبمعركة الحق،
وأقسم بالنجم الصباح،
وأقسم بصلاة العشاء،
لا لم أودعك..
ثم يصور بوشكين خروج الرسول مهاجراً الى المدينة ويؤسس على معاني الآية (40) من سورة التوبة المقطع الثاني من القصيدة الأولى..
يا من في ظل السكينة
دسست رأسه حباً
وأخفيته من المطاردة الحادة
ألست أنا الذي رويتك في يوم قيظ
بحياة الصحارى؟
ألم أهب لسانك
سلطة جبارة على العقول..؟
إحمد إذن وازدري الخداع..
ثم يعود لاستلهام سورة الضحى في ختام القصيدة من الآية/ 9 (وأما اليتيم فلا تقهر..)
أحب اليتامى وقرآني
وبحر المخلوقات المهتزة..
وتعكس القصيدة الثانية تأثر بوشكين بالآيات القرآنية التي تدعو الى آداب الحجاب ونبذ التبرج، والتي تعلي من عفة زوجات الرسول ونزولهن عن الرغبة في التزين والحياة الدنيا مقابل البقاء مع الرسول.. وبخاصة الآيات (32-33) من سورة الأحزاب.
(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)..
*****
وكذلك الآية (53) من سورة الاحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ...).
إن بوشكين يؤسس على هذا المضمون صورته الشعرية في القصيدة على النحو التالي:
أية، يا زوجات الرسول الطاهرات
إنكن تختلفن عن كل الزوجات
فحتى طيف الرذيلة مفزع
لكن
في الظل العذب للسكينة
عشن في عفاف فقد علق بكن
حجاب الشابة العذراء
حافظن على قلوب وفية
من أجل هناء الشرعيين والخجلى
ونظرة الكفار الماكرة
لا تجعلنها تبصر وجوهكن
أما أنتم يا ضيوف محمد
وأنتم تتقاطرون على أمسياته
احذروا فبهرجة الدنيا تكدر رسولنا..
فهو لا يحب الثرثارين
وكلمات غير المتواضعين والفارغين
شرفوا مأدبته في خشوع
وانحنوا في أدب
لزوجاته الشابات المحكومات..")
ولو امعنا النظر بشكل موسع لمفردات النصوص التي تم تناولها من قبل النقاد، لاكتشفنا اننا امام انسان مؤمن مثلما يعتمر قلوبنا الايمان، وانا هنا عندما اثبت رأيي هذا وبهذا الشكل لانني عندما اقرا شعر انسان وما يصدر عنه في ظروف كالتي مر بها وعاشها بوشكين، وما يحيط به منضغوط وتاثيرات كنسية تكاد لاتفرق مسار وجزيئيات حياتهن وبهذا الانثيال والانهمار الوجداني الابداعي الشعري وبصريح المفردة لا بتضمينها او الاشارة اليها، لم يكن بوشكين - وهذا ما اتوقعه في تقديري – خائفا من طروحاتهن والا كيف تم تداول ما صدر عنه من منجز ابداعي في مختلف بقاع العالم، مع العلم انه اطلع على القران الكريم وعلى النصوص التي تخص الاحاديث وبعض التفاسير من اللغة الفرنسية التي كانت لغة القياصرة آنذاك وهي الاكثر شيوعا من الروسية، لحين ظهور انجازات وابداعات بوشكين الذي نادى الى الادب باللغة الروسية، وايده بذلك كثيرون، ومنذ عهد بوشكين بدأت اللغة الروسية بالانتشار الاوسع في التعاملات الثقافية وشيئا فشيئا بدأ نجم الفرنسية بالافول، وهذا الامر تأريخيا يثبت لبوشكين، وعلى لسان كبار الاعلام الروس، يقول الأديب الروسي العالمي دستويفسكي في أعماله الكاملة الآتي :
"كل الكوكبة الحالية من الأدباء تعمل على هدى بوشكين، ولم تصنع الجديد من بعده، فكل البدايات كانت منه، أشار بها علينا، ونحن صنعنا أقل مما أشار به علينا"
وتقول مكارم الغامري لموقع رصيف 22 :
"أن ألكسندر بوشكين يعد شمس الأدب الروسي وبداية البدايات، وأن تأثره بالشرق والإسلام يعود إلى عدة أسباب، منها أنه عاصر فترة ازدهار الاستشراق في روسيا، وأنه قرأ القرآن في ترجمة ميخائيل فيريوفكين 1790م ، ولكن هناك سبب أخر وهو أصول بوشكين الإفريقية والتي كانت دافعاً كبيراً لغوصه في أعماق الشرق."
يذكر أن بوشكين له في الأساس أصول إفريقية، تعود إلى إثيوبيا، وأنّ جد والدته كان يدعى إبراهيم هانيبال، عثر عليه وهو بعمر الـ8 سنوات، وتم اقتياده إلى تركيا ومن هناك اشتراه سفير روسي أهداه إلى القيصر بطرس الأول، واقتناه القيصر على عادة النبلاء في ذلك الوقت ، سرعان ما وضع بطرس الأول ثقته في إبراهيم وكان يوكل إليه الكثير من المهام وأرسله للتدريب العسكري في فرنسا، ثم عاد إلى روسيا ونصّب بمرتبة جنرال في الجيش الروسي، ونال من الأوسمة ما لا يناله الكثير من الروس، وقد تمكن عالم الأنثروبولجي أنوشتين من إثبات هذا النسب في التسعينيات.
كل هذا جعل بوشكين يحنّ إلى الشرق، وتذكر "الغمري":
" أنه خلال إقامة بوشكين في أوديسا توطد العلاقة بينه وبين بحّار مصري يدعى علي، وكان هذا في سنة 1823م، ويذكر بوشكين تلك الفترة بأنها مصدر "المتعة الوحيدة"، ويقول عن علي "من يعرف فربما جدي وجده من أقرب الأقارب " ، تأثر أمير شعراء روسيا بالقرآن والسيرة النبوية بشكل كبير وأخرج للمكتبة الروسية والعالمية قصيدتين الأولى حملت عنوان "محاكاة القرآن" والثانية "الرسول"، فقصيدة محاكاة القرآن كتبت في 1824م والرسول كتبت في 1826م .
تتحدث قصيدة الرسول عن الصعاب التي واجهت نبي الإسلام قبل نشر الدعوة، وهو ما تلامس مع الحس الثوري الذاتي عند بوشكين، ليتناول ما حدث في غار حراء وليلة القدر في صورة شعرية أسقطها على نفسه
فعندما كتب بوشكين عن النبي، إنما كان يرى فيه رسالة عظيمة كالتالي يحملها إلى روسيا، ورأى في صفاته كقائد عسكري ما حمله على الإعجاب به، متلامساً مع سيرة جده إبراهيم هانيبال اليتيم الذي كافح حتى أصبح من أعظم القادة العسكريين في جيش القيصر الروسي
تجدر الإشارة إلي أن دوستويفسكي وقف خلال حفل افتتاح النصب التذكاري لبوشكين في 1880م، وقرأ تلك القصيدة
"بانفعال وتوتر حتى بات من الصعب سماعه "
أما قصيدة "محاكاة القرآن"، فقد حملت الكثير من الجدل بداية من ترجمة عنوان القصيدة مروراً بالترجمة التي استند عليها بوشكين في محاكاته، ففي حديث مع موقع رصيف22، أبدى أستاذ الأدب الروسي، الدكتور محمد الجبالي، اعتراضه على ترجمة عنوان قصيدة بوشكين إلى "قبسات من القرآن" مؤكداً أن الترجمة الحرفية الأدق لها هي "محاكاة القرآن"
وعن هذا تقول مكارم الغمري أنها اختارت في كتابها "مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي"، أن تستخدم عنوان قصيدة بوشكين كـ"قبسات من القرآن"، في حين أكدت أن الترجمة الحرفية هي "محاكاة القرآن"، ولكنها فضلت الترجمة الأولى لأن وقعها خفيف وغير صادم على القارئ.
*****
وعن التركيب البنيوي للقصيدة، فهي مكونة من تسع قصائد غير معنونة اعتمد بوشكين على ترقيمها فقط، وتشير الغمري أن القصائد تم استلهامها من القرآن مباشرة، فكما يشير الدكتور ممدوح أبو لوي،
فعلى سبيل المثال " مؤثرات الادب العربي في ادب بوشكين" استلهم في دراسته بوشكين القصيدة الخامسة من سورة لقمان والقصيدة السادسة من سورة الفتح" والقصيدة التاسعة من "سورة البقرة""
ويسترعي الانتباه أن القصيدة الثانية أعلى فيها بوشكين من قيمة العفة وحشمة المرأة في القرآن، فقد أتى على ذكر الحجاب وآدابه مستنداً إلى "سورة الأحزاب" والنصح بعدم الاتجاه إلى تبرج الجاهلية الأولى، وتشير الغمري، أنّ سبب هذا تجاوبه مع نفور بوشكين من البهرجة والتبرج السائد في طبقته الأرستقراطية، وميله إلى النموذج الإسلامي للعف.
كما يذكر فيكتور بوكاديف أن دوستويفسكي قال جملته الشهيرة عن تلك القصيدة: "ألا نرى فيها كاتباً مسلماً؟ ألا نستشف فيها الروح الحقيقة للقرآن والسيف والعظمة والقوة والإيمان الثابت؟"
وتجري كل عام مراسيم تقليدية لإحياء ذكرى بوشكين بجميع أنحاء البلاد وخارجها، كذكرى يوم ميلاد الشاعر والكاتب البارز، والذي يعتبر يوم اللغة الروسية تجدر الإشارة إلى أن تصنيف بوشكين من قبل العلماء كمؤسس اللغة الأدبية الروسية، لا يعني أنه كان أول كاتب أو شاعر يبدع روايات أو قصائد مثالية بهذه اللغة، بل إن بوشكين بات أول شخص استطاع الاستفادة في مؤلفاته من الفرص الغنية التي توفرها اللغة الروسية، وفي كل كتاب له يختبر بوشكين ليونة اللغة الأدبية الروسية ليرسم حدودها، ولو خسرت هذه اللغة جميع ناطقيها لكان بوسع العلماء إحياؤها استنادا إلى اعمال بوشكين كـ "ابنة الضابط" أو "يفغيني أونيغين" حصرا.
لقد اشغل بوشكين المشهد الثقافي الروسي والاوربي والعربي على حد سواء لنتاجاته المتميزة والعديدة والمتنوعة فمن الرواية الى القصة الى الشعر الى مداخل اخرى بالصوفية والفلسفة وغيرها حيث نشر اول أهم دواوينه الشعريه " رسلان و اودميلا "وعمره 15 عاما .
فى 1820 كتب بوشكين قصيده عنوانها " عن الحريه " و كانت سببا فى لفت نظر السلطات الحاكمه له و كانت النتيجه انه طرد من سانت بطرسبورج فذهب وعاش فى جنوب روسيا لمدة ثلاث سنوات و تعرف على اشعار لورد بيرون لأول مره.
وفى أوديسا بدأ بوشكين اعظم اعماله " يفجنى اونيجن " ( 1823 - 1831 ). لكن بعد سنه اضطر للعيش فى ميخائيلوفسكوى بعد ما وقعت فى ايدي السلطات مراسلات خاصة به و هناك عاش تحت المراقبه.
تقول " ناتاليا سيرغفنا" - متخصصة في الأدب الروسي –
( أن بوشكين ظاهرة لا تتكرر فقد جسد روح الحياة الروسية وهو كان أول من دعا إلى المذهب الواقعي وله الفضل في صياغة اللغة الروسية ففي زمنه كانت اللغة الفرنسية هي لغة القصور والأدب، مما يعني أن بوشكين هو الذي أعاد للروسية كرامتها وأصبحت بفضله لغة جبارة، كما أن مؤلفاته ترجمت إلى كل اللغات العالمية.
وأضافت ناتاليا أن" ليلة القدر" من بين أهم مؤلفات بوشكين والتي كتبها متأثرا بالتراث الإسلامي بعدما قرأ تفسيرا للقرآن الكريم باللغة الفرنسية.
وكان ألكسندر بوشكين من أوائل من ترجم القرآن الكريم إلى اللغة الروسية. ولديه 9 أشعار مستوحاة من بعض السور والآيات القرآنية أطلق عليها اسم "محاكاة القرآن".
ولم تكن مؤلفات بوشكين مجرد موسوعة الحياة الروسية، كما وصف الناقد الأدبي الشهير، "فيساريون بيلينسكي"، رواية "يفغيني أونيغين" الشعرية، بل وموسوعة اللغة الروسية بالدرجة الأولى، وذلك يفسر تخلف بوشكين في شعبيته خارج روسيا عن دوستويفسكي وتولستوي الَّلذين كانا يخلقان نماذج العالم الأكثر تعقيدا من حيث نفسية أبطال قصصهما، غير أن حب القارئ الروسي لبوشكين ما زال مستمرا على مدى عقود مضت منذ وفاته.
وكتب بوشكين في إحدى أشهر قصائده:
"لا سعادة في المعمورة بل الطمأنينة والحرية"،
وهاذان هما الثابتان اللذان كان الكاتب يعول عليهما في إبداعه وسيرته، إذ ميزت بوشكين القدرة الاستثنائية على تفادي الميل إلى أي طرف في الخلافات السياسية والاجتماعية المحتدمة، والتي هزت روسيا في الثلث الأول من القرن التاسع عشر .
ورغم شَعرِه الأجعد وشفتيه الغليظتين وأصوله الحبشية إلا أن ذلك لم يمنع الروسيات من الإعجاب به في زمانه، ولكن قلبه كان مغرما بلا حدود بواحدة من أجمل حسناوات موسكو وهي (ناتاليا جاتشروفا) ولم يأبه بتحذيرات عرافته التي أخبرته أن نهايته ستكون على يد تلك المرأة، ورغم ذلك تزوجها وأنجب منها اربعة أبناء.
ولم تستمر حياته السعيدة مع زوجته طويلا، فقد ضاق البلاط القيصري ذرعا بأشعاره، مما دفع بالقيصر ألكسندر الأول للقول إن بوشكين أغرق روسيا بالأشعار المثيرة والمناهضة التي تحفزها الشبيبة عن ظهر قلب لذلك يجب إيقافها.
ووقع بعد ذلك في شباك مكيدة محكمة دبرت له بترويج شائعات عن ارتباط زوجته بالنبيل الفرنسي (جورج دانتس)، مما جعله يدعوه إلى مبارزة للانتقام لشرفه ولكنه أصيب إصابة مميتة أودت بحياته بعد ثلاثة أيام فقط.
ومما تجدر الاشارة اليه، تم ازاحة الستار عن تمثال شاعر روسيا الكبير "ألكسندر بوشكين"، وذلك بحديقة الحرية أمام دار الأوبرا المصرية. وكان التمثال إهداء من المركز الثقافي الروسي والفنان الدكتور أسامة السروي، صانع التمثال لمحافظة القاهرة.
هذا الذي عرضناه من وجهة نظرنا يدعونا الى ان نثبت مابدأنا به، وهي رؤيتنا الشخصية التي نعتز بها مع حفظ حق الاخرين بابداء الراي وان كان مخالفا..
محبتي..
المصادر:
ويكيبيديا: الشاعر الروسي " الكسندر بوشكين"
ايمان الذياب: ( بوشكين امير شعراء روسيا)
صلاح محمد علي: (الكسندر بوشكين امير شعراء روسيا)
ناتاليا سيرغفنا - متخصصة في الأدب الروسي- بوشكين
نزار سرطاوي: احببتك/بوشكين/
"فيساريون بيلينسكي"، رواية "يفغيني أونيغين" لبوشكين
اماني مغاوري/ بوشكين/ دمعة حب حائرة
مكارم الغمري : مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي ، الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 1991.
حسين علاوي: القران الكريم ملهما للشاعر بوشكين
ناظم الديراوي: القرآن الكريم في الشعر الكلاسيكي الروسي.

تأملات في قصيدة (آناء الليل )... للشاعر الشيخ ستار الزهيري.. بقلم الناقد/ شاكر الخياط



ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏زهرة‏ و‏نبات‏‏‏









الموسيقى كما يعرف المتابعون انها اساس الشعر قديما وحديثا، ولا مفر منها اطلاقا.. ومن يظن ان الكتابة بدون موسيقى ستنتسب الى الشعر وباي من انواعه فهذا وهم، لانه يجانب او يخالف الحقيقة التي اعتدنا عليها والتي لم يستطع الشعراء والمبدعون الافلات منها او التحرر لاي سبب كان، ومن هنا تأتي عظمة الشعر وتقبله من رفضه، فالمتلقي الذي يستسيغ قصيدة ما او مقطعا معينا من قصيدة او حتى من كلام لايقاعه وحسن جرسه فهو يقينا افرز له جانبا من ذائقته عن الكلام العام الذي نتحدث به ويفهمه الناس، ما يجعلني هنا اؤكد على ناحية مهمة في هذه الوقفة التي جعلتني اعيد قراءة هذه القصيدة بتمعن عال، ودقة في التفحص، ليس لان مفرداتها صعبة الفهم، وليس لكونها تحمل بين طياتها خللا لغويا او خروجا عن العروض او فقدانا للموسيقى – لا سمح الله – انما الذي شدني اليها هو الجانب الايقاعي الموسيقي العالي جدا والذي ينم عن اذن صافية وعن موهبة عالية عدا عن الالمام بالعربية كلغة واتقان اشتراطاتها وقواعدها صرفا ونحوا بالنسبة للشاعر، بحيث تجد نفسك كمتلق متابع حصيف انك امام صانع محترف في فهمه للغته التي يتحدث بها وهذا شأنه واهتمامه، عدا عن حيازته لقوة انتقالات تستند على حفظ معمق لعلم العروض، والاوزان و القافية وجوازات الشعر، وكأنه معلم لايقبل لنفسه الخطأ في التعليم، هكذا اجد هذا النص الجميل الذي ركب البحر الكامل زورقا يتمايل ومويجات الفرات وشاطئه الكريم، وقافية اختار لها ان تكون مرفوعة واي رفع هذا الذي ينتهج (رفعين) في ان واحد، هنا عندما نؤكد على الجرس، ونشدد على ان الشعر وبوجود العروض السليم والقافية الجميلة وكل اشتراطات كمال البيت الشعري، لكنه يحتاج بعض الاحيان الى ان ينتبه الشاعر الى الجرس وخصوصا في (الضروب ) فلا يكفي انني التزم مايلزم فقط لكي تكون القصيدة مقبولة وخالية من الخلل، انما هناك شيء ( نقص بسيط ليته اكتمل) مخفي تحت الصحيح الظاهر، وهو الالتزام بجرس القصيدة منذ بدايتها الى الختام، وهذا ماوجدته هنا في هذه الرائعة، ولكي يعرف المتابعون عما نتكلم وما هو الذي نعنيه، التزم الشاعر ما اكده الخليل بكل حيثياته، وهو الاجمل بطبيعة الحال لو ذكرنا تعريف الخليل للقافية :
(القافية من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه - رجوعا - مع الحركة التي قبل الساكن.)
وهذا التعريف الاصطلاحي للقافية يعتبر أجمع الحدود لها؛ لأنه ينتظم جميع العوارض في القافية من حروف وحركات تراعى أحكامها، ومتى اختل شيء مما اقره فسدت القافية. ولا اريد ان اخوض هنا في تفصيلات القافية او شروحات العروض، لكنني اجد لزاما علي ومن باب التذكير ان هذه الموسيقى التي ( رايتها) لاحظ لم اقل سمعتها، لانني كنت اقرا ( نوطة) امتازت بها الابيات منذ المصرع حتى الختام وما شدني اكثر هو حكم (الكامل) هنا الذي اخضع تلك الاذن النغمية ان تلتزم كذلك ألف التأسيس في الروي، وهذا جمال اضاف للقصيدة لمعانا بارقا، والتاسيس كما يعرف العارفون والعالمون بفنون الشعر والقوافي هو أن يلتزم الشاعر ألفا بينها وبين الروي حرف صحيح، وللتوضيح للاخوة القراء الاعزة نقول: قارن بين كلمتي (محمد وباسم) لو وقعتا في القوافي، سوف نرى أن الأولى خالية من التأسيس، والثانية رويها الميم، والألف تأسيس، وبين الروي والألف حرف صحيح، هو السين. هذه من عوامل سلامة الجرس، وبعد ان يسلم الجرس سيكون الايقاع نظيفا، وبعد سلامة الجرس ونظافة الايقاع ستكون لدينا قصيدة مميزة فنيا على صعيد الشعر.. 
في جانب القواعد كانت القصيدة كائنا بدنا معافى التفاصيل، بديع الخلق جميل المواصفات، ومما يحسب للسيد الشاعر ابتداؤه باسم مبتدا صريح واضح، ونحن نعرف ان الابتداء ممكن ان يكون في الاسم او الفعل او الحرف لكن لكل منهم صفته التي تثقل القصيدة فتكون ذات وزن مرتفع، او تخفف من القصيدة فتكون خفيفة في وقعها اذ يعتمد ذلك على البدء وشكله، وهذا لايعني ان الابتداء بغير الاسم هو خطا، ابدا، لكن لكل حدث مايستحقه من حديث، وانا على يقين ان الشاعر مدرك تمام الادراك والوعي للابتداء بالاسم، وماذا يعنيه، لتجده ينطلق مباشرة الى التوازن بين استخدامه للاسم في الابتداء وتلك الانتقالة المفتعلة والمصطنعة والمقصودة في توالي الافعال مباشرة (فَاُمْرُرْ، وَآقْرَأ، نَظَمَتْهُ، وآهزز، تَأْتِيكَ) يالجمال هذه الالتفاتة، ويالبعد الملكة فيما تختزن من عاليات التذوق والذي ينام على ارضية واسس واعية بالشعر وفنونه... في كل بيت من ابيات هذه القصيدة مساحة تختلف عن مساحة البيت الذي يليه، ولهذا استطيع ان اجزم بان الحديث عن هذه القصيدة لن يتوقف اذا شئت، ولهذا ساختصر لكيلا يتهادى الملل الى النفوس ويجبرها على ترك القراءة والاستمتاع بواحدة من جميلات القصائد التي اطلعت عليها شخصيا، لذلك ساترك للقاري ان يتلذذ بهذه الموسيقى الرائعة اضافة الى الموضوعة الاروع ولا استغرب اذا كان الشاعر يلقي بالتحية على ابي القاسم الشابي، في حوارياته مع النفس ومع الذات التي يظنها اقتربت من الشيخوخة بوصولها او عبورها الستين من العمر، وهنا ايضا تحد اخر على صعيد الموضوع، هو الاشارة بالتضمين الى ان الشاعر لازال قويا عوده، شابا فنه، وقد احسن وابدع وكاني به يتماهى مع ( ساعيش رغم الداء والاعداء..) لكنه بمنظور آخر...
ارجو ان اكون قد وفقت في تناول جزء من القصيدة، ونحن هنا في افاق ننتظر من شاعرنا الموقر كل جديد...
النص...
==
اللَّيْلُ أَنبَأنِي بِأَنَّكَ ساهِرُ
فَاُمْرُرْ عَلَى حلْمِي فطَيْفُكَ شاعِرُ
وَآقْرَأ عَلَى جفنٍ السِّنِينَ تَوَجُّعِي
نَظَمَتْهُ شعرَاً فِي الدُّمُوعِ مَحَاجِرُ
وآهززْ جُذُوعاً مِنْ قَصِيدِ مَحَبَّتِي
تَأْتِيكَ مِنْ رُطَبِ المَحَالِ مَشَاعِرُ
أَني آلتماعٌ مِنْ بَوَاطِن مِحْنَتِي
وَعَلَيَّ منْ عُتَمِ السُّرُورِ ظَواهِرُ
ظِلِّي يُشَيِّعُنِي وَيَبْكِي وَحدَتَي
وَأَنَا بَقَايَا مِنْ سِنِينَ تُكَابِر
قَدَماي تَحدُو بَعْضَهاوَتَقُولُ مَهْ
ياحاديَ السِّتينَ حَدْوُكَ جائِرُ
أَسْمُو فَتَجْتَمِعُ الجِهاتُ بِراحَتِي
وَتَجُرُّنِي نَحوَ الشَّتَاتِ عَسَاكِرُ
وَأَمِيْلُ حِيناً لِلغُرُوبِ تَقِيَّةً
وَأَنَا شُرُوقٌ مُسْتَفِيضٌ ساحِرُ
أَكْبُو فَتَنْتَحِبُ النُّجُومُ لِكَبوتي
فأنا وَأَمسي بِالهَزِيمَةِ ظَافِرُ
لَا الصُّبْحُ يَتْرُكُني على وَتَرِ الدُّجَى
نَغْماً وَلَا لَيْلي جَلاهُ مُسَافِرُ
قَل لِي وَقَدْ طَرَقَ المنونُ نَوافِذِي
وَأَنَا عَلَى بَابِ التَّلَاقِي حائِرُ
ماذا سينفعُني حُطَامُ مَشَاعِرِي
لوْ قِيلَ أنّي في المَحَافِلِ شَاعِرُ
أَوْ يَسْتَفِيقُ الدَّرْبُ يَبْكِي فرقةً
وَقَدْ آنتضتْ قَلبَ الطَّرِيقِ مَعابِرُ
نُصفي مِن الأَلَمِ المُمِضِّ مُكَوِّنٌ
وَبِصَوْتِ مَوْجِ البَحْرِ نِصفٌ آخَرُ
لَكِنَّنِي رَغْمَ النوازلِ دَاخِلِي
نَهَشَتْ، كَمَا نَهَشَ الغَريرَ كواسِرُ
جُرْحِي عَنِيدٌ لَا يُهَادِنُ شَفْرَةً
أَوْ يَسْتَكِينُ إِذَا هَجَتْهُ مَحابِرُ
يَا قَلْبِيَ المَصْلُوبُ فَوْقَ رَحِيلِهِ
وَمُقَيَّدٌ صُبَّتْ عَلَيْهِ مَجامِرُ
إِنْ كُنْتَ مِنْ أَلَقِ البُزُوغِ مُتَوَّجاً
فَقَد ٱحتَوَتْكَ مِنْ المغيبِ مَقابِرُ
إني وإن مَلأَ الرحيلُ حَقائِبي
فكأني في نظرِ الطريقِ مُهاجرُ
ستَقودُني جهةَ الغَمامِ كرائِمٌ
وتُعيدُني جذرَ الحياةِ مَآثِرُ
إنْ ساقني سَوطُ المنيةِ ضاحِكاً
تبكي على نعيِ الحُسَينِ مَنابِرُ
أو جَرَّنيْ ظَمأُ الحَنِينِ لِغَيْبَةٍ
لَطَمَ الْفُرَّاتَ عَلى خدودِهِ جائِرُ
أَو يَبكي دِجْلَةَ مِنْ عُيُونِ نَخِيلِه
وَتُعاتبُ الشُّطْآنَ فيه قَنَابِرُ