السبت، 17 أغسطس 2019

الذات المحاصرة،،والاغتراب قراءة في نص الشاعرة ( سعاد محمد ) / تذكرة بلا عنوان بقلم الروائي الناقد جمال قيسي

تمهيد متسارع
لمطالعة الناقد القيسي Jamal Kyse
على احد نصوص الشاعرة سعاد محمد: 
"""""“""""""""'""'"'''''''''""""""'"""""""'''"""""""'""""""
كنت قد نويت الوقوف المطول مع انساق وسياقات شاعرة النثر الشامية المهمة سعاد محمد كمبدعة تستحق منا الكثير من الاحترام وحسن المتابعة كونها اديبة ذات منهجية بالغة الخصوصية شكلًا في جانب ،وعميقة المداليل مضمونًا في جانب آخر..ولكنني عثرت قبل قليل على دراسة ذات منحى نقدي رائع للاستاذ JamalKyse يجمع خلالها بين الاكاديمي والحداثي في بوتقة واحدة ،ولقد اصاب في هذا الاختيار كثيرًا مع معرفته بمديات الجهد الكبير الذي يستدعيه مثل هذا الاختيار المتشعب الواسع النطاق..
ولأنني وجدت في دراسته الرفيعة تلك اهم المحاور التي طالما اثارت انتباهي في منجز هذه الشاعرة بما لامزيد عليه ،فقد احسست عميقا انها تغني وتكفي لانها وضعت النقاط على الحروف،بحرفنة واقتدار..
الواقع ان الشاعرة سعاد محمد ذات خصوصية لافتة جدا على مستوى المباني على وجه الخصوص في ناحية جديرة بالبحث والمدارسة،ولكنها حين انتقلت باداتها التعبيرية الى مراقٍ عالية بالافادة الجمالية فليس بقصد الاستعراض التعبيري ابدا،وانما بقصد توسعة اهاب وافاق الاداة التعبيرية ذاتها بحيث تتسع لأعمق المحمولات العصرية افادة معنوية فكرا وحدثا..
ومن الجدير بالاشارة - وتلك رائعتها الفارهة-انها تنطلق في منهجيتها تلك من الجذور التعبيرية العميقة للموروث الحي بأصالة بارعة فارعة..فهي حين توظف علوم البلاغة العربية الاصيلة من:
* معانٍ..
* وبيانٍ
*وبديع..
بشكل فخم وصقيل معا،فإنها قد وصلت بها الى مرحلة بالغة الرشاقة ،بعيدة تماما عن الترهلات او الحشو التعبيري الزائد ..لغة سعاد ليست مغامرة تهويمية باحثة عن المعاني ،كلا،وانما تنطلق من ملكة عامرة ومخزون ثر ينهمر بتلقائية بليغة تعبيرا عن المعاني الجاهزة اصلا..اعني ان جهوزية المضامين وتبلور الاحداث في ذهن المبدع.. ة،كفيل بعد ماذكرناه عن بلوغ الاداة التعبيرية مبالغ النضج والرسوخ ،بصياغة المبنى الابداعي المكتنز..
هناك رسالة تحملها هذه المبدعةالاصيلة اذن..انها رسالة تقصد من خلالها بوعي فطين اثبات ان السياق العربي الضارب في اعماق الموروث قادر بمرونة عالية على التعامل الحيوي مع اخر الحداثات الرؤيوية والفكرية المتداولة في اخر لحظات هذا الزمن المحتشد بالغرابة..
هذا الامر بالذات من اهم المحاور التي يمكن استلهامها من خلال المتابعة المتفرسة معا في بحث اخي وزميلي وصديقي الناقد الفذ " ابو سرى"العزيز..
انها رحلة نقدية واسعة وعميقة في ان واحد.. تقبلا خالص مودتي واحترامي والسلام..
* * *
دراسة الاستاذ القيسي مع التقدير: 


الذات المحاصرة،،والاغتراب
قراءة في نص الشاعرة ( سعاد محمد ) / تذكرة بلا عنوان !
- 1 -

اين انت ؟ ،،لا تشعر بشيء،،مروق بحلم،،او ربما. انت في صالة سينما ،،ومع ان البطل والمخرج وكاتب السيناريو ،،والكادر كله شخص واحد،،انه ( سعاد محمد ) ومع ذلك ،،يشدك العرض من أوله ،،وتتمنى ان لاينتهي،،
في هذا النص ،،كما غيره للشاعرة ،،تتبوأ على يديها القصيدة النثرية مكانة مهمة،،
منذ البدء تحاول ان تضعنا الشاعرة،،في عالم المجاهيل،،او هكذا تقول ( تذكرة بلا عنوان ) ،،
نعم هي محقة،،تقطع لك تذكرة لمشاهدة عرضها السيمي ،،ابعاد المكان تستشعرها،،فقط. تستشعرها،،ولكنك في هيولي ،،وفضاء بلا حدود،،انه العالم الكوني بكل مجراته ،،التي تسبح في فضاء ( سعاد محمد ) المترامي الأطراف القصية ،،ومع كل هذه السعة هناك إرادة قوية لروحها التي تكسب الحياة لكل موجوداته ،،تتحكم في بصيرتك ،،لتلقنك المشهد بعد المشهد،،في عملية انزياح بزخم كبير،،ومع فداحة المشهد،،هناك إحاطة بظلال الحياة ،،
تستنطق الأشياء ،،فهذا ليل تخرسه،،انه لايبسمل ،،لكنه يمتلك الوعي وقادر على النطق،،لكنه يخرس،،بأمر من سيدته،،
بشكل خاص اريد ان ألفت الانتباه ،،الى الزخم الانزياحي ،،المتمثل بالدينامية الشاعرية ( البوطيقية ) ،،في مشروع ( سعاد محمد ) ،،ربما نركز على الشكل،،لتاخذنا المهمة الى المضمون ،،مع ان الرسالة ،،في غاية البساطة وهي تضارب المشاعر المتقاطعة مع العمر،،ومتطلباتها العاطفية الطبيعية ،،ويبدو انها مرت بتجربة حياتية مريرة،،،تركت بصمتها عليها بشكل حاد لتخلق لديها عتبة تشككية،،تجاه اي تجربة ممكنة لاحقًا ،،لنعود الى الزخم الانزياحي او فائض المعنى ،،المتمثل بالصور والمشاهد العميقة ،،التي تبدع فيها الشاعرة ايما ابداع،،
( مهرّجٌ ضريرُ الطّالعِ,وجدَ نفسَهُ في مأتمْ )
استبدلت الشاعرة بكفاءة ،،كلمة سيّء. ب ضرير بإزاحة رشيقة ،، فعبارة سيّء الطالع ،،مرتبطة بقضية الحظ،،اما ضرير الطالع ،،تحيلها الى قضية قدرية ،،والى خيار محتوم سلفًا،،لم تتوفر لدى المهرج فرصة،،ولازالت العبارة محملة بالكثير ،،من الإحالة ،،هي تصف نفسها كأنسان ،،بالمهرج،،والمهرج كدور. مسرحي،،يحمل وجهين،،الاول هو جلب المسرّات. للجمهور،،هي وظيفته ،،والوجه الثاني ،،انسان يتلوى وَجَعًا ،،في عمقه النفسي ،،اذًا في نهاية المطاف المهرج قدره يفقده حتى وظيفته التي يجب ان يمارسها،،
هذا الوعي المكثف ،،للشاعرة،،مع انفتاح صوري ،،تستوجب الوقوف طويلًا عند هذه التجربة الخلاقة ،،
تنتقل الشاعرة في زخم صوري اخر،،أوسع ،،خارج ذاتها ،،عندما تصف
نجومٌ.. نجومْ
تستعجلُ اللّيلَ لتموتَ..
مكتومةَ النّفوسِ, بإيعازٍ من حكمةِ الشّمسْ!
أوّلُ نجمةٍ تتفتّحُ على شفاهِ السّماءِ:
دعائي لكَ
وآخرُ اللّواتي ينفضُهنّ اللّيلُ عن طربوشِه:
دعائي عليكْ!
يا الله..
أكلُّ هاتين العينينِ لكَ
وروحي المهجّرةٌ تنوحُ على وطنْ؟!
يا ويلْكَ من دعاءِ المساكينْ!
هي تصف الرغبات بالنجوم ،،تتلألأ ،،لكن حكمة الشمس اي العرف والمجتمع وربما الاعتداد بالنفس ،،هي عوامل قمع ،،لهذه الرغبات التي تستطع ،،لكن ليلها سريع،،فأشعة. الشمس،،اي الواقع،،تبدد هذه الرغبات،،
في سمائها الافتراضية ،،في لحظات الشروع اندفاع وميل للرغبات مصحوب بدعاء ،،لمن تخاطبه،،طبعًا الامر كله يتم في عالمها الذي خلقته ،،وعند الأفول ،،تسير الامور بشكل مخالف ،،
وفي اجمل تعبير،،قرأته لحد اللحظة في توصيف الاغتراب ،،بعبارة ،،متساوقة الإنساق مع كل معاناة الانسان في هذا الرواق ،،الشرق أوسطي ،،( روحي المهجرة تنوح على وطن ) ،،اغتراب ،،ولوعة وعي ،،وأوطان. أصبحت في مهب الريح ،،اشبه بالشعور لحظات الاحتضار ،،نعم احتضار الشرق وعوالمه ،،
- 2 -
أقفُ خلفَ زجاجِ التّمنّي
أتشهّاكَ
رجلاً من حلوى الأساطيرِ
وجوارحي أطفالٌ على نيّة عيدْ
فوّضْتُ لكَ قلبي
فإن جنحْتَ للشّوقِ..
فلكَ ما تؤوي غاباتُ دمي غنائمَ
وإنْ لا, ولنْ..
فقلْ: كفّنُوها,
على تلكَ البنتِ اليباسْ!
في هذا المقطع ،،اعترف بارتباكي ،،وإعادة النظر بالافتراضات ،،التي كونتها عن حركة العصر،،وتخطي المعلوماتية لكل ،،ماعهدناه ،،من ثوابت،،لم أتوقع ان تستوعب العبارات الدارجة التي ألفناها له ،،و ان تغطي ما يجري ،،لكن ( سعاد محمد ) اثبتت العكس،،في الدينامية اللفظية،،
( أقف خلف زجاج التمني
اتشهاك )
هي انسان في لحظات تغريب. حرجة امام عالم افتراضي ،،( زجاج التمني ) ،،ما أعمقها من عبارة في وصف الألواح الذكية ،،نعم العالم الافتراضي ،،هو واقع مفرط في قاموس علم الاجتماع ،،لكن التوصيف ألاكسومي ،،هذا لم يتناول،،ما يجري في الذات المراقبة ،،وهنا ( سعاد محمد ) ،،تفصح عن ما يجري في الذات المراقبة،،بالكلمة الشاعرية ( اتشهاك ) ،،تطرقت الى الامر ،،وازمة العصر بجملة بسيطة وعميقة ،،وهذا المحور تناوله بول ريكور في كتابه الشائك ( الذات عينها كآخر ) ،،
بشكل عام تناولت ،،( الذات - الموضوع - الآخر ) هذه الاشكالية الفلسفية ( عندما نقول فلسفية ،اي انها ضمن دائرة السؤال الوجودي ) وتناولت اكبر معضلة تعرض لها الانسان الا وهي قضية التغريب،،
لكن برأي ان اهم ما تناولته ( سعاد محمد ) هي الانا المحاصرة ،،اي الذات برهونية الآخر. الافتراضي في نزعة. تمثلية غير متحققة. وطبيعة المشاعر التي تعتمل الانسان وبالتحديد. المرأة الشرقية تجاه ما يجري،،في هذا الزمن المعلوماتي ،،الذي تمثل فيه التواصلية ( كل وسائل الولوج الى عالم النت ) ،،شيء اشبه بالثقب الاسود ،،في حين تقف الذات حائرة في عالم تغريبي متضخم ،،نوع من التحطيم،،
الذات ،،او الانا الأنثوية ،،وما تمثله من فائض الحياة ،،عندما تكون محاصرة ،،يعني ان الحياة محاصرة ، فبين ( إن لا ، ولنْ) المتشككة ومن ثم الجازمة ،،سيرورة الوعي تمارس جلد الذات،،وعدمية لكنها مغلفة بزخرفة ،،ومرافقة لبهرجة افتراضية ( اتشهاك رجلا من حلوى الأساطير )
- 3 -
إنْ جئْتَ للحقّْ..
أنا لسْتُ على علاقةٍ طيّبةٍ مع الحبِّ
أشتُمُهُ, حينَ يوجعُني:
بأنَّه وغدٌ كبيرٌ من عائلةِ الوهمِ
فيردُّ:
بأنّي أجبنُ من شطٍّ
سبّاحةٌ بميداليةٍ من رملْ
ثمَّ نتصالحُ ونترافقُ
كالنّومِ والحذرْ!
ناهيكَ عن أنَّ..
أزهارَ جسدي قاطعَتِ المطرَ
يدُهُ مشاعٌ ينقرُ منها رزقَهُ حتّى الحجرْ
لهذا وذاكْ..
قلبي الّذي لمِ يتعلّمِ المشيَ
حين يهلُّ اسمُكَ
يحملُ كراماتِهِ, ويفرُّ كطريدةْ!
في المقطع الأخير ،،تخلق ( سعاد محمد ) دوامة حوارية ،،متعددة ،،فهي تارة تتحاور مع نفسها،،واُخرى مع الاخر ،،وفي مجمل الامر النص معبأ بالصور الجميلة،،
الحقيقة انها تذكرة بعناوين شتى ،،لك ان تختار او تحدد العنوان ،،
مثل هذا النص لا تسعفك الحياة بقراءة مايشبهه ،،الا نادرًا
جمال قيسي / بغداد
تذكرةٌ بلا عنوانْ!
ليلٌ لا يبسملُ على مشارفِ أشيائِكَ
مهرّجٌ ضريرُ الطّالعِ,وجدَ نفسَهُ في مأتمْ
نجومٌ.. نجومْ
تستعجلُ اللّيلَ لتموتَ..
مكتومةَ النّفوسِ, بإيعازٍ من حكمةِ الشّمسْ!
أوّلُ نجمةٍ تتفتّحُ على شفاهِ السّماءِ:
دعائي لكَ
وآخرُ اللّواتي ينفضُهنّ اللّيلُ عن طربوشِه:
دعائي عليكْ!
يا الله..
أكلُّ هاتين العينينِ لكَ
وروحي المهجّرةٌ تنوحُ على وطنْ؟!
يا ويلْكَ من دعاءِ المساكينْ!..
أقفُ خلفَ زجاجِ التّمنّي
أتشهّاكَ
رجلاً من حلوى الأساطيرِ
وجوارحي أطفالٌ على نيّة عيدْ
فوّضْتُ لكَ قلبي
فإن جنحْتَ للشّوقِ..
فلكَ ما تؤوي غاباتُ دمي غنائمَ
وإنْ لا, ولنْ..
فقلْ: كفّنُوها,
على تلكَ البنتِ اليباسْ!
إنْ جئْتَ للحقّْ..
أنا لسْتُ على علاقةٍ طيّبةٍ مع الحبِّ
أشتُمُهُ, حينَ يوجعُني:
بأنَّه وغدٌ كبيرٌ من عائلةِ الوهمِ
فيردُّ:
بأنّي أجبنُ من شطٍّ
سبّاحةٌ بميداليةٍ من رملْ
ثمَّ نتصالحُ ونترافقُ
كالنّومِ والحذرْ!
ناهيكَ عن أنَّ..
أزهارَ جسدي قاطعَتِ المطرَ
يدُهُ مشاعٌ ينقرُ منها رزقَهُ حتّى الحجرْ
لهذا وذاكْ..
قلبي الّذي لمِ يتعلّمِ المشيَ
حين يهلُّ اسمُكَ
يحملُ كراماتِهِ, ويفرُّ كطريدةْ!
سعاد محمد





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق