السبت، 18 أغسطس 2018

مقطع من رواية يوميات اسماعيل / بقلم الروائي جمال قيسي

على مرمى نظرة او اكثر قليلاً ، تجلسك الحياة القرفصاء،،في فضاء ليس اي فضاء،،انه عالم الاوهام المشبوبة بالتمني ،،انه العمق،،في داخلك،،تحسب انك بمأمن ؟ ،،بالتأكيد لا ،،
فأنت على مرمى حجر او اكثر قليلًا ،،في الواقع،،من أي سوء،،
يمرق الهؤلاء حولك،،يبرق هنا ضوء،،ويضج صوت،،هناك،،شريط من الصور الغير منتظمة،،على الرصيف المقابل ترى معنى اخر للحياة تحسبها فوضى ،،لكن لكل شيء نظام،،والبؤس أشد الأنظمة. أحكامًا ،،وأشد مايقتلني هؤلاء المتشبثين بالحياة رغم كل الذل الذي يتعرضون له ،،ان ترضى بالقليل الذي لايسد الرمق،،عندها ستبخل عليك الحياة بالعطاء،،وربما حتى الاله سيزيح عن ضميره اللوم ،،يوم بلا غد،،انه الأخير ،،حتى وان تعديت الى يوم اخر،،فأنت ستحل فيه بلا زمن ،،اذًا نحن نعيش ازمة الغد، الذي لا يأتي ،،عالقون في مأزق زمني،،
- ياه ،،اسماعيل ،،انت مغرق في السوء
كانت نهايات الأعمدة الاسمنتية ،،مشوهة بسبب تقشر الصبغ الرصاصي الفاتح ،،لتفصح عن طبقات صبغية داكنة متراكمة على مر الأوقات ،،وحافات متكسرة،،وآثار الحرائق الصغيرة التي يحدثها باعة الأطعمة. العطنة ،،التي تتكون موادها من الاحشاء. الداخلية للأبقار والأغنام ،،وبطبيعة الحال هي بواقي نافدة ،،مجرد ان تتخطى هؤلاء الباعة يكون مصيرها مكب النفايات،،وهؤلاء الباعة يقومون بدور تاريخي اذ هم يقومون بعملية تدوير ،،لكنها استقلابية ،،فبدل ان يتم حرق هذه البواقي النفايات ،،في محارق خاصة،،يحولها هؤلاء الى المحارق التي تكمن في بُطُون هؤلاء الناس العالقين ،،في هذا الزمن الصفري المرتبة ،،
الكل نفايات تاريخية في هذا الحيّز ،،مسؤولين رجال دين،،تجار ،،نساء،،إدعاءات أيديولوجية ،،ربما فقط الأطفال ،،ولكن سرعان ما ستجرفهم الدوامة،،
لكن اكثر ما يقرف هذا الفائض الهرموني المعطل الذي يعتمر الجميع ،،حياة يقودها تبجحًا اصحاب الهرمونات النافدة واقعا،،ماذا تنتظر منها ؟
- انه الزمن يا اسماعيل،،والكل منا لا يعيش زمنه،،
هل عرفت الان السر الحلزوني لحركة التاريخ ؟ انه الهرمون والزمن ،،وكلاهما لدينا ،،معطوب ساعاتنا منتشية لدرجة ان عقاربها كل يسير باتجاه معاكس للآخر ،،
في الجهة الثانية للرصيف تتربع سيارة دورية الشرطة الزرقاء اللون،،بفقاعة ،،وأفرادها بكروشهم المتدلية التي تريد ان تتحرر من الأزرار للبدلات. المرقطة متدلية حتى من وجوههم ،،أشبه بمخلوقات بوتيرو * ،،عندها فقط تدرك انك باي عالم تعيش،،او باي موت انت متموضع
انتزع قنينة ماء،،وأفرغها في جوفه حتى أخر قطرة،،ودعك البلاستيك على شكل كرة مرددًا ( " ذهب الظمأ وابتلت العروق. " لكن من يروي ظمأ الأشواق ومن يجلي صدأ قلبي البشري )
يتقافز المارة الهزال ،،بين الأعمدة. اشبه بالحركة النبضية الزنبلكية ،،الفارق شاسع بين الشرطي والمواطن،،( أظن ان المواطنين شُمِلوا ب " فَعِدَّة من ايام اخر " لكن تبين ان هناك دين برقبتهم من قبل ان يولدوا ،،الصوم عافية،،والجوع زاد الخديعة ،
قرب سلم ضيق ،،لبناية متهالكة ،، و لاتعرف الى اين يؤدي هذا السلم،،الى السماء او الى عمق الارض،،او ربما تعتليه الارواح الهاربة من هذا الرواق ،،اتخذ منه " فتية آمنوا. بربهم " لكنهم. بدون. هدى. قادمون ،،من بؤس اخر ،،لبيع الشاي ،،توقف لاحتساء قدح او اثنين انه نبيذ كلكامش كما يحلو له ان يطلق عليه ،،مع سيكارة،،هكذا الامر يكون التاريخ مجرد هراء وليس. اكثر. من ذبابة " ضعف الطالب والمطلوب "
راوده في الامس صوت الاستاذ سلام. ثانية مما قض مضجعه وادخله في مسرب أرق ،،وأشد مايزعجه من الامر تكرار العبارة ذاتها " ستكون اذًا اسماعيل " وفي العادة سيكون يومه التالي متعبًا،،لانه سيفقد الحيوية ،،
جمال قيسي / بغداد
مقطع من رواية يوميات اسماعيل
* فرديناند بوتيرو،،رسّام كولمبي يعمل على تضخيم الشخوص في لوحاته



( ماهر الامين بين قمة الحرف والقمة العربية ) بقلم /الاديب كريم القاسم


( ماهر الامين بين قمة الحرف والقمة العربية )
نظرة تحليلية نقدية خاطفة في قصيدة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هكذا يكون القلم الرصين كالينبوع الثر والمداد الازهر ، يعانق مايحيط به من آلام روح وعذاب جسد ، ويتحسس نبض الآه وكأنه قد اشترك بذات القلب .
أمامي نصّ شعري يشدّني اليه ، حتى اتفرس في خلجاته ، وانثر بعض مافيه من جمال المفردة وذكاء اختيارها ، وقد نظمها الشاعر ماهرالامين بـ (22) بيتا ً على عدد الدول العربيه و زادها بيتا واحدا ً ، ولا ادري ان كانت مصادفة ام قصد .
• بما ان القصيدة من النظم القريض ، فلابد من دراسة مطلعها ومقطعها ومسك ختامها ، فهكذا نسج يحتاج الى رعاية ودراية ، وليس ذلك ببعيد عن خاطر (ماهر) ، فلقد تَقيَّدَ بالاصول والافتتاحيات ، حيث بدأ النص ببيتٍ يَئن غراما ، مستخدما صيغة السؤال (من ابكاك ياقمرُ) . والقاريء والسامع لهذه الموسيقى ، يتحسس بدفء العلاقه ، معجونة بإناقة اللفظ ، مستخدما هذه القافيه التي تغرد موسيقى تناسب القصد والمعنى .
• لقد استخدم الشاعر حرف الروي (الراء) وهو من حروف (الذلاقة) . ومن خصائص هذا الحرف قدرته على الانطلاق من دون تعثر في التلفظ ، ولمرونة وسهولة النطق به كثر إستعماله ، لكونه مُستساغ لدى الاذن السامعه ، ولأنه من الأصوات المجهورة . ولولا هذه الدقة في الإختيارات لفقدت اللغة اهم عنصر فيها وهوالتنغيم والموسيقى ورنينها الخاص الذي يُمَيَز به الكلام من الصمت .
• هذا الحال يفسر لنا وجود تآلف بين هذه الأصوات وطبيعة التكوين الشعري، وارتباطها بالفاصلة الموسيقية للقافية المتمازجة والمتجانسة مع نفسية الشاعر وذاتيته وهو يعزف على انغام بنائه الموسيقي في الموضوعات التي تحتاج الى المعاناة والرثاء والعتاب وغيرها من المعاناة النفسيه التي تعتصر الوجدان والذات ، والتي تحتاج إلى النغم والرنين العاليين لتشكيل وحدة موسيقية شعرية يتوقع السامع تكرارها ، كي تحقق التأثير النفسي المطلوب لدى السامع .
• قد أدخل (الشاعر ماهر الأمين ) مفردات لاتخلو من النباهة والدقة الفطرية ، حيث جعل ( القمر ) هو الانطلاقة لما يأتي بعده من معاني واختيار مفردات ، كما في مطلع القصيدة عند بيتها الأول :
" نديمها وحبيـــــب الروح قد خبروا ..... لله أمـــــــــــــــرك من أبكاك يا قمرُ "

ثم يربط هذا المطلع ببيتٍ شعريٍ آخرمُبيناً اسباب السؤال والتساؤل :
" الطامعون فكم في كرْمها طمعوا .... الغادرون فكـــــم يا شهم قد غدروا "
بعدها يدخل دخولا رشيقا أنيقا ــ يمزج بين التغزّل والمرام وبما تفوح به الخواطر والشجون ــ الى عرض مدهش وجريء ومفتوح القصد ، خال من الرمزيات ، كعرضه لمفرداتٍ سنبينها خلال استعراضنا للتحليل والنقد ، ولكون الحدث ( انعقاد القمة العربية) فهو لايحتاج الى رمزية وإيحاءات وإشارات بل كشف حقائق وبديهيات بعيدة عن الفرضيات والتأويل ، وهذا الذي جعلني أقرُّ بقوة النص وصدقه .
• في مثل هذا النظم ولهكذا مَقصَد ، تأتي الطاقة التفجيرية للخيال الخصب ، بحسب مايحمل الناظم من حُبٍ وايثار وانغماس روحي وفكري في الارض والوطن. فالمدقق والمتفحص للنص ، يجد الشاعر قد جعل الأمة وقادتها ، امام سؤال وعهد قد نسوه وتناسوا الاجابة عليه ، فلم يستخدم الاسم الصريح لـ (فلسطين ) ، بل استخدم الاستعارة الوصفيه ( ابناء العناقيد والزيتون) وهذا ابداع في الاختيار اللفظي والذي يتناسب مع المعنى ، وقد كررها مرتين ، فمرة في البيت السادس عشر :
" ابن العناقيد والزيتون تسألهم .... عن العهود وعن ميثاق مَن خفروا "
ومرة في الخاتمة للدلاله على روح المعنى :
" ابن العناقيد والزيتون قلْ لهمُ .... إن العداوة لا تبقي ولا تذرُ "
• عنوان القصيدة (تحت الحصار) ابتدأ بظرف المكان (تحت) والمراد مه التذكار والتذكير . وأما حدث التجمع العربي ، فلا يختلف اثنان على عدم جديته في اتخاذ القرار ، او الاصطفاف نحو هدف واحد صحيح . إذا ً لابد من نزوع الناظم الى ثورة في المفرده والابتعاد عن مفردات المداهنة التي تضع النص في خانة النصوص الركيكة المجامِلة .
• لو تأملنا هذا الكم الغزير من حروف (النهي والنفي) التي أدخلها الشاعر في جسد النص والتي قاربت على نصف عدد الابيات ، لوجدنا صدق المشاعر وقوة السبك في النظم :
( ولا يبدو ـ ولا خروج ـ ولا أبواب ـ وليس يحنو ـ وليس يمسح ـ فلا حياء ـ ليس بالإمكان ـ ولا مفر ـ فلا وربك ـ لا زيد ـ ولا عُمَرُ ـ ولا يفيدك ـ لا تبقي ـ لا تذرُ )
• ثم يميل ميلة قاسية على الاعلام العربي فيشبعه ألفاظاً تناسب مقام هذا المنبر الخادع ، فزرعَ في حقل النص مفردتين (كذبٌ ـ يفـــــــــري ) كما في البيت الخامس :
" تحت الحصار وفي إعلامنا كذبٌ .... يفـــــــــري عليك ولا يبدو له نظرُ "
وتساؤلين (أين الحقيقةُ ـ أين السبقُ والخَبَرُ) كما في البيت الثاني عشر :
" أين الحقيقةُ يا إعلام أمّتنا .... ممــــــا يصيرُ وأين السبقُ والخَبَرُ "
ليجسد بهذا العرض التساؤلي حقيقة الماكنة الإعلامية العربية وهشاشة تركيبتها ووضوح تبعيتها .
• بعدها يستعرض الشاعر الحال العربي ــ بقياداته البوهيمية اللامبالية ــ بمفردات ظاهرها العتب وباطنها الغضب (الطامعون ـ الغادرون ـ سفّاح ـ تخذل ـ غيظاً ـ شررُ ـ تسويف ـ مكر ـ الخلاف ـ سُعُرُ ـ تهديد ـ ضجروا ـ وتعنيهم مصالحهم ـ العداوة ) حيث اكمل الوصف ، وعَيَّنَ سِمات الحاكم الحالي.
• ثم بين حال الشعب العربي والحال الفلسطيني تحت وطأة الحاكم وغطرسته ، فغرد بمفردات ٍ وجمل ٍملؤها آهات وآهات (من ابكاك ـ ودمع العين ينهمرُ ـ وليس يحنوعلى الأطفال ـ وليس يمسح هذا الدمع ـ تشكو إلى الله ـ تخشى على نفسها ـ وفينا غير مكترثٍ ـ وفينا الخائف الحذِرُ ـ ولا مفر من الإذعان ـ مكرٌ أُريد بنا ) ومثل هكذا عرض يجعل الهدف واضحاً للقاريء والسامع ، حيث استطاع الناظم من ربط الافكار ببعضعها بتناغم وانسجام ، بحيث لايتيه اللب او يضجر الفؤاد .
ايها الماهر الامين :
قد ابلغت في الوصف والنصح والايماء ، واجدت الرصف والسبك ، حتى جاءت قصيدتك قطعة مفعمة بالمتانة والقوة والهندسة اللفظية المحكمة .
تقديري الكبير ..........
القصيدة /
إهداء إلى القمة العربية:
( تحت الحصار)
الشاعر / ماهر الامين
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- نديمها وحبيـــــب الروح قد خبروا
لله أمـــــــــــــــرك من أبكاك يا قمرُ
2- الطامعون فكم في كرْمها طمعوا
الغادرون فكـــــم يا شهم قد غدروا
3- يا أجمل الناس يا ريّان أفئدةٍ
لك الدعــــــــــاء ودمع العين ينهمرُ
4- أجْلَى كما الصبح إي أجْلَى بأعيننا
ولو تشقّق هـــــــذا الوجه أو غبروا
5- تحت الحصار وفي إعلامنا كذبٌ
يفـــــــــري عليك ولا يبدو له نظرُ
6- ولا خروج ولا أبواب تفتحها
وليس يحنو على الأطفال من قدروا
7- وليس يمسح هذا الدمع من مقلٍ
تشكو إلى الله ما سوّى بها البشرُ
8- تحت الحصار يصلي ناسك وجِلا
فلا مروءة من سفّاح تُنتظرُ
9- تخشى على نفسها منهم مُصَلِّيةٌ
فلا حياء بعين الجُند إن نظروا
10- تحت الحصار وفينا غير مكترثٍ
بما يدور وفينا الخائف الحذِرُ
11- يقول أن ليس بالإمكان من عملٍ
ولا مفر من الإذعان ذا قدرُ
12- أين الحقيقةُ يا إعلام أمّتنا
ممــــــا يصيرُ وأين السبقُ والخَبَرُ
13- عمن تُخَذِّلُ والأفعال تفضحهم
وهــــذه الأرضُ والأوراقُ والشَجَرُ
14- عمّن تخذّل قد عضوا أناملهم
غيظا علينا وفي أبصارهم شررُ
15- هي السياسة والتسويف في نسَقٍ
مكرٌ أُريد بنا يا ويل من مكروا
16- ابن العناقيد والزيتون تسألهم
عن العهود وعن ميثاق من خفروا
17-عن المجالس يأتوها مصنّجةً
تُعنى بأمرك هل يبقى لها أثرُ
18-أرهف سماعك با ابن العم قد وضحت
دبّ الخلاف وقامت بينهم سُعُرُ
19- هو البيان ولاءات مدوّية
وإن يزيدوا فتهديد ومؤتمرُ
20- كل أعد خطابا لا يعدّله
وإن سألت وماذا بعْدهُ ضجروا
21- هم الملوك وتعنيهم مصالحهم
فلا وربك لا زيد ولا عُمَرُ
22- ولا يفيدك أن البعض يحزنه
هذا الحصار ولاموا فيك واعتذروا
23- ابن العناقيد والزيتون قل لهمُ
إن العداوة لا تبقي ولا تذرُ
.............................................
ملاحظة /
كان بودي الاسهاب في التحليل ، لكن هذا ما اعانني عليه عصب يدي . وقد تعمدتُ الشرح التوضويح لبعض الجوانب كي يستفيد منها القاريء . وابتعدت عن الشرح للمعنى كي لايزيغ النقد عن موضعه وقصده 


رسالة الى رفيق الدرب بقلم / الاديب جاسم السلمان

(الى اخي القدوة ورفيق الدرب الطويل وعراب الزمن الجميل اباالنعمان غازي احمد ابوطبيخ) مع التحية!!! 
انت الذي بدد وحشة الصمت بصرخة مذبوح وزخمك الوجدان وشمسك الحنان نكهتك كانت نهرا يرتل أحزاننا الجليلة لنعيش أملا جميلا وزمنا شكسبيرا بعد ان كان يحاصرنا الجليد والمكان البخيل ورجف الغربة الذي يخلع القلب، كنا نحن تلاميذ وعشرات من المغيبين الاحرار، وكنت انت تلبسنا وجه نبي وتشحن الأجواء نخبويا وفنيا وأنفعاليا، تحولت فيها عيناك الى نجمتين ترسخان غابة السحر وتحولان الظلمة والمعطوب والمحو الى كأس من برد وسلام، ايها الملك ال) كيف تزهو النصوص وانت غائب عنها كنت ترصع اجسادها بالالوان والخطوط والرؤى تتفسح معها في قراءات خصبة ومتعددة وتبعدها من وخز الأسئلة المسننة كالمشارط تحفر بعمق موطنها، كنت ومازلت مع شرف المهمة تستدعي لفعل اليقظة رموزا عزيزة في عمق وجوانية الوجدان، يحف بك نداء درويشي مشبوب بحمم الوجد والوجود ويقين الأيمان، تكسر الحاجز الذي يتحصن خلفه أصحاب الوجوه الصفر بدون عله بداعي التفاوت والجلوس على وسادة الأنا والحلم الكاذب الساكن فيهم.. دعنا نعود اليك ونتحد بك ونلمع نياشينك التي تستحقها بجدارة قوتك وأبداعك وخضرتك الدائمة خصب وعطاء لكثافة الأحداث والأشياء، ولاأظنك تعود برجوازيا صغيرا باحثا عن ملذاته أو متصوفا تضطرب فيك ومنك روح الفرد فالنخل ليس بعيدا عنك ولازلت مغتربا كآخر الأنهار وحزنك شرطيا واقفا في منحنيات لياليك لكنك تختصر الألوان وتهبط من وجه الشمس عطرا فواحا لاايبخل من أن يمنحنا الورد، علمتنا التنفس البديل عندما نختنق وتستهلكنا احباطاتنا النفسية وتفاصيل وديكورات المدنية الفاشية واستبطاننا بحالة الوحشة الروحية وأختلاجاتها النفسية لتتقاطر مع فورانها عورات الحياة.
نحن رواد الحانات الموتى الأحياء عظامنا الطرية لاتصلح كعوبا لمجندات الغزو التتري لكنها تصلح بانوراما صدفية تعكس لمعة سيقان أفخاذ راقصات الباليه والرقص فنون في دهاليز الليالي الكثيفة حتى يتنفسن الأشواق ويميلن على الأجساد حقول بكاء، ينزلق الدبق الملتف كالوحل معانقا خيباتنا ظمئا نحن لطعنات الغدر دماءنا أنهارا تسقي خطوط النار الأولى لعل لنا في الفرح غدٍ؟
وانت يارطب أبي الخصيب وبرتقال الجنائن وملح الفاو وثروة المديينة يانكهة القهوة والنبيذ واشراق القصيد تألق وأملأ فراغاتنا في الفضاء...
تحياتي وأنت في الأمان دائما!!!!

( جزء م نقلق)للشاعرة سمرا عنجريني.. قراءة بقلم الاديب/ أ.حميد العنبر الخويلدي

( جزء من نقلق)للشاعرة سمرا عنجريني..
----------------------
بعض الأشياء تحتلُّني 
شوقي المضنِّي لكانون ..
جنونُ المطر 
يثير شهيتي لموتٍ رائعٍ
في كنفِ الكهنة 
تحت سماء الشام 
ودوالي العنَّاب ..
أحزان الطيور المهاجرة 
الى النفي..
بإشارة من عصا الحكام ..!!
عيناكَ الرماديتان 
وجهكَ وحقول الطفولة
رائحتُكَ التي تطويني 
كأنها بنّْ قهوتي المعتاد ..
ما أفعل من أجلك ..!!??
أيا رجلاً 
شقَّقَ ملح الزمن شفتيه
اكتفى بصمت ..!!!
سافرَ على متن غيمة
لايعرفُ الأمس من الغد
من شتاتٍ لشتات ..
أرهقني بقصص الصبيان ..
صلَبَتْهُ أوراق الكتابة 
فكتبني بحبرٍ أسود 
يشوبه رسمٌ أبيض 
كأنه قلب الحياة ..!!
أريدُ أن أختبئ 
داخل قميصك الأصفر
مفتوحاً كما جرح 
أكونُ جزءاً من شيء ما 
قلقك..هذيانك..
رغيف خبزك 
تقسمه نصفين..
أرحل معك إلى آخر أنوثتي 
أقبِّل رأسَ السنديان ..
أحببتك قبل أن ألتقيك..
جزء من قلق
هو مني وإليه أنا أكون 
كما زهر الليمون 
ينحني لعزف العود 
يرسل قبلة 
و...يعود ..!!!!
------------------
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
دراسة نقدية تحليلية للنص الشعري (جزء من قلق ) للشاعرة سمرا عنجريني/سوريا..

أ.حميد العنبر الخويلدي

،،،
ليس جزءا من قلق هذا انما هي حمى الوجود..اكتظت عبرت كالطير اسرابا
معلنة الهجرة إلى أقاليم روحي اولا 
انا المتلقي..لي الحق بذلك ..الفنان أنتج وارتعش لحظات مخاضه..قد حك لحيته او هامته..او تعصب على حالة في الوقت..شهق مع لذته استدعى خليقته. دق صافرة الإنذار ..
دخل موقفه.. استدعى اي عناصر الخلق اقوى نشاطا..اي منها الوسطي 
والجزءي..لخدمة الغرض..
هذا جانب من المبنى والهيكلية السحرية للنص..نعم حكك والغى واستبدل وغيّر ..واختار بإرادة حرة
يؤانسه الهوى والغوى..قد يكون وجه المحبوب جلاله وجماله..وقد يكون الدهش والحَيْرة والمكاشفة ..ليس كما هو في ادميته الترابية الملامح..انما يدخل المبدع على روح الوجود ..هيولى ذات مشعة تبهر ما حولها استدعاءا وتفصلهم من ترابط ما كانوا فيه من المادة والقيمة..الى موقف محدث جديد..لنؤدي الطقس ونلقي بالبهاء على وجه الزمكان..
فلعل الحاجة حددت الخطوط واعلنت الشفرة ..واجتهدت المخلوق 
بالصورة والمنطلق كافاضة ترفد النقص الحاصل من باب العوض في الحياة...
هذا للمبدع في طور الفعل الخلّاق 
اما للمتلقي فهنا الديمومة والاشتهاء
مادام النص حتى ولو ركن فوق الرفوف..ونام امتاعه ..بمجرد ان يأتي العقل المتلقي يفز الأنس وتثور
حركية المفردات..في معناها القاموسي والمجازي و الحدسي ..تغير بالوقت حسب المعطى..حسب الحداثة والخاصية العالية الاعتبار
خدمةً للفكر والوعي والذات والتجديد..
سمرا...
بعض الأشياء تحتلني
شوقي المضني لكانون
جنون المطر
ليس بعض التبعيضية..انما هي الوجودية ذات الانساغ المتعددة 
كانها رؤوس الصواريخ..تزيد من حُمّى التصيّر وتثقب جلدة الكون لتتوغل إلى حيث عمق البحيرة المشعة..
يثير شهيتي 
عنفوان رايع.. وليس موت.. نعم هو موت الهدم البنّاء في استجلاب الطينة المَشَجية..
في كنف القدسي..تحت سماء الشام 
ذلك السقف الغاية.. في الممكن.. والغاية في الطموح..
الطموح هوالحلم والممكن هو الألم 
ومابينهما مدمج الجمعي المنظور والغيبي.
دوالي العناب
أحزان الطيور المهاجرة إلى النفي
اي مجهولية هذي 
اي تاوّهٍ واقعي وتاشير
من عصا الحكام 
عيناك الرماديتان 
وجهك وحقول الطفولة
رائحتك التي تطويني 
كأنها بن قهوتي المعتاد
ما أفعل من أجلك.....؟
ايا رجلا ..ا.ا.
انه صوت الدفء الرحيم انه منظار 
ضاعف الصورة من عَيّنة إلى شكل يعرض كل الصفات..انه التاريخ الجمعي
للحب للالم للشوق للوجد لعيون الصبايا للفتوح للبطولة للسيف 
للكتابة للحرف للقمر الطالع من شباك الله..تنظره العاشقة والعاشق..
ارهقني بقصص الصبيان..
انه عشب الوله البكر في قلب الانثى
فكيف ولعل الموسم جاء ..ايحمل قلب الصبية كل الضيم...؟
ايحمل هذا الذي شقق الملح شفتيه..؟
من يحمل ذلك نعم انه البحر انه الريح والتراب النار والبرق..
اين منا ذاك الهبوب..
نعم قبضت قبضتها سمرا...
اريد ان اختبي داخل قميصك الاصفر
اكون جزءا وكلا من قلقك
هذيانك
رغيف خبزك اقسمه نصفين
انه الحلول المجرب وقد هتك له الحجاب..
ويالها من صرخة..
الى اخر المحيطات 
ارحل معك الى اخر أصقاع انوثتي 
انه الانذباح والقتل المازوكي 
انحني واقبّل رأس السنديان
انه النهر وحكاية السقي وعطش التراب..ابذري طيور الشمس بين طيتيه..فلتصعد باسم الرحمن اقواسا من الفرح السندسي صورا وانبياءا وعارفين...
جزء من قلقي 
احببتك قبل ان التقيك..
هو مني وإليه اكون
هو القطب وسمرا المدار 
دوري يانجمة الله المشعة 
دوري فالوقت بجانبك واليك وفيك 
دمتم

بياضات تلوّنها فلسفة الغياب في تجربة الشاعر المغربي محمد الزهراوي أبو نوفل: بقلم الناقد أ.احمد الشيخاوي


بياضات تلوّنها فلسفة الغياب في تجربة الشاعر المغربي محمد الزهراوي أبو نوفل:
أ.احمد الشيخاوي
،،،
إن الكتابة لدى شاعر مخضرم من هذه الطينة التي ما تنفكّ تقاوم عبثية الوجود، ممارسة على إسمنتية اللحظي وجبروته وتخشّبه، شتى أشكال التمرد المشروع الدائر في خانة احتراف الممارسة الإبداعية على أنها أسلوب حياة وزيادة، لا تعاطيها على أنّها مجرد ترف، أو كماليات مسعفة في إثبات الذات وفرض الوجود.
عبرها تنجذب الذات إلى ما من شأنه ضخ دماء جديدة في عروق هذا الآني الكسيح، ضمن صياغات مدغدغة بالحضور النرجسي القوي المثقل بخطاب الفلسفي الذي قد تملأ ظلاله وتأويلاته كل هذا الفراغ الروحي، هذا الغياب المهول الذي يضاعف المعاناة ويشرعها على احتمالات جمّة، مستفزّة أو مستنفرة لتجليات القرين، بما الفعل انفلات تفبركه ترددات تيارات لاواعية، تتحقق بها ومعها مغالبة ومناطحة عالم السلبية والنقصان وهو يتجاوزنا بسائر ما يغذّيه فينا من معاول هدم تنتصر للنزعة الشيطانية والتّدميرية المنوّمة في متون إنسانيتنا الآخذة في الخفوت والتلاشي جيلا تلو جيل.
قصائد تستعير معناها من عزلة مضاعفة لذات قلقة مشكّكة، تستثمر تقنية السهل الممتنع لتدوير رسائل الشوقيات والجدليات الهوياتية والصدمات الإيديولوجية ونبش المنظومة الصوفية في الراكد على طرفي نقيض، صاعقا بمتلازمة المقدس والمدنس، وهلم جرّا..، تفعل كل ذلك محاولة تبرئة الشعر في زمن كساده، وقلب معايير الذات والغيرية والكونية، لصالح القصيدة التي لم تأخذ على عاتقها مسؤولية نجدة العالم، بقدر ما أغوتها مقامرة الانغماس في عوالم التجريد والمحاكاة التي قد يشتهي فصولها بتفاصيلها، كائن المنفى والعزلة والوجع الوجودي بجرعه الزائدة، فتوسوس له أنانيته بالتالي، محرضة إياه على الاستفادة من تعاليم الشعر وآيات فرسانه، بغية تصحيح أخطاء الحياة والوطن والتاريخ.
يكاد يكون محمد الزهراوي أبو نوفل شاعر إيروتيكيا بامتياز، لولا نفحاته الذكية التي تتوّج مجمل نصوصه، حين تؤهلها لذلك البروز الواخز بروح فلسفة تتلاعب بالأيقونة المفاهيمية المترجمة لغائية الكائن من الوجود إجمالا، وتمنح الاشتغال الذهني محطات الهيمنة والنفوذ، عاكسة رؤى العقل الباطن وتصوراته للأنسان والطبيعة والكون.
لنطالع هذه الشذرات المستقاة من قصائد وتدوينات فيسبوكية لصاحبنا، قبل استئناف الخوض في هذه التجربة المنذورة للخطاب الفلسفي المعني بمستويات الغياب الذي تختلط في زواياه الممسوسة بعتمة الذات والكائن والحياة، أوراق القول الشعري، وتسترسل مرثاة الجنس البشري المطعون بمثالب وتشوّهات راهن بات يتجاوزنا فوق ما نستوعب ونطيق.
[اعذِريني إن
بالغْتُ في
الهَوى والتّهتُّكِ
حتّى نسْري
يُحِبّك ويغار مِنّي
علَيْكِ يا ا ا ا
وجَع روحي
ونَبْض القَصيدة].
……………..
[وخليلتي المصْطَفاة
في غربة ال..
لوطن والروح
أنا جِئْتُكِ لأشعر
لأُغنّي بسجاياك
أحْسنْتِ لي..
أمْ أسَأْت
وَها قَدْ..
آنَستُكِ كَلقلاقٍ
إذْ فيكِ..
يَجيشُ الغِناءُ.].
……………………..
[آهٍ .. قُلْ لِهذِهِ
الْخَواتِمِ أيُّها
التُّرْجُمانُ كَمْ
ركضْتُ دونَها
كَما في قصَصِ
الجانّ كمَ كَشَفْتُ
وِشاحَها وحَللْتُ
عُرى شَكْلِها
وسَكرْتُ بِها
مع الرهْبانِ..]
……………………
[الْمَليحةُ يُداعِبُها سَعفُه
وَبَرْدُ السُّهوبِ في
ذاكِرَةِ البَدْء والاغْتِراب.
كَيْ تَصْبَأ يُعابِثُ
صفَحاتِها مِنْ
أوّلِ الْكِتابِ مِنْ أوّلِ
الْفَيْروزِ مِنَ
الرّكْبةِ إلى المُسْتنْبَتِ.].
……………………
[مَحْلولَةَ الشّعرِ كَإِلهَةٍ
لِتَحْظى بِحُبّي
وأحلامي الملكية
وقصور آمالي..
لأنك في وطني
جنتي الأخرى..
وفي قرآن عشْقي
لسْتِ كَكُلِّ النساء.].
..........................
إذْ تَخَطّيْنا الجَسَدَ [
الرّجيمَ إلى
الْجِهاتِ الْبيض.
كانَ السّفَر سَحيقاً
حينَ اقْتَسَمَتْ
مَعي سَريرَ النّص
وَغَدَوْنا..].
....................
[الرّاعي
يمْشي شامِخاً.
يدُلُّهُ على
النّبْع نَهْدُها.
اجْتذبَتْهُ مِنْ
أغْوارِ البَعيدِ.
هو نُصْبَ عَيْنَيَّ..
يُشَكِّلُها بِعَصاهُ
ذهَباً وجَواهِر
لَها بِجِرابهِ
الحُبُّ الأوْفَرُ.
وهِيَ بِذاتِها
تكشُفُ لهُ في
السّفْحِ عَنْ
ساقيْها الباذِخَتيْنِ
وعَنْ زوْجٍ
مِن الحجَلِ.].
........................
[أشمُّ
ياسمينها
في المسافةِ
أتذكّر وجهها المضاء كقنديل
بيتها على
السفح كغيمة
وغصنها الشّفيف.].
إن مثل هذه الشعرية الوالجة في دوامة المعاني الزئبقية التي تولّدها سرديات نصّانية المطوّل، ترشق بتوغّلاتها في الموازي الفلسفي المحتفي بملمح ونبرة الغائب: أنوية وغيرية وانتماء، مثلما ترشق بجزئياتها البسيطة، جوارح التلّقي، مغرقة ما بعدية تلقي النصّ بدوار الأسئلة الوجودية والصوفية التي تحاول تذويب المسافات بين عناصر فضاء اغتصاب أوراق العذرية في تجاويف المحيط بالذات الساخطة، والآخر كامتداد أو مكمّل لهذه الذات في جوانيتها وقيعان حفرها القصية المنسية، وتقوقعها على قواعد متجذرة في الوعي المنتصر لإنسانية الكائن النازفة.
ففارس الكلام هذا، لا يترجّل عن قصائده إلاّ ليغرق بياضه الوجودي في تأمّلات لاهوثية، منصبّة على مسح أو جبّ فصوص وتجاعيد الذاكرة، من أجل ترع مرتّب جديد، يليق بالذات المتطاوسة والمنفوخ فيها من روح الفلسفة، ساطعا بانثيالات وتدويرات عجائبية على مقاس هذه المرثاة التي ليس تحقق طوباويتها المتشرّبة للمعنى الجنائزي المنشد إلى طقوسيات هدر إنسانية الكائن، وليس يُحصد شرف إمضاءها، بغير قصيدة بتول للأبد، ورافلة في تلاقحات وتواشجات دوال الأنوثة وحسّ الانتماء المغيّبَان حضورا طاغيا يقوّم لوثة الذات والحياة.
أ.أحمد الشيخاوي
شاعر وناقد مغربي

رحلة نحو الأعماق دراسة لنص الاديبة نور السعيدي بقلم / الروائي أ.جمال قيسي

رحلة نحو الأعماق :
أ.جمال قيسي
،،،
مفارقة لكل المقاييس تسبح نور السعيدي في الأنواء السحيقة للموات،،،،
رحلة معاكسة،،،اتجاه العمق،،،تخلخل البنى والانساق،،للحدث الجلل،،،الفجيعة الانسانية،،،
انها عين لروح عظيمة ترقب وتسجل ،،وتقيد لحظات التلاشي،،،تحاول ان تعيد تشكيل الحدث،،لكن ليس الحدث عينه،،،وإنما بنيته التي تمور ،،وتتضارب علائقية البنى،،،معلنة التمرد على الإنساق ،،،انها ثورة على النظام برمته،،،نظام الحياة،،مايميز نور السعيدي بممارستها الثورية،،
انها القدرة عينها على اعادة الحدث كأنساق مفهومية،،في قاموسها،،الخاص بها لجردة الخواء،،
تشرح رد الفعل بحكم وعيها العبقري الملازم لروحها الكبيرة،،،نعم الجسم والضوء فعل،،،والظل رد فعل،،،تلتمس فيه ثقب،،وأي ثقب،،،انه إنسانيتنا المعطوبة،،التي يفزع منها حتى جلادينا،،من بشاعة جثتنا المحشورة،،،وياللعجب انها جثة واعية،،،نوع من الموت السريري،،،جثة تعرضت لسم العنكبوت،،الذي يفقد الإرادة ،،ولكنه لايغيب الوعي،،،
اي انواء تلك سيدتي،،،التي تطلين على جدرانها وخلالها،،،ولحظة تشيؤها ،،وعفونتها،،وزوالها،،،مراوحة ( سيزيفية ) ،،في فراغ،،،ورؤى فقدت ألوانها،،لكنها لم تبتعد عن أسانيدها ،،وهنا مؤشر الوعي ،،للشاعر والفنان،،،،تستحضر الموروث الماثل حتى الرهونية ( ثورنالمجنح برواق الأفيون ،،،) ،،انها رهونية مزمنة ،،لا تمتلك القدرة على التخطي الى ما بعد
،،،السأم،،،من كل أمل ومهما كان تشخصه،،لتعلن هويتها الإجرائية ،،،صريحة،،،ستقفل راجعة الى جحيم العدمية،،،،،ربما هو خيارافضل من اللاشيء،،،اللامعنى،،اللاجدوى،،
تجربة نور السعيدي ،،ربما تشترك مع كريم عاشور،،ولكن كل منهما في اتجاه عكس الاخر،،،هي نحو الحدث،،،وهو خارج الحدث،،هو رائي لما جرى،،،وهي رائي لما يجري،،
تجربة نور السعيدي،،وكريم عاشور وقبلهما عادل سعيد،،واخرين،،،اعادت للثقافة العراقية هويتها النوعية،،،والتي تحمل توقيع رأس النقابة. ،،،ديموزي
حياك الله سيدتي،،،ربما لم يرضيك،،،ماسبق من كلام،،،ولكني،،،هكذا قرأت قصيدتك،،،
أ.Jamal Kyse
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نص الاديبة:
..............
ظِلْ
ظِلٌ مثقوبٌ لا يقطع هَمهَمة جَلاد
هاربٌ من جثةٍ محْجورةٍ بشق
لا تقوى على هَزِ وردة
الظِل وحدهُ ،،،،
لهُ حَق التَمَّري على الأسوارِ الفَتية
لهُ حق المُراوَحة الكَليلة على الفراغِ المُنَقَط
لا ،،، للتَثْليث
ــ هلعٌ رؤيوي لا يجأر
وعجيج صلوات من خلفِ أسوارِ بيوت عنكبوت
ــ جماجمٌ مُجوقلةٌ وترياقٌ يَتَقفقفُ برؤيةِ الجَزوع
ــ ثورنا المُجنح برواقِ الأفيون لا يُمَنطق الصمت
وسمٌ مَبثوثٌ ـ منقوعٌ ينتعلُ مؤونةَ النِيام
وإن كان لي ،،،،
سقفٌ لهُ رَنَّة داسَ عليهِ كل السفاحون
بملحمةٍ عَلنية ،،
انا ،،،، وسَلْطَنتي
سأقفلني عنكَ بجحيمٍ مُزدهرٍ
لأني سئمتُ منكَ اللون الرمادي
كما سئمتُ ،،،
الشراء من سوقِ الكسادِ
أ.نور السعيدي

الكتابة حفر في الاعماق بقلم / الاديبة فادية الخشن

الكتابة حفر في الاعماق
أ.فاديا الخشن:
،،،
لم تكن الكتابة يوما الا تلك المحاولة الجادة للخروج من دائرة الكذبة الكبري، إلى حيث الوزن والحركة، هي النار الراكضة في أناملنا، وهي مأوي غبارنا، و تنوين إنسانيتنا، هي الخيال ممزوج بذراتنا، والفائض من لحمنا وأرواحنا، هي الممسكة بدمنا كي تسفحه، هي تنفس الوطن ومراياه الصائحة، هي لحظة الخلق الطازجة، والمنفلتة من دورة الشمس هي الهوية الحضارية، ولغة التخاطب الباذخة، هي المطر المنسكب من قمر السؤال، هي المتولدة منا كلما ابتعدنا بالزمن، هي الصوت المرتفع لحظة التحرر من الخرافة والتعاويذ، هي المرمم الحقيقي للفراغ القسري، هي التخاطب الحضاري، قصد الوصول إلي شواطئ جديدة، فلنعد بذنوبنا من العزلة إلي نزاهة المحبرة، فهي المعادل الموضوعي لكل ارتكاساتنا وانتكاساتنا، بها فقط نضاعف رحيق الضوء، وبفضلها نقدم نصوصنا الصاعدة وبمقدار ما للعقل من الحق، في أن يكون حرا، في المشهد الرحب نمضي مستشعرين بنورها.
فالكتابة تعني أن نطوي الاعياد في حمأتنا وأن نترك على الطاولة جزء من متاحفنا، أن ننطلق انطلاقة كانطلاقة النهر الذي يمضي للمستقبل بحوافز جذب فهي في بعض حالاتها لا تعدو أن تكون دبغا لجلد النمرالقابع في عين الفراغ.
أما أن أسال لماذا أكتب فكمن يسأل جدته الامية ما معني كلمة فيزياء منتظرا أن تلخص له الامر بجملة، فالكتابة عوالم وآفاق وأكوان تفتح أبوابها الواحد إثر الآخر لتسفر عنها الدهشة والعظمة، فهي تحرض أوتهدهد وتريح أوتثور فأنا في هذه اللحظة وعلى سبيل المثال أكتب كيلا أسجل نوما داخل المشهد أو عجزا أمام السؤا ل وكي أتمكن من الدخول إلى صواب الصحو فأقفز من كنه النوايا إلي الإرادة الحرة بل لنقل كي أردم هاويتين هاوية الانا الفوقي وهاوية الانا التحتي الانا تلك التي تتكاثر بالانشطار وتتجدد بالأقنعة، فأنا أكتب الآن بدوافع تختلف بمنطلقاتها وزخمها عن الدقائق الخمس القادمة والخوض بهذا الأمر يستوجب إبحارا في عالم النفس وتقلباتها، وأنا في واقع الامر ارتأيت دائما أن الكتابة تسعفني دائما كي لا تتلولب براكين أعماقي فيحدث الانفجار الأعظم فأنا بالكتابة وحدها يمكنني قطع دابر الدم الذي يلاحق عيني قسرا عيني المولعة بالسحر والصبا والجمال ولأن الكتابة عوالم وآفاق وأكوان، فهي تحرض أوتهدهد تريح أو تقلق، فبالكتابة أضمن أن لا تتحول فصول حياتي الى مجرد رائحة تتضوع في عدم، ويمكنني بإدارة دفتها كي تلحق بي فبالكتابة يمكنني أن أصنع عوالم سحرية فاتنة بعزفي المنفرد أستنسخ أعمارا تتوالد فيها البهجة فأنا من تغتسل أمواجي برنين الكتابة المغناطيسي وأنا التي بفضلها لا تنقطع أوتار شلالي الابيض علي صخرة تاريخ أو تذكار، لطالما نقبت وأنقب بضوء شمعتها عن البياض الناصع الماكث في فكرة شمس حيث يمكنني بها ان أستخرج اللؤلؤ من قاع الغريق وبها فقط أهزم أبجدية بطولات العقل الحجري،
فبقوة الكتابة أخرج التماثيل الماكثة في طريق سعادتي وأراكض القلم اللين المتحرك النابض القافز الطائر لفضح التفاوت القيمي مابين شاهد حيادي وفاعل لما في الكتابة من دعائم لاعلان سقف الرؤية الخاصة وذلك عبر تأكيد تميزنا في الحراك الخاص وصولا إلى العام.
فالكتابة هي التي تؤسس لذات الكاتب وتشرعن رؤاه وطموحاته وإيحاءاته عبر جديتها وعبثها. فهي تضبط القارئ في المجال الاوفر والاكثر قدرة على التقاط عمق الرؤي والاستشرافات انطلاقا من البعد الانساني الذي يرفض الصمت ويرفض الثابت لصالح المتحرك الفاعل.
فاليد التي لا تكتب كما قالها القدماء هي رجل.
وأنا أكتب وكتابتي حفر في الأعماق لكنها تأتي في بعض الحالات كانطلاق السهم نحو الدريئة احتجاجا على نقص وعدم اكتفاء أو كإشارة مني حينا الى متع المغامرة التي تمنع من أن يجرد الإنسان ذاته من فاعلياته الخاصة فالكتابة في أغلب الاحيان صناعة ناقصة متنوعة، فهي بوصلة تارة و إبحار تارة أخرى أو منارة وربما بحر او عاصفة كاسرة المراكب، محطمة الأشرعة، لها نماذجها ومقاييسها لها هويتها ولها اتجاهها
وقد تمضي في المغامرة بمضمار الهوامش بعيدا عن إشعاعات العقل المنظم في حالة من الحالات فتأتي كتابتك رفضا للطابع الذرائعي تأكيدا لمتحرك لين عفوي ضد ثابت متعسف متعفن، وأنا على هذا أضمن بالكتابة أن تبقى طيوري مغردة في عوالم لا ريبة فيها ولا فساد، فهي طمأنينة بمقاس يحرص على أن يبقي في جسدي الرغيف ساخنا ترتفع فيه الأبجدية إلى كنه الجمال فلا تتحطم بقلبي أية أيقونة و لا تخفت أنوار صنعتها بتوقي الخاص مهما اشتدت العتمة حولي فالكاتب مدير أعمال زمنه يلعب بوقته ويحرك دفته كما الحواة.
وأنا إذ اكتب فلكي أفرد أجنحتي في فضاءات غير سامة و لا ملوثة وكي أخرج من الغبار المصنع في معامل السياسيين وتجار الحروب، وكي أعود من أنملي إلى عالم الطفولة النقي حيث الصفاء والبهجة العارمة هناك حيث تبوح أرواحي بسر زيوتها العطرية فأغلق بثغر القلم سلاسل البؤس والجهل والاسفاف.
فالكاتب يجترج متعه على أجساد ورقية، ويحقق العدالة بتأكيد وجودها على السطور البيضاء، إنها
بالنسبة له ولادة وموت انبعاث وحياة…

المرأة بين الشعر المعاصر و الجوهريّ عبد الناصر بقلم / الاديب أسامة حيدر

المرأة بين الشعر المعاصر و الجوهريّ عبد الناصر .
منذ أن بدأت حركة التحرّر العربيّة تشقّ غمار الحياة بأشكالها كافّةً ( بداية الخمسينيات ) من القرن الماضي ، وقضيّة المرأة تحاول أن تتموضِعَ من حيث إعادة النظر في دورها في المجتمع و المساحةُ المتاحةُ لها للتعبير عن مكنوناتها الداخليّة وعلاقتها بالطرف الآخر ( آكل التّفاحة ) . وراح الكلُّ يدلو بدلوه ، ويعدُّ نزار قبّاني أوّل شاعر حاول كسر الطوق المفروض على المرأة وفكِّ الحصار المجتمعيّ عنها من خلال ديوانه " قالت لي السمراء " ، والّذي قدّمَ من خلاله إدانةً واضحةً لذكوريّة المجتمع العربيّ . ولكنّه قدّمَ صورتين رئيستين – صورة المرأة اللّعوب و- صورة المرأة المراهقة العذراء مقابل الرجل المجرّب ، وثمّةَ مشكلة فيما قدّمَهُ نزار قبّاني وهي أنّ المرأة لوثةٌ جنسيّةٌ ليس إلاّ ، وذلك في أغلب قصائده . وهناك شاعرٌ لم يستطع يخرج من عباءته الريفيّة في نظرته للمرأة وهو أمل دنقل ، فالمرأة عنده مصدرٌ للغَواية مقابل صورة المرأة الحبيبة المقدّسة . ويأتي شعراء القضيّة الفلسطينيّة لينقلوا الصّورة نقلةً نوعيّةً ، فالمرأة عند هؤلاء هي أمّ الشهيد أو أخت الشهيد أو المرأة الوطنُ كما نجد ذلك عند درويش ومن لفّ لفّهُ .
والحبيبةُ بعد ذلك تحوّلت إلى حلم أضنى الشعراء المعاصرين وهم يبحثون له عن واقع يعيشونه فيه دون جدوى . فما صورةُ المرأة عند عبد الناصر الجوهريّ ؟
عبد النّاصر الجوهريّ شاعرٌ من مصر ، ويبدو أنّه قد عاش تجربة هجرٍ مريرة وما زال يعاني أضغاثها وأقصدُ : اختلاط اليابس بالرطب ... هذه التجربة أفرزت مواقف متنوّعةً له وصوراً شتّى للمرأة في شعره :
- فهو يقرّرُ تبعاً لقرارات قلبه أن ينتحرَ ، ويلوم قلبه كيف تحمّلَ الصبر رغمَ معرفته أنّ البشر ( ويقصد الحبيبة) كاذبون ، و الحبيبةَ صاحبةُ دهاء وحيلة تقتل في أروع الأوقات رومانسيّةً وأجملها :
قلبي يقرّر خلسةً ....... أن ينتحر
دوماً ينوح بحاله ...... كيف اصطبر
الحبّ يفضح دائماً ..... كذب البشر
من لا يموت بصدفة ..... بين الحفر
مات بحيلة امرأة ..... تحت القمر .
وهو يرى :" أن تدفنَ الحبَّ في قلبك أفضلُ من تُعطيَهُ لمن لا يستحقُّ "
ويرى أنّ قلبه الطيّب هو الّذي أوصله إلى مالا يحبّ ، وأنّ تلك الحبيبة متكبّرة متعجرفة :
أين أنا من بنت السلطان
شاعرة الأكوان
مثلي ممنوعٌ ينتظر الحظرَ
..................
ماضيّعني يوماً
إلاّ قلبي الإنسانْ .
ويبدو أنّ حياته قد ضاعت بانتظارها لهفةً وحزناً :
قلبي انتظر الحسناء
أضاع العمرَ محبّاً
وحزينا .
وفي حالة يأس يرى :" لامكان لشيئين في وطني – الإنسان المبدع – و العاشق الحائر بحبّه ."
و الحبيبة امتلكت عليه كلّ مشاعره وجوارحه ومن هنا تأتي صعوبة التجربة هذه ، فلا بديل عنها ، وكيف وقد اعتاد هواها ، وهو رهينه :
لكن كيف أحبّ سواها / فالقلب اعتاد هواها / وقد عاش لأجل العشق / رهينا .
ونقاء عبد النّاصر الجوهريّ القادم من تربيته الدينيّة الواضحة المعالم من خلال شعره انعكس على حبّه فغدا صافياً كالماء الزلال :
أحبّك حبّاً نقيّاً عفيفاً بقلبي استكانْ
..............................................
أحبّك حتّى أموت / وحبّك في أضلعي / لا يغادر قلبي الجبان
وربّما كان جبن قلبه أنّه لم يقرّر هجرها وهي المتعالية عليه والتي تحاول في كل حين أن تتجاهلَ هذا الحبّ الصّافي ممّا يُشعرهُ بالهوان وامتهان الكرامة: أحبك / لكنّني كيف أرضى بالهوان ؟
أحبّك / لكنّي كيف أرضى امتهان .؟
وهو يستغربُ كيف أنّه يتسوّلُ حبّها وترفض أن تمنحهُ إيّاه ، وغيره ينال ما يبتغي بالمكر و الحيلة :
أنا أتسوّلُ الغرامَ بصدقي
وسوايَ ينعم بالاحتيال .
هي تجربةٌ من تجارب شبابنا الحياتيّة انعكست على حروفهم ألماً يعتصر قلوبهم ، وهي تجربة تعدُّ مرآةً للواقع المريض حيث المادّةُ طغت على كلّ شيء من حولنا ، وما عاد للمشاعر من سوقٍ ، وما عادت تغني من ضَوْرٍ ، وطفق هؤلاء الشباب يعانون الأمرّين من واقع اجتماعيّ مالحٍ كالحٍ وسياسيّ أُجاج ضيّعهم وراحوا في متاهاته زهوراً ذابلةً لاتعرفُ لها ضَوْعاً . وعبد النّاصر الجوهريّ ما أضاعَ يوماً لكنّ الضَّيعَةَ قد ضيَّعَتْهُ

المكنون في قصيدة (مازلت اسمع الصدى)..مطالعة بقلم الاستاذة نائلة طاهر ..

المكنون في قصيدة
(مازلت اسمع الصدى)..
مطالعة بقلم الاستاذة نائلة طاهر ..
.............................................
للمكان في القصيدة خصوصية هامة لا تعتمد بالضرورة على تحديده ولكنه يبرز من خلال المعنى ،و هو يتجلى تدريجيا عبر تواتر الصور الشعرية وتصاعد إيقاعها ،خاصة اذا ما كانت للشاعر علاقة وشائجية عميقة معه ،تصاعد الايقاع هو ميزة هامة بالنص إذ تنبئنا موسيقاه بما هو ضاج في عاطفة الشاعر ولعل العاطفة هي السمة الغالبة في النص يكاد معها يغيب العقل ، فنرى الشاعر كتلة مشاعر محترقة صادحة مذهولة ولكنها مع كل ذلك متحركة ،الضامن لتلك الحركية ايقاع غريب سري يتسارع كلما ضاق المكان أو اتسع أوكلما تأزمت علاقة الشاعر به وكأنك إزاء هارموني تصنعه نبضات القلب التي تتحكم في الأنفاس والشهقات وبالتالي في الوقفات. يمكن ان نسميه الايقاع "المتوتر" أو كما قال عنه الشاعر و الباحث المغاربي فرج العربي الايقاع الغامض هنا يستغني الشاعر عن الايقاع الخارجي و يوظف الايقاع الداخلي الذي يشكل القصيدة فتتحول كما يقول ميتشونيك الى "دال جوهري"
المدلول الجوهري الايقاعي استخدم جيدا لاستلاب وتملك ذهن القارئ فحين قلنا إن النص خال من توصيف تفاعلات العقل لم نكن نعني ان لا رؤية فكرية به ،وانما كان اتجاهنا يسير نحو لفت الإنتباه إلى ما تحويه القصيدة من إشارات شبيهة بطرائق الصوفية للوصول إلى الحقيقة .تطلق الصوفية على ادراك العقل علما (العالم )وادراك القلب معرفة وذوقا (العارف ) لذلك عمد الشاعر إلى خلق مدمج بينهما تصبح بمقتضاه القصيدة حاملة لوجهتين متجانستين ، وجهة معرفية وأخرى علمية ،او رحلة بحث عن مُجسد حقيقي لما ينطق به الصمت ويردده الحجر ليستقر في القلب أمل صادٍ متعطش و فكرة محرضة على السعي نحو الرواء .
بعض الأحجار
ناطقة
مثل جدران مدينتنا
القديمة
اسمعها بالقلب
من الجهة النازفة
فبيني وبينها
طريق مسكونة
بالأمال الصادية
هذا ما جاد به طريق القلب من سبل تلتقي مع طريق العقل حين يدخلنا الشاعر دائرة ضوئية شبيهة بفانوس ديوجين ذاك السراج الذي يمسكه الفيلسوف نهارا بحثا عن حقيقة ما .ولجوء الشاعر إلى استعارة رمزية هي سراج ديوجن المستعين بالضوء نهارا في بحثه عن إنسان ما لا يراه بين كل الناس التي يحيا معهم ، فيه مفارقة مقصودة تؤكد أن القصيدة كتبت على النحو العرفاني الممتلك صاحبه للمعرفة ببواطن الأمور وحتى شخصية ديوجين نفسها لها دلالة مشتركة مع المتصوف بِشْرُ بِن الحَارِث الحَافِي فكلاهما كان يسعى حافيا في الأرض دون نعل في رحلة بحث لا تنتهي.
لذلك تضيق دائرة المعنى لتصبح في مجملها دفقا روحيا يتسرب إلى عقل القارئ من خلال التحكم في ردات فعله كلما تدرج المعنى نحو الاقناع .فديوجين كان يبحث عن رجل نبيل يسطع بالحقيقة ،والشاعر كان ينتظر يدا تأتي بالخلاص لمدينة تنطق أحجارها و تحترق مدنها وزياتينها في لحظات ذهول من ساكنيها ،ذهول قد يتمناه المرء لحظة حلم صاخب لا يتحول ابدا الى كابوس .وككل شاعر أصر شاعرنا على أن تكون ذاكرته ملتحمة بإرادته فجعل من ذاته الخاصة السراج المنتظر .وحين تمنى أن يعلق هو على سماء مدينته لم يكن يقصد سوى الإشارة إلى أن ما حواه عقله المستنير وما جعل روحه تسمو كفيل بأن يعم بعده السلام ،لكننا لا نعرف ان كان ذلك السلام روحيا أو ماديا أم هو كما اراده الشاعر مزيجا من الاثنين وقد يتوقف ذاك على مدى الٱستجابة للرؤية .فلكل شاعر استشرافي رؤاه الخاصة ولكل قصيدة قدر لا يحدد من التورية والتغيير خاصة مع القصائد التي تبلغ فيها مستويات التحديث أقصاها .
نص الشاعر:
...............................
مازلتُ أسمعُ الصدى:
،،،
*
بعض الأحجار
ناطقة
مثل جدران مدينتنا
القديمة
اسمعها بالقلب
من الجهة النازفة
فبيني وبينها
طريق مسكونة
بالأمال الصادية
روح تحمل
فانوس ديوجين
وليس من شمس
في نهارات القلق،
الانفاس
معقودة الأحلام
ب"فردوسها المفقود"،
هي تتدلّى
كالعنقود
بانتظار لحظة حالمة
بيد بيضاء صادقة
بيضاء
بلون البرق
إنّ العنقود
في مواسم القطاف
والهواجس
تتبركن رويداً
في أفئدة الرعاة
الرعاة المغنون
على شفاه السواقي
مازلت أسمع الصدى
فأهتف من هناك
-يامدينتي العتيدة،
يا ام البساتين الفقيدة
ويا حسرة روحي
المخنوقة
لازالت آمالي سادرة
ان اسطع
في سمائك
من جديد
شمساً
واغنيةً
وزهرة لوتس...
أن تعزف أناملي
على اغصان
زيتونة بيتنا القديم
بيتنا المثخن
بذكريات السنين
أغنيةً
تُزهرُ على أنغامها
الدماء القانية
من بين حبات
التراب المضمّخ
بدموع الثكالى
ورداً
وأطفالاً
وعصافير...

دراسة نقدية مكثفة في قصيدة سراة الليل للشاعر غازي احمد الموسوي بقلم / الاديب كريم القاسم

سراة الليل ( دراسة نقدية مكثفة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصيدة هذه ، عبارة عن نتاج شاعر يتميز بقدرة التنقل بأسلوب الحبكة والمُنشأ البنائي للقصيد بأنواعه ، كونه ابن مدرسة أدبية بصرية عريقة ، عاصر حركة التطور الشعري ولاصق عناوين فكرية وابداعية كثيرة ، مما أثمرَ مداداً ذي مسارات فكرية ، وصوراً ابداعية متنوعة ملتزمة لاتخلو من الحزم والثبات .
المقدمة :
ــــــــــــــــــــ
احسن الشاعر توضيحا ً للضمير الشخصاني لا الشخصي ، حيث جعله هو الهدف ، وادخل هذا المفهوم الفلسفي الأنساني البحت ، الذي يمثل حالة التطور الانساني فكريا ، وجدانيا ً، للوصول الى تحقيق الذات والوجود .
الاهداء :
ـــــــــــــــــــــــ
الاهداء جاء بصيغة الارسال ، ارسال الى قومه كونهم بموقع الحبيب بالنسبة للشاعر ، وهنا استخدم الدقة في الاختيار ، كون الحبيب هو اقرب كائن الى القلب والوجد ، ويجعل القاريء مُتَهيئاً لاستقبال رسالة او خبر .
العنوان :
ـــــــــــــ
جاء العنوان هنا ، مُقتـَطعاً من احد الاشطر في البيت التالي :
" كفانا سراةُ الليلِ يومَ توسّلوا... اليكَ السُّهى فُلْكا وما زلْتَ ساميا "
وتم قطعه بمشرط جراح خبير ، فلقد اختار الشاعر هذا العنوان (كفانا سراة الليل) ، لوثوقه بأن هذا المقطع هو طعم لصيد الامتاع والاستمتاع ، وهو يضع بين يدي القاريء والسامع مفاتيح الفهم والاستدراك لما يأتي ، فقد استخدم لفظة (كفانا) ليضع الخطاب الجمعي لـ (سراة الليل) ، وليضع امنية الأكتفاء والانتهاء من نفوس تأخذ من الليل غطاء ووقاء .
القافية والموسيقى :
ـــــــــــــــــــــــــــ
قد يسأل سائل : كيف تنتهي الابيات الشعرية بكلمات مرة تأتي مجرورة ومرة مرفوعة ومرة منصوبة ، ويضاف لها الف الاطلاق لتوحيد القافية ؟؟؟
مثلاً : ( بالأماني ، القوافي ـ سامي ) كما في الابيات التالية :
" على قلق يمّمْتُ شطرَك ساعيا… كأنكَ أضرمْت َ الهوى بالأمانيا "
" عصِيّاً بما حمّلْتً نفسَكَ غايةً… تنوءُ الرواسي تحتَها والقوافيا "
" كفانا سراةُ الليلِ يومَ توسّلوا... اليكَ السُّهى فُلْكا وما زلْتَ ساميا "
نقول :
ان الشعر هو لسان العرب ، وقد تناقلوه جيلا بعد جيل سماعا ً لقلّة الكتّاب ولعدم انتشار الكتابة بينهم ، لذا كانوا يجيدون الحفظ للقصائد ولكل ما يُنشَد من قصيد . وسِمة الشعر السماعي هي ماتسمعه الاذن ، وليس مايخضع للاعراب من قبل النحويين ، وهذا ما اتفق عليه معظم علماء اللغة .
بعد كل هذا ، إذا ً يجوز للشاعر ان يضيف ألف الاطلاق على حرف الياء المقدرة في نهاية الكلمة ، ولدينا من الشواهد الكثير على ذلك ، كقول المتنبي :
" أُريكَ الرِضا لَو أَخفَتِ النَفسُ خافِيا ... وَما أَنا عَن نَفسي وَلا عَنكَ راضِيا "
وهذا مافعله الشاعر ، حيث اضاف الف الاطلاق لتتوحد القافية وتنسجم الموسيقى الشعرية مادام القصد هو عدم الاخلال بالموسيقى السماعية لقافية القصيدة .
الرمزية والإيحاء :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاعر تَعمّد ان يجعل النص بعيدا عن الرمزية العقيمة ، والغير مفهومة ، والتي تنهج نهج الطلاسم ، بل اكتفى بالإيحاء الواضح الجليّ ، وهذا من ذكاء المؤلف . كون الخطاب موجّه الى قاريء متعدد ومتباين الادراك والرؤى ، فلابد من الوضوح الذي لايخلو من المفردات الجميلة لفظا ومعنىً ، كما في :
" تجيشُ القوافي عندَ بابِكً غَرّة ... وبحْرُكُ يبقى حولَها مُتراميا "
" انا بابلٌ والنيلُ والقدسُ والسُّرى … انا قلعةُ التاريخِ والفتحُ بابيا "
الحكمة والموعظة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
استوعَبَتْ القصيدة نوع من الحكمة والموعظة ، وهذا من جميل التآليف ، التي أميل لها شخصيا ً ، فهي ليست بالتآليف الهيّنة أو السهلة ، بل نتاج خبرة العُمر وعصارة الفكر ، وهيَّ تعطي متانة للسبك ، وخاصة عندما يوضع المعنى بمكانه الصحيح والمناسب ، ويسير البيت الشعري مسار الحكمة ، لينير الفكرة المطلوبة . كقوله :
" وما كل ّ غوّاصٍ ينالُ الدراريا ... وما كلُّ ذي جُنْحٍ يطال المعاليا "
" وكمْ مِنْ أميرٍ خلّدتْه ُ قصيدةٌ … ولولا قصيدُ الناسِ احْجَمَ خابيا "
المطلع :
ــــــــــــ
بما ان الشاعر ، من الرعيل الاول ، فهو يفرز لنا عطاءً متناغما ً مع اصحاب القريض الأوائل ، فالمطلع عندهم لابد أن يبدأ بالغزل والتغزل ولكون الشاعر يتصف بالألتزام والخلق الكريم ، فقد اجاد في نهجه الغزلي المبطن بالحزن ، حيث عرض مفردات قد اشبعها وجدا ً ولهفة ليجعل القاريء يغرق في معاني شوقٍ ووَجْدٍ تفيض شفافية متدرجة ، متسلسلة الى هدف منشود وقصد مرجو . واعجبني هذا البيت :
" فأبلغَ عني أنّ حبّكَ مَلجأي … اذا عصفَ الدهرُ الخؤونُ بحاليا… "
المقطع :
ــــــــــــــ
يتفاجأ القاريء بنقلة ذكية تأتي كالصاعقة ، وبعد البوح والوجد والصبابة ، يتفاجأ بلفظ قوي ، وتعريف غاية في الرصانة والتعريف ، حيث بدأ خطابه بـالضمير
(أنا ) مستخدما تعريف الشخصانية ، حتى بلغ تعداده خمس مرات ، وهنا اصبح المتطلع الى النص أمام تعريف فخري ، وخطاب سؤدد وزهو ، ليقود المتابع الى توضيح فيه اتقان في الحبكة ، ليتعرف على مدعاة الفخر والشموخ ... فأصبح العرض يُحير القاريء ويملأه دهشة في سمو الاختيار للمعاني ، وملاحة المفردات ، ونضارة الألفاظ ، حتى هالني مضمون وجمال هذا البيت :
" وكنتَ لها يا ذا العراقُ تضمُّها … بجنبيكَ آلافَ الجراحِ الدّواميا "
والجميل اكثر ، جاء بلفظ العراق وهو (مُعرَّف) لا (نكرة) .
الخاتمة :
ـــــــــــــــــ
" فخذْ علقاً مني ومنكَ رَجاحة ... ً ومنْ أحكمَ التسديدَ، أصمى المراميا "
أيّة خاتمة نافذة هذه ؟
لقد أبَي الشاعر ، إلاّ ان يختم القصيدة بشطرٍ ، يجري مجرى الحكمة مرة أخرى ، وقد أتى بلفظة (اصمى ) وهي في مكانها الصحيح التام المعنى ، فهي توحي بوقوع الصيد بين يدي الصائد والفوز بهِ . وكنت اتمنى وجود حاشية للنص ، لتوضيح معاني بعض المفردات ، كون الخطاب موجّه لشريحة عامة لا خاصة ، كي لانجهد القاريء بالبحث والسؤال .
نظرة عامة :
ـــــــــــــــــــــ
الشاعر (غازي أحمد ابوطبيخ ) ، ينتمي الى اسرة عريقة النسب ، كريمة المُحتَد ، من فرع شجرة نبوية طاهرة ، قد تَجلَّتْ تلك التربية في ارجاء القصيد ، فخاطب القوم بما يعكسه ذلك التهذيب من أدب وسمو وعراقة والتزام ، مستخدما الشخصانية في الحوار والتعريف :
" انا فيضُ طه والنهارُ جوانحي … انا المجدُ جلّتْ في رؤايَ المعانيا .."
والمتصدي للنص ، يجد هيكل القصيده ، يأتي مطابقا لمواصفات النسق القديم للشعر العربي ، وقد إرتَدى ثوبا ادبيا يمتاز بالنسج العصري ، ويجد فيه طوفان هائل من المعاني المشرقة ، والتي ما انفك الشاعر يملأ كل فجوة بما يناسبها من الثقل الادبي العريق ، حتى تجد صورة الالم والوجع مما الَمَّ بالوطن من محن وآهات ، قد أجاد في تصويرها وتأطيرها ، حتى أشار بوضوح لمواضع الجراح ، ومواطن الآلام ، والجميل في ذلك ، انها تخلو من الخنوع والجزع ، مما يضفي على النص شموخا ووجاهة وكبرياء ، تناسب عراقة شعب ، وسمو وطن .
أنا اسمّي هذا النوع من الشعر ، بالشعر الوطني لا السياسي ، حيث هنالك فرق كبير بين الوطنية والسياسة ، وكلاهما يبحث عن هدف مختلف ، فالشعور الوطني لدى اي شاعر يجعله يعيش مع القصيد حرفا بحرف ، حتى يتلبس كلاهما بالآخر ، ولا يتأتى هذا إلا لِمَنْ كان صادقَ السريرة ، وناضج التفكير والاتزان ، ولمن عاش معاناة شعب ، وخاف على مصير أمّة .
ــ احسنت ايها الشاعر الرصين والقلم المتين ...
فلقد امتعتنا بوابل من المعاني السامقات ، واللفظات الفارهات ، وليس ذلك عليك بغريب .
تقديري الكبير ...
............................................................................
(القصيدة)
كفانا سراةُ الليل
.......................
على قلق يمّمْتُ شطرَك ساعيا… كأنكَ أضرمْت َ الهوى بالأمانيا
تُطالعُني بالشمسِ في غسقِ الدُّجى… فتُمْرِعُ آمالي وانْ كنت نائيا
قصيّا بما حكّمْتَ شأوكَ في العُلا… سُمُوّا وشأنُ البدْرِ يسْمُق ُ عاليا
عصِيّاً بما حمّلْتً نفسَكَ غايةً… تنوءُ الرواسي تحتَها والقوافيا
بلى سبَقَتْ منك العرافةُ بَوحَنا… وأطبقْتَ في الحالينِ قِرْماً ورائيا
وما كل ّ غوّاصٍ ينالُ الدراريا ...وما كلُّ ذي جُنْحٍ يطال المعاليا
كفانا سراةُ الليلِ يومَ توسّلوا... اليكَ السُّهى فُلْكا وما زلْتَ ساميا
تجيشُ القوافي عندَ بابِكً غَرّة ... وبحْرُكُ يبقى حولَها مُتراميا
وكمْ مِنْ أميرٍ خلّدتْه ُ قصيدةٌ… ولولا قصيدُ الناسِ احْجَمَ خابيا
وفيضُك للساعينَ خُلْدٌ مُنَوّرٌ… اذا قيل فيك الشعر اصبح باقيا
كأنّ عناقيد َ النجومِ تنزّلت.. ْ على كتفي حتى توهّجَ ما بِيا
اُناجيك ُ لكني بحبّك َ اصطلي… ولولا نحولُ الجسم حلّقْتُ ساريا
كأنّ جناحَيْ طائرٍ خفقا. معاً… بقلبي فأفْضى بالذي كنتُ خافيا
(فأبلغَ عني أنّ حبّكَ) مَلجأي… اذا عصفَ الدهرُ الخؤونُ بحاليا
انا الشعب ُ صوّبْني الى ايِّ جبهة… ٍتجدْني حساماً قاطعَ الحدَّ ماضيا
********
انا بابلٌ والنيلُ والقدسُ والسُّرى… انا قلعةُ التاريخِ والفتحُ بابيا
انا فيضُ طه والنهارُ جوانحي… انا المجدُ جلّتْ في رؤايَ المعانيا
ولي من اراداتِ الحياةِ جليلُها... اذا رمتُ شأناً فالسماءُ مداريا
معي قبسُ الرحمنِ أنّى تكااثرتْ… جراحي وحامت ْ حولَهُنّ السوافيا
فلنْ يُطفِئوا نورَ المحبة ِ في دمي… وقدْ اسرج َ الله العظيم ُ فناريا
وكمْ قصدَ الغيلانُ وأْدَ مطالعي… فأرعدَ فيهم طائري وسما بِيا
الى حيثُ لا يرقى الي محمحم… فقدْ ملكتْ روحي جناحَ المعاليا
وأخلصني ربُ الهدى بالهدى على… درايةِ خلّاقٍ لطيفِ النواجيا
حَباني بأسفارِ النبوة ِ والنُّهى ... وكلّلني بالمُنتهى واصْطفانيا
(وذلك ما لا. تدّعي) امم ُ الدُّنا… فاْنْ جنَحوا فالغي يجْنَحُ باغيا
مكائدُ تترى أحرَنَت ْ بعنادِها… قديماً وما انفكَّ المُهَجْهِج راغيا
فليسَ عجيباً انْ تضجَّ خواطري… بألفِ مسيحٍ حينَ اُبصِرُ طاغيا
وكمْ صلَّبوني غيلةً بعدَغيلةٍ… وسالَ دمي في ماء ٍ دجلةَ قانيا
فما قدَروني حقّ قدْري وانّما… لغاياتِ نفسٍ حُرّة ٍ كنت فاديا
ولو كانَ همّا مُفْرَداً لكتمْتُه… ُبصدري فذاكَ الهمُّ زيتُ سراجيا
ولكنها اسفار ُ شعبٍ خضيبةٍ … وما زال جرحُ ا لامسٍ يشخَب طاميا
وكنتَ لها يا ذا العراقُ تضمُّها… بجنبيكَ آلافَ الجراحِ الدّواميا
فخذْ علقاً مني ومنكَ رَجاحة... ومنْ أحكمَ التسديدَ،أصمى المراميا
...............................................................................
الضمير الفردي هنا ضمير شخصاني، وليس ضميرا شخصيا..
هذا يعني ان الشاعر يمكن ان يعبر عن الضمير الجمعي بضميره الشخصي وهو وان كان مجازا فهو ايضا من زاوية نظرعميقة تعبير عن الشعور بالانتماء حد الحلولية الذائبه.......
(غازي أحمد ابوطبيخ)

قراءة في نص شاعر- قصيدة ( سياحة الى عالم الغرب ) للشاعر حسين ديوان الجبوري بقلم / الاديبة نور السعيدي

قراءة في نص شاعر ،،،،
قصيدة ( سياحة الى عالم الغرب ) للشاعر حسين ديوان الجبوري تناولها الأستاذ الناقد غازي أحمد أبو طبيخ على أنها ،، التوجة الروحي المشوب بالوَجد ــ تحديداً
المطلع المرَّوع كما تفضلت السيدة الناقدة بلسم الحياة ، فعلاً مرَّوع ( أيها المشرط ، تمهل لا تفسك دمي ، كومة من القش قلبي ) ،،،
لكن ،،،، لكنهُ .
لكن ،،، لم يوحي النص أن شاعرنا مُريد ومبتلى بالله ومن الله ولم يُقدم جسدهُ قُربان كنيزكٍ سقط بمحرابٍ دائم بقلبٍ لاهب ــ ولم يُخرجنا من كينونتهِ البشرية ليصل بنا لمعراجهِ الروحي بل ( ينفصل ـ ويتصل ) بالعلم الكَسْبي أي بما أكتسبهُ من ثقافة معرفية للأصل والفرع ( أية قرأنية وحديث نبوي ) ولم يصل بنا لإصول الإصول ألآ هو ـ العلم اللَدُني ـ ليأخذنا بسياحة لملكوت التجلي ـ بل هو أطلق العَنان للمطلق لمخيلتهِ كشاعر بمسافات مختلفة في البُعد والقرب من خلال كشف المشاهدة بعين البصر لا البصيرة ،، ويستمر بالسياحة ليضع القارئ بسَلةِ منجنيق ويقذف به من دار الدنيا بدون المرور بالبرزخ لدار الآخرة وما بها من أهوال ومن ثَمَّ فريقيين ـ نعيم وجحيم ولا أدري مدى يقينهُ المطلق من أنهُ صائر للنعيم وهو يمتطي صهوة ( جعفر الطيار رض ) وبطاقتهُ المرورية هو الولاء المطلق ،
المريد هو الغريب في الدنيا والآخرة حتى لقاء المحبوب ( الله سبحانهُ وتعالى ) وإن كان هذا هو الوَجد وهو الأحساس الأولي باللذة أو الألم مع خَلجات النفس ومشاهدة خارج الذهن المألوف مع التوقيع من القلب ببصمة ربانية ليكون المريد بين طَبقي الرَحى ( مجاهدة وعلم ـ أمل ورجاء ـ إلهام وكشف ) فلم أقرأ ولا بين السطور من إيحاء للوَجد .
/ الوجوه أثقلتها أنوار التقوى / ،،،
إنَّ مَن ساحَ بملكوت الله ويأخذ الألهام من الله ( وينثر دراهم الله ـ الحلاج ) والمَرْمي بالحضرة الربانية حتى الجسد لم يَعدْ يدري ( أريدُ أن لا أريد ــ ألآ ما يريد ـ البسطامي ) والمُسلَّح بإيمان ينقل به جبال والغائص بطُهْرانية لُجة الذات الآلهية وإزدهارهُ بنارِ العشق والمقتول ـ المسكون بالعدم وهم ضفوة الصفوة ،، أتُثقل وجوههم الأنوار وقد أستحموا بالأنوار الرحمانية ؟؟؟؟؟
/ قيل هنا مكانكَ حتى ينفخ أسرافيل / ،،،
أشطحٌ هذا أم ماذا ؟؟ وشاعرنا وإن كان طائرٌ طيفورياً ليُحلق بنا على رؤوس الأشهاد ويخبرنا بمكانهِ كما فعلَ الحلاج ( أنا ،،، الحق ) ورَّد عليهِ الجُنيد ( لقد أحدثت ثغرة في الأسلام لا يسدها ألآ راسك ) !!!! أم هي سَكْرةٌ من سكرات الجيلاني ( سقاني الحب كاسات الوصال ـ فقلتُ للخمرة في نحوي تعالي ) ( كلما قلتُ يا هُوُ ،، اتاني غوثهُ كالبُراقِ ) الوجدُ العشق وهنا عندهم تعطيل عيون الرؤوس وفتح عيون القلوب .بِهيام الأرواح بالملكوت ـ وشاعرنا يقف على حافة القبور ليسألهم / هل رأيتم تلك القصور / لأعود لمطلع القصيدة لا للقفلة ،، قلبي كومة من القش .
لكنهُ ،،،،
نص من تواشيح بمحراب الشاعر بإقاعٍ جمالي ـ معيارهُ الوحيد هو الذوق المحصور بالجانب السامي من خلال مُحرضات العاطفة وبخضوع مناسب لهذا الجمال وبجهدٍ للوصول لإنعاش المعنى لديهِ بشمولية المعنى الخطابي ليُبرز صوفية النص وهو ليس بنص صوفي قطعاً كما تفضل أستاذنا الناقد غازي أحمد ابو طبيخ .
شاعرنا ( المُتعاقل ) أي المُكابر كنص حضاري أكثر صُدقاً ـ أنساناً وشاعراً ـ وكم وددْتُ وأُبارك هكذا نصوص لأننا ،،،،
كم ضقنا ذرعاً مِن أَننا أجسادٍ ولُغات نسقط أمام كل توبة وحوبة وإنابة بعالم لعين وحماقة إيمان وأعظم الفِخاخ هو فخ أننا مخلوقات نذر وحصتنا كل أنواع العذابات وزنابقنا لم تَعدْ تُرمم مساءاتنا اليتيمة .
أما موسيقى القصيدة ـ رائعة جداً بَدتْ مسترسلة لا مستقطرة ، كما أُحسد الشاعر على هذا النفس الطويل بكتابة النص وتحياتي لكل الأساتذة ولشاعرنا الرائع / تحيات نور السعيدي
سياحة في عالم الغرب
*****************************
إيها المشرط الدامي
مهﻻ ....
ﻻ تسفك دمي
كومة من القش قلبي
فﻻ تظرم النار جنبي
رغبتي خنقتها العبرة
وأدمت ساحل الجفون شهقة
وقاربني الموت بالتمني
أشتهي فﻻ أستجيب لشهوتي
مجرد قطعة حلوى تميتني
فيتهاوى عرشي المتهالك
حتى يتﻻشى بين ذرات التراب
ويعلن السياحة في عالم الغرب
هناك سنبوح بكل ذنب
هناك تتقلب القلوب
بين أنهار من لبن
او في حفر من نار
في ذلك الزحام تتطاول اﻷعناق
وهنيئا لمن ينتشله النور
من بين تلك الجموع المسمرة العيون
تهبط الشفاعات لمن يأذن بها الرحمن
يبرز اﻷتقياء لينتشلوا مواليهم من الواقعة
هناك تتصفح الوجوه
ينادي المنادي يا فﻻن بن فﻻن هلم إلينا
ترجف القلوب ويشيب الولدان
وتشخص اﻷبصار للواحد القهار
والكل إلى رحمته صائرون
مثقلة أجسادنا من كثرة الذنوب
تتهاوى من وقع الهجير
يأمل الموالون أنقاذهم
وأذا بفارس بﻻ كفين
يظم راية بين الزند والوتين
رجﻻه تخطان اﻷرض
نوره يسعى بين يديه
أشار ﻷصعد خلفه
ألم تكن أنت من الموالين
أي والله
فذهب الروع عني وهزني بكاء و عويل
فقادني إلى ذلك المكان الرهيب
وجوه أثقلتها أنوار التقوى
ﻻتسمع فيها إﻻ سﻻما قوﻻ من رب رحيم
ولدان مخلدون
وحور لم ترى مثلها العيون
وحدائق غناء بالتين والزيتون
وأنهار ﻻ يصفها الواصفون
جنة كما وعد النبيون
قيل هنا مكانك
حتى ينفخ أسرافيل
وزارني كل عاشق جميل
أذهلني أن الكل متشابهون
وجوه ناعمة إلى ربها راغبة
هذا هو الوعد المكتوب
وكل ذنب هناك مغفور
يا من في القبور
هل رأيتم حقا تلك القصور
نعم يسكنها المتقون
الراكعون الساجدون
اللهم أجعلنا من الراكعين الساجدين

تقديم موجز،لاخر قصائد كاظم الحجاجا لتي قرأها في مهرجان الجواهري الاخير..بقلم / الاديب الناقد غازب احمد الموسوي



تقديم موجز،
لاخر قصائد كاظم الحجاج
التي قرأها في مهرجان الجواهري الاخير..
،،،
لايفهم مبنى هذا الشاعر المنهمر الا شريحة بالغة الخصوصية ،اما مضامينه فلا أظن عراقياً على وجه الخصوص لا يحس عميقاً بأن كاظم الحجاج كان في إجماله الشعري يلامس دخيلته بل ويعبر عن اخص هواجسه،ولكن بلغة الشعب كله الذي كان ومايزال مصراً على مخاطبته محورياً،بعيداً عن التكلف والتعسف والتقعيب والتقعير والزخارف الاستعراضية الفارغة..انه لايغترف الا من روح الواقع ،بكل احزانه وخواطره الدفينة التي يطرحها بجرأة وبسالة نادرة،في اعماق الحدث الراهن بقلب الوطن الراعف، ليس في السياسة ولا انطلاقا منها،بل فضحاً وكشفا لاحابيلها ودفائنها ،يقول كل مايقول ممثلا عن بلده تاريخاً وفولكلوراً واحساساً عراقياً محضاً،بصياغات عالية الموسيقى ولكنها حرة من دون قيود مسبقة،كاسراً بها المعتاد،مقارباً المحكية موازياً لها صاعداً بها،الى روح الوعي النوعي بالسرد والدراما والحوار والادانة والاحتجاج ..
وكثيراً ما قرأت استغراب البعض من هذه الخصوصية الكاظمية،حد سوء الفهم لهذا الشاعر الكبير..ولا اكشف سراً حين اقول ان بساطات الحجاج التعبيرية هي سره العميق لانها تنطوي على اعماق الشعور الانساني الجمعية الدفينة ..
بالاجمال ان شجاعة الحجاج التعبيرية نابعة في حقيقتها من عدم رضوخه للانوية الاستعراضية،واصراره على الوصول الى اوسع الشرائح الاجتماعية نازلاً الى الناس،متمسكاً بألاصل الحداثوي الذي ينحاز الى ان غاية الفن عموما والادب خصوصاً هي الانسانية الطيبة..وليس بعيداً عن الذاكرة مقولة فيشر" كلما اقترب الشاعر من محليته اكثر اقترب من عالميته اكثر"..
وهاهو يغترف من التاريخ المحلي اسطورة وواقعاً،ومن الفولكلور والمناخات الشعبية من اقصى الشمال الوطني الى اقصى اهوار الجنوب،بروح عاشقة دافقة لاوصف يناسبها الا جغرافية العراق وشعب العراق..
حفظ الله الحجاج النبيل،وبارك الله الناشر والمنشور ،والسلام..
قصيدة الشاعر كاظم الحجاج التي القاها في مهرجان الجواهري الذي عُقِدَ في بغداد مؤخراً:.
نشيد أخير
كاظم الحجاج
هذا في المتحف :
نايٌ من قصب الأهوار، رفيعٌ شبرين، بطول رضيع .. 
وحزين ، كيف غناءُ المعدان.
كانت شفتا ( ننسونَ) – إلهةِ سومر – تنفخه فيَئنّ لها:
(( العاليات انزلن . والمايطيرن طرَن ..)).
وقيثارة ، في أصابع عذراءَ – حفيدةِ ( فدعه) - ..
... وهي تمسح قبر أخيها الشهيد الوسيم - :
(( بعدَكْ حلو . لو جالك الدود ؟ )) ..
.. ووقوراً يفيض الفراتُ ، نزولاً من الله ، لا مِن بلاد الجبال – الشمال .. 
( لم تكن ولدتْ بعد تلك البلاد) ..
وما كان ( كارون) – في الشرق – نهرَ أَحد ..
* * *
والآن :
لا في المتحف ، بل بعد سبعة آلاف عام ؛
لون الماء صغير في النهرين وفي الأهوار ..
والمشحوف – الحوت الأوّل – مغروس في الطين ..
والأسماك :
الشبوّط . الكطّان . البنّي . الحمري ..
تبحث في أنهار الجيران العطّاشينْ
.. عن لقمة ماء !
* * *
يا أيّها النوّاب . أيّها ( المجرَّبونَ)
والذين لم يُجرَّبوا . يا أيّها النوّاب .
ولا تقتربوا من نصب ( جواد سليم) . بعد الآن !
عودوا الى مطابخ بيوتكم ..
ولْتخجلوا . إن كان بها جِبنٌ أو لبن ..
من ( سدّ أليسو ) ..
أو تمرٌ أسود ، من نخل الجيران ْ ..
حزنانُ على سيّدهِ .. تمرِ البصرة .. يا نوّاب !
* * *
وأنا . سوف أصيح . بعلوّ الناي . وحزن المعدان :
يا أحزاب الشيعة . يا أحزاب السنّة . يا أحزاب الأكراد :
ألف عوافي !..
فلْتقتسموا بغداد !
لكنْ. لن تقتسمونا!
وأنا . – بين القيثارة والناي - ..
سأصعد فوق الزقّورة ؛
أتلو نشيدي الأخير :
في البدء كان الرافدانْ
وكانت الدنيا دخان
لا بارقٌ خلف المدى . والأفق ضاقْ
حتى بدا – مثل الندى وجهُ العراق!
2018/6/24

همسة على بيت: قراءة لابيات الشاعر حسين ديوان الجبوري بقلم / الاديب الناقد غازي احمد الموسوي

همسة على بيت:
-----------
لو قارنا البيت الاخير خصوصاً لهذه الومضة العمودية مع لوامع الشعر العربي لوقف معها موقف الند للند لما ينطوي عليه من عجيب الانزياحات البلاغية والإلماحات الطريفة الموحية..
ولقد افردناه لكي يكون دالة مضيئة ومثابة أدلى بها مستقبل شاعر بات منظوراً..اعني ان هذا البيت لم يكن دلالة على شاعر واعد وحسب..كلا..انه دلالة على اننا بإزاء شاعر أوشك على التحقق بالقريض ايضاً،بعد ان تحقق وصار من اعلام قصيدة النثر في هذا العالم الافتراضي الذي بين ايدينا ،والذي بات يضم اه
م عشاق الحرف من الكبار..
وعوداً على ذي بدء نعود الى موضوع الحوار فنقول:
"أنا من مارج العشاق"..تناص واقتباس وتخريج بالغ الخصوصية عن طريق التضاد الايجابي..فأصل الاية المقدسة ان الانسان من (حمأ مسنون..من صلصال كالفخّار)..وان الجانّ هو البعد المقابل،كونه مخلوق من ( مارج من نار)..فماذا فعل شاعرنا الاستاذ حسين الجبوري?..لقد قام بتحويل الصفات،مستعيراً صفة الجان التي رحّلها من موضعها ثم اسقطها على هيأة شريحته التي ينتمي اليها من العشاق..وهي لعمري عملية تصعيدية موحية وبارعة..وكانّه يريد ان يقول ان العاشق الموله سوف يتغير فسلجياً،فينتقل من حاله البشري المعتاد الى عوالم ومناخات وفسجلة المخلوق الموازي واعني الجنّ..فهو اذن تجاوز مستويات التشبيه الى الاستعارة بشقّيها..ولم يكن الامر تغليفاً او قناعاً او ترميزاً،كلا..انها فعالية تحويلية ماهيّة ،حتى ابعد من الحلول.."لقد تصَيّرَ هو بذاته"..واعني الجان..
هذا موجز مافي صدر البيت من الاشتغال البلاغي..
اما عجز البيت،فهو شاهق بلاغياً،حد الإدهاش..
كون الشاعر يُصوّر الصباح بشراً سويّاً كان ينام في احضان الليل ثم فزّ( استيقظ فجأة ) من نومته مستلماً لدورة حراسته،مالئاً بأضواءه الأفق الفسيح..
وتلك هي الانسنة او التشخيص في ابهى صورهما..واروع حيويتهما..بمعني اضفاء سمات الكائن الحي العاقل على مفردات وكائنات الطبيعةوالجمادات..وتحويلها الى كائنات حيوية فاعلة..وبعيداً عن التناص،لكون صورة شاعرنا متفردة مستقلة،ولكنها لشدة جمالها تذكرنا بابيات علي بن الجهم كمناخات بليغة ولذيذة ودفينة في ان واحد حيث يقول:
"هذا الصباح بدت بشائره
ولخيله في ليله ركض
.
لاتحسبوا لهوي على كبَرٍ
فعليّ من زمنِ الصبا قرْضُ"..
يلي البيت الاخير في خصوبته ولطيف اشاراته البيت ماقبل الاخير:
"فمن يدري سيفهم لوعتي ذي
ويفهم كيف تؤذيني جراحي"..
ويالها من صورة تعبيريه عن وجدان الشاعر،في جانب،ولكنها تكشف لنا في ذات الوقت امراً طريفاً ودقيقاً،موجزه،ان مشاعر واحاسيس العاشق لايدرك كنهها ومديات لوعتها وماتتركه من آثار موجعة جارحة الا مثيله من الصاعدين من مستويات الطين اللازب،الى المارج اللاهب..
بينا يشكل البيتان الاول والثاني مناخاً تمهيدياً،للولوج رويداً الى صلب الحالة المكتظة بالكثافات الشعورية والشعرية التي ذكرناها آنفاً..
اخي الشاعر حسين ديوان الجبوري..ماذا لو صعدنا بالبيتين الاول والثاني من طينتهما الحالية،الى مارج البيتين الاخيرين?!.. كيف سيكون هذا النص?!..
اجدت ،واعجبت كثيراً،والسلام..
سئمت الغدر من خل نساني
وقلب الصب مكسور الجناح
.
سكبت الدمع من لحظ رماني
أصاب القلب مسنون الرماح
.
فمن يدري سيفهم لوعتي ذي
ويفهم كيف تؤذيني جراحي
.
انا من مارج العشاق ناري
اذا ما فز من ليلي صباحي

من ارشيف الذاكرة: بقلم / الاديب غازي احمد الموسوي

من ارشيف الذاكرة:
-------------
مهداة الى اخويَّ
Jamal kyse .أ
وأ.Jassim Alsalman
وجميع الاصدقاء
مع التقدير 
------------------
لم يخرجوهم ،
الى ساحة التعداد هذا اليوم..
هو يعلم انها ليست اكثر من فرصة للمطامنة..
ولكنه راضٍ بحثاً عن نوع من التسكين..
فهذا هو الممكن الآن!!،
لذا فقد كان المرجل يتلظى بين أضلاعه،وماعاد قادراً حتى على المناورة..
إذ كان الحصار ضاغطاً بشكل مهول من الخارج، وكانت جمرة الدخيلة لاهبة هي الأخرى بما لايطيقه سوى نوع بالغ الخصوصية من الرجال ..
من هنا امسى كمن ينطوي على عبوة موشكة على الإنفجار!!..
كل ذلك في جانب ولكن وقوفها قبالته الآن كأبهى ماتكون ،وفي اعذب واشهى احوالها ،في جانب آخر..فلم يك قادراً البتة على زحزحة شبحها الملائكي لحظة واحدة ،
من هنا كان مضطراً الى رقصته الملوية المعتادة كنوع من الحل المؤقت..حتى اصابه الدوار فسارع الى الامساك بالقضبان بكلتا يديه ومن شدة حرقته والتياعه راح يهزُّها بقوة كمن يشعر بالإختناق..
كان الحرسيُّ قريباً جداً فبادره قائلاً..
- هل تظن انك قادر على اقتلاع القضبان ?!.. 
قال ذلك مبتسماً بنوع من السخرية المكتومة،وكان يفهم لغته تماماً،والاجدى ان لايجيبه،فهو يعلم ان الإجابة ستلقي به الى التهلكة،فلماذا يمثل دور البطل من غير طائل..إلا انه تمتم مع نفسه:
-الى متى ايها الشرق الغريب الأطوار?!.. 
هو يتذكر جيداً كيف ألقَوا به ذات ليل بهيم في الزنزانة الانفرادية الموصودة..
تلك التي تتصل بما لايطيب ذكره..
يكفي القول بان زخم الروائح،كان يمنع استذكاره لنوع السائل المحيط بهيكله العظمي المتبقي من جسده المتهالك.. ولهذا لم ينبس ببنت شفة قط..
بيد ان سؤال الحرسيِّ قد اسهم في إفلات مخيلته من حصار الدخيلة الهاصر،ولكنه في نفس اللحظة القى به في اتون حصار الواقع المقيت،فراح يسأل نفسه..
- ترى اي الحصارين اشدّ عليك ايها ال....
احيانا يحار بماذا يسمي نفسه وهو في هذه الحال،حيث المنفى الذي لاتصل اليه اجنحة الطير..لاخبر..لاصلة بالعالم الخارجي..لاصحيفة..لاتلفاز..كان هناك جهاز راديو تم دفنه بعيداً عن العيون،ولكنّ أحداً ما دلَّ عليه، فأخذوه، مثلما يُنتَزَع
قلب نابض من بين الضلوع..الحقيقة انهم كانوا مستعدين لتقديم انفسهم فداء لشدة اهميته ..فهو خيط الاتصال الوحيد ..بل ودليل الإنتماء الى الأحياء الوحيد أيضاً..
لكن ليسوا كلهم طبعاً،فها هو يتسائل مع نفسه..
- ترى هل أنت مستعداً يا....
- ماذا قلت...?!
خاطبه صاحب سجنه مندهشاً..
- لاشيئ ياصاحبي..كنت اغني فقط..
- وهل هذا نوع جديد من الغناء?!
- نعم ياعزيزي،انه نوع جديد!!
ضحكا معاً على انغام شرّ البلية،ثم ضربا كفّاً بكفٍّ..
إنها لحظات اكثر غرابة من عجائب الدنيا ..أن يضحكوا وهم في وسط الجحيم!!..
مع ذلك ،توسد كل منهما بطانيته الوحيدة ،واضعاً تحت رأسه كيسه الملئ باللاشئ، الا من بعض علب السجائر الفارغة..
- لا اعرف بالضبط ،لِمَ احتفظُ بهذه العلب الخاوية?!..
ثم كأنه تنبه الى أمر ما..
-هاااا..تذكرت الان..يبدو انني سأصاب بالزهايمر المبكر..
مدّ يده الى كتف صاحبه المغمض العينين على يقظة صامتة،اذ سرعان ما تلفت هذا الصاحب قائلاً:
-ماذا هناك?!...
-منذ متى نفظت جيوبك?!
- ذكرتني والله ،فلقد كانت على بالي ولكنني في قنوط!!..
وقفز كالملدوغ من فراشه الوثير جداً جداً ،خلعا قميصيهما معاً،ثم بدءا بتفتيش الجيوب عن " الفعفع"بحثاً عن ذرات التبغ المنثورة فيها..دفع صاحبنا يده داخل كيسه ،واعني وسادته الناعمة..اخرج احدى علب السجائر الفارغة..قرب كأس ماء غريب اللون والطعم والرائحة..غمس مقطعاً من علبة السجائر في الماء لحظات..قشع باطنها الابيض الرقيق..تركه حتى يجف رويداً.. صار قريبا من شكل لفافة التبغ..جمعا مابينهما من (الفعفع).. وضعاه على نيّة التبغ داخل اللفافة..كوّره بشكل دقيق وحذر بحرص شديد جداً..بلل حافّته من ريقه ..اغلق اللفافة جيداً.. مسّدها بلطف حميم ..ثم قدمها لصاحبه قائلاً:
- انت الاول ياصاحبي..
قالها كمن يقدم له حورية من الفردوس..راحا يتبادلان تقبيلها بشغف عجيب حد انهمار الرضاب الاسود الثقيل ،حتى اوشكت على ان تلفظ انفاسها الاخيرة..عندها وصلت رائحتها الزكية المثيرة لاحد النائمين ،فناداهما بخجل الملهوف..
- هل بقي شئ منها?!
- نعم ..تعال ..خذها..هذا المتبقي كله لك..
ولم يكن غير ذيلٍ من القطران،ولكنه تلقفها شاكراً ممتناً جذلاً،ثم توارى حتى زاوية الزنزانة لكي لايشاركه فطين آخر..
بينا القى صاحبنا 
راسه على كيس الثروة الحميم..اغمض عينيه على صورة معشوقته قائلا:
-كلي امل ان اراك ياحبيبتي بعد قليل!!
وضع يمينه تحت خده..بسملَ بصوت خفيض ،
ثم نام 
مثل محنط قديم!!...
..يتبع..