السبت، 21 أبريل 2018

( القص في الادب العربي).. تعريفه، نشأته، تطوره، انواعه..الجزء الاول بقلم / الاديب شاكر الخياط

( القص في الادب العربي)..
تعريفه، نشأته، تطوره، انواعه.. ج 1
*
أ.شاكر الخياط
*
القص هو نوع من انواع النثر العربي، وهو متقدم على الشعر في نشوئه، وقد تضمن في باديء الامر الاسلوب السردي الحكاوتي، وهو اسلوب التناقل الشفهي بين الراوي( السارد) والمتلقي وذلك لقلة او انعدام ظاهرة التدوين الا ماندر، ولا غرابة ان الملاحم الروائية والقصص البطولية الواقعية منها والخيالية التصورية كانت تنتقل من شخص الى اخر ومن منطقة الى اخرى عن طريق السماع ثم الاصغاء ثم الحفظ فالروي ثانية، وهذا الامر يعود الى عصور قديمة في الجزيرة العربية والناطقين بلغتها، وقد ثبتت بعض من تلك الحكاوى او الروايات لملاحم وقصص، كانت الاساطير متقدمة على تلك الانواع لسهولة الصياغة واستخدامها في التعبير عن صفات وحكم ومواعظ وشؤون يبغيها الراوي الذي كان يصل في حد التقييم الى مرحلة الواعظ او يتعداها الى صفة الحكيم، ومنشأ هذا يعود الى قبل الميلاد وطرح الملاحم والاساطير على الناس باعتبارها النتاج اليومي او النتاج المرتبط بما تصدره الالهة او نوابها على الارض من احكام، وقد استخدم هذا اللون في تحشيد الطاقات الشعبية استعدادا للحروب وشن الحملات، فكانت الضرورة تستدعي نشوء من يحفز الهمم ويشرح للناس مايقوم به الحاكم ونتائجه، ونتيجة عدم التواصل بين الجزيرة العربية في عصور قديمة قبل الميلاد وبين موطن الرواية او القصص من الاغريق والرومان، كانت الحاجة الاجتماعية الى التواصل المجتمعي رغم محدودية الحركة والحدود والمسافات المعروفة لتلك الحركة، تستدعي التجمع فالانسان اجتماعي بطبيعته، الامر الذي يتيح للقص باشكاله المتنوعة ان يسيطر على المساحة الزمنية لسد الفراغ القاتل لمجتمع ليس فيه مايشغل، وهذه من وجهة نظري المتواضعة نقطة مهمة بل استطيع التعبير عنها بالنقطة الاولى لاسباب نشوء القص متراصفا مع تلك الاسباب التي تطرقنا اليها في اسباب النشوء، فظهرت عندنا القصص الملحمية مستمدة من الاسطورة ومستندة على الاسطورة في شكل الصياغة رغم قلة تداولها بين الناس، وهذا لايعني ان القصص الملحمية هي اسطورة بل هي شكل ادبي كالاسطورة ويختلف عنها في كونه يتضمن مواقع واحداثا وشخوصا لها ارتباط بالواقع، رغم ان بعض تلك القصص كان الخيال والمبالغة وتعظيم الدور الشخصي للبطل هو اساس جذب المتلقي وسرعة الحفظ وسرعة نقل السرد الروائي وباسلوب التناقل الشفهي رغم صعوبة الحفظ في بعض الاحيان لطول المروي...
يقول الدكتور ابراهيم عوض في جزء من بحثه الموسوم:
متى عرف الأدب العربي فن القصة؟
" أما ما يقوله بعض المستشرقين ويتابعهم عليه بعض الكُتاب العرب من أن العرب يَنقصهم الخيال والعاطفة، وأنهم من ثَمَّ لم يعرفوا فن القصص - فأقل ما يقال فيه هو أنه سُخف وتنطُّع؛ إذ الميل إلى القصص هو ميل غريزي لدى كل البشر، كما أن الخيال والعواطف هي هبة من الله لم يَحرِم منها أُمة من الأُمم، بل كل الأُمم فيها سواء، ومن ذلك ما نقله د. أحمد أمين في "فجر الإسلام"، عن المستشرق البريطاني ديلاسي أوليري (De Lacy O'Leary) في كتابه: "Arabia Before Muhammad" من أن العربي ضعيف الخيال جامد العواطف، وإن كان قد عقب على ذلك بأن الناظر في شعر العرب - وإن لم يرَ فيه أي أثر للشعر القصصي أو التمثيلي، أو الملاحم الطويلة التي تُشيد بذكر مفاخر الأمة؛ كـ"إلياذة" هوميروس، و"شاهنامه" الفردوسي - سوف يلاحظ رغم ذلك براعة الشاعر العربي في فن الفخر والحماسة والغزل والوصف، والتشبيه والمجاز، وهو مظهر من مظاهر الخيال، كما أن بكاء ذلك الشاعر للأطلال والديار، وذِكره للأيام والحوادث، ووصْفه لشعوره ووِجدانه، وتصويره لالتياعه وهيامه، كل ذلك دليل على تمتُّعه بالعواطف الحية، ويردِّد أحمد حسن الزيات في تاريخه للأدب العربي شيئًا قريبًا مما نقَله أحمد أمين عن أوليري، وإن اختلفَت مُسوغاته؛ إذ من رأيه أن مزاولة هذا الفن تقتضي الرؤية والفكرة، والعرب أهل بديهة وارتجال، كما تتطلَّب الإلمام بطبائع الناس، وهم قد شغَلوا بأنفسهم عن النظر فيمن عداهم، فضلاً عن احتياجه إلى التحليل والتطويل، على حين أنهم أشد الناس اختصارًا للقول، وأقلهم تعمُّقًا في البحث، مع قلة تعرُّضهم للأسفار البعيدة، والأخطار الشديدة، ثم إن هذا الفن هو نوع من أنواع النثر، والنثر الفني ظل في حكم العدم أزمان الجاهلية وصدر الإسلام حتى آخر الدولة الأموية، حين وضع ابن المقفع الفارسي مناهج النثر، وفكَّر في تدوين شيء من القصص.
بيد أن عددًا من كبار النُّقاد ومؤرخي الأدب عندنا، تولَّى تفنيد هذه التهمة المتسرعة التي إن صحت - وهي لا يمكن أن تصِح - كان معناها أن الله - سبحانه وتعالى - حين خلَق الخيال والرؤية، كتب على كل منهما لافتةً تقول: "ممنوع اللمس! للأوربيين فقط!"، والحق أنني لا أدري كيف يفكر أصحاب هذا الزعم العجيب الذي لا يقول به العقل ولا الذوق، ولا التاريخ ولا الواقع ولا الشواهد! ومن العاقلين الذين تولَّوا تفنيد هذه التهمة السخيفة المتخلفة، الدكاترة: زكي مبارك، الذي أكد في الجزء الأول من "النثر الفني في القرن الرابع"، أن العرب "كجميع الأمم لهم قصص وأحاديث، وخرافات وأساطير، يقضون بها أوقات الفراغ، ويصورون بها عاداتهم وطباعهم وغرائزهم من حيث لا يقصدون"، كما ردَّ عمر الدسوقي باستفاضة في كتابه: "في الأدب العربي الحديث" على هذه الفِرية العنصرية، وأدحَضها على أساس علمي وفلسفي، مُبينًا أن ما كتبه العرب وما ترجموه من قصص في القديم والحديث، يُنبئ بجلاء عما يتمتَّعون به من خيال ومهارة فنية في هذا السبيل، بل يذهب أحمد أمين أيضًا في كتابه: "فجر الإسلام"، إلى أنه كانت هناك صلة بين عرب الجاهلية وآداب غيرهم من الأُمم؛ كالإغريق والفرس، تمثَّلت في أنهم أخذوا بعض القصص، فاحتفظوا به؛ يَروونه، ويتسامرون به على الحال التي نقلوه عليها دون تبديلٍ، أو صاغوه في قالب يتَّفق وذوقهم، علاوةً على قصصهم الأصيل الذي لم يأخذوه عن غيرهم مما نجده في "أيام العرب" وما يسميه بـ"أحاديث الهوى".
ويقول محمود تيمور في كتابه: "محاضرات في القصص في أدب العرب: ماضيه وحاضره": "سارعنا إلى الإنكار على الأدب العربي أن فيه قصةً، وما كان ذلك الإنكار إلا لأننا وضعنا نُصب أعيننا القصة الغربية في صياغتها الخاصة بها وإطارها المرسوم بها، ورجعنا نتخذها المقياس والميزان، وفتَّشنا عن أمثالها في أدبنا العربي، فإذا هو خِلْوٌ منها أو يكاد.
وشد ما أخطأنا في هذا الوزن والقياس، فللأدب العربي قصص ذو صبغة خاصة به وإطار مرسوم له، وهو يصور نفسية المجتمع العربي وخلاله، فلا يقصر في التصوير، وإننا لنشهد فيه ملامحنا وسِماتنا وضاحة، وكأننا لم نفقد في مجتمعنا العربي حتى اليوم ما يكشف عنه ذلك القصص من ملامح وسمات، على الرغم من تعاقُب العصور وتطاول الآماد، وهو في جوهره وثيق الصلة بالوشائج الإنسانية التي هي جوهر القصص الفني، وإن تبايَنت الصياغة واختلف الإطار".
ومن الطريف أن تيمور كان يرى عكس هذا الرأي قبلاً، زاعمًا أن البيئات الصحراوية ينقصها الخيال، وأن ما تركه لنا العرب في هذا الميدان شيء ضئيل لا قيمة له، وإن صُنِّف هذا التراث الضئيل - الذي لا قيمة له كما كان يقول - إلى قَصص عاطفي وقصص حربي بطولي، وقصص علمي فلسفي، وهو ما يجده القارئ في مقال لتيمور عن "نشوء القصة وتطورها"، منشور في عدد سبتمبر 1936م من المجلة الجديدة، وكذلك في مقدمته لمجموعة "الشيخ سيد العبيط"، ولست في الواقع أعرف كيف يفكر أصحاب هذه الدعاوى العجيبة، فعرب الصحراء لديهم خيالهم كأي بشر آخرين، وكان العرب القدماء يعتقدون في الغول والشياطين، وعزيف الجن، ووادي عبقر، كما كانت لهم أساطيرهم وحكاياتهم الغرامية والسياسية والحربية والاجتماعية... إلخ.
ويظن بعض القوم ممن يزعمون على العرب المزاعم أن الصحراء - لكونها مكشوفة - لا تمد أهلها بالخيال، وكأن الخيال عنصر يأتي للإنسان من خارج نفسه، لا من باطنها بوصفه غريزةً من الغرائز التي تجري في الدماء، ولا يَشتريها الإنسان ولا يَكتسبها، ومعروف أن الصحراء تَعِج بكُثبان الرمال التي تَحجب رؤية ما وراءها، ما دُمنا نسمع من يقول بانبساط الصحراء دون عوائق أو خفايا، فضلاً عن أن مَن يقدر عليه أن يضلَّ طريقه يومًا في الصحراء، فقد انتهى أمره، إلا من كُتِب له عُمر جديد، بما يدل على أن الحياة فيها ليست سَمْنًا وعسلاً، بل عناءً يقتضي صاحبه يقظةً مستمرةً، وإلا ضاع، فكيف يقال: إن الصحراء ميدان مكشوف لا يبعث على الخيار؛ لأن الحياة فيه سهلة لا تَستفز الأحلام؟!
أما الجبال - والجزيرة العربية مملوءة بها - فهذه حكاية أخرى، ثم هناك الليالي المقمرة التي لا يعرفها سكان المدن، وهي ليال تُنطِق بجمالها وروعتها الحجرَ، وتُلهمه الفن الأصيل، فكيف ببني الإنسان؟!
وفي ذات السياق يبدي محمد مفيد الشوباشي، في كتابه القيم: "القصة العربية القديمة"، استنكاره لما لاحَظه من أنه: "لا يزال بيننا أناس ينكرون على العرب كل ميزة حضارية، وينظرون بعين الاستهانة والازدراء إلى آياتهم الباهرة في ميادين الأدب والفن والعلم، وقد شمِلت استهانتهم وزرايتهم - فيما شمِلتا - القصة العربية القديمة! وسندهم في هذا أن قصص العرب كانت؛ إما أخبارًا أو حكايات، أو شعرًا روائيًّا، فهي لا تشبه القصة الحديثة التي نعرفها بحال، وعلى ذلك لا تستحق أن تسمى: قصصًا".
وبحق يقرر د. محمد حسين هيكل في "ثورة الأدب" وفي مقال له بعنوان: "رأي في القصة العربية" منشور في "هلال" أغسطس 1948م أن فن القصص قد عرفته جميع الأمم القديمة والحديثة، وأن "القصة" - كما نعرفها اليوم - ليست إلا شكلاً من الأشكال التي اتخذها هذا الفن على مدى تاريخه الطويل، وأن هذا الشكل سوف يتطور ولا شك في المستقبل إلى صور وألوان أخرى، أما بالنسبة إلى الأدب العربي القديم، فهو يؤكد حفوله بالأعمال القصصية المُعبِّرة عن أوضاع العصور التي ظهَرت فيها وملامحها شعرًا ونثرًا.
ويفيض د. محمود ذهني - على مدى عشرات الصفحات من كتابه: "القصة في الأدب العربي القديم" - في مناقشة دعوى افتقار الذهن العربي إلى الخيال، وخُلو أدبنا القديم من الفن القصصي، مقدمًا عددًا من الأدلة العقلية والنصوصية: منها مثلاً ما ورد في كتب التاريخ والحديث والتفسير، من روايات عن النضر بن الحارث، الذي كان يحارب دعوة الرسول - عليه السلام - من خلال جلوسه مجلسه - صلى الله عليه وسلم - بين مشركي قريش وتلاوته عليهم حكايات الأكاسرة، وقُوَّادهم ورجال دولتهم؛ بُغية صرْف قلوبهم عن الدين الجديد، ومحاولة تخليصهم من تأثير كتابه المعجز، ومنها ورود كلمات "قص" و"يقص" و"قصة" و"قصص" في لغة العرب وكتاباتهم؛ مما يدل على معرفتهم بهذا اللون من الأدب، ومنها ما يقوله المؤرخون من أنه كان لمعاوية رجال موكلون بالكتب التي تتحدث عن أخبار العرب، وسياسات الملوك الماضين، يقرؤونها عليه كل ليلة، ومنها امتلاء كتب الأدب العربي بالحكايات والنوادر والقصص، التي تدور حول عاداتهم وأحوال معيشتهم، ومعاركهم وأساطيرهم، أو حول أخبار العجم وملوكهم، وسيرتهم في رعاياهم، أو حول المغامرات والمكايد التي يَحكيها البشر بعضهم لبعض... إلخ.
والواقع أن ما قاله د. ذهني صحيح مائة في المائة، فمن يرجع إلى كتب الأدب العربي القديم سوف يهوله المقدار الضخم للقصص التي تتضمَّنها تلك الكتب، وكثير منها يعود إلى العصر الجاهلي أبطالاً وموضوعات وتواريخ، ومن يرد أن يتحقَّق من هذا، يُمكنه النظر مثلاً في كتاب "قصص العرب"؛ لمحمد أحمد جاد المولى، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي بأجزائه الثلاثة، وهذا الكتاب يحتوي على مئات من القصص، يخص العصر الجاهلي منها قدر غير قليل، وإن لزِم القول بأنه لا يتضمَّن مع ذلك جميع القصص العربية ولا معظمها، بل عينات منها فحسب، كما أنه لا يتعرض للقصص الطويلة بحال، بل يَجتزئ بالقصص ذات الحجم الصغير، تلك القصص التي يَنطبق على عدد غير قليل منها، شرائط القصة القصيرة كما نعرفها الآن، وهذا مجرد مثال ليس إلاَّ، وعلى أساس مما مرَّ، ينبغي أن نقرأ ما أكَّده فاروق خورشيد في كتابه: "في الرواية العربية"، من أن "العلماء مجمعون على أن العرب في الجاهلية كانت لهم قصص كثيرة ومتعددة؛ فقد كانوا مشغوفين بالتاريخ والحكايات التي تدور حول أجدادهم وملوكهم وفرسانهم وشعرائهم، وكتاب "الأغاني"؛ لأبي الفرج الأصفهاني يكاد يكون ذخيرةً كاملةً من القصص الذي تتناقَله الناس عن شعرائهم ومجالسهم وملوكهم...، وليس كتاب "الأغاني" هو المرجع الوحيد في هذا، بل إن المكتبة العربية غنية بأمثال "الأمالي"، و"صُبح الأعشى"، و"العقد الفريد"، و"الشعر والشعراء"، وكتب التراجِم والطبقات، بما لا يدع مجالاً للشك في أن الفن القصصي قد تناول الحياة الجاهلية في كل مظاهرها، إلا أن الدارسين المحدثين رفضوا بكل بساطة أن يَعتبروا هذه القصص فنًّا نثريًّا مميزًا، له أصوله الجاهلية، واعتمدوا في هذا على أن كل هذه الكتب إنما دُوِّنت في العصر العباسي الذي يبعد بعدًا زمنيًّا كبيرًا عن العصر الجاهلي"، ويمضي فاروق خورشيد مبينًا أن الذين قاموا بتدوين أخبار الجاهليين في العصر العباسي، قد اعتمدوا - إلى جانب الرواية والحفظ - على ما خلَّفته الجاهلية من كتابات ومُدوَّنات؛ إذ كان التدوين والكتاب معروفين عند الجاهليين، "فقد يكون من المعقول" كما يقول "أن ينقل الراوي قصيدة شعر، أما أحداث تاريخ وحكاية حياة، فهذه تحتاج إلى تدوين في نقلها"، بل إنه ليرى أن "الفن الجاهلي الأول، كان هو القصة والرواية، أما ما عدا هذا من صور كالخطابة والسجع، فلا تعدو أن تكون استجابةً لحاجة مؤقتة من حاجات الحياة، ودرْسها أقرب إلى درس اللغة منه إلى درْس الأدب"، ومن كلام خورشيد هذا نخرج بأن عرب الجاهلية لم يكونوا يعتمدون في حِفظ قَصصهم على الذاكرة فقط، بل على الكتابة في المقام الأول.
فإذا جئنا إلى الدكتور شوقي ضيف وما قاله في كتاب "العصر الجاهلي" في هذا الصدد، ألفيناه يؤكد أن عرب الجاهلية "كانوا يشغفون بالقصص شغفًا شديدًا، وساعدهم على هذا أوقات فراغهم الواسعة في الصحراء، فكانوا حين يُرخي الليل سدوله يجتمعون للسمر، وما يبدأ أحدهم في مضرب من مضارب خيامهم بقوله: "كان وكان"، حتى يُرهف الجميع أسماعهم إليه، وقد يشترك بعضهم معه في الحديث، وشباب الحي وشيوخه ونساؤه وفَتياته المُخدَّرات وراء الأَخْبِيَة، كل هؤلاء يتابعون الحديث في شوق ولهفة"، بيد أنه يستمر، فيقول: إنهم لم يكونوا يدوِّنون قَصصهم، بل يتناقلونه شفاهًا، إلى أن تَمَّ تدوينه في العصر العباسي، ومن ثَمَّ لم يصلنا كما كان الجاهليون يروونه، رغم احتفاظه بكثير من سماته وما يطبعه من حيوية.
وثمة خبر أورده المسعودي في "مروج الذهب" عن معاوية، يدل على أنه كان هناك منذ خلافته على الأقل تدوين كتابي لِما كان الجاهليون يروونه من قَصص وحكايات وأسمار، وأن هذا التدوين من ثم لم ينتظر حتى مجيء العصر العباسي كما يقول د. شوقي ضيف، وهذا هو النص المذكور، وقد ورد في سياق كلام المسعودي عن المنهج الذي كان معاوية يتَّبعه في إنفاق ساعات يومه نهارًا وليلاً، وهو خاص بسماع العاهل الأموي أخبار العرب وأيامها في الجاهلية: "ويستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها، والعجم وملوكها وسياستها لرعيَّتها، وسير ملوك الأُمم وحروبها ومكايدها، وسياستها لرعيتها، وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة، ثم تأتيه الطُّرَف الغريبة من عند نسائه من الحلوى وغيرها من المآكل اللطيفة، ثم يدخل فينام ثلث الليل، ثم يقوم، فيقعد، فيحضر الدفاتر فيها سِيَر الملوك وأخبارها والحروب والمكايد، فيقرأ ذلك عليه غلمان له مرتبون، وقد وُكِّلوا بحفظها وقراءتها، فتمر بسمْعه كلَّ ليلة جُمَلٌ من الأخبار والسِّير، والآثار وأنواع السياسات، ثم يخرج فيصلي الصبح، ثم يعود فيفعل ما وصفنا في كل يوم".
ولدينا أيضًا كتاب "أخبار عبيد بن شرية الجرهمي في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها"، الذي سجل فيه مؤلفه ما كان يقع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان من حوارات تاريخية، وكان معاوية قد استقدمه؛ ليستمع منه إلى أخبار ملوك اليمن، ويذكر ابن النديم أن عبيدًا وفد على معاوية، فسأله العاهل الأموي عن الأخبار المتقدمة، وملوك العرب والعجم، وسبب تبلبُل الألسنة، وأمر افتراق الناس في البلاد، وكان قد استحضره من صنعاء اليمن، فأجابه إلى ما سأل، فأمر معاوية أن يدوِّن ذلك وينسب إلى عبيد، وهو الكتاب الذي يؤكد المسعودي أن صاحبه هو الوحيد الذي صحَّ وفوده على معاوية من رُواة أخبار الجاهلية.
واللافت للنظر أن الأغلبية من كتاب القصة ونُقَّادها في بدايات العصر الحديث بأرض الكنانة مثلاً، لم ينظروا إلى القصة على أنها شيء جديد، بل على أنها امتداد للقصص العربي القديم، إن لم تكن هي هو، وهذا واضح مما كتَبه رفاعة الطهطاوي في مقدمة ترجمته لرواية فنلون التي عنونها بـ"مواقع الأفلاك في وقائع تليماك"، إذ قال: إنها موضوعة على هيئة مقامات الحريري في صورة مقالات، كما يقارن عبدالله النديم، في مقال له بمجلة "الأستاذ" بتاريخ 10 يناير 1893م، الأسلوب الذي كُتِبت به رواية سعيد البستاني: "ذات الخدر" بأسلوب السِّير الشعبية، ويدافع عنها على هذا الأساس، كذلك كان حافظ إبراهيم - حين ترجم رواية هوجو: "البؤساء" - ينظر إلى عمله على أنه امتداد لما كان العرب يعملونه في العصر العباسي، من نقْل القصص الأجنبي القديم إلى لسانهم، وهذا الكلام متاح لمن يطلبه في مقدمة الترجمة المذكورة، وهو نفسه ما قاله تقريبًا جرجي زيدان في الجزء الرابع من كتابه: "تاريخ آداب اللغة العربية"، وإن أضاف أن القصص العصري ينحو نحو الواقعية التي تلائم روح العصر."
ولان الموضوع طويل ومتشعب ومهم جدا للمتابعين والاعزة القراء ممن يهتم بالشأن الادبي بانواعه، لذا ساقطع العمل الى اجزاء اتمنى ان احظى بامكانية الاشتمال من خلالها على القص العربي بكافة انواعه...
*
...
( القص في الادب العربي)..
تعريفه، نشأته، تطوره، انواعه.. ج 2
.........
ومثلما كان الاغريق والرومان هم من اوائل من عرف القص والروي وابدع فيه وكانوايستمدون مادة قصصهم من الأساطير والخرافات من وقائع بيئتهم، دأب القصَّاصون العرب قبل الاسلام الى استلهام الخيال وتحويله الى قصص وروايات كان اساسها التي تستند عليه هو الخرافات والحكايات ومن الأخبار والأحاديث الخرافية اوالوقائع التاريخية المأثورة ولربما المعروفة عن العرب اضافة الى من جاورهم ممن وصلهم خبرهم من البلدان والشعوب الاخرى،
ومثلما برع العرب في الشعر كانت تلك القصص وبشكل الملحمة الاكثر شيوعا انذاك هي صاحبة الكفة الاكبر في القياس، وهناك مما نذكر ماجاءنا في الخبر عن الروايات والحكايات منذ زمن معرفة الحرف العربي، حتى ظهور الاسلام، وهذه الفترة هي الاهم في موضوعنا الان، لان القص بعد الاسلام وبسبب ظهور النص القرآني ازدهر وتطور وانتقل الى مرحلة التوثيق وهذا بفضل دعوة الاسلام الى العلم والتعلم وبالاخص محو الامية التي كانت ليست بالقليلة آنذاك، بحكم البيئة والطبيعة الصحراوية وعدم وجود مسببات التواصل الحضري التي تتيح لمن يريد العلم والتعلم ان يحصل على مبغاه وهذا لايعني عدم وجود متعلمين وكتَّاب في تلك الحقبة لكنها ليست كما اصبحت عليه بعد الاسلام الى وقتنا الحاضر، وهذا المرور السريع يحدو بنا ان نذكر بعضا مما اشتهرت به العرب من الروايات او ماشابهها في التصنيف:
ملحمة عنترة بن شداد (في حوالي 4.000 صفحة).
الملحمة الهلالية (سيرة بني هلال)، وهي في نصين: نص نثري من حوالي ألفي صفحة، وآخر شعري جمعه وسجله الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، ويقع في ربع مليون رباعية شعرية. قصص طسم وجديس (قبيلتان عربيتان سكنتا اليمامة كانت بينهما حروب ومعارك)،
قصص الزباء (كانت ملكة تدمر وقادت مع زوجها تمرداً على الإمبراطورية الرومانية)، وكذلك قصص الأقوام الغابرة. ملحمة سيف بن ذي يزن، في القرن الرابع عشر، وهي تعكس سيطرة التفكير الخرافي على الواقعي. روى أهل الأخبار قصصاً عن الأسفار، وعن الأهوال التي يتعرض لها المسافرون في ذلك العهد من الجن والسعالي (كلمة أطلقها العرب على حيوان كانوا يزعمون وجوده، وقيل إنه أنثى الغول وهي تسحر الجن) والغيلان. وضمنّوها أبياتاً من الشعر، وربما قصائد في وصف تلك المخلوقات المرعبة. وأحياناً يوردون شعراً على لسانها بلغة عربية بيّنة، خلال محاورة الأشخاص الذين تعرضوا لها، وقد تظهر رقة وأدباً فيه رغم ما عُرف عن هذه القوى من الميل إلى الأذى والشر.
النوادر والطرائف
النوادر والطرائف من القصص المعروفة عند أهل الجاهلية، وقد اتخذ الملوك لهم ندماء أغرقوهم في قول النوادر والأمور الغريبة المضحكة، حتى اشتهر أمرهم بين الناس. فبالغ الندماء في نسبة النوادر إلى الملوك، وحوّلوا بعضهم إلى شخصيات أسطورية، ومنهم من سجلت كتب الأدب والأخبار أسماءهم، مثل سعد القرقرة، والنعمان بن عمرو بن رفاعة بن الحرث من بني النجار من يثرب.
في كتابه "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، قال الدكتور جواد علي:
" إن الشبان كانوا يقدمون على سماع هذا النوع من القصص، أما من تقدمت بهم السن، فالجنس يكون قد ابتعد عنهم وتركهم في الغالب، وقد يقدمون على سماعه وهم في أرذل العمر من باب التذكر بأيام الزمان واستدعاء ذكريات الشباب، لتطرية العمر، والترويح عن كربة التقدم في السن."
زمن اشهرالقصاصين في الجاهلية هو أديب القوم. ذكر أنه كان من أصحاب المواهب والفطنة، وممن رزق موهبة التأثير على القلوب بفضل قدرته على الكلام، وتخريج القصص وتنسيقها، وإظهار الأدوار البارزة للأبطال، وعرضها بأسلوب مشّوق ، تنسي السامع كل شيء إلا تتبع الحكاية.
ولا بد أن يُضيف القاص الى قصصه بإدخال شيء من الشعر فيها، لا سيما شعر الفرسان والحروب والمغامرات.
ومن أشهر القُصاص في العصر الجاهلي عدي بن زيد
يقول بطرس البستاني في كتابه "أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام":
" إن عدي بن زيد كان شاعراً صاغ كثيراً من القصص في أشعاره، لا سيما شعره الذي قاله وهو سجين. فكان ينظمها مسلياً نفسه متأسياً بما أصاب الشعوب، الخالية من تغيرالأيام والليالي، أو ينظمها ليعظ بها النعمان أبا قابوس، عارضاً عليه صور الملوك الذين أذلهم الدهر بعد عزهم، فذهبوا ضحية الغفلة والغرور أو الخيانة والغدر."
ومن القصاصين الذين اشتهروا آنذاك النابغة الذبياني الذي اصطنع القصص في أشعاره ليعظ بها قومه، أو ممدوحه النعمان أبا قابوس ملك الحيرة (قرب الذبياني من النعمان دفع الشعراء الآخرين لإفساد العلاقة بينهما). فعندما أراد أن يدعو النعمان إلى نبذ أقوال الوشاة، وأن يكون صادق النظر في الحكم عليه، قص عليه قصة زرقاء اليمامة (الشخصية العربية التي كانت ترى الشخص على مسيرة ثلاثة أيام، يضرب بها المثل في بعد النظر ورجاحة العقل). كذلك أسطورة الحياة والأخوين، فكان هدفه أن يقول لقومه إن الثقة المتبادلة انقطعت بينه وبينهم، كما انقطعت بين الحي وشقيق القتيل، بعدما أخذ الدية منها، وأقسم لها على الوفاء ثم خانها وغدر بها.
ونحن اوجزنا هنا ولم نستعرض اسماء كثيرة لم نذكرها عاشت في تلك الفترة..
آملين ان نركز على فن القص بعد الاسلام والعصر الحديث لانه الاهم كما ارى من وجهة نظري، وصولا إلي العصر الأموي، حيث نرى القصة والروايات و أخبار الأحباء والشعراء العاشقين بدأت تدون على ايدي العارفين بها وحفظتها مثل عنترة و عبلة، وقيس وليلى، وجميل و بثينة، وكثير و عزّة و غيرهما. حتى المتأخر من القصص قبل الاسلام بدا توثيقها هنا في هذا العصر صعودا،
و في العصر العباسي شهدت القصة تطوراً لابأس به، و من أشهرها «كليلة و دمنة» لعبدالله بن المقفّع ، و «ألف ليلة و ليلة» وهي سلسلة حكايات خيالية لها شهرتها المعروفة باحداثها ولم يعرف لها مؤلف وهي امتداد لوقائع في بلاد فارس والهند منذ زمن الساسانيين الى زمن هرون الرشيد، مما يثبت ان القصص قد تم جمعها والزيادة عليها الى ما وصلت الينا،ويعتبر الاسلوب القصصي الذي اعتمدته الف ليلة وليلة متقدما ومتطورا نوعما. و«البخلاء» للجاحظ، ، ثم رسالة «التوابع و الزوابع» لابن شهيد الأندلسي ، ثم «رسالة الغفران» لأبي العلاء المعري، و هي قصة خيالية موضوعها سفر خيالي إلي الجنة و النار، لقي فيه أبوالعلاء شعراء الجنة و الجحيم، وانتقد من خلاله الشعر في العصر الجاهلي و الاسلامي. و قد تميزت هذه الرسالة بخيال خصب كما قال طه حسين، حيث جعلها في عداد الآثار النادرة.
المقامات:
مقامات الحريري:
هي مقامات أدبية ألفها محمد الحريري البصري ) وهي من أشهر المقامات التي تنتمي إلى فن من فنون الكتابة العربية الذي ابتكره بديع الزمان الهمذاني، وهو نوع من القصص القصيرة تحفل بالحركة التمثيلية، ويدور الحوار فيها بين شخصين، ويلتزم مؤلفها بالصنعة الأدبية التي تعتمد على السجع والبديع.
مقامات الحريري، نظمها محمد الحريري وقام برسم حكايتها يحيى بن محمود الواسطي وتدور حول اِبتزاز المال عن طريق الحيلة من خلال مغامرات بطلها أبي زيدِ السروجي التي يرويها الحارث بن همام . لغتها مسبوكة متينة، لا تخلو من بعض التصنع وقد اِستعملت مدةً طويلةً في المدارس. الحريري يعتبر من أوائل أُدباء عصر الأدب العربي. ثاني كتب المقامات شهرة وأجلها أثراً، لم يلق واحد منها ما لقيه من عناية العلماء به، وتنافسِ الأمراء باقتناء نسخه. قال حاجي خليفة: "
" كتاب لا يحتاج إلى تعريف لشهرته" ،
وقد قال الزمخشري في مدحه وهو من معاصري الحريري : "
أقسم بالله وآياته ومشعر الحج وميقاته أن الحريري حريٌّ بأن نَكتُبَ بالتبر مقاماته وهو الكتاب الرابع من كتب المقامات حسب التسلسل التاريخي"، وترتيبها هي :
1- مقامات بديع الزمان
2- مقامات ابن نباتة
3- مقامات ابن ناقيا
4- مقامات الحريري
5- مقامات عيسى بن هشام (تأليف محمد إبراهيم المويلحي(
ويضم خمسين مقامة، على غرار مقامات بديع الزمان، جعل الحريري بطلها الحارث بن همام البصري، وهو اسم بلا مسمى، وراويها أبو زيد السروجي وقد أختلف هل هو شخصية حقيقية أم لا ، ورد البصرة وكان شيخاً بليغاً وسحر الناس بفصاحته في مسجد بني حرام وهو يسألهم أن يعينوه في فك ولده من أسر الروم. قال الحريري: "فاجتمع عندي فضلاء وأخبروني بما سمعوه وتعجبوا منه، فأنشأت المقامة الحرامية، ثم بنيت عليها سائر المقامات" قال ابن الجوزي: وعرض المقامة الحرامية على الوزير أنوشروان فاستحسنها وأمر أن يضيف إليها ما شاكلها فأتمها خمسين مقامة. وعثر ابن خلكان سنة 676 هـ على نسخة منها بخط الحريري، وقرأ فيها أنه ألفها للوزير جلال الدين بن صدقة، وذلك مخالف لما أثبته في ترجمته للحريري من أنه ألفها للوزير أنوشروان بن خالد القاشاني: وزير المسترشد العباسي. ولها شروح كثيرة جداً، عدَّ منها حاجي خليفة أربعين شرحاً ونص على أن أجودها شروح أبي العباس الشريشي (المتوفى سنة 619 هـ) ، وأضخمها شرح ابن الساعي البغدادي (المتوفى سنة 674 هـ) وهو في خمسة وعشرين مجلداً، وأقدمها: شرح أبي سعيد الحلي تلميذ الحريري، وقد قرأ شرحه عليه.
كتاب الاغاني لابي الفرج الأصفهاني، " واحد وعشرون جزءا، جمعه في خمسين سنة، وله مؤلفات اخرى اثْرت واغنت الادب القصصي العربي اضافة الى كتب توثيقية معتمدة لما لهذا الكاتب من اهمية بالغة في وقت انجز فيه مايعتبر منعطفا في عالم القص والتاريخ اضافة الى مواضيع اخرى شغلت اهتمامه منها:
" مقاتل الطالبيين " و" نسب بني عبد شمس " و" القيان " و" الإماء الشواعر " و" أيام العرب " ذكر فيه 1700 يوم، و" التعديل والإنصاف " في مآثر العرب ومثالبها، و" جمهرة النسب " و" الديارات " و" مجرد الاغاني " و" الحانات " و" الخمارون والخمارات " و" آداب الغرباء "
وكتاب المقامات لبديع الزمان الهمذاني، وهو أقرب الأنواع القصصية في الأدب العربي إلي القصة الفنية الجديدة، و اعتبرها بعض المستشرقين أول مظهر للقصة العربية، و هي قصة قصيرة تدور حول مغامرات بطل موهوم يرويها راوٍ معين، غايتها تعلمية؛
*
( القص في الادب العربي)..
تعريفه، نشأته، تطوره، انواعه.. ج 3
........
يقسم القص في الادب بصورة عامة كما يلي:
الرواية:
وهي من ابلغ الفنون القصصية واصعبها وهي اطول الروي شكلا ومضمونا، وتتضمن احداثا وشخوصا رئيسة او ثانوية، وقد تكون وقائع او من نسج الخيال، وقد عرفها الغرب قبل العرب، والرواية لها تصنيف طبقا للمدارس الفنية التي تأخذ الرواية شكل وهيكلية الاحداث ورويها على اساسها، وقد ابدع كثيرون من ادباء الغرب في هذا الفن، وهم كثيرون لسنا بصددهم الان، اما نشأة الرواية العربية فقد خضعت الى تأثيرات وعوامل كثيرة ومتعددة لكن الاهم هو البعثات العربية الى الغرب، ودخول الاستعمار الغربي بانواعه الى الدول العربية، ولا بد ان نذكر ان للحملة الفرنسية تاثيرها الكبير في تعريف العالم العربي بالرواية بشكل مؤثر اضافة الى ما اثرت فيه من باقي الفنون والاصناف الثقافية كالترجمة والتاليف والابحاث والطباعة في مصر منتقلا الى العالم العربي فيما بعد،
يقول الاستاذ رشيد القرقوري في موضوع نشأة الرواية في العالم العربي:
"إن الرواية العربية كشكل أدبي متطور لم تظهر في عالمنا العربي إلا مع بداية الاجتياح الاستعماري لأقطارنا المشرقية ، وبالتحديد أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .إذ بدأت تبرز – ولو بخجل شديد – المحاولات الروائية الأولى عند بعض كتاب العرب المسيحيين ، وعند أولئك العائدين من البعثات والرحلات العلمية والرحلات إلى أوربا وخاصة فرنسا .إن نشأة الرواية كان بفعل الاحتكاك بالأدب الغربي وثقافته ، ومن بين هؤلاء الكتاب نذكرعلى سبيل المثال :
فرح أنطون – نقولا حداد – جورجي زيدان – حسين هيكل وخاصة في روايته "زينب" التي تعد البداية الحقيقية
للرواية العربية المبتكرة ، إذ بعد نشرها سنة 1914 شاعت الرواية في أقطارنا العربية – مقتبسة او مترجمة -
واتخذت مسارات متعددة غنية ومتطورة بفعل تطور المجتمع العربي . وانتشرت خاصة الروايات ذات الطابع العاطفي والرومانسي كـ "سارة للعقاد" و "دعاء الكروان" لطه حسين وعودة الروح لتوفيق الحكيم …إلخ
وتوج هذا التراكم الروائي بظهورالعديد من روايات نجيب محفوظ الذي يعتبرالأب الروحي للرواية العربية دون منازع"..
وفي الجانب الغربي من الوطن كانت بلاد المغرب العربي غير بعيدة من التعرف على هذا الفن لاسباب عديدة منها قرب الدول الى بعضها، الاستعمار الغربي متمثلا بالفرنسي والاسباني والايطالي،،
القصة في الأدب العربي القديم :
القصة في الأدب العربي الحديث :
يعد فن القصة فناً حديثاً نسبيا،ً نشأ مع نشوء المجتمع الصناعي في أوربا , واتخذ في الماضي شكلاً من قصص المغامرات والفروسية. والقصة الحديثة تختلف عن أساليب السرد القصصي القديمة , وقد تطورت وأخذت عناصرها في الأدب الغربي , وانتقلت إلى الأدب العربي, وساعدت الصحافة على نشأة القصة وتطورها عند العرب .
- وقد مرت القصة العربية بطورين :
أ‌- طور البدايات أو التأسيس
ب- طور القصة الفنية.
أ‌- طور البدايات أو التأسيس: وفيه مراحل متعاقبة ومتداخلة من ترجمة واقتباس وتأليف – وتنوعت الأغراض بين التعليم والإصلاح الاجتماعي والتسلية والترفيه.
أولاً : مرحلة الترجمة:
ترجمت القصة عن الفرنسية والإنكليزية على أيدي الأدباء الشاميين المهاجرين إلى مصر واتصفت بصفتين:
1- اختيار الترجمة من التيار الرومانسي الذي يلائم واقع المجتمع وأحاسيسه في الرغبة بالتغيير .
2- التدني الفني في الترجمة والتصرف بشخصيات القصة وأحداثها لأنها لكتاب مغمورين .
كانت لغة الترجمة ركيكة , ةتعتمد السجع – ولكنها أسهمت في خلق جمهور قارئ ونشّطت خياله وفكره.
تحسنت الترجمة مع المنفلوطي حيث بدأ الاهتمام بالفصحى , ولكنه كان يتصرف بالترجمة بالحذف والاختصار , وينطق الشخصيات الغربية بآيات قرآنية وأحاديث نبوية – ولاقت ترجماته قبولاً من القراء وحركت عواطفهم .
ترجم الزيات ( آلام فرتر ) بأسلوب أرقى وبشكل مطابق للأصل , وهذا دفع الترجمة للأمام .
وكان للترجمة دور أساسي في التمهيد لكتابة القصة الفنية .
ثانياً : قصص التعليم والإصلاح الاجتماعي :
قلّد الأدباء القصص المترجمة , أو اقتبسوا منها قصصاً تعالج المآسي الاجتماعية والعاطفية , ليعبروا عن إحساسهم بالواقع ووعيهم له. ومنهم:
1- فرنسيس مرّاش من سورية : كتب قصة ( غابة الحق ) وهي قصة فلسفية تعالج الفساد بأسلوب رمزي .
2- شكري العسلي من سورية : كتب قصة فجائع البائسين على منوال رواية البؤساء لفيكتور هيغو .
3- سليم البستاني من لبنان : كتب قصصاً تعالج وضع الفتاة في مجتمع مقيد بعادات فاسدة بالية.
4- المويلحي من مصر : كتب ( حديث عيسى بن هشام ) يعالج فيها فساد العادات وتأثير الحضارة الأوربية بأسلوب المقامة .
5- حافظ إبراهيم من مصر : كتب ( ليالي سطيح ) يعالج قضايا اجتماعية مصرية أيام الاحتلال الإنكليزي بأسلوب المقامة أيضاً.
ثالثاً : قصص التسلية والترفيه:
وغايتها إمتاع القارئ ومداعبة أحلامه , وموضوعها الأساسي الحب بمعناه المتخلف , وكذلك قصص المغامرات المثيرة – وفي هذه القصص هبوط في البناء الفني بتأثير الغرض التعليمي والترفيهي – وفيها كثير من التصنّع واللغة الركيكة إضافة لتحكم الكاتب بالشخصيات .
رابعاً: القصة التاريخية :
- استمدها الكاتب من التاريخ – ورائدها ( جرجي زيدان ) الذي كتب 21 رواية تناولت التاريخ العربي الإسلامي وحظيت برواج كبير . وفي كل رواية عقدة غرامية , ومفاجآت كثيرة بالإضافة إلى التشويق والإثارة .
- وأثرت رواياته تأثيراً كبيراً في الأجيال ومنها ( غادة كربلاء – والحجاج – وزنوبيا ) رغم مبالغاتها الكبيرة .
- وعالج كتاب آخرون الرواية التاريخية ومنهم ( معروف الأرناؤوط ) في رواية ( سيد قريش ) و( عمر بن الخطاب ) . وكذلك علي الجارم ومحمد سعيد العريان .
ب- طور القصة الفنية.
- بدايات القصة الفنية ( رواية زينب ) محمد حسين هيكل أول رواية فنية في الأدب العربي كتبها في أوربا عام 1911 ونشرها عام 1914 بتوقيع ( فلاح مصري).
قصة الأجنحة المتكسرة : لجبران
ظهرت في الفترة نفسها وطبعها جبران بطابع عاطفته الحادة , وكانت لوناً من البوح الشخصي – ولم ترسم الشخصيات بشكل صحيح – وجمع في أسلوبه الشعري بين الرومانسية والرمزية , وابتعد عن الأسلوب القصصي الجيد.
ثانياً - خطوات على طريق القصة الفنية :
- تبلورت الفنون الأدبية ولاسيما القصة في فترة مابين الحربين بتأثير الثقافة الغربية – وظهرت مدرسة قصصية جديدة كان من روادها عيسى عبيدة ( ثريا ) , ومحمود تيمور ( نداء المجهول ) وبدأت تقترب من الواقعية .
- وفي الثلاثينات ظهرت قصة ( إبراهيم الكاتب ) للمازني , و( سارة ) للعقاد , و ( أوديب ) لطه حسين ,.
واتسمت القصة في هذه المرحلة بالسمات التالية :
1- تكونت فيها لغة فصصية تكيفت مع السرد والوصف والحوار .
2- كانت مادة القصص من تجارب الكتاب ومشكلاتهم الذاتية , وكأنها سيرة ذاتية .
3- بدأ الكتاب يغوصون في نفوس أبطالهم ويحللون مشاعرهم وانفعالاتهم .
4- تم التركيز على الفرد وفصل الأحداث عن الواقع .
5- رغم اقتراب القصص من الواقعية , ظلت النزعة الرومانسية واضحة في الشكل والرؤية .
وظهر ذلك في التوجه للماضي والاهتمام بالطبيعة .
ثالثاً- نضج القصة العربية الحديثة :
بدأ نضج القصة العربية الحديثة في الأربعينات عند مجموعة من الكتاب عالجوا القضايا السياسية والاجتماعية وأزمات الإنسان الروحية من خلال رؤية واضحة وعميقة , ويقف في طليعتهم ( نجيب محفوظ).
دور نجيب محفوظ ومراحل تطوره:
- استطاع نجيب محفوظ أن يختصر تاريخ الكتابة في العالم , ويطور أشكالها ويرسم صورة عميقة للمجتمع المصري , وأن يخلق عالماً فنياً شاملاً ومتنوعاً , ويتمثل كافة المؤثرات في الفكر العربي والشخصية العربية .
- وقد مرّ بالمراحل التالية :
1- بدأ متأثراً بالرومانسية التاريخية وكتب ( عبث الأقدار - ورادوبيس ) أسقط فيها التاريخ الفرعوني على واقع الاحتلال الإنكليزي لمصر .
2- في الأربعينات كتب الرواية الاجتماعية فصور واقع الإنسان ومصيره ومنها ( القاهرة الجديدة - وخان الخليلي - وزقاق المدقّ (
) وهذه الأعمال ذات رؤية واقعية وإيقاع بطيء وفيها اهتمام بتأثير البيئة بالشخصيات واختيار الشخصية النمطية).
3- جرّب بعدها الواقعية النفسية , فكتب ( السراب ) عالج فيها عقدة أوديب وأثرها في الإنسان .
4- فففي الستينات اتجه إلى الواقعية الوجودية الفلسفية , وعالج مشكلات الإنسان , كالغربة والضياع والانتماء واللاانتماء فكتب ( اللص والكلاب - والشحاذ – وميرامار) .
- تميزت هذه المرحلة بالرؤية الفلسفية والسرعة والتكثيف وطغيان الشخصية المركزية.
5- اتجه اتجاهاً ملحمياً فوسّع رؤيته وجعلها شاملة وإنسانية رغم محافظته على الحارة المصرية وكتب ( أولاد حارتنا - وملحمة الحرافيش) .
أسماء أخرى في الرواية والقصة :
استمرت الرومانسية في أعمال ( محمد عبد الحليم عبدالله ) وظهرت الواقعية النقدية عند ( محمود تيمور- وغسان كنفاني - وأميل حبيبي - وعبد الرحمن منيف ) , والواقعية الاشتراكية عند ( الشرقاوي - وحنا مينة).
- وفي القصة القصيرة برز ( محمود تيمور- ثم يوسف إدريس - والعجيلي - وزكريا تامر) .
- وفي الستينات بدأت تظهر النزعة التجريبية في القصة :
ميزات النزعة التجريبية في القصة :
1- الثورة والخروج على مفهوم الحكاية والسرد التقليدي .
2- الخروج على الشكل الهرمي للقصة ( بداية – وسط – نهاية ) وإبداع أشكال جديدة ( أحلام – مونولوج – تداعي (
3- استعادة التاريخ والأسطورة والتراث العربي.
4- الاستفادة من تقنيات السينما والمسرح والموسيقا والشعر .
5- شيوع القصص الخيالية المعبرة عن القلق والقهر واللامعقول .
6- استخدام اللغة الإيحائية القلقة المتوترة الشعرية , وترك اللغة السردية الإخبارية .
هذه الأشكال عكست أزمة المثقفين واغترابهم عن مشكلاتهم وواقعهم وزاد الغموض في بعضها مما نفرالناس منها .
رابعاً : قصة الخيال العلمي :
هي قصة تنطلق من حقيقة ثابتة أو متخيلة لتكشف جانباً مجهولاً في الكون أو تصف حياة البشر في المستقبل .
أهم روادها ( جول فيرن ) الفرنسي و ( ويلز ) الإنكليزي .
والجانب الأكبر من هذه الرواية ينقسم قسمين :
1- يدور حول مغامرات الإنسان في عوالم مجهولة ( غزو الكواكب أو العكس )
2- يدور حول بناء عالم مثالي أو مختلف عن عالمنا .
وقد تكون هذه القصة رداءً للحقيقة العلمية وهدفها الكشف عنها .
وتأثر كتابنا في كتابتها بالغرب .
وكان ( نهاد الشريف ) أول من كتبها في روايته ( قاهر الزمن )
ومن كتابها عندنا ( طالب عمران ) في روايتيه ( خلف حاجز الزمن – وصوت من القاع)
أنواع القصة الحديثة
للقصة الحديثة ثلاثة أنواع :
1- الرواية : هي قصة طويلة , وأكبر الأنواع حجماً , تتناول حقبة مديدة من حياة الناس , شخصياتها عديدة وأحداثها متشابكة , تظهر من خلالها علاقات الشخصيات بالناس والحياة والبيئة , والعوامل المتحكمة في مصير الشخصيات وطباعها كروايات نجيب محفوظ.
2- القصة : وهي اقل من الرواية في حجمها وطول احداثها وشخوصها، وهي لا تتعدى السبعين من الورق حسب التصنيف الطباعي، ويمكنها ان تتناول شخصية او اكثر وتركز في اغلب الاحيان على حدث واحد في زمان ومكان معين وربما خرجت عن هذه الاشتراطات اذا ادت غرض الروي باقل من هذه الصفحات والشخوص، وقد برع العرب فيها منذ منتصف القرن العشرين صعودا، وهي وسط بين الرواية والأقصوصة , لها بدء ونهاية في الزمن كالرواية , ولكنها لاتتسع اتساعها , وليست مساحتها واسعة. وتقوم على محور صغير ومحيط محدود من الشخصيات والأحداث والمشاعر , وتتركز حول حوادث قليلة يؤديها شخص أو شخصان تتداخل علاقاتهما مع أشخاص ثانويين . ويضيء الكاتب جانباً من شخصية البطل يظهر تطورها أو تفاعلها مع الحياة كقصص محمد عبد الحليم عبدالله .
ويتداخل مفهوما القصة والرواية ويصعب التمييز بينهما .
القصة القصيرة جدا أو الأقصوصة: هي صغيرة الحجم , ويمكن أن تقرأ في جلسة واحدة , وتصور حادثة أو موقفاً أو حالة نفسية أو جانباً من الشخصية , ويجمعها غرض واحد . فتمتاز بوحدة التأثير والتكثيف والتركيز في الموضوع والحادثة إلى درجة لايمكن الاستغناء عن لفظة أو تبديلها وكل لفظة موحية , وتقترب من القصيدة , ويمكن أن تكون التعبير الأمثل عن العصر الذي نعيشه بتعقيداته وخفاياه.
الومظة: وهو فن حديث وجديد على الادب العربي، وهو لايتجاوز السطرين في موضوع ما، تكون في الغالب في الاولى فكرة وفي الثانية نقيظها او عكسها، او فكرة اخرى ربما تبتعد عنها في المفهوم او تقترب منها بالمعنى لكنها لا تساويها في المتن، وهذا الموضوع الان يجري تداوله وخصوصا على شبكات التواصل الاجتماعية، وربما لجا اليه الادباء في قادم الزمن، وهو ليس بالبساطة التي يمكن اي قلم تناولها، ولها من وجهة نظري شروط تختلف عن سابقاتها من فنون القص المذكورة.
الفروق بين الرواية والقصة القصيرة :
إذا شبهت الرواية بنهر طويل، تشبه القصة القصيرة بسدّ فجائي يحجز المياه ثم يجعلها تسقط دفعة واحدة لتتابع سيرها
الرواية تتناول قطاعاً طولياً / والقصة القصيرة تتناول قطاعاً عرضياً .
الرواية تتوغل في الزمان / والقصة القصيرة تتوغل في أعماق النفس .
فنّ القصّـــــة
تعريف القصّة
- هي حكاية حدث أو مجموعة حوادث تجري في بيئة معينة , وتقوم بها شخصيات مرسومة بتصميم خاص , وتهدف لإيصال فكرة محددة إلى القارئ.
- والقصة أكثر تعبيراً عن الحياة والإنسان , وأقرب للقارئ , وأكثر إثارة لاهتمامه , وأقدر على تغييره
ولاتصور القصة الحياة أو الواقع كما هو , بل تمثل الواقع بعد أن يتدخل فيه الكاتب بخياله وفنه لإعادة تكوينه بحسب رؤيته الخاصة للعالم .
عناصر القصة :
الموضوع – فكرة القصة – العمل القصصي – البيئة – الشخصيات – الأسلوب
أولاً : الموضوع:
هو المادة الأولية التي يختارها الكاتب من تجاربه أو من الشخصيات والمواقف التي عرفها , أو من التاريخ والوثائق , فينسقها ويرتبها ويضيف إليها من نفسه لتصبح ناطقة بالحياة.
- ويختلف نوع القصة بحسب الموضوع :
1- إذا دارت حول النفس الإنسانية وميولها وسلوكها فالقصة نفسية مثل ( السراب ) لنجيب محفوظ.
2- إذا تناول الموضوع تحليل المجتمع وتركيبه وعاداته وتقاليده فالقصة اجتماعية مثل ( الأرض ) للشرقاوي.
3- إذا كان الموضوع مستمداً من التاريخ وأحداثه وأبطاله فالقصة تاريخية كروايات ( معروف الأرناؤوط (
4- إذا عالج الموضوع قصصاً وطنية أو سياسية فالقصة وطنية مثل ( الجبان البخيل ) لأديب النحوي .
5- إذا عالج موضوعات فكرية تتعلق بالكون والإنسان فالقصة فلسفية مثل ( مذكرات الأرقش ) لميخائيل نعيمة.
6- قد تعالج القصص الموضوعات السابقة جميعها فتكون شاملة مثل ثلاثية نجيب محفوظ.
ثانياً : فكرة القصة :
هي وجهة نظر الكاتب في الحياة أو بعض مشكلاتها , فهي الأساس الذي يقوم عليه بناء القصة , وتستخلص الفكرة بعد قراءة القصة وتمثلها.
مثلاً :
الفكرة في قصة " ذهاب وإياب " تقول : ( لاكرامة لكادح في مجتمع الاستغلال)
ويجب تجنب طرح الفكرة بأسلوب مباشر , لأنّ ذلك يعطل حركتها ويجعلها للوعظ والإرشاد، وتبتعد عن الاطار الفني للقصة.
ثالثاً : العمل القصصي - الحدث والحبكة
أ‌- الحدث القصصي:
هو مجموعة الأعمال التي يقوم بها أبطال القصة ، ولا تسلك نظاماً معيناً والكاتب يقوم بعملية اختيار هذه الحوادث وترتيبها ليقربها من الواقع وللتعبير عن الهدف الذي يرمي إليه.
أشكال عرض حوادث القصة:
النوع الأول ( التقليدي): ترتب فيه الحوادث بشكل متسلسل من البداية حتى النهاية . وكل عمل يتأثر بسابقه ويؤثر بلاحقه مثل قصة ( ذهاب وإياب ) لصبري موسى.
النوع الثاني ( يبدأ من النهاية ( ثم يعود إلى الخلف ليحكي للقارئ تطور الحوادث الذي أدى إلى هذه النهاية مثل قصة ( السراب ) لنجيب محفوظ , تبدأ بمقتل الزوجة وموت الام ثم يعود إلى البدايات ليستوعب ماجرى.
النوع الثالث ( يبدأ من الوسط ) ويرد الحوادث إلى اسبابها التي أدت إليها مثل قصة اللص والكلاب لنجيب محفوظ , تبدأ من خروج البطل من السجن فيتذكر زوجته وصديقه الخائنين وابنته وغيرها فيندفع للانتقام والقتل .
ب‌- الحبكة: هي فن ترتيب الحوادث وسردها وتطورها بحسب منطق الحياة والواقع . ولها نوعان:
1- الحبكة المحكمة : تقوم على حوادث مترابطة متلاحمة تسير في خط واحد متدرج , وتبلغ الذروة ثم تنحدر إلى الحل . وقد تتفرق لكنها تلتقي مرة ثانية , ويعتمد الكاتب على عنصر التشويق وهي حيل لتأجيل الحل . كما نرى في روايات نجيب محفوظ ( السراب – الثلاثية ) وروايات ( حنا مينة)
2- الحبكة المفككة : وهو ذكر أحداث متعددة غير مرتبطة برابط السببية , ولا يجمع بينها سوى أنها تجري في مكان واحد أو زمان واحد . كما نرى في (زقاق المدقّ ) لنجيب محفوظ , حيث يتوحد المكان وتتشتت الحوادث والشخصيات.
رابعاً : البيئة :
هي مجموعة القوى والعوامل الثابتة والطارئة التي تحيط بالفرد وتؤثر فيه. فالحوادث تجري في إطار زماني وآخر مكاني.
الإطار المكاني : هو البيئة الطبيعية والجغرافية التي تؤثر على شخصية الإنسان , والبيئة الاجتماعية كالبيت والشارع ومافيها من عادات تؤثر في سلوك الشخصيات .
ويجب اختيار البيئة بشكل يلائم الأحداث والشخصيات.
وقد تسيطر البيئة على الشخصيات في بعض الروايات كما نرى في شخصية الطروسي عند حنا مينة , التي تتأثر بالبيئة البحرية وتناقضها وثورتها وصراعاتها . وعلى الكاتب معرفة بيئته معرفة جيدة , ليحسن تصويرها وتحريك الشخصيات فيها
- الإطار الزماني :وهو المرحلة التاريخية للحوادث والإطار الزماني لقصة تاريخية يختلف عن الإطار الزماني لقصة تجري في العصر الحاضر , وتتغير طبيعة المجتمع والعلاقات البشرية والشخصيات من مرحلة لأخرى.
خامساً : الشخصيات :
هي مصدر الحوادث في القصة وعصب الحياة ومحور الحركة فيها , وهي التي تقود القصة من البداية إلى النهاية.
ويستمد الكاتب شخصياته من الحياة فيأخذ بعض ملامحها ويعيد صياغتها بما يتفق وأغراضه الفنية والفكرية , وقد يقدّم جانباً من نفسه في شخصياته. وربما كانت الشخوص من نسج الخيال وكأنما حقيقية حسب امكانية القاص.
وفي القصة عدة شخصيات رئيسية وثانوية . والشخصية الرئيسية أو بطل القصة وقد يكون مجموعة وليس فرداً كما في قصة( الطابور) ليوسف إدريس.
وقد يكون المكان بطلاً للقصة كما في رواية ( زقاق المدق) لنجيب محفوظ .
نوعا الشخصية :
1- الشخصية النامية : هي الشخصية المتطورة مع الحدث ويتم تكوينها في نهاية القصة , تتفاعل مع الأحداث وتتبدل وتأخذ شكلاً جديداً , وبفضلها الذوق الحضاري , كما في شخصيات ( زقاق المدق) لنجيب محفوظ.
2- الشخصية الثابتة : لها بعد واحد , تظهر مكتملة ولاتتغير , ويحدث التغيير في علاقاتها مع الشخصيات الأخرى . وتصرفها ذو طابع واحد , كشخصية( رضوان الحسيني) في ) زقاق المدقّ).
طرق رسم الشخصيات :
1- الطريقة التحليلية : يرسم فيها الكاتب شخصياته من الخارج , فيحلل عواطفها وأحاسيسها وأفكارها , ويعقب عليها . كشخصية ( شدوان ) في ( ذهاب وإياب ).
2- الطريقة التمثيلية : وفيها يترك الكاتب الشخصية لتعبر عن نفسها بالحوار والتصرفات والعلاقات مع الشخصيات الأخرى كما فعل أديب النحوي في قصة ( الجبان البخيل).
وقد يستخدم الكاتب الطريقتين معاً كما في ثلاثية نجيب محفوظ .
ويفضل ألاّ تطغى شخصية الكاتب على شخصياته بل يتركها تتصرف بعفوية حسب مكوناتها النفسية والفكرية والخلقية , ولا يجوز أن يجبرها أو يلزمها بأفكاره كما فعل جبران والمنفلوطي .
سادساً : الأسلوب - أو النسيج اللغوي :
وهو الصياغة اللفظية للقصة وتختلف بين كاتب وآخر , ويميل الأسلوب القصصي للبساطة والسهولة والوضوح بشرط ألا يطغى التأنق اللفظي على الاهتمام بالعمل القصصي , وبعض الكتاب يتكلفون لغة متأنقة لاتناسب القصة , مثل طه حسين في قصصه ( الكروان – وشجرة البؤس) .
ويتوزع الأسلوب بين : السرد – والوصف – والحوار .
أولاً : السرد :
وهو نقل الحوادث من صورتها الواقعة إلى صورة لفظية باستخدام الأفعال التي تكون جزئيات الواقعة والإيحاءات التي توحي بها . وللسرد ثلاث طرق :
1- الطريقة المباشرة : يقوم فيها الكاتب بدور المؤرخ لأعمال صدرت عن الآخرين , مثل قصة ( ذهاب وإياب ) لصبري موسى.
2- طريقة السرد الذاتي : يكتب الكاتب القصة بضمير المتكلم , مثل قصة ( ليلة حافلة ) للمازني .
3- طريقة الوثائق : تعرض الحوادث بوساطة الرسائل أوالمذكرات أو الاعترافات مثل قصة ( زهرة العمر ) لتوفيق الحكيم . ويمكن للكاتب الاعتماد على أكثر من طريقة لسرد الحوادث .
ثانياً : الوصف :
وهو وسيلة رسم البيئة والشخصيات وأحوالها النفسية وهيئاتها .
يجب أن تكون لغة الوصف مركزة مقتصدة دون استرسال , ويجب أن يختار اللغة الموحية السهلة الواضحة الخصبة , وأن يكون للوصف وظيفة في القصة .
ثالثاً : الحوار:
هو وسيلة اتصال الشخصيات ببعضها
وله عدة وظائف :
1- يكشف أعماق الشخصية وخفاياها ومستواها الفكري ويجعلها حية .
2- يطوّر الحوادث ويتنبأ بها ويدفعها للأمام .
3- يستحضر الحلقات المفقودة للإعلام عن حوادث غير مذكورة .
4- يساعد على حيوية المواقف , ويكون استجابة لضرورة المناقشة والجدل وتقليب الأفكار .
ومن صفات الحوار الجيد :
1- أن يلتحم بكيان القصة ولايبدو دخيلاً عليها .
2- أن يكون مناسباً للموقف ومستوى الشخصية النفسي والاجتماعي والفكري .
3- أنم يكون سلساً رقيقاً , موجزاً معبراً .
4- القرب من واقع الحياة دون الانحدار إلى الهذر والثرثرة والعامية .
تعريف الحكاية (القصّة):
الحكاية مجموعة من الأحداث عن شخصية أو أكثر، يرويها راوٍ وفق ترتيب زمني وترابط سببي بصورة مشوقة، مُستعملاً السرد والحوار أو السرد وحده. وهي تتطور نحو ذروة وتعقيد فَحل.
عناصر القصّة:
القصّة تتكوّن من عناصر مهمّة وهذه العناصر هي:
الشخصيّات ، الحوادث ، السرد ، البناء ، الزمان ، المكان ، الفكرة
من أهم عناصر الحبكة (البناء)، فهم الأبطال وهم مصدر الأعمال.
وهنالك نوعان من الأشخاص:
-1 النوع الجاهز الذي يبقى على حاله من أول القصّة إلى خاتمتها ولا يحدث فيه تغيير كياني، وهذا النوع من الشخصيات يسمّى بالشخصية الْمُسَطَّحَة. فهي شخصية لا تتطور ولا تتغير نتيجة الأحداث، وإنما تبقى ذات سلوك أو فكر واحد أو ذات مشاعر وتصرّفات واحدة.
2- النوع النامي الذي يَتَكَشَّف شيئا فشيئا ويتطور مع المواقف تطورًا تدريجيًّا بحيث لا يتم تكوينه إلا بتمام القصّة، وهذا النوع من الشخصيات يسمّى بالشخصية الْمُدَوَّرَة. فهي شخصية تنمو وتتطور وتتغير إيجابًا وسلبًا حسب الأحداث، ولا يتوقف هذا التطور إلا في نهاية القصّة.
ومن وجهة أخرى تنقسم الشخصيات من حيث ارتباطها بالأحداث إلى:
1- شخصية مركزية
2- شخصيات ثانوية.
3- شخصيات جانبية.
الشخصية المركزية: وهي التي تقوم بالدور الرئيسي في الأحداث، بحيث تدور حولها أغلب أحداث القصّة، وتظهر أكثر من الشخصيات الأخرى، ويكون حديث الأشخاص الأخرى حولها، فلا تطغى أي شخصيّة عليها.
الشخصيات الثانوية:
وهي شخصيات مساعدة للشخصية الرئيسية، بحيث تشترك وتحتك مع الشخصية الرئيسية بأغلب أحداث القصّة، حتى تقوّي الصورة العامة للعمل الأدبي. وتضيء جوانب خفية للشخصيّة الرئيسية أو تكون أمينة سرّها فتبيح لها بالأسرار التي يطلع عليها القارئ.
الشخصيات الجانبية:
اشتراكها مع الشخصية الرئيسية قليل جدًا، ويكون اندماجها أكثر مع الشخصيات الثانوية، وهي لا تؤثر كثيرًا على أحداث القصّة فهي كإسمها جانبية غير مؤثرة.
السرد والحوار (السرد في القصّة) : هو قصّ الأحداث بلسان الراوي ومن وجهة نظره.
الراوي:
هو الناقل للمادة التي يقدّمها المؤلف، بكلمات أخرى هو الذي يُوَظِّفُهُ الكاتب لسرد أحداث القصّة وقد يُصَرِّح باسمه أو لا يصرّح.
وهنالك ثلاثة طرق للسرد:
طريقة يكون فيها الكاتب كاتب راوٍ: وهو الذي يكون فيها الكاتب مؤرخا يسرد من الخارج، فَيوَظِّف الكاتب راوٍ يقوم برواية القصّة، ويرويها بلغة الغائب. ويسمّى هذا النوع من السرد (الطريقة المباشرة).
طريقة يكون فيها الكاتب كاتب شاهد: وهو الذي يكون ضِمْن الأحداث وعليم بها، متلبّسًا بشخص أحد الأبطال ، فهو شاهد على وقوع الحدث، فنجده يتكلم بضمير المتكلم. ويسمّى هذا النوع من السرد (السرد الذاتي)
طريقة يكون فيها الكاتب كاتب مُتَدَخّل: هو الذي يبدي رأيه حول أي موضوع بصورة بارزة، وأحيانا يكون ذلك في تحليل الشخصيات وسلوكها. ويحسن بالعمل الأدبي ألا يتدخل المؤلف بل يجعل الشخصيات هي التي تعبر عن نفسها تلقائيًّا.
الحوار:
هو نقل الحديث وعرض الأحداث بلسان الشخصيّات من خلال مخاطبة أحدهم الآخر.
الحوادث
هي مجموعة الأفعال والوقائع مرتبة ترتيبًا سببيًّا، وسائرة نحو هدف معيّن، وهي المحور الأساسي الذي ترتبط بعه عناصر القصّة ارتباطً وثيقًا.
الفكرة (المغزى – البث(
قبل أن يبدأ الكاتب بالكتابة تُسَاوِرُهُ فكرة يحاول عرضها وإيصالها للمتلقي. وقد يسلك لذلك طريق الشعر أو النثر وتجد أخيرًا لفكرته أحداثا وأشخاصًا يجعل بينهم صراعا فتظهر الفكرة من خلال تفاعل عناصر العمل الأدبي.
فالفكرة هي الكاتب نفسه في ما يهدف إليه من وراء قصّته، والفكرة يجب أن تسير من خلال الأحداث بصورة خفيّة ويستخلصها القارئ ولا يصرّح بها الكاتب تصريحًا. ونسمي الدرس الذي يفهمه المتلقي بعد قراءة العمل الأدبي ( مغزى)
الزمان والمكان
لا بدّ لكل عمل أن يتم في زمان ومكان:
فالزمن يجب أن يكون متسلسلا يبدأ من نقطة معينة ثم يسير إلى الأمام حتى تنتهي القصّة، والأحداث تكون مرتّبة بحسب الزمان حَدَثًا بعد آخر دونما ارتداد في الزمان. والزمان يساعد على تطور الأحداث وهو يقوم بتوضيح السّببية التي تحرك الأحداث وتدفع بها إلى الأمام، ويمكن تحديد الزمان كأن يذكر المؤلف أن الزمان هو صباح يوم كذا .....
والمكان هو الوسط الطبيعي الذي تجري ضمنه الأحداث وتتحرك فيه الأشخاص، وتنبع أهمية البيئة من دوره في تكوين الأحداث وإظهار مشاعر الأشخاص والمساعدة على فهمها. فالمكان الجميل يوحي بأن البطل سعيد والمنظر الكئيب يوحي بالحزن، وتغيّر المكان أي انتقال البطل من مكان لآخر يهيّئ القارئ لأحداث جديدة.
لقد التزم الادب العربي باساليب الروي التي ذكرناها وتعامل معها في اجمل صورها وقد برع كتاب قصة ورواية كثيرون اشتهر منهم من كانت له حظوة صحافية او اعلامية في اقتناص فرصة النشر، ولم يتخلف بلد عربي واحد عن هذا، فلكل بلد عربي كتابه ورواته وادباؤه من المهتمين بالقص، ذكرنا قسما منهم على سبيل الايضاح والمثال لكن الحقيقة للعدد تخفي وراءها كما وعددا لايستهان به وقد يكون العدد من الكتاب ضخما لايصدق..
ارجو ان اكون قد وفقت في طرح مانراه مفيدا لنا وللاخرين على سبيل المنفعة المشتركة والتلاقح المتبادل الذي دأبت عليه آفاق نقدية كمنهج أطَّر عملها ومنحها هوية متميزة نتمنى التوفيق من خلالها للجميعبعد الاتكال على الله العلي القدير...
 

هناك تعليقان (2):

  1. متى نشأ فن القصة الحقيقي في النثر القديم

    ردحذف
  2. ماهو مفهوم القصة في العصور القديمة؟

    ردحذف