الأربعاء، 4 أبريل 2018

مع الناقد لاستاذ كريم القاسم وقصيدة الشاعر حسام الخرسان..


الشاعر الرائع حسام الخرسان ... 
تحية تليق بهذا المقام الذي قصدته ، وتحية لهذا النسج الباذخ الثري .
ــ الكثير من الاقلام تكتب القريض ، لكن القليل من يجيد التصوير ويجيد تسلسل الافكار ليصهرها في بوتقة ادبية شعرية واحدة ، ثم يصوغها قلادة كيفما شاء ويزخرفها بما شاء من زخارف ويُطَعّمُها بما شاء من لآليء وجواهر ويواقيت ، حتى تظهر للعيان سبيكة تسر الناظرين ، وحلية تعجب المتطلعين .
ايها القلم الشاب ، رغم اختصاصك العلمي والبعيد عن حرفة الادب ، إلا انك اتيت بسبيكة تليق بمقام الممدوح ... كيف لا وهو علي بن ابي طالب (كرّم الله وجهه وأيده بنصره ) . 
ــ عند التعرض الى هكذا شخوص ورموز لغرض المدح أو الوصف أو ما يناسب ذكراه ، لابد للشاعر ان يضع خططاً وليس خطة تأليفية واحدة ، ويوفر كل الادوات والمستلزمات التي تعينه على تنفيذ هذا المخطط أو هذه الخطة ، ويحدد الهدف الاصلي ضمن احداثيات مرصودة بدقة ، فمثل هكذا تأليف لهكذا رمز ، لابد أن يأتي المؤلف بمقال يناسب المقام ، وإلا سيكون كمن يبذر بذوره في يوم عاصف ، وبعد هذا التهيوء يبدأ الشاعر بالتطبيق ، بحيث ينسج صوراً كثيرة ، وقد تتزاحم في ذهنه وتتصادم لكثرة المعاني والسِمات التي تلتصق بشخص الامام علي ، وهنا تبدأ (مَلَكَة) الشاعر الحصيف والقلم النبيه بترتيب هذه الصور الشعرية بتسلسل ذكي حتى يَطْمَئِن الى ماكتب .
ـ لقد أتيت ايها الشاعر بقصيدة سلسة التناول لذيذة الطعم زكية الرائحة طيبة النكهة ، ومنذ ورودك الى فضاء المطلع ، فقد ظهرتْ نباهتك التأليفية ، حيث جئت بالفعل (سرى) وهو فعل لايصاحب إلا فضاء الليل ، حيث جاء قولك :
" سرى بيَ الشوقُ في ذكرى ولادتهِ "
ثم جعلت صورة الشوق تستمر طول الليل ، حتى وصلت الى ذروته لتحيلك الى مسافر عاشق مشتاق نحو روضة الامام فجراً ، ونسجتَ شطراً رائعاً :
" فساقني الحبُّ فجراً نحو روضتهِ "
ــ ثم نظمت بيتين رائعين وهما يحملان صوراً تناسب القصد والمقصد : 
" وطافَ بي مثلَ طيرٍ تائهِ قلقٍ ... رأى بحضرتهِ حُضناً لغربتهِ
رأى الأمانَ بهِ إذ جاءهُ وجلا ... كما أتيتُ حسيراً تحتَ قُبتهِ "
حيث جئت بالفعل (طاف) ليعينك على تشبيه الطير التائه القلق ، وهذا التصوير مدهش جداً بحيث يناسب العجز في البيت الثالث عندما جئت بلفظة (حسيراً) بدلالة الضعف والاجهاد والكلل ، حتى وجدتَ الأمن والأمان تحت القبة الشريف ، فوصفتها بخير وصف ، وهو ( الحضن) .
ــ نعم هكذا هو الابتداء الفاخر ، والذوق الرفيع في اختيار الالفاظ الرشيقة ، وأنا اعتبر هذا المطلع ذو الثلاث ابيات يحمل من الابداع ما يجعلنا نشهد بقوة ونضوج ذائقة الشاعر حسام .
ــ بعد هذا الابتداء الراقي لابد للشاعر ان يلج الى فضاء الاستعراض لتوضيح الفكرة ، مستخدما اسلوب تكرار النفي بـ (ليس ، ما ، لا ) في ستة عشر موضعاً ضمن ثمانية ابيات شعرية ، وهذا التكرار لايخدش جسد النص ولا يضعفه او يشوش على معانيه ، بل جاء التكرار وهو يحمل عنوان القصدية الواضحة لتأكيد نفي التشابه بين العوام والجمهور برمته (قائداً ومُقاداً) وبين سجايا وسمات علي بن ابي طالب والتي شهد بها الاعداء قبل الاصدقاء والمحبين ، حتى اصبح عنوانا شامخا وجرساً يرن على مدى اكثر من الف ونيف من القرون في المحافل الدولية ، ليتطلع العالم الى عقلٍ سبق زمانه ، وأدخل التحضر والمدنية الى البشرية ضمن معادلات علمية وفلسفة اخلاقية قلَّ مثيلها .
والجميل في النسج هو اختيار الشاعر لسمات وصفات بارزة تتمتع بها شخصية الامام علي يندر تجذرها في غيره من البشر ، وهذا من ذكاء الاختيار والفرز .
ــ في المقطع الثاني من النص ، ابتدأ الشاعر بعرض مزية أخرى تخص علياً دون غيره ، حيث صاحبها نوع من الاعجاز ، وهي ولادته التي حملت احداثياً بارزا على كوكب الارض وهو (الكعبة المشرفة) حيث اجاد شاعرنا في وصفه لهذا الحدث التاريخي الخالد ، وهو يرافقه بتصوير جميل ومهيب لمراحل نموه خلال مسيرته على مدى تاريخنا الاسلامي . 
ولقد ادهشني الشاعر حينما رمى وخزاته وهي تحمل الاشارة بلا رمزية مبهمة ، بل استفاد الشاعر وبذكاءه من ان يأتي بمقارنة عنيفة بين قادة البلاد الذين يختبئون تحت عباءة الامام وبين روح الامام العظيمة التي أحاطتها تلك العباءة ، وهذا ما صرخ به مسك الختام :
" فيظلمون خِلافاً في وصيتهِ ... ويهتفون بهِ طعناً بعفتهِ "
يالها من لافتة جسورة باترة .
ـــ القصيدة تحمل عنوان السهل الممتنع ، حيث استطاع الشاعر ان يأتي بالفاظ توازي معانيها ، وينسج عبارات ليست غريبة عن أذن المتلقي ، ليعرض لنا قُماشة زاهية حريرية مُشذَّبة ومُهذَّبة ، وتوفرتْ فيها عناصر الدقة في الاختيار للصور الشعرية ليقولبها بمجازات رائعة أضافت على النص إكليلاً جميلاً جاذباً للذوق السليم .
تقديري الكبير ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق